مُحصَنَةٌ.. رغم نَهْشِ الكلاب

yagamalo800

New Member




المقدمة (1)



لست من هواة العناوين البراقة الأخاذة , خاصة اذا انحرف العنوان عن المضمون انحرافاً يخذل القارئ فى تقديره.

لكننى , وأصدقكم القول , لم أجد بخاطرى أنسب للموضوع الذى أنا بصدده إلا هذا العنوان ..

وقبل أن أدخل فى الموضوع , أستأذنكم فى ارجائه إلى مابعد سماعى لآرائكم الكريمة فى سؤالى حول آية كريمة , وبعدها ساتكلم - باذنه جل فى علاه - فى الموضوع .. وما ذلك إلا اتباعاً واقتدائاً بالحبيب القدوة عليه أفضل الصلاة والسلام . ألا تراه يسأل أصحابه: أتدرون من المفلس؟ , أو يسألهم:أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات , أيبقى ذلك من درنه شيئاً؟ , ومثل هذا كثير فى سنته صلى الله عليه وسلم.. ونعلم يقيناً أنه ماكان صلى الله عليه وسلم يسأل عن جهل - حاشا - ولا طلباً لمعرفة .. وإنما هو مايسميه أهل اللغة أسلوب التشويق والاستحضار ..

فأجبنى - ياصاحبى أكرمك الله - عن سؤالى:

قال الله جل فى علاه:

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (يوسف:2) .. ومعلوم أن (لعل) للتعليل أو الرجاء ..

فما علاقة - والله تبارك وتعالى أعلم بمراده - قوله : ( لعلكم تعقلون ) ؟ .. وبمعنى آخر : هل المراد "أنزلناه لعلكم تعقلون" , أم "عربياً لعلكم تعقلون"؟ .. وبمعنى أوضح : هل تعقلون لنزول القرآن , أم تعقلون لنزوله عربياً؟

أظن أن السؤال أصبح واضحاً ,,

فأفيدونى , بارك الله فيكم وفتح عليكم , وزادكم علماً وفقهاً ..

بانتظار ردودكم الكريمة .. ثم ندخل فى الموضوع بإذنه جل فى علاه إن كان هناك فى العمر بقية.

وأود – بادئ ذى بدء – الاشارة إلى أن الموضوع طويل نوعاً ما بما يلائم خطورته وأهميته , على الأقل من وجهة نظرى , فأعتذر ابتداءً عن الاطالة وجعله فى حلقات .. سائلاً المولى عز وجل السداد والتوفيق

ودى واحترامى
 

المقدمة (2)





الآن نجيب على السؤال .. فكلا المعنيين وارد . أى أن القرآن أنزل لعلكم تعقلون .. كما أنزل عربيا لعلكم تعقلون .. ولكن الراجح عندى الثانية - والله تبارك وتعالى أعلم . يدل على ذلك نص القرآن الكريم فى مواضع أخرى .. قال الله تعالى : وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ , نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ , عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ , بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء:192-195), وقال أيضاً: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (النحل:103), وقال: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (فصلت:3) وقال :إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (الزخرف:3), وآية الزخرف هذه نصت على "جعلناه" أى صيرناه عربياً , لا بلغة أخرى , لعلكم تعقلون ..

ومن اجابتنا على هذا السؤال يظهر لنا أهمية العلم باللغة العربية , فهى السبيل إلى فهم القرآن الكريم , وبغير العلم بالعربية يتعثر فهم القرآن الكريم -ولا أقول يستحيل فهمه - ومن ثم نستطيع القول بأنه كلما بعد المرء عن اعتياد استخدام العربية استخداماً صحيحاً واعتمد ألفاظاً غريبة أو أعجمية , كلما صار أكثر تعثراً عند تعاطى معانى القرآن أو الوصول إلى مراداته ومقاصده .

ولما كان أعداء الاسلام والمسلمين وقافين عند هذه الحقيقة , وأدركوها جيداً , ولما عجزوا عن اصابة القرآن الكريم بتحريف أو تبديل أو ماشابه - وأعظم أمانيهم ازالته من الوجود - وفهموا , تسليماً أو قهراً, معنى قوله جل فى علاه:إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9).. فلم يجدوا بداً من أن يسلكوا السبيل الخبيث فى الفصل بين القرآن وأهله بوسائل شتى .. ولم تقف المصيبة عند هذا الحد , بل كان من أهل القرآن من ساهم فى ذلك مساهمة تثلج صدور الأعداء والمنافقين بشكل يبكى ويضحك , فشر البلية ما يضحك, وما فعل أهل القرآن ذلك إلا على واحدة من اثنتين جهلاً وبغير قصد , أو قصداً وبسوء نية وتدبير ..

وسنرى - بإذنه جل فى علاه - أن العربية , محصنة , رغم العوامل العديدة والمتنوعة التى تعرضت لها , تلك العوامل كالكلاب التى اجتمعت لتنهش من هنا ومن هنا . وكأنى أرانى صادقاً ولا أبالغ أذ أعتقد أنه لو كان هناك لغة ما تعرضت لما تعرضت له اللغة العربية - من أهلها ومن خصومها - لصارت أثراً بعد عين .

كيف ذلك ؟ كيف هى " محصنة"؟ وكيف هى الكلاب؟

فكر معى ياصاحبى .. وللحديث بقية ان شاء الله جل فى علاه

ودى واحترامى​
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ ..(1/1)


عبر طارق بن زياد مضيق جبل طارق فاتحاً الجنوب الغربى لأوروبا . لتتأسس بلاد الأندلس ( والتى صارت فيما بعد أسبانيا ), وفى هذا الوقت الذى يسميه الأوربيون بعصر الظلام (وهو بالفعل كلن عصر ظلامهم هم) كانت قرطبة المدينة الأندلسية الاسلامية تضاء شوارعها ليلاً بأعمدة النور - ناهيك عن البيوت والدور - فى الوقت الذى كانت فيه لندن لا تعرف هذه الاضاءة أصلاً . إلى أن وقعت موقعة بلاط الشهداء فى العام 732 م تقريبا, والتى هى بمثابة النواة التى قصمت ظهر الجمل وإيذاناً بزوال وجود المسلمين (لا الاسلام)من الأندلس والسيطرة الأوربية, عليها لنرى دولة أسبانيا . ولما كان العام 1520م تقريباً (وهذا القرن ما يسمونه عصر النهضة) كانت الكنيسة قد بدأت تترنح هيمنتها التى سبق لها ممارستها لعهود طويلة على مناحى الحياة هناك .. المهم , انطلقت حينها ما يسمى بالحركة الجغرافية الكشفية للعالم المجهول (بالنسبة لهم - فالثابت أن العرب والمسلمين قد سبقوهم إليها , تجارة أو فتوحاً) ليستطلعوا ماحولهم من البلاد التى لم يطرقوها , والراجح أن أول رحالة خاض هذا المغمار كان فرناندو ماجلان فى العام 1519م منطلقاً من أسبانيا متجهاً نحو الشرق حيث المحيط الهندى وما فيه من البلاد والعباد .وكان قد سبقه كريستوفر كولومبوس (فى العام 1492 م - سنة سقوط غرناطة -) متجها نحو الغرب فى رحلة الشؤم لأرض القارة الأمريكية الشمالية في رحلته الثانية عام 1498 م. وزعموا أنهم يريدون بذلك إعمار هذه البلاد المفتوحة أو المكتشفة (وكأنها كانت خالية من السكان) ومن هنا كانت التسمية الخداعة:"الاستعمار" (فالمعنى اللغوى لكلمة الاستعمار هو طلب الاعمار والنماء - كقولك :الاستشفاء أى طلب الشفاء) , والحقيقة أنهم أرادوا السيطرة على هذه البلاد والاستفادة من خيراتها . ثم توالت هذه الرحلات وتنافست فيها عدة دول أشهرها البرتغال وانجلترا وفرنسا . وتحول الأمر إلى صراع بين هذه الدول فيما بينها من جهة, من يسبق ويهيمن , ومن جهة أخرى بين السكان الأصليين والغزاة دفاعاً عن الأرض والعرض - بل وكثيراً وعن حق الوجود والبقاء- وهو مادام عليه الحال إلى الآن , وإن اختلفت أشكال هذا الاستغلال والقهر. وأصبحنا نفهم كلمة الاستعمار لا على معناها اللغوى الصحيح بل بمعناها الحقيقى البغيض والمعروف.
ما يهمنا من هذه الاشارة هو أن نذكر أن هذه الموجة صاحبها , وبعد وقت قليل من بدئها , نشاط نشر الصليبية حيث حط عسكرهم ووصلت بوارجهم , وتزعمت بريطانيا وفرنسا (وبتنافس بينهما) وغيرهما هذه المسألة , وليس أدل على ذلك وأشهر من الحروب الصليبية المعروفة. وقد صاحب هذه الغزوات ما صاحبها من مظاهر يندى لها الجبين -وإلى الآن- فيما لاقاه السكان الأصليين من المحتل الغاصب والمستغل القبيح -رافع راية حقوق الانسان خبثاً وخداعاً- بما لا يتسع المقام لعرضه وتحليله ولا هنا مكان الاستطراد فيه .
لست أتباكى -ياصاحبى- على أمجاد مضت , ولا على إحن حلت -وحُق لى أن أتباكى- لكن هذه المقدمة غاية فى الأهمية لما نحن بصدده , فكان لابد أن نقف عليها ونتفهمها, كجزء لا يتجزأ عن البحث , قبل أن نستأنف الحديث ..
ففكر معى -ياصاحبى - ماذا فعل هؤلاء بالعباد والبلاد التى غزوها .. إلى أن نلتقى على خير ان شاء الله تعالى.

وللحديث بقية ان شاء الله جل فى علاه
ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(2/1)


معلوم ونراه متتالياً ما يفعلونه بالشعوب التى قدروا عليها فاحتلوها,ونهبوها ,ومزقوها. قتلوا ورمّلوا ويتّموا وهتكوا .. نعم هذا كله صحيح ,ولولا خشيتى أن تتبرم ياصاحبى من الاطالة لسردت لك وقائع من الماضى البعيد ومن الحاضر القريب صنوفاً من الجرائم البشعة التى ارتكبوها بحق السكان الأصليين (مسلمين وغير مسلمين), لكنى أظنك تعلمها - لشدة شهرتها وتكرارها- فلا حاجة للاطالة .
هل اكتفوا بتلك الجرائم ؟ .
لا, وإنما ذهبوا إلى مالا يقل جرماً وبشاعة .. لقد جدّوا فى اقتلاع اللغة الوطنية لأهل البلاد وفرضوا على السكان الأصليين لغة المحتل !! وبذلوا فى هذا أنواعا من القهر تارة , والحيل تارة أخرى , والخبث فى كثير من الأحوال. المهم أن ينسلخ الناس , أو يسلخوهم بمعنى أدق. فمن المعلوم أن اللغة هى أصل الهوية , وهى روح الشخصية وأهم مكوناتها , هى الجذر الممتد فى عقائد الناس , وهى الجذع الباسق فى ترابطهم وعاداتهم وسلوكياتهم , وهى الحزام الرابط بينهم وهى وقود فكرهم وإبداعهم المنتمى إلى بيئتهم التى يعيشون فيها وعليها.ولك أن تتصور معى - ياصاحبى - النتيجة اذا ما اقتُلع الجذر وجُز الحذع وقُطع الرابط ونفذ الوقود . ليس ثمة إلا الموت والفناء. لكن المحتل الغاصب والظالم - كأى ظالم - لا يريد موتاً ولا فناءً , وإلا فمن سيستغل ويستعبد وينهب؟؟ .. إذن , فليس إلا تغيير أو مسخ الجذر والجذع والرابط والوقود .
وسأضرب لك مثلين اثنين فقط .. الأول جنوب أفريقيا والتى تقع في أقصى الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية . أين هذا الموقع من انجلترا؟ كم تبعد عنها ؟ وما هى لغة البلاد الرسمية الآن ؟ وماهى التركيبة السكانية هناك ؟ .. أما عن بعد المكان فعرفناه , وأما عن لغة البلاد الرسمية فهى على الترتيب (لاحظ الترتيب):إنجليزية، أفريكانسية، زولو، وغيرها .. أظن الآن , مجرد ظن , يحتدم فى بالك تساؤل عظيم : ماالذى قذف بالانجليزية من بلاد الانجليز فى أقصى شمال العالم - حيث البرد والثلج - إلى أقصى جنوبه - حيث الحر والسواد؟ .. تمهل ياصاحبى , واسمع اجابة السؤال الثانى : التركيبة السكانية هناك أنهم ينقسمون إلى مجموعتين: البيض وغير البيض، ويبلغ عدد البيض حوالي 5 ملايين نسمة، بينما عدد الوطنيين وهم قبائل البانتو أكثر من 24 مليوناً، وعدد الملونين والآسيويين 4 ملايين، أي أن عدد غير البيض يقترب من 29 مليوناً،وهم بذلك يشكلون أغلبية سكان اتحاد جنوب أفريقيا.. اسمع أيضاً : تتكون الأقلية البيضاء من سكان جنوب أفريقيا من عناصر أوروبية هاجرت إلى جنوب أفريقيا أثناء احتلال هذه المنطقة، ومن العناصر البيضاء هولنديون، وألمان، وبريطانيون، وفرنسيون.
عدنا - رغماً عنا - إلى السؤال الذى يثير الغضب (أو كما يقول أهل مصر:يحرق الدم): كيف فُرضت الانجليزية هناك؟ وكيف تقهقرت اللغة الوطنية لأهل البلاد؟؟
والمثال الثانى : بلاد المغرب العربى .. وعلى الأخص الجزائر.. البلد التى فتحها العرب سنة 682 م. وخضعت لحكم الفاطميين وبني عبد الواد والحفصيين. وفي سنة 1518 م خضعت لحكم العثمانيين ثم .. ثم احتلها الفرنسيون سنة 1830م , ثم اندلعت ثورة التحرير في 1954م لتنال استقلالها سنة 1962م. لاحظ الأزمنة جيداً , وعلى الأخص من سنة 1830م حتى سنة 1962م , يعنى حوالى 130 سنة احتلال فرنسى ؟؟ لنجد بعدها شعباً يجيد الفرنسية تحدثاً وكتابة و لا يكاد يحسن العربية !!
تمهل ياصاحبى , واسمع هذه المعلومة أيضاً: عند الاحتلال الفرنسي للجزائر كانت نسبة الأمية 5% فقط حسب تقدير الفرنسيين سنة 1830 .. يقول الرحالة الألماني فيلهلم شيمبرا حين زار الجزائر في ديسمبر 1831: ” لقد بحثتُ قصداً عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب "..... لكن نسبة التعليم تراجعت مع الاحتلال الفرنسي نتيجة السياسات الاستعمارية لترتفع الأمية إلى 92.2% (3.8% فقط يستطيعون القراءة) عام 1901“ (تحقيق بموقع الشهاب عن محو الأمية بالجزائر) ..
(جدير بالذكر أن الثورة الجزائرية تبنت فى عهد أحمد بن بيللا أول رئيس شرعى للجزائر مشروع تعريب الجزائر , فقد كان يؤمن بعروبة الجزائر ولذلك قام باستدعاء ألاف الأساتذة العرب من مصر والعراق وسوريا للمساهمة في قطاع التعليم .. ولا حاجة للاستفاضة)
هل تخلى أفارقة جنوب أفريقيا أو الجزائر عن لغتهم طواعية , لأجل عيون الانجليز أو الفرنسيين ؟؟ . هذا مالا يقوله عاقل , فليس ثمة أحد يتنازل عن لسانه ..
هيا بنا نحسن الظن بالمجرم , ونفسر سبب جرمه بأفضل أحوال حسن الظن , لأجارى - مؤقتاً , حتى ينتهى البحث - ذوى النوايا الطيبة أن الحرب ليست حرباً تستهدف الاسلام ..فلا نجد سبباً للمحتلين فيما فعلوا إلا إنه الرغبة فى الاستغلال والنهب وضمان تبعية الشعوب للمستعمر الدنس .. الرغبة فى السيطرة على المقدرات والخيرات والبشر . ولن أسمح لنفسى بالغباء أو العبط بحيث أصدق مايزعمون بمقولتهم, إفكاً وبهتاناً, أنهم يعلموننا لغتهم لنتحضر ونلحق بنهضتهم. فمتى كانت الكلاب رحيمة بالفريسة؟
وأياً ماكان التفسير - ورغم حسن الظن - فالنتيجة الحتمية .. أنهم:
سمح لهم ضميرهم ( الحر ) أن يقتلوا لغة الناس .. يبتروا ألسنتهم .. يقطعوا أواصر القيم والعقائد والاتصال السليم الصحيح ..
ولعلك تذكر الآن قرطبة فى ظل الفاتحين المسلمين .. مثالاً ضربته هناك بغنينا عن الكثير الآن .. وسنذكره حتماً مع تقدم الحديث .
والتغريب (بالمنقوطة - أى الغين ) هذا واحد من الحروب الشرسة ضد اللغة العربية .. كلب مسعور من الكلاب التى تنهش فى المحصنة الحبيبة .. لمسخ الهوية الاسلامية وفصل القوم عن كتاب الله جل فى علاه وعن كلام (الحديث الشريف) نبيهم القائد صلى الله عليه وسلم .

إياك أن تظن أننى أعنى بالكلب هنا هذا الحيوان النابح , لا ياصاحبى , ليس هذا . قال ابن منظور (لسان العرب مادة كلب): الكلب: كل سبع عقور .. أقول: ومنه الحدبث الشريف ( تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها , قلنا (وهم الصحابة الكرام): أمن قلة يارسول الله؟ قال : بل من كثرة ولكنكم غثاء كغثاء السيل )- متفق عليه.

وللحديث بقية ان شاء الله تبارك وتعالى ..
ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(3/1)

إذن , دارت رحى المجزرة التى كان يتولاها العسكر والساسة , ولم يكن للمفكرين أو رجال الدين حضور قوى.
أتى المفترس شاهراً أنيابه ومخالبه , يتوخى الفريسة فى وضح النهار .. لكن الفريسة استعصت على الاستسلام بعد أن انتبهت .. فقاومت .. وكما قلنا :لقد جدّوا فى اقتلاع اللغة الوطنية لأهل البلاد وفرضوا على السكان الأصليين لغة المحتل .. إنها عملية اجتثاث ومجزرة .. لكنها لم تفلح فى تحقيق ما يرضى الغازى المعتدى .. فأهل اللغة العربية مستمسكون بلغتهم , متوجسون خيفة من الدخلاء . ليس هذا فقط , بل إن لغتهم متغلغلة فى ساعات ودقائق يومهم . فماذا يفعل الغازى وقد ضعف الطالب والمطلوب؟
فلنغير اذن وجه الخنجر , ولنستبدل سحنة العسكر , وليوضع السم فى السكر ..
هذه المرة لن تكون الحرب مباشرة , ولن تكون العصا ظاهرة .. فلندع اللغة العربية للناس يتحدثونها , أو يكتبونها , أو يتعبدون بها . لكننا سنزاحمها , ونزيحها شيئاً فشيئاً .. فلا يشعر أحد بالتسلل تحت جنح الظلام .
وتحت شعارات متعددة ومتلونة ومتغيرة - يطول فيها الكلام , وقد نعرض لبعضها - بدأ الغازى بدس لغته وتثبيتها والعمل جاهداً على نشرها فى البلاد الاسلامية على وجه الخصوص . لماذا الاسلامية بالذات؟ لأن اللغة العربية ظلت - وسنرى ذلك تفصيلاً فيما بعد - منتصبة عنيدة صلبة فى وجه كل المؤامرات والتحديات .. اسمع الى تقرير الأمم المتحدة .. طبعة عام 2002 المعنونة أطلس لغات العالم المهددة بالانقراض، التي نشرتها اليونسكو:" أن نصف ‏لغات العالم البالغ عددها 000 6 لغة تقريبا مهددة بالانقراض، مما سيترتب عنه فقدان بُعد لا يعوض من ‏أبعاد معارفنا وفهمنا للفكر الإنساني .. الخ".
لنعد إلى الموضوع .. وهذه المرة سأنتقل الى المغرب العربى الشقيق كمثال ( وما نضربه من مثل لبلد ما إنما يجرى مثله فى غيره من البلدان ). فى لقاء بتلفزيون الجزيرة , يقول موجه التعليم الأولي بأكاديمية القنيطرة - شمال الرباط - إدريس الكزدي : " بلغت هيمنة اللغة الفرنسية بالمغرب حدا وصل اعتمادها بالتعليم منذ وقت مبكر من حياة الطفل المغربي. وبسبب ضغوط اجتماعية وثقافية تمضي الفرنسية في مزاحمة اللغة العربية الأم، وبفضل اتفاقيات تعاون بين المغرب وفرنسا يستطيع الفرنسيون التدخل المباشر لحماية لغتهم والتمكين لها على المستويين العام والخاص.... ويصل تغلغل اللغة الفرنسية بمراحل التعليم المغربي إلى مستويات مبكرة من تعليم الطفل، إذ تعتمد مؤسسات التعليم الأولِي (ما قبل المدرسي: من 4 إلى 5 سنوات)، تدريس مبادئ اللغة الفرنسية قراءة وكتابة." وأضاف : " أن من شأن إدراج لغة أجنبية ثانية إلى جانب اللغة الأم في هذه المرحلة أن يربك الطفل ويعرقل نموه اللغوي، لأن العربية تكتب من اليمين إلى اليسار في حين أن الفرنسية تكتب من اليسار إلى اليمين"
وانتشرت , دور الحضانة (ماقبل التعليم الأساسى/الالزامى) والمدارس الابتدائية والمعاهد والكليات , تحت مسميات عديدة . والجمعيات الأهلية , والمؤسسات المساعدة للتنمية والنهوض بالمجتمع .. و..و.. الخ .. تؤصل اللغات الأجنبية , وتهمش اللغة العربية فى تلك الدور والمدارس .. يضيف إدريس الكزدي : " ويمضي النشاط الثقافي الفرنسي بالمغرب بموجب اتفاقيات وقعت بين البلدين تعطي لفرنسا امتيازا خاصا، بالمقارنة مع الدول الغربية الأخرى. ويمكن لباريس بموجب هذه الاتفاقيات التدخل في تعليم اللغة الفرنسية بالمدارس المغربية العمومية، ومتابعة تطورها في المجال العام و"جعل المراكز الثقافية الفرنسية أدوات تغيير".
وتخصص فرنسا تمويلا لهذا النشاط قدره 5.5 ملايين يورو، أي 12% من الميزانية المخصصة للبعثات الثقافية الفرنسية بالمغرب. كما أن هناك عشرات من الاتفاقيات بين المعاهد والجامعات والمدن الفرنسية مع نظيراتها بالمغرب للتعاون في المجال الثقافي والتربوي توفر لفرنسا مجالا واسعا لرعاية لغتها وتقويتها."
.. وهكذا لتتحقق ضمانة نشوء أجيال جديدة .. تتكلم العربية ؟؟, نعم .. تحسنها ؟؟ , لا .. وانفصل المولود عن الوالد .
ولا أظن أننى فى حاجة إلى الاطالة أو أن أدعوك - ياصاحبى - إلى التأمل كثيراً فى مناهج ومواد الدراسة فى مثل هذه الدور , ولا التمعن فى نتاجها , وآثارها على الناشئة , المتخرج منها .. إلا من رحم ربى , وهم قلة نادرة ..
وأعتقد أن هذا العنصر أوضح من الحاجة إلى مزيد بيان..

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(4/1)

اقتلاع اللغة , لم يصلح لتحقيق الهدف .
ودس لغة الغازى وتثبيتها والعمل جاهداً على نشرها فى البلاد الاسلامية على وجه الخصوص , لم يؤت ثماراً مرضية .
ويقفز الى سطح الذاكرة نابليون بونابرت .. الذى قاد الحملة الفرنسية على مصر .. وأراه الآن يجهز للحملة لينطلق من بلده فرنسا متوجهاً نحو الاسكندرية , بكل عزم ونشاط ويتخير بنفسه القادة والضباط والعلماء والمهندسين والجغرافيين، وعني بتشكيل لجنة من العلماء عرفت باسم لجنة العلوم والفنون وجمع كل حروف الطباعة العربية الموجودة في باريس لكي يزود الحملة بمطبعة خاصة بها.
ووصل الى الاسكندرية 2 من يوليو 1798م وغلب مقاومتها البالغة كما نعلم , وهاهو يذيع منشوراً على أهالى الاسكندرية يزعم فيه أنه يريد أن يخدم شعب مصر من طغيان البكوات المماليك الذين يتسلطون في البلاد المصرية، وأكد في منشوره على احترامه للإسلام والمسلمين، وبدأ المنشور بالشهادتين وحرص على إظهار إسلامه وإسلام جنده كذبا وزورا، وشرع يسوق الأدلة والبراهين على صحة دعواه، وأن الفرنسيين هم أيضا مسلمون مخلصون، فقال: "إنهم قد نزلوا روما وخربوا فيها كرسي البابا الذي كان دائما يحث النصارى على محاربة المسلمين،" وأنهم قد قصدوا مالطة وطردوا منها فرسان القديس يوحنا الذين كانوا يزعمون أن الله يطلب منهم مقاتلة المسلمين. !!
هذا النابليون هو الذى لعبت الأوهام برأسه - أوهام العسكر - باقامة إمبراطورية فرنسية في الشرق، وقد عبرعن هذا الحلم بقوله: "إذا بلغت الآستانة خلعت سلطانها، واعتمرت عمامته، وقوضت أركان الدولة العثمانية، وأسست بدلا منها إمبراطورية تخلد اسمي على توالي الأيام…".
يستدعينا الربط بين منشوره الذى أذاعه على الناس كذباً وخداعاً , وأحلام العسكر , ولجنة العلوم والفنون التى اصطحبها معه فى أسطوله وهو آت إلى مصر .. واذا كان هناك خلاف فى تاريخ منشأ الاستشراق , فلعلنا نلحظ أن فى هذه اللجنة نشاط اًاستشراقياَ قطعاً .
إنه كلب جديد قادم بأنيابه ومخالبه . ولسنا بمعرض النظر فى الاستشراق واسبابه ودوافعه وآثاره .. الخ . لكننا سننظر فيما يهمنا ويرتبط بموضوعنا .اسمع معى:
" قد أقبل المستشرقون على دراسة اللغة العربية والتخصص في علومها من نحو وصرف وأدب وبلاغة؛ ليتمكنوا من اللغة، ثم نظروا بعد ذلك في علوم الدين الإسلامي من عقيدة وشريعة؛ لاتخاذ هذه الدراسة وسيلة لتلفيق الأباطيل للتشكيك في حقائق الإسلام، وصرْف المسلمين عن دينهم الذي يهديهم إلى طريق التقدم والعزة؛ فتتحقق بذلك أهداف الاستعمار في مواصلة احتلال بلاد المسلمين." (الاستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته - للدكتور عبد المنعم محمد حسنين - كلية الدعوة وأصول الدين )
واقرأ معى ما كتبه واحد من المستشرقين هو (جولد تسيهر)؛ لينكشف دورهم في الطعن على الإسلام، والتشويش على دعوته متخذين العلم وسيلة لما يهدفون إليه، يقول المستشرق المذكور: "فتبشير النبي العربي ليس إلا مزيجا منتخبا من معارف وآراء دينية عرفها أو استقاها بسبب اتصاله بالعناصر اليهودية والمسيحية وغيرها، التي تأثر بها تأثرا عميقا، والتي رآها جديرة بأن توقظ عاطفة دينية حقيقية عند بني قومه"( جولد تسيهر: العقيدة والشريعة في الإسلام، ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى ).
إن المستشرقين يتهمون اللغة العربية بالعجز عن مسايرة ركب الحضارة الحديثة، ويزعمون أن اللغة العربية تعجز بقاموسها اللغوي عن حمل العلوم والفنون التي جاء بها العصر الحديث، وأن التخلّف الذي أصاب المجتمع الإسلامي سببه قصور اللغة العربية وعجزها عن نقل ما جاءت به العقول والقرائح عند الأمم الغربية، ولهذا يجب على أهل العربية - في زعمهم - أن يتركوا هذه اللغة ويبحثوا عن لغة أخرى حتى يلحقوا بركب الحضارة، ويعيشوا مع أهل العصر.
والاستشراق تبنى فيما تبنى نشر العلم فى البلاد التى استهدفها بالبحث والدراسة .ويجب ألا ننسى أن الاستشراق فى عمومه - كما يقال - يمتد ليشمل بلاد الشرق , إلا أن الواقع الملموس أن البلاد العربية بصفة خاصة (ومعها العالم الاسلامى بوجه عام ) كان له أوفر حظ وأكثر اهتمام من هذه الناحية . ويشاع أيضاً أن الغرض نهضة علمية وثقافية بهذه البلاد!!. لجنة بونابرت ! لجنة العلوم والفنون! التى تكاثرت تكاثر الجراثيم والفيروسات - الى عصرنا الحاضر - حتى تعفن الجسد المحتضن لها وفاحت رائحته الكريهة , وهذا ما سنأتى على ذكره تفصيلاً فيما بعد.
هذا هو الوجه الكالح للاستشراق . تشويه اللغة العربية , وغرز مفاهيم جديدة فى جسمها لها فعل الخدر والنفور منها .
ولا يصح أن يغيب عن ذهننا ذلك الغزل الصريح والنسب والصهر فيما بين التنصير - أوالتبشير كما يحلو للبعض أن يسميه - والاستشراق .
وهو ما سنأتى عليه باذن الله تعالى فيما بعد.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى
 

فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(5/1)



ربما كان بعض المستشرقين قد أنصف القول فى الاسلام والمسلمين فى بعض كتاباته وأبحاثه. هذه حقيقة لابد أن نعترف بها. وربما كان فى بعض مؤلفاتهم -التى تلقفها عدد غير قليل من المسلمين بالترحيب والرضا - تأصيلاً لمنهجية البحث والتحليل وأساليبه أضاف إلى الفكر العربى بشكل ما بعض استحداثات فيها بعض الفائدة.

ولا مقام هنا للنظر فى الاستشراق , أصوله ومذاهبه , ولا تحليله ونقده , ولا مزاياه وعيوبه. فهذا أمر ليس محله هنا , بل وتناوله الكثيرون وأفاضوا فيه , أصاب منهم من أصاب فله أجران , وأخطأ فيه من أخطأ وله أجر , وتمحَّل به من تمحَّل بسوء القصد والهوى , وكل نفس بما كسبت رهينة. وإنما الذى يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن مجال بحثنا ينصب على الهدف الأصيل وراء الاستشراق وأثره فى اللغة العربية.

قلنا إن هناك توأمة وغزل صريح بين الاستشراق والتنصير - أو التبشير كما يحلو للبعض أن يسميه. وإن كان الأصل فى نشأة الاستشراق هو خدمة الأهداف الاستعمارية, إلا أنه كان خادماً مخلصاً لأهداف التنصير, بقصد أو بغير قصد.

فى الكتاب الخطير الغارة على العالم الاسلامى (تأليف:أ. لو شاتليه A. Le Chatelier - لخصها ونقلها إلى اللغة العربية محب الدين الخطيب ومساعد اليافي - نشره: قصي محب الدين الخطيب - الطبعة الأولى في: 1350هـ - 1922 م ) مايلى:

"إن "ريمون لول" الأسباني هو أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها. فتعلم " لول " اللغة العربية بكل مشقة وجال في بلاد الإسلام وناقش علماء المسلمين في بلاد كثيرة."

هذا الـ"ريمون لول" يلفت انتباهنا إلى أنه تميز بنوع من الاستشراق , و(تعلم اللغة العربية بكل مشقة وجال في بلاد الإسلام)!!

جاء أيضاً فى (الغارة):

"قال وليم جيفورد بالكراف: متى تواري القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه."

لاحظ معى أن القرآن هدف واضح .

وفى معرض الحديث عن مؤتمر التبشير (التنصير) - مؤتمر القاهرة سنة 1906 :

"أما الذين تعلموا على الطريقة الشرقية في الأزهر وما يماثله فلم يتكلم أعضاء المؤتمر عنهم إلا ببعض اقتراحات ونظريات: من ذلك أن احد أعضاء المؤتمر أفاض في وصفه ما للجامع القديم من النفوذ وإقبال الألوف عليه من الشبان المسلمين في كل أقطار العالم. وتساءل عن سر نفوذ هذا الجامع منذ ألف سنة إلى الآن ثم قال: إن السنيين من المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم العربية في الجامع الأزهر متقن ومتين أكثر منه في غيره والمتخرجون في الأزهر معروفون بسعة الإطلاع على علوم الدين، وباب التعليم مفتوح في الأزهر لكل مشايخ الدنيا خصوصا وأن أ وقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجانا لأن في استطاعته أن ينفق على 250 أستاذا. ثم تساءل عما إذا كان الأزهر يتهدد كنيسة المسيح بالخطر، وعرض اقتراحا يريد به إنشاء مدرسة جامعة نصرانية تقوم الكنيسة بنفقاتها وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية. "

واذا كان الاستشراق قد عمد فى كثير من أعماله إلى تشويه اللغة العربية محاولاً طمسها, كما عرضنا, فإنه ذهب الى ما هو أخبث وأدهى, تحت ستار العلم وخدمة الاسلام.

تقول الدكتورة زينب مصطفى عبد العزيز أستاذة الحضارة الفرنسية بالجامعة المصرية و العضو البارز في هيئة الإعجاز العلمي للقران والسنة - صاحبة أول ترجمة لمعاني القران الكريم للغة الفرنسية :

"أكثر ما أدهشني هي تلك الحرية التى يعبث بها المستشرقون في نصوصنا الدينية وليس فى القرآن وحده، ثم ألقيت نظرة على ترجمة المستشرق "كازيميرسكي" وله أيضاً قاموس ضخم عربي / فرنسي ، والغريب أنه حين يترجم نص القرآن لا يلتزم بالمعنى تماما أو يحيد بعيدا عنه ، وحينما يترجم للقاموس يتبع الدقة المتناهية !."

وفى تعليقها على ترجمة "جاك بيرك" للمصحف الشريف , تقول:

"لقد ارتكب "جاك بيرك" - الباحث المفكر الفرنسي المعاصر - فعلا أخطاء لا تغتفر في حق الإسلام والمسلمين ، وتكفي قراءة الدراسة / المقدمة التى ذيّل بها لترجمته ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :

= التشكيك في نزول وترتيب القرآن وأنه غير صالح لكل زمان ومكان ؛ وأن هناك تنافرا بين ترتيب النزول ؛ تأثر القرآن بالشعر الجاهلي وبالفكر اليوناني ؛ مطالبته بفصل الدين عن الدولة ؛ واتهام المفسرين بإلغاء بعض الآيات إن كانت تخرج عن قبضتهم ؛ وأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يختار مما يوحى إليه..

= لا تخلو صفحة من صفحات ترجمته من خطأ من مختلف الأخطاء التى يمكن للمترجم أن يقع فيها ، لكن هناك فرق بين السهو والخطأ المتعمد لتغيير المعنى ، ومنها على سبيل المثال : إصراره على ترجمة كلمة "النصر" بكلمة "النجدة" (le secours ) في حين المقابل موجود ومعروف ، وسورة الروم ترجمها باسم العاصمة روما لأسباب ترخيم الصوت كما يقول في الهامش، وكان لزاما عليه وضع كلمة البيزنطيون ، وسورة الملك ترجمها بكلمة "المَلَكية" ..وفي سورة يوسف "فلما رأى قميصه قُدّ من دبر" ترجمها بأن قميصه كان مثقوبا من الخلف

= : (sa chemise était trouée par derrière) ؛ وإصراره على ترجمة "الألباب" بكلمة "النخاع" (la moelle)؛ وأن الله لا يخلف الميعاد وهي بمعنى الوعد قال : (Dieu ne manque pas au rendez-vous ) .

فهل من المعقول أن "جاك بيرك" عضو الأكاديمية أو حتى مجرد المثقف الفرنسي وعضو مجمع اللغة العربية ، أي المتمكن رسميا من اللغتين ، يمكن أن يقع في مثل هذه الأخطاء إن لم يكن من باب التجريح المتعمّد ؟!.

ما دفع المفكر الفرنسى للقيام بذلك التحريف المتعمد هو في رأيي قرارات مجمع الفاتيكان الثانى (1965) والتي كان من ضمنها قرار إقتلاع الإسلام في عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله قد تم تنصيره ، كما اتخذ قرار تنصير العالم، وهو أمر معلن على الملأ، و فرض على جميع الأتباع الإشتراك في عملية التنصير هذه .. ومعروف أن القرارات المجمعية تسري على الجميع حتى على الملوك والرؤساء ، ويلتزمون بها حتى لو لم يعلنو ذلك ."

أعود الآن إلى كتاب (الغارة) الذى عرض المؤتمرات التنصيرية (التبشرية), بقيادة القس الشهير الدكتور صموئيل زويمر الذي رشحه نشاطه التبشيري الزائد لأن يحتل منصب رئيس المبشرين في الشرق حتّى لقب بـ (الرسول المختار إلى العالم الإسلامي!) ومنها:

مؤتمر التبشير الأول في القاهرة (مصر) سنة 1906

مؤتمر التبشير الثاني في إدنبره (إنكلترا) سنة 1910

مؤتمر التبشير الثالث في لكنو (الهند) سنة 1913

مؤتمر القس 1935

هذه المؤتمرات لم تكن لهواً ولا عبثاً. لكنها وضعت البرامج والمخططات - التى نفذت بالفعل - تستهدف الممالك والبدان الاسلامية, تنشر الأفاعى والسموم فى المسلمين لتضربهم فى عمود أساس صلتهم بالقرآن الكريم, فى لغته, من خلال مدارس وجمعيات وجامعات تنصيرية فى الحقيقة, وفى ظاهر الأمر لخدمة المجتمعات والنهضة العلمية, وكان من أهم مقررات وتوصيات مؤتمر لكنو: "من الضرورى العاجل تأسيس مدرسة فى مصر خاصة بالتبشير".



جاء فى كتاب الغزو الفكرى للعالم الاسلامى:

" وقد أنشأت الدول الاستعمارية عدة مؤسسات فى البلاد الاسلامية التى خضعت لنفوذها لخدمة الاستشراق ظاهريا, وكان هدفها الاحقيقى خدمة الاستعمار والتبشير الكاثوليكى والبروتستانتى, من هذه المؤسسات فى مصر: المعهد الشرقى بدير الدومينيكان, والمعهد الفرنسى, وندوة المتاب, ودار السلام, والجامعة ألمريكية. وفى لبنان: جامعة القديس يوسف (وهى جامعة بابوية كاثوليكية وتعرف الآن بالجامعة اليسوعية) والجامعة الأمريكية ببيروت (وكانت تسمى من قبل الكلية السورية الانجيلية وهى بروتستانتية). وفى سورية: مدارس اللابيك, والفرير, ودار السلام, وغيرها.. وهكذا فى كل الأقطار الاسلامية.." (الغزو الفكرى للعالم الاسلامى - د.على جريشة, الأستاذ المساعد بكلية الشريعة - ومحمد شريف الزيبق, المحاضر بكلية الدعوة وأصول الدين - بالجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة)



ثم خطب القس زويمر في مؤتمر القدس التبشيري عام 1935 قائلاً:"أيها الاخوة الأبطال والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمار بلاد الإسلام.. لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن أداء ووفقتم لها أسمى توفيق.. مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها. وبذلك تكونون أنتم طليعة الفتح الاستعماري للبلاد الإسلاميّة.. لقد قبضنا أيها الاخوة في هذه الحقبة من الدهر على جميع برامج التعليم في البلاد الإسلاميّة، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوروبية والأمريكية.. إنكم أعددتم شباباً في ديار المسلمين لايعرف الصلة بربه ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام دون أن تدخلوه في المسيحية. وبالتالي جاء النشئ الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار: لا يهتم للعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلاّ في الشهوات. فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز فللشهوات".



ويقول فضيلة الشيخ محمد الغزالى, رحمه الله تعالى فى كتابه الخطير(قذائف الحق):

كنت في الإسكندرية، في مارس من سنة 1973، وعلمت ـ من غير قصد ـ بخطاب ألقاه البابا شنودة في الكنيسة المرقصية الكبرى، في اجتماع سرى، أعان الله على إظهار ما وقع فيه .

" قال البابا شنودة :كذلك فإنه يجب مضاعفة الجهود التبشيرية الحالية، إذ أن الخطة التبشيرية التي وضعت بنيت على أساس هدف اتُّفق عليه للمرحلة القادمة، وهو زحزحة أكبر عدد من المسلمين عن دينهم والتمسك به، على ألا يكون من الضروري اعتناقهم المسيحية، فإن الهدف هو زعزعة الدين في نفوسهم، وتشكيك الجموع الغفيرة منهم في كتابهم وصدق محمد، ومن ثم يجب عمل كل الطرق واستغلال كل الإمكانيات الكنسية للتشكيك في القرآن و إثبات بطلانه و تكذيب محمد......"



هكذا .. نهشت الكلاب بكل الأسلحة والأساليب الظاهرة والباطنة .. جاءت من خارج الأمة الاسلامية .. بمحاولات متعددة ومتطورة. للاقتلاع, أو التشويه, أو التحريف, أو تفريغ اللفظ عن محتواه ومضمونه, وبتزييف المقاصد الشرعية للألفاط والعبارات القرآنية, بل بالتبديل.



وكما قلنا فى أول البحث .. ولم تقف المصيبة عند هذا الحد , بل كان من أهل القرآن من ساهم فى ذلك مساهمة تثلج صدور الأعداء والمنافقين بشكل يبكى ويضحك , فشر البلية ما يضحك, وما فعل أهل القرآن ذلك إلا على واحدة من اثنتين جهلاً وبغير قصد , أو قصداً وبسوء نية وتدبير ..



وهذا ماسنراه, فيما سيأتى ..

وللحديث بقية باذن الله تعالى جل فى علاه.



ودى واحترامى
 

فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(1/2)



واذا كان هذا حال الخصوم والأعداء من خارج الأمة . فماذا كان حال أبنائها؟ هل انتبهوا لما يحاك لهم؟ . وإن انتبهوا فماذا فعلوا؟

ربما جاز لنا أن ننظر فى دواعى الكيد للأمة الاسلامية ؟ . وعلى قاعدة العموم , ( هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119) .. ثم انظر معى الى هذا الداعى :

حين نذكر طارق بن زياد الفارس الذى توجه صوب الغرب , نذكر أيضاً محمد بن القاسم الثقفي فارس آخر من آلاف الفوارس المسلمين توجه صوب الشرق..

يقول عبد المنعم النمر( تاريخ الإسلام في الهند):"دخل الإسلام الهند والسند أول ما دخل على يد محمد بن القاسم الثقفي المتوفى سنة 98هـ وذلك في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك .

وقد انتشر الإسلام بعد ذلك على يد التجار والزهاد والدعاة المخلصين انتشاراً محدوداً."

كما يمر بالخاطر عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه (656 هـ/1258م - 1326م) مؤسس الدولة العثمانية وأول سلاطينها وإليه تنسب .. تلك الدولة التى تواتر سلاطينها سنوات طويلة مروراً بمحمد الفاتح القائد الشهير الذى ولى وجهه نحو وسط أوربا .. ولا أريد التطويل هنا فى ذكرالتاريخ , لكن الذاكرة رغما عنى يقفز إليها هؤلاء حتى نصل إلى آخر سلاطين الدولة العثمانية السلطان عبد الحميد الثانى .

إن الدولة ( ولايصح قول الامبراطورية ) الاسلامية امتدت لتشمل بقاع الأرض وقتها , وامتد سلطانها قروناً من الزمن منذ طارق بن زياد ومحمد بن القاسم الثقفي إلى السلطان عبد الحميد الثانى, وهو ما عجزت عنه الامبراطويات مهما طالت لهم سطوة أو زاد لهم طغيان وهيمنة. فصارت الدولة الاسلامية مارداً مخيفاً يقض مضاجع الأعداء ولا يريدون له عودة .. ( لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (الحشر:13).

وأرى ذاكرتى لترينى عبد الله بن سبأ .. ذلك الذى أصله يهودي، ثم ادعى الإسلام زمن عثمان بن عفان، و أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم. فبدأ بالحجاز ثم البصرة سنة ( 33هـ )، ثم الكوفة، ثم أتى الشام فلم يقدر على شيء فيها. فأتى مصر سنة ( 34هـ ) واستقر بها، و وضع لهم عقيدتي الوصية و الرجعة، فقبلوها منه، و كوّن له في مصر أنصاراً. واستمر في مراسلة أتباعه في الكوفة والبصرة. وفي النهاية نجح في تجميع جميع الساخطين على عثمان فتجمعوا في المدينة وقاموا بقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه .

وكم مر بالأمة من عبد الله بن سبأ !! وكم عانت , وتجاوزت المحنة وهى فتية قوية.

أعود فأذكر آخر سلاطين الدولة العثمانية السلطان عبد الحميد الثانى , هذا الحجر الصلد العنيد الذى تصدى لإقامة الدولة العبرية فى فلسطين , فحاك له اليهود - ومن مالأهم من دول الغرب .

لنرى عبد الله بن سبأ جديداً فى العصر الحديث !!

من من المسلمين لم يسمع بمصطفى كمال (رئيس جمهورية تركيا 1923 - 1938)؟؟ صنيع اليهودية وربيب العلمانية وراعيها:

"اشارولفرد كانتول سميث إلى أن أحقاد الصهيونية و الصليبية كانت من وراء أتاتورك أكثر من خمسمئة سنة بعد أن رفض السلطان عبد الحميد إقامة و طن قومي لليهود في فلسطين ثم راحت القوى الصليبية و اليهودية تشنع بمبادئ الخلافة العثمانية و مطالبها لتنتهي بهدمها من قواعدها ." (أنور الجندي - الشبهات والأخطاء الشائعة في الفكر الإسلامي )

وما أدراك ما مصطفى كمال ؟؟ وصمة العار على الأمة الاسلامية منذ مولده وإلى مماته مريضاً بالكبد حتى وصل لمرحلة التليف الذي أصابه بالاستسقاء واحتاج إلى سحب الماء من بطنه بالإبر توفي في العاشر من شهر نوفمبر 1938 ..

صحيح أن هذا الرجل انتقل بتركيا الى تقدم صناعى وزراعى ملحوظ , ولكن ماذا بعد ؟؟ . وصدق من قال : ليس بعد الكفر ذنب .

لقد فعل بالأمة الإسلامية الأفاعيل.

( لقد دفع مصطفى كمال تركيا دفعاً قوياً إلى العلمانية، وألغى القوانين الإسلامية ، واضطهد المسلمين والإسلام أبشع اضطهاد، وقتل العشرات ، وعلق جثثهم على أعواد الشجر، وأغلق المساجد ، ومنع الآذان والصلاة باللغة العربية، وأعاد مسجد أيا صوفيا كنيسة ومتحفاً ، واستبدل بالشريعة الإسلامية قانوناً وضعياً، واتخذ الحروف اللاتينية بدلاً من العربية في كتابة الأبجدية التركية ، وألغى تدريس الإسلام في المدارس والجامعات ، ودعا إلى قومية طورانية عرقية متصلة الأواصر بالوثنيين السابقين للإسلام.) - "الأستاذ أنور الجندي - كمال أتاتورك وإسقاط الخلافة الإسلامية"

ما هؤلاء الأتاتوركيون ؟؟

عصابة ركبوا سدة الحكم , مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

عصابة طلبوا الدنيا فاغتالتهم .

ولست بمعرض الحديث عما أصاب الأمة من أضرار وعدوان فى صلب جسمها - كما كررت سالفا - لكننى أنظر إلى اللغة العربية , وما نالها من اعتداءات. فبعد أن تناولنا فيما سبق ما حاوله الأعداء من خارجها , نرى الآن ما نالها من الداخل ..

ها نحن - ياصاحبى - ندخل بلادنا , ونرى ما يفعل أبناء الوطن بلغتنا العربية.

فى مركز الخلافة , فى حامية الوحدة وربط المسلمين ( على ماأصابهم من ضعف ) بعضهم ببعض , وبشريعتهم . تخرج علينا عصابة مارقة تهدم ركن العربية وتضربه فى مقتل مباشر صفيق الوجه كالحه .

شعارهم : لا للغة العربية .. لا للقرآن العربى !!!

ولا تزال تركيا تنزف وتخرج فيها أجيال لاصلة لهم بدينهم , ولا يعرفون لغة كتاب الله . ولا تزال عصبة هناك فى تركيا تتمسك بالحق وتناضل ضد هذه الأتركة , يقبضون على دينهم كما يقبضون على الجمر. ويعتصمون بحبل الله جل فى علاه .

ولا تزال العلمانية تنخر وتتسلل وتترصد وتفترى ..

ولايزال القرآن بصوته العربى يزاحم ويطاحن ويتأصل ..

واذا كان هذا ما واجهته العربية فى تركيا . وما أصابها فى عاصمة الدولة الاسلامية ,

فماذا دبر لها الحاقدون والمتربصون , بل والغافلون فى غيرها من البلدان الاسلامية؟؟



للحديث بقية , ان شاء الله جل فى علاه



ودى واحترامى

 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(2/2)


حين يولد الطفل يولد كالطين اللازب. سهل التشكيل والتكوين, جسمانيا وفكريا وعقائديا .. ثم يكون صبيا فغلاما فهو حينئذ كالصلصال لين التركيب وتثبيت ما سيق تغذيته به , ثم فتى يافعا يميل الى الصلابة والثبات. زرع يخرج شطأه ويفيض بما اختزن فيه, وينعكس ذلك على كل مايصدر منه, من سلوكيات وتصرفات وردود أفعال. يحب - او يكره - ما ألفته نفسه وتشبع به هواه .. فحيثما قدته ينقاد وكلما سقته ينساق . وما أسلسه وأسهله اذا قدته وسقته على ما نشأ عليه واغتذى, وما أصعب اعادة بنائه وتشكليه الى غير ما نشأ عليه. ولذا قالوا: التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر. تلك قاعدة مسلمة لا تقبل الجدل ولا النقاش, أثبتتها الدراسات المتخصصة والعلوم الانسانية, ومن قبل أثبتتها ممارسات الحياة العملية.
واذا كان قد مر بنا بعضا مما فعله الأتاتوركيون بتركيا, وهم أبناء تركيا ومن جلدتها, من فعل قبح الله من تولاه ومضى فيه.. فإن هناك بلوى أخرى طفحت على السطح فى غير تركيا, وثالثة الأثافى أن أن تتأتى هذه البلوى على أيدى أبناء المسلمين!!
ربما يجهل البعض اسما من علامات الدولة الاسلامية. ألا وهو "الكتاتيب".
فما هى الكتاتيب؟.. كلمة "الكتاتيب" جمع كتاب (بضم الكاف وتضعيف التاء), هو مكان من الأماكن الأولية لتعليم الناشئة حفظ القرآن الكريم ومباديء القراءة والكتابة, وهى من المؤسسات التربوية الإسلامية الهامة التي عنيت بتربية وتعليم أبناء وبنات المسلمين وبدأ ظهورها في الدولة الإسلامية منذالعصر الأموي وحتى الآن. وهى تتولى الطفل من السنة الأولى او الثانية من عمره وتتعهده بما ذكرنا الى سن السادسة او السابعة. ومن مشاهير خريجي الكتاتيب رفاعة الطهطاوي وطه حسين وكالشيخ أحمد شفيق كامل الذي صدحت أم كلثوم بقصائده وغيرهم كثيرون.. لعلك تلحظ معى - ياصاحبى - الدور الهام للكتاتيب فى حفظ وصيانة اللغة العربية فى بلادنا. هذه الكتاتيب -وهذا اسمها فى مصر- بصفتها ونشاطها قد يكون لها اسم آخر فى غير مصر, فاسمها مثلا فى اليمن "المعلامة".
وفى مصر (كما فى بعض البلدان غيرها) ومع صيحة العلم - او العلمانية - كانت هذه الكتاتيب أول الضحايا.. فمع الحكم الجديد (الجمهورى) الذى انقلب على ملك مصر سنة 1952 , كان الانقلاب على الكتاتيب !! مصحوباً بانشاء رياض الأطفال, بل وفى نفس الوقت التوسع فى انشاء الرياض والمدارس الأجنبية!!
هذا الطفل صار رضاعه لايكاد يثمر فيه حبا او ميولا للغة العربية , بل والأنكى من ذلك أنه نشأ مشوهاً وعيياً عاجزاً - سواء فى صباه أو فتوته أو شبابه بعد ذلك. إنه ضحية مؤامرة بشعة عبثت بأغلى ما يميز الانسان, بهويته وبعقيدته, بل وحكمت مسبقا ميوله ونزعاته الفطرية الى ضد بيئته التى يعيش فيها, فصار غريباً فى وطنه, عاجزاً عن التواؤم مع محيطه. والجناة بنو جلدته, بل أهله سواء بقصد وعمد أو بجهل وغرور الدنيا وزخرفها الخداع. وصدق الله جل فى علاه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).
ترى, هل فعل الحكام وأشياعهم, والأهل بأبناء الأمة ذلك عن جهل وبلا سابقة انذار؟؟
أرانى -وأراك معى ياصاحبى- يغلى دمى فى العروق إذ نطالع اجابة هذا السؤال.
وإنى هنا أنقل بعض الصيحات -أو قل الصرخات.
قال الشيخ محمد عبده، مفتي الديار المصرية في مقال نشره في جريدة الوقائع بتاريخ 24 آب سنة 1887م: "إنّنا نعيد إنذار الآباء ـ هداهم الله ـ بأن لا يسلكوا بأولادهم في التربية مسالك توجب لهم قلق الفكر وتشويش البال، وأن لا يبعثوا بأبنائهم إلى المدارس الأجنبية التي تغيّر مشاربهم ومذهبهم، وأنّ ما سبق منّا نشره في الأعداد الماضية يبيّن أنّ المعاشرة نفسها تؤثّر في العقيدة؛ فلا يؤمَن على الأطفال من تغيير المذاهب". وقال ـ رحمه الله ـ: "إنّ بعض المسلمين يرسلون أولادهم إلى تلك المدارس طمعًا في تعليمهم بعض العلوم المظنون نفعها في معيشتهم، أو تحصيلهم بعض اللغات الأوروبية التي يحسبونها ضرورية لسعادتهم في مستقبل حياتهم". وقال: "ولم يختصّ هذا التساهل المحزن بالعامّة والجهّال، بل تعدّى لبعض المعروفين بالتعصب في دينهم، بل ببعض ذوي المناصب الدينية الإسلامية!.. وأولئـك الضعفاء أولاد المسلمين يدخلون إلى تلك المدارس الأجنـبـية فـي سـنّ الســذاجـة وغـرارة الصـبا والحـداثة، ولا يسـمعون إلاّ ما يخالف أحكام الشرع المحمدي، بل لا يطرق أسماعهم إلاّ ما يزري على دينهم وعقائد آبائهم؛ فلا تنقضي سنوات تعليمهم إلاّ وقد خوت قلوبهم من كل عقيدة إسلامية، وأصبحوا كفارًا تحت حجاب اسم الإسلام. ولا يقف الأمر عند ذلك، بل تُعقد قلوبهم على محبة الأجانب وتنجذب أهواؤهم إلى مجاراتهم، ويكونون طوعًا لهم فيما يريدونه منهم، ثم ينفثون ما تدنست به قلوبهم بين العامّة بالقول والفعل، فيصيرون ويلاً على الأمة ورزية على الدولة". أ.هـ
قال الشيخ محمد عبده ذلك منذ 1887.. أى منذ مائتى عام تقريباً.!! وكم من صارخ أيضاً منذ الشيخ محمد عبده ـ رحمه الله ـ وإلى الآن!! ومن ذلك:
د. يحيى هاشم حسن فرغل - الغزو التربوي في أروقة الأزهر :
في بداية القرن العشرين ومع خطوات الاستعمار الفرنسي في الشام صرح القائد الفرنسي الجنرال بيير كليبر بقوله عن المعاهد الفرنسية في لبنان : ( في بداية حرب عام 1914 – 1918 كان أكثر من اثنين وخمسين ألف تلميذ يتلقون دروسهم في مدارسنا ، وكان من بين هؤلاء فتيان وفتيات ينتمون إلى عائلات إسلامية عريقة ، مما جعل الجمعية المركزية السورية التي تألفت في باريس تعلن عام 1917 أن جميع ميول السوريين وعواطفهم تتجه إلى فرنسا بعد أن تعلموا لغتها وخبروها على مر الأجيال وتأكدوا من إخلاصها وتجردها !! )
ويضيف: ( إن كلية عنطورة في لبنان هي وسط ممتاز للدعاية الفرنسية ) ويقول ( وإن مؤسساتنا تعمل دون ملل لتغذية النفوذ الفرنسي ، مثل معهد الدراسات العبرية في القدس ومعهد الدراسات الإسلامية في القاهرة ، والمدرسة الإكليريكية الدومينيكية في الموصل )
ويضيف: ( إن انتشار لغتنا وإشعاع ثقافتنا وأعمالنا الإنسانية ، وعظمة الأفكار والعبقرية الفرنسية هي الأعمال المكملة لنا وسوف لا نهملها أبدا ) وهو كلام غني عن التعليق .
ولابد هنا من إشارات سريعة إلى ما حصل أخيرا للتربية الإسلامية في المدارس العلمانية تحت نفس العنوان ، وما حصل من قبل من علمنة لجامعة الزيتونة بتونس ، وانتشار الجامعات الأمريكية في مختلف البلاد الإسلامية .
ويضيف: يقول المنصر جورج بيترز ( إنه لحقيقة تاريخية أن مئات المدارس القروية وعديد من الكليات قد فتحت الأبواب إلى عالم جديد لآلاف الناس ، ومكنتهم من قراءة الإنجيل ، والأدب النصراني ، وهذه الكليات التي كانت وما زالت مراكز لتأثير عظيم في الشرق الأوسط والأدنى هي كلية روبرت باستانبول ، والجامعة الأمريكية في بيروت ، والجامعة الأمريكية في القاهرة ) ، وقد تبع ذلك انتشار هذه الجامعات بكثافة شديدة في السنوات العشرة الأخيرة في مدن الخليج العربي .. أ.هـ

وفى الدراسة التي أعدتها د.بثينة عبد الرؤوف رمضان مدرس أصول التربية بمعهد البحوث والدراسات التربوية بجامعة القاهرة، وحصلت عنها على درجة الدكتوراة حول "التعليم الأجنبى واثره على النسق القيمى للمجتمع المصرى": إن هذه المدارس تعمل بشكل منفصل تماماً عن المجتمع المصري ولا تقع تحت طائلة أي قانون وإن كان هناك إشراف على المرحلة الثانوية فهو إشراف صوري، وتخضع هذه المدارس لإشراف هيئات أمريكية تطبق عليها مقياسها وأهدافها مما يمثل مظهراً من مظاهر التدخل الأجنبي في شئون داخلية للدولة، وهو ما كان سائداً قبل ثورة 23 يوليو إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر.
وأشارت إلى أن المدرسة الأمريكية تقوم بنقل ثقافة المجتمع الأمريكي، مما يؤدي إلى تكوين فئات من الشباب ترتبط ارتباطا وثيقا بثقافة وافدة ويعمل ذلك على عدم وجود وحدة فى الفكر والعمل بين فئات المجتمع، مما يسهم في قلة التفاعل الاجتماعي وضعف تماسك أفراد المجتمع وارتباطهم، و يؤدي ذلك إلى تفكك النسيج الاجتماعي.... كما تسهم المناهج الأمريكية بطريقة مباشرة وطريقة غير مباشرة فى نقل وتدعيم القيم المتفق عليها في المجتمع الأمريكي، كما تؤكد على قيم الولاء والانتماء للولايات المتحدة الأمريكية مما يؤدى إلى ضعف الانتماء والولاء للمجتمع المصرى وخلق جيل من الشباب فى حالة من الضياع الثقافى فلا هم ينتمون إلى مصادر الثقافة الأمريكية التى تشربوها فى تعليمهم ولاهم قادرون على استيعاب منابع الثقافة العربية الإسلامية المصرية ، ويؤدى ذلك إلى شعور هؤلاء الطلاب بالاغتراب عن بيئتهم ومجتمعهم،و الرغبة فى الهجرة إلى مجتمعات أخرى أو الشعور بالإحباط نتيجة لعدم القدرة على حدوث ما يريده من تغيير أو عدم القدرة على التكيف مع بيئته ومجتمعه من جهة أخرى.وينطبق ذلك على جميع المدارس الدولية ( انجليزية –المانية – كندية ).. وقالت الدراسة إن ارتفاع مصروفات هذه المدارس يسمح لأبناء طبقة محددة من فئات المجتمع المصرى للالتحاق بهذه المدارس وهى طبقة رجال المال والأعمال والسياسة وكبار المسئولين فى السلطة، وتمثل هذه الفئات الطبقة العليا فى المجتمع ونظراً لطبيعة المجتمع المصرى فى توارث وتبادل المراكز القيادية فى كافة المجالات بين أفراد العائلة الواحدة والصحبة والشلة .. الخ، فإن أبناء هذه الطبقة من المفترض أن يكونوا قادة المستقبل فهم الصفوة المسيطرة على الأمور السياسية والاقتصادية والإعلامية مما يؤدى إلى تكريس التبعية فى ظل المتغيرات العالمية ومحاولة الهيمنة الأمريكية على دول المنطقة.. أ.هـ.

ومن محاضرة للدكتور محمد البهي بعنوان: مستوى الكفاية الفنية للتعليم في مصر، يقول فضيلته:
الإسلام واللغة العربية عاملان مقومان لشخصية الشعب العربي والشعب المصري على السواء، اتجه الغرب المستعمر في مصر إلى إضعاف اللغة العربية والإسلام، ونفذ إلى ذلك عن طريق التربية والتعليم، فقد عمد أولا إلى إخلاء مناهج التعليم في الابتدائي والثانوي إذ ذاك من الدين الإسلامي فضلا عن التعليم العالي، ثم جعل لغة التعليم هي اللغة الإنجليزية عدا دروس اللغة العربية، وهذه هي الخطوة الثانية.
وأضاف إلى هاتين التقليل من دروس اللغة العربية في مناهج التعليم. ثم يقول فضيلته:
والاستعمار في مصر كشف في سياسته الاستعمارية للتعليم المصري عن هذا الهدف، فلورد كرومر، ينص في كتابه (مصر الحديثة) على الصلة بين أضعاف اللغة العربية وخلخلة الإسلام في نفوس المصريين وبين استقرار الاحتلال البريطاني والتقدم المدني في التعليم في مصر الذي يساعد على التعاون بين الشرق والغرب، فكلما ضعف مستوى اللغة العربية وتخلخل الإسلام سنحت الفرصة لثبات الاحتلال من جانب، وللتقدم المدني من جانب آخر، الأمر الذي يجعل الشعب يقبل على الاتصال بالغرب على أنه سيد وموجه، وأصبحت السياسة التعليمية في عهد الاستعمار ترتكز على دعامتين:
الدعامة الأولى: إضعاف الأزهر بعزله عن الحياة التعليمية العامة.
الدعامة الثانية: رعاية التقدم المدني في التعليم، وهذا التقدم يرتكز بدوره على إبعاد الثقافة الإسلامية إبعادا تاما عن مناهج التعليم وعلى تشويه تاريخ العرب والمسلمين وفي الوقت نفسه إحلال تاريخ أوروبا والشعوب الأوروبية محل التاريخ العربي ولإسلامي.
ثم يورد هنا مقترحات المستر (بول اشميد) في كتابه (الإسلام قوة الغد) وتتلخص في أن يتضامن الغرب المسيحي شعوبا وحكومات، ويعيدوا الحرب الصليبية في صورة أخرى ملائمة للعصر الحديث، ولكن في أسلوب نافذ وحاسم، ويثني على سياسة البريطانيين في مصر بالنسبة للجانب التعليمي، ولكنه يأخذ عليهم أن الأزهر لم يزل بابه مفتوحا لأبناء مصر والوافدين عليه من أبناء العالم الإسلامي ويناشد البريطانيين أن يفعلوا بالأزهر كما فعل الفرنسيون بجامعة الزيتونة في تونس، وبالقيروان في الجزائر، وتثني على موسوليني في منعه طلاب ليبيا من الالتحاق بالأزهر في مصر بإنشائه في الحبشة معهدا إسلاميا يلتحق به أبناء المستعمرات الإيطالية في أفريقية له مظهر الأزهر وجوهر التعليم فيه إيطالي النزعة، وهي نزعة الاستعمار الغربي القائم على تفكيك الشخصية الإسلامية... ثم ترك الاستعمار تلاميذه يوجهون القيادة التربوية.

هذه الموجة المحمومة, تارة تحت زعم التمدن, أو العلم, أو التحضر. أو التنوير,..أو..أو..أو.. فليسمها ماشاء من شاء أن يسميها.. فالمحصلة واحدة.. كلب من الكلاب التى تنهش فى جسم وجذور اللغة العربية . لكنه كلب آخر من الداخل!!
وهناك غيره؟ .. نعم..
.....
أى ألم يعترينى, وأى غضب وأى ضيق, وأى اشفاق على لغتنا الجميلة.. وعلى أبنائنا..

للحديث بقية , ان شاء الله جل فى علاه

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(3/2)

سما طائرنا - ياصاحبى - فى أجواز الفضاء الرحيب. فمضى بطالع التاريخ ويستعرض الجغرافيا . فعاين الزمان والمكان.
ورأينا معه كيف أن طارق بن زياد فتح الغرب, ورأينا غيره فتحوا الشرق. فانبسطت الدولة الاسلامية حتى حازت العالم. ورأينا الناس -فى ظل هذه الدولة- نقبوا وفتشوا وبحثوا فى مناكب الأرض فاستخرجوا خيراتها من شكل ولون. وصارت الدولة الاسلامية منارة العالم وقبلة العلم والعلماء. لم تحتكر علما ولم تحجب معرفة. قصدها الطلاب من هنا وهناك فولوا وجوههم شطر المدارس والجامعات الاسلامية ينهلون -مسلمون وغير مسلمين- من علوم هؤلاء العلماء الذين تقرأ سيرهم وانجازاتهم الخلاقة فى مواطن كتبهم والكتب المتخصصة فى هذا المجال. وإذ وجد الناس فى ظل هذا الحكم (الممتد لأكثر من خمسمائة عام -كمارأينا) بحبوحة من العيش وحرية فى كل شئ: فى الاعتقاد, والعمل, والحركة, والانتقال...الخ. فظهر المسلم: الفنان, والصانع, والتاجر, والطبيب,, فى كل نشاط من أنشطة الحياة وأطيافها, يبدع ويبتكر ويتفانى فى مجاله, تظله الحرية , وبشجعه السلاطين والأمراء وذوو الجاه والغنى ..
كل ذلك بدافع وغاية , لم يتوفرا لدى غيره من ذوى الملل الأخرى, وهو ما سنعرض له فيما بعد -ان شاء الله تعالى- فى موضعه.
ورأينا أن أوروبا -وغيرها- من الأوطان لم تحظ بهذه النعم. بل العكس هو الصحيح. فقد أحكمت الكنيسة قبضتها وقيدت -ومعها نظم حكم غاشمة متسلطة- الحريات , فكتمت الأنفاس, وكتفت العقول, وأغلقت منافذ عديدة لاغنى عنها للانسان.
وحينئذ.. خرجت الأصوات على الكنيسة بالثورة, ونبحت على نظم الحكم بالثأر والتضجر.. إنهم يريدون الحرية والتنعم.. فالجوع ملهبة, وأى ملهبة!.. والحرمان مغضبة, وأى مغضبة!
ثار المفكرون والعلماء ينشدون الحرية, والتنعم. والنفس البشرية حين تهتاج تجمح وينفلت زمامها. إذن: فلتسقط الكنيسة, وليذهب رواد الحكم المتسلطون الى الجحيم.. لا للغيبيات والكهنوت.. لا للحرمان من لذيذ العيش واشباع الشهوات.. تلك الشهوات التى تشقق لسانها من طول العطش, وتمزقت أحشاؤها من شدة الجوع. وفغر الجسد فاه متسعا شرها نهما!! واستحكم العقل وتفرد بالقرار..!!
فنفجر البحر الهادر يجرف كل القيم والمثل .
فلنأخذ العلم, أو التحديث,أو التجديد, أو الحرية,, وللنطلق!!
وصارت الحرية -وعلى الأخص الشخصية- إلهاً .. وصار العلم -وحده- معبداً..
فجاء المولود الجديد.. او المسخ الجديد. يملأ الدنيا -والى الآن- عويلا وصراخا وضجيجا وألقى مافيه من كل فتحة فيه , فلوث الكون, وأزكم الأنوف, واستشرت الأمراض المستعصية.. وعلى رأسها أمراض خلقية (بضم الخاء واللام)..
هذا المولود السمج أسماه البعض "علمانية" (بفتح العين, وأحيانا بكسرها) خداعاً وبهتاناً.. فلا هى الى العلم تنتسب ولا العلم يتشرف بأن تحمل أمارة من أماراته.. وأسماه البعض الحداثة, التنوير, التجديد, التحضر, التطوير, الليبرالية..
قال تعالى: "مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف:40).
وقال: "إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى" (النجم:23).
وقال: "قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ" (الأعراف:71).
وسأنقل لك -ياصاحبى- من كتاب "الإسلام والعلمانية وجها لوجه" للشيخ يوسف القرضاوي, مايلى:
(العلمانية” ترجمة غير دقيقة، بل غير صحيحة لكلمة “Secularism” في الإنجليزية، أو “Secularite” أو “Lauque” بالفرنسية، وهي كلمة لا أصل لها بلفظ “العلم” ومشتقاته، على الإطلاق.
فالعلم في الإنجليزية والفرنسية، يعبر عنه بكلمة “Science”، والمذهب العلمي، نطلق عليه كلمة “Scientism”، والنسبة إلى العلم هي “Scientific” أو “Scientifique” في الفرنسية.
ثم إن زيادة الألف والنون، غير قياسية في اللغة العربية، أي في الاسم المنسوب، وإنما جاءت سماعا مثل “رباني” نسبة إلى “رب”، ثم كثرت في كلام المتأخرين، كقولهم: “روحاني، نفساني، ونوراني ..”، واستعملها المحدثون في عبارات، مثل: “عقلاني” و”شخصاني”، ومثلها “علماني”.
والترجمة الصحيحة للكلمة هي “اللادينية” أو “الدنيوية”، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص، وهو ما لا صلة له بالدين أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد.
وإنما ترجمت الكلمة الأجنبية بهذا اللفظ “العلمانية”، لأن الذين تولوا الترجمة، لم يفهموا من كلمتي “الدين” و”العلم” إلا ما يفهمه الغربي المسيحي منها. والدين والعلم في مفهوم الإنسان الغربي، متضادان متعارضان، فما يكون دينيا لا يكون علميا، وما يكون علميا لا يكون دينيا، فالعلم والعقل، يقعان في مقابل الدين، والعلمانية والعقلانية، في الصف المضاد للدين.
وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف، الذي تورده المعاجم، ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة:
تقول دائرة المعارف البريطانية مادة “Secularism”: “وهي حركة اجتماعية، تهدف إلى صرف الناس، وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة، إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها، وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى، رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا، والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ “Secularism” تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامحهم في هذه الدنيا القريبة.
وظل الاتجاه إلى الـ “Secularism” يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها حركة مضادة للدين، ومضادة للمسيحية”.
ويقول قاموس “العالم الجديد” لوبستر، شرحا للمادة نفسها:
1. الروح الدنيوية، أو الاتجاهات الدنيوية، ونحو ذلك على الخصوص: نظام من المبادئ والتطبيقات “Practices” يرفض أي شكل من أشكال الإيمان والعبادة.
2. الاعتقاد بأن الدين والشئون الكنسية، لا دخل لها في شئون الدولة، وخاصة التربية العامة.
ويقول “معجم أكسفورد” شرحا لكلمة “Secular”:
3. دنيوي، أو مادي، ليس دينيا ولا روحيا، مثل التربية اللادينية، الفن أو الموسيقى اللادينية، السلطة اللادينية، الحكومة المناقضة للكنيسة.
4. الرأي الذي يقول: إنه لا ينبغي أن يكون الدين أساسا للأخلاق والتربية.
ويقول “المعجم الدولي الثالث الجديد” مادة: “Secularism”:
“اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص، يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات الدينية، يجب أن لا تتدخل في الحكومة، أو استبعاد هذه الاعتبارات، استبعادا مقصودا، فهي تعني مثلا السياسة اللادينية البحتة في الحكومة”. “وهي نظام اجتماعي في الأخلاق، مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية، على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي، دون النظر إلى الدين”.
ويقول المستشرق “أربري” في كتابه “الدين في الشرق الأوسط” عن الكلمة نفسها:
“إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية، كلها أشكال للادينية، واللادينية صفة مميزة لأوروبا وأمريكا، ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الأوسط، فإنها لم تتخذ أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة، والنموذج الرئيسي لها، هو فصل الدين عن الدولة في الجمهورية التركية”.)..أ.هـ
ورأينا فيما سبق, كبف جاء الاستعمار يحمل المطابع والخرائط والبعثات "العلمية" و"التعليمية" الى بلاد المسلمين.. ووجدت الحركة التبشيرية (التنصيرية) فى العلمانية وسيلة ناجعة لتحقيق الأهداف والوصايا التى عرضنا بعذ نماذج مؤتمراتهم. ألم أذكر لك ان ثمة توأمة تصالح بينهما؟؟.. وتسللت العلمانية إلى أرض المسلمين -والعرب على الأخص!! وصار لها رواداً ونواعق, كما صار لها ضحايا ومغرر بهم ومغرورون.
نعم, ليس موضوعنا الاستفاضة فى تفنيد العلمانية وتمحيصها.. ولذا فإنى اكتفى بالتعريف السريع بها على نحو ماذكرت.. أعود فأقول:
"وقد انتهى هذا الصراع بين العلم والكنيسة بانفصال كل منهما عن الآخر؛ فالعلم له رجاله، ولهم في مجال العلم أن يقولوا ما يشاءون دون أن يكون للكنيسة حق مؤاخذتهم، وللكنيسة رجالها الذين يقولون ما يشاءون في أمور الدين دون أن يكون للعلم وعلمائه موقف معهم.
وقد لقّن المستشرقون بعض تلاميذهم من المسلمين الدعوة إلى العدول عن الكتابة بالحروف العربية إلى الحروف اللاتينية؛ بحجة أن عملية الطباعة بالحروف العربية شاقة بطيئة؛ لأن لكل حرف صورا عديدة بحسب موقع الحرف في الكلمة، أما كتابة الكلمات العربية بالحروف اللاتينية فإنها لا تحتاج إلى جهد ووقت؛ لأن الحروف تكتب متفرقة على صورة واحدة مهما اختلف موقع الحرف في الكلمة.
وهذه دعوة خبيثة تهدف إلى قطع الصلة بيننا وبين تراثنا القديم إذا طال الزمن وأصبحت الكتابة الإفرنجية هي التي تعلمتها الأجيال المتعاقبة، وصارت هي طريقها إلى القراءة والكتابة؛ فإذا رجع واحد من أبنائنا إلى كتاب مكتوب بالحروف العربية لا يحسن قراءته، وبذلك تطوى صفحة مكتبتنا العربية التي تضمّ موروثنا من العلوم والمعارف في الدين واللغة وفنون العلم المختلفة.
كما لقّن المستشرقون بعض تلاميذهم من العرب الدعوة إلى استعمال اللغة العامية بدل الفصحى؛ بحجة أن الفصحى لا تستعمل في الحياة العامة حتى بين المثقفين أنفسهم؛ فهي في واد والحياة في واد آخر.
وهي دعوة ظاهرة البطلان؛ لأن اللغة الفصحى هي التي يفهمها من يتكلمون العربية جميعا من مثقفين وغير مثقفين؛ فالعامة حين يستمعون إلى آيات القرآن يفهمون دلالتها وما تحمل من أوامر وزواجر وقصص ومواعظ، أما اللغة العربية العامية فلا تفهم إلا في نطاق ضيق بين المتحدثين بها في إقليم بعينه، وليس عجيبا أن تختلف العامية في بلد عنها في بلد آخر من بلاد اللغة الواحدة، فالإنجليزية تختلف عاميتها في إنجلترا عنها في أمريكا وهكذا..
وقد لقّن المستشرقون أيضا بعض تلاميذهم من العرب الدعوة إلى ترك الإعراب وتسكين أواخر الكلمات العربية تسكينا لازما في جميع الأحوال، شأنها في ذلك شأن اللغات الأوربية، بحجة أن هذا الأمر ييسر تعلّمها، ويجعل متعلمها في مأمن من الخطأ.
إن الإعراب في اللغة العربية هو أعظم مميزاتها عن اللغات الأخرى، ويكفي اللغة العربيةشرفا أنها حملت المعجزة التي عجز الإنس والجن عن تحديها، وبهذا استحقت هذا الوصف الكريم من الله تعالى في قوله جل شأنه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}[16]". ( الفكر والفلسفات المعاصرة - الاستشراق وجهوده وأهدافه في محاربة الإسلام والتشويش على دعوته - للدكتور عبد المنعم محمد حسنين - كلية الدعوة وأصول الدين )
ولا نزال نرى الكثيرين -وعلى الأخص الشباب- يغترون ويقلدون!!
ولشد ما يدهشنى ان يقول أحدهم: بعدم كفاية اللغة العربية للعلوم الحديثة!! وهو قول ممن لم يطالع التاريخ, أو مغرض, أو متمحل ..
"ونحن إذ نسعى إلى جعل الذات الإسلامية هي الموجه الفكري والأساسي العقيدي للتعليم، لابد أن نحدد اللغة التي يتم بها التعليم، ذلك أن اللغة تحيا بأهلها قبل أن تحيا بتركيبها، وتحظى بالصدارة عندما يكون أهلها قد سبقوا العالم في التطور الحضاري، ولعل مؤلفات ابن سينا والفارابي وابن يونس وابن الهيثم وجابر الخوارزمي وابن النفيس والزهراوي وغيرهم من أعلام الحضارة الإسلامية العظيمة، لتدل أعظم دلالة على صدق ما تقول، فالمطلع على هذا الإرث الحضاري الرائع يدهش لأسلوبهم العلمي الأخاذ ولغتهم العربية الرصينة التي كتبوا بها الرسائل والموسوعات وسطروا بها التجارب والبحوث في الفلك والجبر والهندسة والطب والجيولوجيا والجغرافيا وعلوم الحياة والكيمياء وغير ذلك من مجالات العلوم المختلفة. لقد طوع هؤلاء العباقرة لغتهم العربية لمصطلحات العلوم الكونية والطبيعية والأحيائية فأنتجوا حضارة عالمية هي بحق "حضارة القمة"." (د.السعيد اسماعيل على - مقال - إشكالية التحيّز في التعليم)
وللعلمانية وسائل خبيثة وادوات وآليات . ومن أهم ذلك الدفاع عن حقوق الانسان والحرية الشخصية والتمسك بالتقدم والعولمة وتكوين الاتحادات ذات الصبغة التشريعية المعتمدة على اشباع الغرائز والتملك .. الخ
وفى سبيل التمكين للعلمانية .. لاينبغى للغة العربية ان تستقر وتثبت.. فلا مانع من استخدامها للكتابة, ولكن بدون قيود ولا ضوابط (نحو أو قواعد أو صرف أو بلاغة..الخ).. بل والأفضل الاتجاه الى العامية (الدارجة, أولغة الشارع) فى كتابة!!
وتلك طامة كبرى .. أرجئ الحديث عنها فى لقاء قادم ان شاء الله تعالى.

للحديث بقية , ان شاء الله جل فى علاه
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(4/2)


اللغة هى نظام من الرموز الصوتية يتفاهم بها قوم أو جماعة فتكون وسيلة للاتصال بينهم. وهى السمة الفريدة التى يتميز بها الجنس البشرى عن ساتر المخلوقات.
وليس ثمة جماعة من الجماعات ممن خلق الله تبارك وتعالى, سواء فى عالم الانس أو غيره, إلا ولهم لغتهم.. وإليك مثل على ذلك, قوله جل فى علاه: حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ .(النمل:18).. وقوله: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً .(الجـن:1)..
والجنس البشرى لغته هى ماذكرنا.. أى أنها وسيلة اتصال وتفاهم وتبادل الفكر والمعلومات. على أن اللغة (بمعنى التواصل وتبادل الفكر والمعلومات) قد تتغير أشكالها وألوانها.. أو بمعنى أصح وسائلها وأدواتها, حسب الحاجات والأحوال. وهى وسائل وأدوات متعددة ومتنوعة.
ومن تلك الوسائل: الاعلام .. والاعلان
أما الاعلام -وبصرف النظر عن الاستفاضة فى تفاصيل تعريفه- فهو: "كل نقل للمعلومات والمعارف والثقافات الفكرية والسلوكية، بطريقة معينة، خلال أدوات ووسائل الإعلام والنشر، الظاهرة والمعنوية، ذات الشخصية الحقيقية أو الاعتبارية، بقصد التأثير، سواء عبر موضوعيا أو لم يعبر، وسواء كان التعبير لعقلية الجماهير أو لغرائزها".. وباختصار هو رسالة من مرسل (غالبا مايكون جهات حاكمة), الى متلق وهى الجماهير, بغرض الابلاغ أو التعليم والتثقيف.. ولعلك تلاحظ ذلك معى -ياصاحبى- حيث العديد من البلاد تنشئ وزارة للاعلام والثقافة والارشاد, وذلك لاقتران التثقيف والارشاد بالعملية الاعلامية, أى عن طريق الاعلام.
ولابد لنا ألا ننسى أن الاعلام له وسائله -وكذلك الاعلان- أو رسائله, فقد تكون خبراً (مكتوباً, أو مسموعاً, أو مرئياً) أو تحليلاً لخبر أو خطاباً مسموعاً أو مرئياً أو هما معاً, أو فيلماً, أو تمثيلية, او ..الى آخر ما نشاهده أو نقرؤه أو نسمعه.
والاعلام قد يكون حقاً وخيراً ذا غرض نبيل, وقد يكون زيفاً وخداعاً ذا غرض خسيس.
وقد ذكر لنا القرآن الكريم كلا النوعين. وأقتبس لك مثلا لكل: أما الاعلام الحق فدعوة الرسل والأنبياء, راجع معى -مثلا- سورة هود أو الأعراف أو الشعراء, وغيرها.. فمن ذلك قوله جل فى علاه:وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ. (الأعراف:80). وأما اعلام الزيف والخداع فمنه قول فرعون وهو يؤلب الناس ضد موسى نجد ذلك فى قوله عز وجل -حكاية عن فرعون وحاشيته:"فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى . قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (طـه:62-63)..
ومن حيث لارسالة بعد الاسلام, فقد اكتمل الدين وتمت النعمة,,"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً(المائدة: من الآية3).. فلم يبق إلا الاعلام بخيره وشره , من الناس وإلى الناس.
والمشكلة أن الناس فى الحالتين غالباً ما ينساقون ويصدقون "الاعلام". فضلاً عن تهافتهم عليه ومداومة تتبعه ليل نهار.
ومع تسارع التقدم فى وسائل الاتصال فى السنوات الثلاثين الأخيرة, خاصة بعد ظهور التلفزيون والانترنت والمحمول.. أصبح التلقى أسهل وغرس المفاهيم والمعلومات أيسر وأسرع.
وفيما قبل هذه السنوات الثلاثين, كانت الاذاعة والصحافة والكتاب. ومن ثم كانت الكلمة المكتوبة والمقروءة تحوز حيزاً من الاهتمام وتنال حظها فى الوجود. ولكن فيما بعد صارت الخطاب مشاهداً -ولو بالكتابة- أكثر منه مقروءاً. خاصة اذا أضفنا إلى ذلك سمة العصر ألا وهى السرعة. فلا وقت للتأمل ولا وقت للتذوق. كل شئ أصبح أقرب مايكون إلى الوجبات الجاهزة السريعة..
والقائمون على الاعلام لم يهمهم أسلوب الخطاب بقدر ماأهمهم الغاية من الخطاب. ولما أصبح الناس يشاهدون أكثر مما يقرأون, فقد اتجه الاعلاميون الى مخاطبة الناس بالأسلوب الذى يحبه الناس (أو يريحهم) لا بما يجب أن يخاطبوهم به.. تماماً كما يفعل التجار والباعة الجائلون. وعلى ذكر التجار والباعة أنتقل الى الاعلان.
فالاعلان Advertising (فى أشمل تعريف له) ما وضعته جمعية التسويق الأمريكية: " الإعلان هو مختلف نواحي النشاط التي تؤدي إلى نشر أو إذاعة الرسائل الإعلانية المرئية أو المسموعة على الجمهور بغرض حثه على شراء سلع أو خدمات، أو من أجل استمالته إلى التقبل الطيب إلى لأفكار أو أشخاص أو منشآت مُعلن عنها" .
والتاجر الماهر هو ذلك التاجر الذى يخاطب الناس (الزبون) بما يجذبهم الى سلعته, وفى سبيل ذلك سيخاطبهم بأى لغة, ويأى أسلوب, وبأى "كلام".
وسادت ظاهرة جديدة .. فبعد أن كانت الاعلانات -سواء الملصقات فى الشوارع, أو على صفحات المجلات والصحف..الخ- مكتوبة باللغة العربية الفصحى, وكان الكل يقرؤها ويفهمها بطبيعة الحال, سادت ظاهرة كتابتها باللهجة العامية, أو لغة الشارع أو الدارجة أو المحكية.. وإن شئت قلت ظهر كلب جديد من الكلاب الناهشة فى اللغة العربية.. كلب من أرض الوطن, بعد أن رعاه -وهو بعد جرو صغير- أعداء الأمة وأعداء القرآن الكريم.. إنه اللهجة العامية أو المحكية الزاحفة!!
ومع انسياب الحرية (راجع ماقلناه فى هذا الصدد) بأنواعها.. وانتشار القنوات الفضائية, والصحف والمجلات , ولكل من ملك قدرة -مالية أو معنوية- أن يوجه خطاباً فله الحرية فى ذلك.. سواء بالأعمال الفنية أو الأدبية أو بأى شكل من أشكال أعمال الفكر .. الكل حر, الكل يقول ويكتب.. ماشاء وكيف شاء.. السوق مفتوحة, والعرض دائم ليل نهار, بالغث والثمين.. والتجار كثيرون وطامعون , بل وجشعون.
المهم .. زحفت اللهجة العامية (المحكية).. ولاتزال تزحف. لاتحسبنى -ياصاحبى- ضد الحرية,أو ضد أن يتكلم الناس بلهجاتهم المحلية, فهذا شأن آخر .. لكننا هنا بصدد الكلمة المكتوبة بغير اللغة العربية على غير مقتضى. أو بمعنى أدق نحن هنا بصدد الكلام عن التغلغل الواضح فى استخدام اللهجة العامية , وعلى حساب اللغة العربية.
نحن الآن بصدد نتاج الاستشراق والعلمانية والتنصير -والمشوار الطويل الذى حلقنا فيه- وإليك هذا المثل:
"ولعل من المناسب أن نشير إلى أقطاب دعاة العامية في العالم العربي لم يجرؤ أحد منهم على كتابة آرائه وأفكاره في أي من كتبه باللهجة العامية ، لأنه يعلم قبل غيره أنه بذلك يحكم عليه بالموت شنقاً ساعة الولادة .فهذا – مثلاً – سلامة موسى ظل يدعو إلى هجر اللغة العربية الفصحى والكتابة باللغة العامية ما يزيد على خمسين سنة ، ولم يجرب يوماً أن يكتب بها مقالاً واحداً ، مع أن له مئات المقالات ، فهم أول من يتنكر لها ، ولكنهم يهدفون إلى شئ آخر هو عزل المسلمين عن مصادر عزتهم ومجدهم وفصلهم عن دينهم وتراثهم." - من كتاب لـ د/نفوسة زكريا بإسم "تاريخ الدعوة إلى اللغة العامية"
ولمزيد من الايضاح , وأرانى مضطراً إلى الاطالة والتكرار, لابد من الوقوف على جذور المسألة ومسلسل المخطط الخسيس:
"أول من دعا إلى ذلك والف فيه الدكتور / ولهم اسبيتا .. الألماني الجنسية والذي كان مديراً لدار الكتب المصرية . ففي سنة 1880م وضع كتاباً عنوانه " قواعد العربية العامية في مصر " وهذا الكتاب يعده الباحثون أول محاولة جدية لدراسة لهجة من اللهجات العربية المحلية ، ودعا سبيتا في كتابه إلى اتخاذ العامية لغة أدبية بحجة صعوبة اللغة العربية الفصحى ، وأشار بطريقة ما كرة إلى فتح العرب لمصر ، ونشر لغتهم العربية بين أهلها وقضائها على اللغة القبطية لغة البلاد الأصلية. وهو يحاول بهذا إثارة العنصرية العرقية المصرية ضد اللغة العربية .
وقد تلا مستر سبيتا في الدعوة إلى العامية (اللورد دوفرين) الوزير البيطاني الذي قام بزيارة مصر لإي أول سنوات الاحتلال وبالتحديد عام 1882م. فرفع بعد زيارته تقريراً إلى وزير الخارجية البريطاني دعا فيه إلى معارضة الفصحى ، وتشجيع لهجة مصر العامية .ويعد ( ويلكوكس ) الذي مات عام 1932مبعد أن قضى من عمره في مصر 49عاماً في عمل دائب وجهد متواصل من أجل دعوته على مهاجمة اللغة العربية والتبشير بدينه الفاسد.
ويعد ( ويلكوكس ) من أطول المبشرين نفساً وأكثرهم إلحاحاً، فقد بذل جهوداً كبيرة بين التأليف والمحاضرات من أجل دعوته ، فمثلاً في سنة 1926م نشر " ويلكوكس" رسالة بعنوان :" سوريا ومصر وشمال أفريقيا تتكلم البونية لا العربية ". وقد وجه الدعوة في هذه الرسالة إلى ضرورة اتخاذ العامية لغة للتعليم بدل العربية الفصحى . واقترح تحديد مدة زمنية مقدارها عشر سنوات ، ورأى أن هذه المدة كفيلة بتخليص المصريين من الصخرة الثقيلة التي يعانون منها باستخدام العربية الفصحى .
وقد تلا ( ويلكوكس ) القاضي الإنجليزي ( سلدن ولمور ) وبعده الإنجليزي (باول ) عام1926م الذي اشترك مع زميله ( فيليوت ) أستاذ اللغات الشرقية بجامعة (كمبردج) في وضع كتاب باللغة الإنجليزية أسمياه ( المقتضب في عربية مصر ) وهو يتناول الدعوة إلى اتخاذ العامية بدلا من الفصحى . وقد حاولا في كتابهما أن يضعا قواعد لتسهيل تعليم اللغة العامية .. ولم ينسيا أن يذكرا بألم وحرقة ما تعانيه اللغة العربية من صعوبة.
ولم يقف الأمر عند هذه الجهود الفردية ، بل إن حكومات الاحتلال قد سعت وشجعت إنشاء جرائد باللغة الدارجة ، وقد صدر منها عام 1900م وحده سبع عشرة جريدة.
لقد تبنى عدد من العرب الذين يحملون الحقد لهذا الدين من المأجورين والمستغربين أمثال " سلامة موسى " الذي أثنى على" ويلكوكس"وأشاد بجهوده وعده أحد المخلصين لمصرثم قام بعده " أحمد لطفي السيد "الذي يعد من أوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة إلى العامية بعد أن مهد لها أعداء الإسلام واللغة من المستشرقين.
وقد دعا إلى تمصير اللغة العربية ، وكتب في ذلك عدداً من المقالات نشرت عام 1913م في صحيفة "الجريدة" ، ثم جاء بعدذلك قاسم أمين ، والخوري مارون غصن ، ومحمود تيمور ، وسعيد عقل ، وأنيس فريحة ، ولويس عوض .. وغيرهم ." - المصدر السابق
أصبحنا نرى "العامية" فى الشوارع والسكك والميادين والتلفزيون والانترنت والمحمول وعلى أغلفة السلع والمنتجات الاستهلاكية والمعمرة و..و.. حتى صرنا نتساءل: أين "العربية"؟ أين أجيالنا الحاضرة من هذا المخطط وتلك البراثن والمخالب؟؟.. إليك بعض جواب نتائج هذا المخطط:
أذكر فى أوائل عام 2007 - أو أواخر عام 2006 أن التفتت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى هذا الأمر فى مؤتمر عقدته الأمانة العامة بالقاهرة هو مؤتمر "لغة الطفل العربي في عصر العولمة" المنعقد تحت رعاية المجلس العربي للطفولة والتنمية‏ وجاء بالتقرير:"أن:الإعلانات التجارية المعلقة في شوارع المدن العربية والشعارات الدعائية التي تزين بضائع الاستهلاك الشعبي تؤثر بشكل كبير على تكوين الذخيرة اللغوية للأطفال في العالم العربي ومن المحتمل أن تلحق ضررا كبيرا بنقاوة اللغة العربية في وقت ليس ببعيد.
ويرى معدو التقرير أن استخدام العبارات المأخوذة من اللهجات العامية في الإعلانات التجارية المكتوبة وكذلك الكلمات الأجنبية بكثرة يؤدي إلى ظهور كلمات غريبة وغير ضرورية في اللغة العربية الفصحى وكذلك العديد من المعاني الخاطئة.
ويرى علماء اللغة العرب أن هذه العملية تؤثر بشكل سلبي على نقاوة اللغة العربية.
واقترح علماء اللغة إيجاد حل لهذه المشكلة من خلال إقامة تعاون وطيد بين الشركات الإعلانية والمنتجين والمتخصصين في علم اللغة والتربية بهدف التعريف بجمال اللغة العربية ونقاوتها."

وللحديث بقية , ان شاء الله جل فى علاه

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(5/2)

من السمات الثابتة لنشاط البشر فى أى أمة أن تجد لغة هذه الأمة أو تلك, على شاكلتين: الفصحى, والعامية "المحكية". والواقع المشاهد فى كل امة أن الناس يتكلمون فى شئونهم الحياتية اليومية باللهجة العامية, وليسوا مطالبين بالتعامل فى هذه الحالة باللغة الفصحى. كما وأن اللغة الفصحى هى الأم والأساس خاصة عند تداول المحررات والكتابات, وعلى الأخص عند صياغة الدساتير والقوانين والعقود والمواثيق وما إلى ذلك, من الشئون التى تتسم بالدوام والثبات, والتى يجب أن يتفق الشعب الواحد فى أمة ما على فهم واحد بلا تفاوت -قدر الامكان- على هذه الصياغات. بمعنى أنك قد تجد فى البلد الواحد لهجات متعددة "محكية", كما هو الحال فى مصر مثلاً ما بين لهجة أهل الوجه البحرى ولهجة أهل الوجه القبلى, أو قبائل الشمال وقبائل الجنوب فى اليمن, وهكذا. وما يجمع الناس على معنى واحد لايختلفون فى فهمه هو اللغة الفصحى. هذه مسألة معروفة فى كل بلد من بلدان العالم. ويتفق هذا تماماً بالنظر إلى اللهجات العامية فيما بين الدول العربية والاسلامية, فاللهجة العراقية تختلف عن اللهجة المصرية واللبنانية والسعودية والمغربية , كل بلد له لهجته, فضلاً عن اللهجات الداخلية المختلفة داخل البلد الواحد -على نحو ماضؤبنا له المثل. لكن مما لاخلاف فيه اتفاق سكان هذه البلاد جميعاً فى فهم اللغة العربية الفصحى, ولايكاد يكون ثمة اختلاف فى الفهم إلا فى القليل النادر.
على أن قضية العامية ليست جديدة , فأغلب الظن أنها بدأت مع ظهور التواشيح -وسميت بالزجل فيما بعد- فى بلاد الأندلس, وقد أشار ابن خلدون الى ذلك فى مقدمته بقوله: "ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل".
اذا فهمنا هذا المعنى, فمن المسلمات أن اللهجة العامية تزحف وتستوطن ألسنة الناس حتى تصبح اللغة الفصحى فى حاجة إلى تفسير وتأويل باللهجة العامية ليفهم السامع - أو القارئ, وهو الأهم- ما المقصود بالعبارة الفصحى.
لقد صارت لغات أخرى فى مأزق خطير إزاء زحف العامية , حتى بلغ الأمر -مثلاً- الى اصدار قاموس للغة العامية الأنجليزية English Idioms,Sayings And Slang يحتوى على العديد من المصطلحات الشائعة و الكثيرة الحدوث فى اللغة العامية و بالذات اللهجة الأمريكية.. وقد أذاعت وكالة رويترز العربية هذا الخبر- لوس انجليس (رويترز) 2 فبراير 2009-:
"تصدر الطبعة السادسة من معجم "اللغة العامية لجامعة كاليفورنيا في لوس انجليس" هذا الشهر. وتقوم على اصدار المعجم كل اربع سنوات استاذة علم اللغة باميلا مونرو وطلابها في جامعة كاليفورنيا بلوس انجليس. وقالت مونرو ان المعجم المرح قد وضع باستخدام عملية منهجية تبدأ بجمع الطلاب للعامية من الاصدقاء يلي ذلك تحليل مفصل للتأكد مما تم التوصل اليه ينطق ويعرف على نحو صحيح. وتابعت مونرو قائلة "يتعلم الطلاب الكثير عن القواعد واللغة وعلم اللغة.. يمكنك دراسة اي شيء تريده عن اللغة العادية من خلال اللغة العامية.".. واوضحت مونرو ان معجم الانجليزية العامية الذي يقع في 160 صفحة يتضمن مصطلحات وتعريفات واجزاء كلام ونماذج جمل وملاحظات حول دراسة تعليل (اتيمولوجيا) واصل اللغة العامية الجديدة.أ.هـ.
إن القراءة السريعة لهذا الخبر تعطينا مؤشراً واضحاً بأن اللهجة العامية تستوطن ألسنة الناس, ومن ثم أفهامهم, حتى أنها تكاد تحل محل الفصحى, فصار لها -للعامية- معاجم وقواميس !!. أى أصبحت وكأنها لغة مستقلة بذاتها منفصلة عن اللغة الأم. وأبسط مثل لبيان خطورة هذا الأمر, أننا لو تصورنا قارئاً يقرأ فى احد كتب التاريخ سيرة بلده المكتوبة باللغة الفصحى بطبيعة الحال منذ زمن مضى, لاشك أنه سيتعثر فى فهم المقصود فهماً صحيحاً لأنه يقرأ مالا يتكلمه أو على الأقل يقرأ ما لم يألف كتابته, فكيف يفهمه؟؟
وإلى ذوى النوايا "الطيبة" الذين يستخفون بالمسألة ولا يعيرونها اهتماماً, أو الذين يجسبوننا نبالغ فيما ذكرنا. سنضرب مثلاً (مجرد عينة) لنرى -فوق ماذكرناه عبر مشوارنا الطويل- كيف يفكر الآخرون, أو ماذا يريدون, وماهى أساليبهم؟؟ .. ومع انتشار الانترنت, والمحمول, كما أسلفنا, كانت الأرض الخصبة أو المستنقع بمعنى أصح حيث الصياد والفريسة. وليس شرطاً -والحالة هذه- أن يكون الصياد ماهراً, بل غالباً ما تكون الفريسة سهلة المنال تعانى جهلاً أو اندفاعاً غير محسوب العواقب .. فقد وجدت فى أحد المواقع (ويكيبيديا) على شبكة الانترنت هذا "الكلام" المجهول صاحبه, وستلاحظ معى أنه "كلام" لايليق به أن يسمى موضوعاً بالمعنى الصحيح لما يسمى موضوعاً.. هذا الكلام جاء فيه النص التالى -والذى أرى من الضرورى التعقيب عليه بعد عرضه:
"المَصري (اللغة المصرية الحديثة) هى اللغة اللي المصريين بيتكلّموها في مصر, ابتدا تاريخها في دلتا النيل حوالين بلادها الحضرية زي القاهرة وإسكندرية. النهارده اللغة المصرى هي اللغه السايدة في مصر و بيتكلّمها مُعظَم سكّانها. اللغه المصريه الحديثه هى لغه معترف بيها. كود اللغة بالنسبة لقانون المنظمه الدولية للتوحيد القياسى (ايزو 639), هو arz.
المصرى لغه ماخدتش نصيبها من الكتابة, بس ساعات بيتكتب بيها في الروايات, و المسرحيات, و الأصايد (الثقافة "العامية") و كمان في مجلات ورسوم الكاركاتير و الاعلانات, و شوية جرانيل، وأخيراً في كتب إنكتبت بـ اللغة المصري الحديثة. أكتريـّة طرُق الإعلام المكتوبة و أخبار التليفيزيون بتبقى بـ العربي الكلاسيكي بعد تطويرهُ و تعديلهُ. دلوقتي بقى فيه شويِّة قنوات بتستعمل "المصري" بدل "العربي في الاخبار, زي قناة "او تي في". ‏المصرى دلوقتي كمان ببتكتب بيه شعارات الحزب الوطنى الديمقراطى فى مصر .
اللغة المصرية الحديثة هى اللغة الأُم لـ 76 مليون مصرى و هى في الحقيقة لغة مستقله من أصل «حامي» (أفريقي) وهى إمتداد لـ حروف اللغات المصرية القديمة و ليها قواعد مختلفة عن قواعد اللغة العربي, في تركيب الجمل, وتصريف الكلمات و أخدت مفردات كتير من اللغة العربي و كمان من لغات تانية زي اللغة القبطي(لغة المصريين قبل الغزو او الفتح العربي لمصر) و التركي و الانجليزي و الفرنساوي. اللغة المصري الحديثة بيتكلمها اكتر من 76 مليون واحد في مصر و بيفهمها كويس سكان البلاد اللي حوالين مصر. بسبب إنتشار المسلسلات و الأفلام و الأغاني المصرية. و المصري لغة ليها لهجات و من أكبر اللهجات دي البحيري و الصعيدي وكل واحدة فيهم ممكن تتقسم لـ لهجات فرعية تانية و فيه مجهودات علشان يبقا للمصرى قاموس. اللغة المصرية بتتكتب بالابجدية العربية في أغلب الأوقات, بس في دعوات من وقت للتاني لـ كتابتها بـ الحروف اللاتيني او بالحروف القبطي.
التوزيع الجغرافى:
المصري بيتكلمه حوالي 76 مليون مصري جوّه مصر زائد المصريين المهاجرين لمناطق زي الشرق الاوسط, اوروبا, أمريكا الشمالية, اُستراليا و جنوب شرق اسيا. المصري كمان بقى لغة التواصل المشترك (لينجوافرانكا) بين شعوب الدول اللي حوالين مصر‏
و دا راجع لـسببين اساسيين: انتشار و شعبية الأفلام المصرية و الاعمال الفنية التانية من بدايات القرن العشرين; و كمان بسبب الأساتذة المصريين اللي بعتتهم مصر علشان يأسسو النظام التعليمي في دول شبه الجزيرة العربية و الجزاير و ليبيا. في اليمن مثلاً, فيه يمنيين إتاثـّرو بشكل كبير باللغة المصري و دخّلو كلمات مصرية زي "كويّس" و "كدا" جوه اللغات بتاعتهم. نفس الحاجة بنلاقيها في السودان و الشام (خصوصا فلسطين) و في ليبيا. الإتجاه دا دلوقتي خّف[عايز مصدر] شوية بسبب اللغة اللبنانية بسبب الأعمال الفنية و الإعلام اللبناني اللي نجح بشكل [عايز مصدر]كبير في الفترة الاخيرة على الرغم من ان كتير من المغنيين اللبنانيية لسة بيغنو أغانيهم بـ المصري.
التاريخ:
بعد غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ابتدا العرب فى فرض لغتهم ومضايقة المصريين اللى بيتكلمو بالقبطى و وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى و زاد الضغط على المصريين بعد تعريب الدواوين وبقت من شروط التعيين فى اى شغلانه في الدواوين (الوزارات دلوقتي) هو الكلام باللغة العربى. ولمدة تلات قرون بعد الغزو كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي. الازدواجية دي فضلت في الصعيد لمدة طويلة جداً بيقدرها بعض العلما لحد القرن ال17 وخصوصا بين الفلاحين وبين الستات اكتر من الرجالة. المصري يمكن يكون إبتدا في الفسطاط, اول عاصمة اسلامية لمصر. الحاكم بأمر الله حرم استخدام "القبطى" حتى فى صلاة المسيحيين.
من اقدم الحاجات اللي اتكتبت عن المصري كتاب اسمه "دفع الإصر عن كلام أَهل مصر" واللى ألّفهُ يوسف المغربي في القرن ال16 الكتاب فيه معلومات مهمة جدا عن اللغة المصرية في العصور الوسيطة. الكتاب كان هدفه اثبات ان كلام اهل مصر مختلف عن اللغه العربى, و قال "كلام اهل مصر مليان غلطات لما تقارنها بالعربي الكلاسيكي، بس اللغة دي مرتبطة بالعربي في حاجات كتيرة تانية".
الحالة الرسمية:
اللغه المصريه الحديثه هى لغه معترف بيها كود اللغة بالنسبة لقانون المنظمه الدولية للتوحيد القياسى (ايزو 639) بس لحد دلوقتي مالهاش أي صفة رسمية من الحكومة المصرية و مش معترف بيها على انها لغة مستقلة .العربى القياسى الحديث و هو تجديد للـ لغة العربي الكلاسيكية (عَرَبيّة فُصحَى), هي اللغة الرسمية في مصر, و لكن إبتدا الإهتمام بـ اللغة المحكيـّة في القرن ال19 لمّا كانت الحركة القومية المصرية الإستقلاليّة بتعمل.
كان فيه أسئلة عن تصليح و تجديد اللغة العربي, وكانت الإقتراحات دي موجودة:
1. تطوير تعبيرات جديدة, عشان تتحط بدل المصطلحات القديمة في العربي
2. تبسيط القواعد النَحويـّة و المورفولوچيـّة معا إستعمال المُصطلَحات المعروفة؛
3. التـَمصير الكامل بـ الإستغناء عن العربي لـ صالح اللي إتسمّا الـ"مصري", أو العربية المَصرية.
من الناس اللي إقترحو التصليح اللغوي في مصر قاسم أمين, (واحد من مؤسيين الحركة الوطنية المصرية و جامعة القاهرة و من اشهر المدافعين عن حرية المراة), و أحمد لطفي السيد رئيس جامعة القاهرة, والمُفكّر المعروف سلامه موسى. وإتبنـّو طريق جديدة و علمانية وإختلفو مع الفرضية اللي بتقول إن اللغة العربي هيا لغة ثابتة علشان إرتباطها بـ القرآن. أما في القرن ال21, مجموعة من النـُشـَطاء العلمانيين الحزب المصري الليبرالي, بهدف التَرويج للإصلاح السياسي في مصر, و هما بينادو بـ الإعتراف الرسمي بـ الـمصري بس الدعوات دي ماتشهرتش في الشارع المصري عشان مافهموش الفكرة و متأثرين بالأفاكر السابقة. و دعوات الإعتراف بـ اللغة المصرى, بتبقى عادةً من مثقفين و دعاة التغيير, و الفكر المسيطر على الناس بيبقى مُحافظ, و بـ سبب شوية أفكار دينيه متعصبه. العصر الدهبي للغة المصرية كان قبل إنقلاب الضباط الأحرار في 1952 و وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1945 و اللي بدأت معاه عملية تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ. أول رواية مصرية في العصر الحديث إسمها زينب و ألـّفها محمد حسين هيكل سنة 1913 و كتبها كلها بـ اللغة المصري. فيه مصريين كتير ساهمو في تبيين إن اللغة المصري هي لغة مستقلة عن العربي بـ أعمالهم الأدبية زي يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي. جمال عبد الناصر إبتدا حملة تعريب التعليم في مصر و تعريب المؤسسات الحكومية. و في الخمسين سنة اللي فاتو بقى معظم المصريين المتعلمين في المدارس المصرية عندهم إنطباع إن اللغة العربي هي اللغة الاُم بتاعة المصريين. بس ده تشويه لـ مفهوم اللغة الاُم‏.

هذا هو "الكلام" بنصه, والتعقيب عليه يتمثل فى عدة ملاحظات , وهذه الملاحظات من الأهمية بمكان:
أولاً: من المؤكد أن صاحب هذا الكلام ليس من المسلمين, بل كلامه ينضح بالعداوة للاسلام وللمسلمين وهذا واضح من عدة تعبيرات استخدمها, مثل قوله:"غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ".. و " أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ" .. و "اللغة القبطي(لغة المصريين قبل الغزو او الفتح العربي لمصر)",, و "ولمدة تلات قرون بعد الغزو كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي"

ثانيا: الاصرار على اعتبار اللهجة العامية لغة مستقلة, كأى لغة, كالانجليزية, واليابانية والصينية والعربية. فقائل هذا الكلام يبدأ بتسمية العامية بـ"المصرى" ويعتبر اللهجة العامية المصرية لغة مستقلة, كأى لغة, كالانجليزية واليابانية والصينية . وقد صرح بذلك فى قوله "و هى في الحقيقة لغة مستقله من أصل «حامي» (أفريقي)" فهو اذن يريد أن يجعلها تضارع اللغات الأخرى فى النشأة والتكوين والاستخدام. ولو أنه أراد بقوله هذا أنها لغة الكلام لأهل مصر لكان أمراً عادياً. فقد ذهب بعض علماء المصريات والآثار إلى أن المصريين كانوا -منذ القدم- يتكلمون باللغة التى يتكلمونها اليوم, أى اللغة العامية (منهم الدكتور أسامة السعداوى:"اللغـة المصرية لم تتغير شفهيا حرفا واحدا منذ عصور ما قبـل الأسرات وحتى يومنا هذا .. بمعنى أننا نتحدث تماما كما كان أجدادنا المصريون القدماء يتحدثون ").
وهذا مالا نرى داعياً قوياً كى نتمادى فى النظر فيه, إذ من المسلمات أن لكل أمة لغة كلام -مجموعة النغمات الصوتية التي يتلفظ بها-(العامية), ولغة رسمية (الفصحى)- وهى اللغة المتعامل بها فى الكتابة وفى التعليم وفى مجالات المحررات المتداولة بشكل عام. واللغة الرسمية هى لغة أكثر ثباتاً ودواماً, وهى المرعية بالحفظ والصون . وهذا ما سنتعرض له فى موضعه ان شاء الله تعالى.
ثالثا: هذا الكلام فيه خلط الكثير من الزيف والافتراء والالتواء أكثر مما فيه من قول الحق. علاوة على مافيه من اضطراب أو تضارب. وما ذلك إلا لتعمية القارئ.. فمن ناحية: قائل هذا الكلام يبدأ بتسمية العامية بـ"المصرى", ثم يعتبرها "اللغة المصرية الحديثة", وقوله:"وهى إمتداد لـ حروف اللغات المصرية القديمة و ليها قواعد مختلفة عن قواعد اللغة العربي, في تركيب الجمل, وتصريف الكلمات" ولا ندرى ما المقصود بتلك الحروف؟؟ إذا المعلوم أن حروف كتابة المصريين القدماء لم تكن ذات صلة بالحروف العربية. ولا تزال الآثار الفرعونية حتى الآن تشهد أن المصريين القدماء كانوا يكتبون بالتصاوير, وهى قضية مشهورة ومعروفة , وأقصى ما استطاعه علماء المصريات والآثار أن يحكوا لنا استنتاجات - تحتمل القبول والرد, على خلاف بينهم - أن الكتابة عند القدماء المصريين تطورت بشكل ما إلى رموز ومايشبه الحروف فى العصر القبطى والرومانى. لكنها فى كل الأحوال لم تكن أبداً هى الحروف العربية التى نزل بها القرآن الكريم والتى تمت كتابته بها ومحفوظ من عهد عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه و ستظل كذلك إلى قيام الساعة. ومن ناحية أخرى: فهو يزعم أن " الحاكم بأمر الله حرم استخدام "القبطى" حتى فى صلاة المسيحيين." وليس يخفى على أحد هذا الافتراء السمج, فالمسلمون فى كل فتوحاتهم لم يتدخلوا فى شئون أهل الكتاب ولا فى عباداتهم بأى شكل, اللهم إلا فى كتابات بعض المستشرقين ومن والاهم ممن يستهويهم الطعن على الاسلام بالطعن على أهله, إذ أعجزهم الطعن على القرآن الكريم. ومن جهة ثالثة: يتكلم عن رواد العلمانية والليبرالية أمثال قاسم أمين, ولطفى السيد. بسياق يوهم أنهم دعوا الى تبنى اللغة العامية على شاكلة كلامه, ويكفينا لفضح هذا الالتواء فى التعبير أن أياً من هؤلاء لم يكتب إلا باللغة العربية الفصحى, وعلى الرغم من أن طه حسين كان واحداً من الذين دعوا الى انتهاج النموذج الغربى فى الثقافة إلا أنه -وللحقيقة- لم يدع إلى معاداة أو اهمال العربية, وإنما غاية ماذهب إليه الرجل فى هذا الشأن أنه دعا إلى اثراء اللغة العربية بالألفاظ والتراكيب التى تستحدث مع تطور الزمن. ومن ناحية ثالثة: فهو يقول:"أول رواية مصرية في العصر الحديث إسمها زينب و ألـّفها محمد حسين هيكل سنة 1913 و كتبها كلها بـ اللغة المصري" -لاحظ قوله "كلها"- مضيفاً التعبير الخبيث: "فيه مصريين كتير ساهمو في تبيين إن اللغة المصري هي لغة مستقلة عن العربي بـ أعمالهم الأدبية زي يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي ". وكأنه لم يقرأ أعمال هؤلاء الأدبية -وهذا مستبعد طبعاً فاللغط منه مقصود ومرتب مسبقاً- إذ الثابت أن أعمال هؤلاء لم تكن إلا باللغة العربية الفصحى وجل ما فى الأمر احتواء رواياتهم على حوار يغلب عليه العامية, ولا مجال للكلام عن صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي, إذ الأعمال هنا من قبيل الأغانى والزجل, ولا يعنى هذا تبنى العامية على مفهوم اهدار العربية الفصحى. ويشهد لما كتبناه أن المقالات التى قدمها هؤلاء ليست إلا بالعربية الفصحى فى الصحف والمجلات التى كتبوا فيها. هذا بصرف النظر عن الوجهة التشريعية المتعلقة بالغناء أو غير ذلك مما لا محله هنا.
رابعا : ثم التمادى فى الافتراء بقوله:"بعد غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ابتدا العرب فى فرض لغتهم و مضايقة المصريين اللى بيتكلمو بالقبطى و وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى و زاد الضغط على المصريين بعد تعريب الدواوين وبقت من شروط التعيين فى اى شغلانه في الدواوين (الوزارات دلوقتي) هو الكلام باللغة العربى." وهذا مردود عليه بالواقع وبالتاريخ. فحماية الفصحى ضد التبديل والضياع أمر معروف فى كل البلاد ومن ذلك "وقد صدر في فرنسا في أعقاب ثورة 1830 قانون يحتم على الفرنسي معرفة الإملاء السليم بغية الحصول على وظيفة عامة في البلاد" (عبد الفتاح الزين - قضايا لغوية في ضوء الألسنية). بل إنه من المعروف أن الدول المتقدمة الغربية التى تفتح باب الهجرة إليها - أو منح جنسيتها - توجب على الراغب فى ذلك أن يكون متقنا للغات تلك البلاد تحدثاً وكتابة. ولايغيب عن الذهن أن الكتابة هنا تتطلب مهارة ولو معقولة فى استخدام لغة هذه البلاد الفصحى لا العامية. هذا مايفعلونه على الرغم مما ذكرناه سلفاً مما فعلوه لنشر لغاتهم فى بقاع الأرض . وهذا مايفعلونه على الرغم من أنهم ليس عندهم من داع عظيم الشأن لحفظ اللغة الفصحى كما هو حال المسلمين مع لغتهم العربية فى شأن القرآن الكريم, الذى أوجب الله تعالى اتباعه والعمل بمقتضاه ولايجوز التعبد به -تلاوة أو فى مناسك العبادة- إلا بلغته المنزل بها, ومن ثم وجوب فهمه . أضف إلى ذلك هذا الكلام الغث الساذج حين يزعم "وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى" أى لسان؟ وأى قبطى؟ وأى مناطق معينة؟؟
خامساً: أما عن قوله:" العصر الدهبي للغة المصرية كان قبل إنقلاب الضباط الأحرار في 1952 و وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1945 و اللي بدأت معاه عملية تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ." فلا يخفى على لبيب مافيه من مكر وخبث وزيف. إذ هذا الكلام يدخل على الجاهل والسطحى من الناس. وإلا فمتى كان للعامية فى مصر عصر ذهبى قبل 1945 (الصحيح أن الثورة قامت 1952)؟ ولن نذهب بعيداً فى عمق التاريخ المصرى, بل نستشهد -وببساطة- بالعصر المملوكى الذى شهد تأليف الموسوعات في شتى النواحي الأدبية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية. ويكفى أن نعرف أن عصر المماليك الجراكسة ظل أكثر من مائة وأربعة وثلاثين سنة ( 784 - 923 هـ / 1382 - 1517 م ) وهو العصر الذى امتاز بابداعات الأدباء والشعراء - وباللغة العربية الفصحى - كما هو ثابت بمخطوطات ذلك العصر. فأين كانت هذا العصر الذهبى للعامية المصرية منذ المماليك إلى ثورة عبد الناصر 1952؟؟ . ثم لاحظ معى -ياصاحبى- هذا التعبير الخبيث حيث يقول"تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ." هكذا وببساطة لم تكن مصر (ولا الشرق الأوسط كله) مسلمة قبل عبد الناصر 1952 !!! وأبسط ما يقال أن مصر فى عهد الملكية (التى قامت الثورة ضدها 1952) كانت تستشير الأزهر فى معظم القرارات والسياسات.
سادسا: وكما هى عادة الحرب المخادعة يستعمل تعبيرات الحرباء فى غدرها للوصول إلى الغاية. فقوله:"و دعوات الإعتراف بـ اللغة المصرى, بتبقى عادةً من مثقفين و دعاة التغيير, و الفكر المسيطر على الناس بيبقى مُحافظ, و بـ سبب شوية أفكار دينيه متعصبه." وكأنه يقول إياك أن تكون من غير "المثقفين" "المستنيرين" "دعاة التغيير" إياك أن تكون ضد ترسيخ العامية وإلا فأنت يسيطر عليك "شوية أفكار دينيه متعصبه".. وكأن من العار أن تملك لساناً عربياً فصيحاً !!.
سابعاً: وعلى نحو ما يقول المثل: يكاد السارق يقول خذونى.. وعلى غير قصد تظهر لنا الغاية من هذا التدليس والمراوغة. والحقيقة أنه لايريد مجرد أن (يتكلم )الناس اللغة العامية. لا, إنما يريد أن تكون هى لغة الكتابة. يقول:"المصرى لغه ماخدتش نصيبها من الكتابة". ولعلنا نتساءل: فبأى لغة يريد كتابة العامية؟؟ والجواب من كلامه:"اللغة المصرية بتتكتب بالابجدية العربية في أغلب الأوقات, بس في دعوات من وقت للتاني لـ كتابتها بـ الحروف اللاتيني او بالحروف القبطي.".. لعلنا الآن صرنا أمام غاية واضحة يحاول صاحبها بخبث مفضوح مواراتها. وهى هنا ذات شقين: الأول طمس اللغة العربية واستبدالها بالعامية تحدثاً وكتابة. والثانى: الدعوة الى القبطية..
وأرجئ تكملة التحليل والرد إلى اللقاء القادم باذن الله جل فى علاه.

لعلى أطلت هذه المرة -ياصاحبى- فأثقلت عليك. لكن رغماً عنى. كان لابد أن أتناول هذه العينة من المخطط المشئوم الدنئ. لكنى مكره أن أعبر عن ألمى -مراراً- حين أرى شبابنا يكتبون بأيديهم ينفذون للعدو مطلبه ويحققون ما يرضاه النبيه لنفسه. فأرى هنا أو هناك من يكتب بالعامية, وريما كان ذلك منه لعدم اتقانه العربية الفصحى , ولذا فدعنى أنصح -وهل من مجيب- فليكتب كل واحد بالعربية وليخطئ فلسنا كلنا أدباء ولا شعراء, ومن يخطئ اليوم سيألف أن يصلح وسيتحسن مع التكرار لسانه العربى وكتابته بلغة القرآن. أليس هذا أفضل من أن يكون معولاً يهدم به لغة القرآن الكريم؟؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(6/2)

أما من ناحية الشق الأول وهو طمس اللغة العربية لتحل العامية محلها تحدثاً وكتابة, فواضح وضوح الشمس فيما عرضناه وسيظهر أكثر فى الجزء المتبقى من كلامه الذى سنعرض له بعد قليل, ومنه قوله:"و فيه دعوات لـ إعلان اللغة المصري و كتابتها بـ حروف لاتيني و ساعات دعوة لـ كتابتها بـ الحروف [عايز مصدر]القبطي." ثم لاحظ هذا التعبير فى قوله:"التـَمصير الكامل بـ الإستغناء عن العربي لـ صالح اللي إتسمّا الـ"مصري", أو العربية المَصرية." وما ينطوى عليه من ايحاء بأن مصر ليست جزءاً من الأمة العربية, وبأن اللغة العربية فى مصر ليست من المصريين فى شئ, إذ معنى "التمصير" هو التحويل مما هو ليس مصرياً إلى المصرية, وعلى ذلك فهو يوحى بأن ما هو كائن , وهو هنا الشخصية المصرية واللغة التى يستخدمها المصريون تحدثاً وكتابةً, كل هذا يحتاج تمصيراً؟؟!!. وأما من ناحية الشق الثانى وهو الدعوة الى القبطية, فهذا الشق يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك, أن قائل هذا الكلام غير مسلم بالمرة, بل وعلى الحقيقة هو عدو لدود لمصر والمصريين حتى أكاد أستبعد أن يكون مصرياً. فمن الواضح أنه ينفخ فى نار الفتنة لتكون حرباً تغذوها العصبية الطائفية أو العرقية بين طائفتى شعب مصر - مسلمين ونصارى- فى المقام الأول, حتى وإن زعم أنه ينافح عن اللهجة العامية ويريد لها السيادة. فهو يثير ضباباً كثيفاً للايحاء بأنه يعنى العامية المصرية ويستشهد بكتاب ومؤلفين حوت أعمالهم فى ثناياها حواراً أو عبارات أو أزجال وأغانى بالعامية المصرية, متجاهلاً أن أحداً منهم لم يكتب ولم يدع الى القبطية. ثم يتسلل تحت جنح هذا الضباب الذى أنشأه ليدس الاتجاه نحو استخدام القبطية. ومن ذلك قوله:"اللغة المصرية بتتكتب بالابجدية العربية في أغلب الأوقات, بس في دعوات من وقت للتاني لـ كتابتها بـ الحروف اللاتيني او بالحروف القبطي." وقوله:"كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي".. ولست هنا بمعرض التفصيل فى الخطر الداهم نحو اشعال هذه الفتنة -فليس هنا موضعه- لكنى أعنى ما يدسه من أفكار ومفاهيم لايجوز المرور عليها مر الكرام. خذ مثلاً لذلك قوله:" الفرضية اللي بتقول إن اللغة العربي هيا لغة ثابتة علشان إرتباطها بـ القرآن.". فهو يعتبر ثبات اللغة العربية "فرضية" وأن ثباتها المرتبط بالقرآن الكريم هو"فرضية". وكأن هذا شئ غير حقيقى, وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد فى موضعه ان شاء الله تعالى.
ثامناً: لم يذهب بعيداً عن الحقيقة حين يصف -فيما سنراه الآن- استخدام الشباب المصرى لحروف غير عربية فى الكتابة, وانتشار هذه الظاهرة فى غرف الشات وعبر الرسائل الالكترونية, ثم يفسر ذلك بأنه عجزهم عن الكتابة بالأحرف العربية. وهذه المسألة تستحق النظر والتحليل وباستفاضة , حسبما سياتى ان شاء الله تعالى
تاسعاً: ليس خافياً ما ينطوى عليه كلامه من ركاكة واضحة , واضطراب وارتباك. ففى حين يبدأ كلامه بأن: "المَصري (اللغة المصرية الحديثة) هى اللغة اللي المصريين بيتكلّموها في مصر, ابتدا تاريخها في دلتا النيل حوالين بلادها الحضرية زي القاهرة وإسكندرية." مانفهم منه أن العامية التى يتكلمها المصريون اليوم هى تلك التى تكلموها منذ العهد الفرعونى السحيق, ثم اذا به يتنكب ذلك فيدعى أن: "بعد غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ابتدا العرب فى فرض لغتهم " ثم يقول أيضاً: "ولمدة تلات قرون بعد الغزو كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي" مما يثير تساؤلاً: ماالفرق بين ما كان -حسب زعمه- فى دلتا النيل وما هو كائن الآن؟ ومتى قامت هذه الازدواجية المزعومة؟؟ .. على كل حال, لاأريد أن أستفيض فى نقض هذه المتضادات والترهات المتناقضة خاصة وأننا سنتناول التعقيب على ذلك فى الباب التالى ان شاء الله تعالى, وهو الباب المخصص للرد على السؤالات والشبهات.
وإياك -ياصاحبى- والظن أنه تعصب حين دعا إلى فتنة الدعوة إلى القبطية أنه أراد إحياء تلك القبطية فى المقام الأول. لا, إنما هو -فى المقام الأول- يرمى إلى الهدف الأصل لديه, ألا وهو هدم مقومات اللغة العربية باى شكل كان, حتى ولو كان على حساب أى لغة أو لهجة فبطية كانت أو غير ذلك. وهو ما سيظهر لنا جلياً حين نتناول باقى كلامه المنشور على الموقع .. وإليك بفية الكلام.. قال:

""لهجة" ولا "لغة"؟:
كتير بيكون وصف لللغه المَصرى هو انها لغه محليه. و ساعات بتعتبر اللغة المَصري لَهجة من لهجات اللغة العربي, ومش لغة مستقلة لـ وحدها, بسبب الإعتراف الحُكومي بـ العربي و بسبب إهمال اللغه المحكيه كلغه مكتوبه. بس شوية طلاب اللغة العربية بيقولو إن اللغة المَصري إنحدرت من اللغة العربي بس مختلفة عنها. و مع اللغة العربي, اللغة المَصري إتأثرت بـ لغات تانية؛ منها القبطي, اليوناني, التركي, الفارسي, الإيطالي و الفرنساوي , زي:
القبطي * إدّي/يـِدّي > (بالعربي إعطي/يعطي)
الإيطالي * جمبري > (بالعربي روبيان) -- Gamberi
التركي * اوضه > (بالعربي غرفة) -- oda
الفارسى * أُستاذ
الفرنساوي * چـيبة > (بالعربي تنورة) -- jupe

كتابة اللغة المصري:
المادة الأولانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
مصري (أبجدية عربي):
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, المادّة الأوّلانيّة:
الناس كلّهم مَولودين أحرار و متساويين فى الكرامه والحقوق. إتوهبلهم العقل و الضمير, و المفروض يعاملو بعض بـ روح الأخويـّه.
مصري (أبجدية لاتينية):
Il I?lan il ?alemi li ?oxux il insan, il madda-l ewweleniyya:

Il naes kollohom mewludiin a?raar wi mitsewyiin fi-k karaama wi-l ?oxux. Itweheblohom il ?exl wi-d damiir, wi-l mafrud yi?emlo ba?d bi ro? il e?ewiyya.

الطريقة المشهورة لـ كتابة الكلام المصري بين الشباب المصري في اوَض الشات و الرسايل الإليكترونية, لما مابيكونش عندهم إمكانية الكتابة بالحروف العربي, هي بـ إستعمال نفس الحروف اللاتيني بـ نُطق الإنجليزي أو الفرنساوي مع تزويد شوية أرقام بدل الحروف اللي مش موجودة في اللاتيني:
el e3lan el 3alami le 72oo2 el 2ensan el madda el2walaneya: kol elnas mawlodeen a7rar we metsawyeen fel karama wel 7o2oo2 , etwahblohm el32l wel dameer w elmafrood ye3amlo ba3d beroo7 a5aweya
اللغة المصري بيفهمها كتير من اللي بيتكلّمو عربي من الشرق للغرب, وساعات بيستعملو الكلام المصري في التفاهم بينهم. و فيه دعوات لـ إعلان اللغة المصري و كتابتها بـ حروف لاتيني و ساعات دعوة لـ كتابتها بـ الحروف [عايز مصدر]القبطي.
من قواعد اللغه المصري:
من قواعد اللغة المصرية الحديثة الفعل الماضي التام والحاضر المستمر وغيرهُ من التصريفات دي الموجودة في كل اللغات الحية
قواعد اللغة المصرى لما المصرى يتكلّم عن لغة بيتكلّمها, بيقول "أنا بتكلّم إنجليزي" أو "أنا بتكلّم فرنساوي", و لما المصري يتكلّم عن ويكيبيديا, بيقول "ويكيبيديا إنجليزي" أو ويكيبيديا فرنساوي أو ويكيبيديا عربي. و ده لإن كلمة لُغة في المصري معناها كلام, اللغه العاميّة (الشّعبيـّة) المصرية معناها كلام مصري.
- و من قواعد اللغة المَصرية, تخفيف الكلمات بـ شكل عام, يعني مثلاً غالبيّة المصريين ما بيفرقوش في نطقهم بين (الذ و الز) و (الظ, ز مُفخّمة(تخينة). و ساعات لما يكون نُطق ال(ذ أو الظ), ز صعب, بيستبدلوها بـ حرف تاني. و كمان الث بتتنطق س أو بتتتبدل بـ حرف تاني [15] فمثلا:
* ذُبابة > دِبـّـانة
* ذرة > درة
* ظـَلام > ضـَلمة
* ظِل > ضِل
* ثانـَويـّة عامّة > سانـَويـّة عامّة
* ثـَوم > تـوم /to:m?/‏
- و فيه خاصيـّة تانية في (الكلام)اللغة المصري, و هي (دَمج الكلمات( تـَلزِيق الكلام) مثلا:
* ما عليه شيء > ماعليهشي > مَعلِش
* ما أكلت شيء > ماأكلتش > ماكلتش
- المُضارِع في الكلام المَصري أو اللي ممكن يتسمّا المُضارِع المُستَمِرّ, بيكون دايماً بـ تزويد "ب" للفعل في المصدر:
* أنا أشرب الآن > بـَشرَب
* أنا أنام الآن > بـَنام
* أنا أحبك > بـَحـِـبـّـك
- أما المستقبل في اللغه المصرية فـ بيتعبـّر عنهُ في أغلبية المناطق بـ حرف الهـ و كما ممكن بـ حرف الح بدل س المستقبل في العربي الكلاسيكي:
* سـَأشرب > هَشرَب = حـَشرَب
* سـَأقتل > هأتـِل = حأتـِل
- أما بالنسبة للنـَفي للمصري: (مِش)
و مش معناها (لَن) بَس لو كنت عايز تستعملها كَـ(لَم) أو (لا) بتنفصل فـ بتيجي الم في أول الكلمة و الش في آخرها:
* لـَن أشرب > مش حشرب
* لا أشرب > مابـَشربش
لَم أشرب = مَشرِبتش(ماشرِبتش)‏
الحروف الأبجديّة اللي بينطقها المصريين بـ طريقة مختلفة:
المصريين ما بينطقوش عدد من الحروف الأبجديّة, زى حروف ( ث, ذ, ظ ) بـ تَخريج اللسان
* ث = وبتتنطق ت أو س
* ذ = بتتنطق ياإما د أو ز
* ظ = بتتنطق ياإما ز مفخـّمة, أو ض
* ق = بتتنطق زي الهمزة كلمة قمَر بتتنطق (أمَر)
* عـَربـَخانة = مَكان للعربيات اللي بتتجر بالحيوانات (الكارّو)
شفخانة = مكان دبح الحيوانات زي البقر والخرفان
* سـَلـَخانة = مكان دبح البهايم
شعرا:
من اشهر الشعرا اللى كتبو شعر بـ اللغه المصريه الحديثه: بيرم التونسى , صلاح جاهين , عمر بطيشه , أحمد فؤاد نجم"أ.هـ

ونظرة سريعة إلى هذا الجزء -وهو الأخير من كلامه- يبين لنا وبوضوح عدة أمور, أتناولها فى اشارات سريعة منعا للتكرار أو الاطالة:
أولها: اضافة طريقة جديدة للكتابة وهى "بـ إستعمال نفس الحروف اللاتيني بـ نُطق الإنجليزي أو الفرنساوي مع تزويد شوية أرقام بدل الحروف اللي مش موجودة في اللاتيني".. كما أورد بالمثال الذى ذكره. لاحظ عجز الحروف اللاتينية عن الوفاء بنطق المفردات المطلوبة مما يضطر مبتدعى هذا اللون النشاز من الكتابة إلى اللجوء إلى اقحام أرقام فى بناء الكلمة للوصول إلى نطقها لما لم يوجد نظير للحرف . وهو ما اعترف به وأقره وارتضاه .. أى حقد وأى حسد؟؟
ثانيها: محاولة تقعيد قواعد للهجة العامية , لا تسمن ولا تغنى من جوع. وكأنها لغة ذات مقومات بمكنها أن تخدم النشاط البشرى , وإننى لأنزه اللغة العربية عن مقارنتها بهذا الهراء الغث.
ثالثها: أنه ورغم كل مابذله من جهد جهيد, فصار كمن يحرث فى الماء .. إذ تناول كلامه كله مكتوباً بالحروف العربية .. أى سواء أراد الكتابة بالفصحى (التى يحمل لها أحط أشكال الحقد والحسد) أو العامية (التى يجعلها مطية لغرضه الدفين) فكلاهما لا تتم كتابته إلا بالحرف العربى لاغير.. وهذا هو الأصل الخفى الذى يقض مضجعه, وإن تمحل وتمسح تدليساً وزوراً فى الدعوة الى اللهجة العامية التى يتباكى من أجلها بكاء التماسيح.

ما ذكرته هاهنا ليس إلا قطرة من محيط , وإنما ذكرته كمثال أو عينة مما يدور ومما يحاك .. وعلى هذا قس الكثير والكثير . ولا أرانى فى حاجة إلى سرد أشباه ذلك وإلا طال المقام والحديث.

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(1/3)


بعد أن استعرضنا ماتتعرض له اللغة العربية من مؤامرات الأعداء فى الخارج والداخل , وما بصيب ابناءها من غفلة أو اهمال أو استهتار ..
أنتقل الآن , لنرى , كيف انها - رغم كل ذلك - محصنة مصانة ..
لست أستبعد أن يأتى اليوم الذى تكون فيه اللغة الانجليزية أثراً بعد عين .. بل وأى لغة أخرى .. يمكن أن يجرى عليها هذا الاحتمال ..
لا تدهش - ياصاحبى- حين اقول ذلك .. فقد مر بنا أن هناك لغات اندثرت , بل وهناك لغات ضعفت لأسباب عديدة.
فإن عجبت .. فما قولك أننى لم آت بهذا التصور من فراغ ولا من خيال .. إنما أمعنت النظر فى القرآن الكريم ولاحظت أن الله تبارك وتعالى قد قضى على كل شئ بالفناء ..
قال تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ-القصص:58) , وليس ثمة شك أن هلاك تلك القرى باهلها يحتم هلاك لغتهم.
وقال تعالى : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ- الأنعام:6) , وهلاك هؤلاء , فيه ما قلناه من معنى الآية السابقة . . أضف إلى ذلك أن الأرض فيها من المعاصى والجحود والفواحش من بعض الأمم الآن ما يندى له الجبين , وما إذا قارناه بما فعلته القرون السالفة لكاد أن يتفوق عليها تمرداً وعصياناً .. فمن العجب العجاب , ونحن فى القرن الواحد والعشرين نرى أناساً يعبدون النار أو العجل أو الأوثان - كما فى الهند مثلاً - ونرى بلاد الغرب - اوروبا وأمريكا - وهم أهل كتاب تنتشر فيهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن , سواء فى الاعتقاد كتلك الصيحات الفلسفية الداعية الى التجرؤ على ذات المولى عز وجل أو فى السلوكيات والأفعال من استباحة الزنى وزنى المحارم , حتى بلغ الأمر ببعض الحكومات أن تبيح الشذوذ بأسوأ أشكاله وانواعه , ولو تركت القلم لسرد ما اعترى الأرض من منكرات مغضبات للمولى عز وجل لفاض الكلام واستطال. واذا كانت الأمم الغابرة التى ورد ذكرها فى القرآن قد جاءهم من الأنبياء والرسل ثم تغيرت شرائعهم بعد موتهم ( عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام) , واذا كانت بعض الأمم لم يبلغهم دعوة نبى لم يروه أو لم يسمعوا به , فما القول فى عصر صار فيه العالم قرية صغيرة يكاد يكون من المستبعد أن يقال ان هناك من لم يسمع بدعوة هادى البشرية صلى الله عليه وسلم .. ونحمد المولى عز وجل أن بلاد المسلمين بمنأى عما يفعله هؤلاء وهؤلاء , ولو أن المسلمين يصيبهم من غبار ذلك ما لا يستهان به .. وسنة الله تعالى أن يمهل ولا يهمل , قال تعالى : (فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ- العنكبوت:40) , وقال : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ-الروم:9)
والاستخلاف هو احدى سنن الله تعالى فى خلقه , قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ- الأنعام:165)
ومثل هذا كثير فى القرآن الكريم .. ونستخلص من ذلك ان التبديل والتغيير والتحول , لابد قائم , ومرهون بارادة المولى عز وجل الفعال لما يريد , والذى حذر من مغبة التمرد والجحود والكفر ومبارزته عز وجل بالخالفة عن أمره , قال تعالى : (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ- يّـس:82) وقال : (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً - الطلاق:3) وقال : (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً- الاسراء:16) وقال : (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ- القمر:50) . وقال : (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً- الاسراء:58)
ولاشك أن مقتضى ذلك ألا يستبعد أن تزول هذه العلامات أو الكائنات , وتزول اللغات بزوال أقوامها .
لكنى أقطع باليقين ألا زوال للغة العربية . نعم , محال أن تزول .
اقرأ معى , ان شئت , قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ - الحجر:9) . فمن حيث القرآن الكريم نزل عربيا , قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- الزخرف:3) , وقال: (قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ - الزمر:28) , وقال: (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ - الاحقاف:12) , وقال: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً - طـه:113) , ومما لاشك فيه أن بقاء القرآن لابد وأن يستبقى لغته الخاصة به , ولا يجوز بأى شكل من الأشكال ان يتصور عاقل زوال اللغة العربية التى نزل بها القرآن الكريم وبتصور فى نفس الوقت بقاء القرآن الكريم نفسه , هذا محال , ومن المحال أيضاً أن يتصور واحد من الناس ألا يظل القرآن الكريم محفوظاً , فهذا لايقوله إلا كافر كفراً بواحاً لاشك فى كفره , لكونه ينكر نصاً ثابتاً قى القرآن الكريم وهو نص لا يقبل التأويل كما أنه واضح ليعز على الفهم من أى أحد .. فالحمد الله رب العالمين الذى تكفل بحفظه .. (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ- الأنعام:18) .. (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ- الملك:14)
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ - الحجر:9) .. فى تفسير هذه الآية الكريمة يقول سيد قطب رحمه الله تعالى :
( فهو باق محفوظ لا يندثر ولا يتبدل . ولا يلتبس بالباطل ولا يمسه التحريف وهو يقودهم إلى الحق برعاية الله وحفظه , إن كانوا يريدون الحق , وإن كانوا يطلبون الملائكة للتثبت . . إن الله لا يريد أن ينزل عليهم الملائكة , لأنه أراد بهم الخير فنزل لهم الذكر المحفوظ , لا ملائكة الهلاك والتدمير .
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ هذا الذكر ; فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب - إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة - ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصونا محفوظا لا تتبدل فيه كلمة ,ولا تحرف فيه جملة , لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر , أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل , تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل , وتصونه من العبث والتحريف .
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق , وكثر فيه النزاع , وطمت فيه الفتن , وتماوجت فيه الأحداث . وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول الله [ ص ] ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود - خاصة - ثم من "القوميين" دعاة "القومية " الذين تسموا بالشعوبيين !
ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول الله [ ص ] ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول الله [ ص ] وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين .
كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية , وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات . .
ولكنها عجزت جميعا - وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا - أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ ; وبقيت نصوصه كما أنزلها الله ; حجة باقية على كل محرف وكل مؤول ; وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .
ثم جاء على المسلمين زمان - ما نزال نعانيه - ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم , وعن حماية عقيدتهم , وعن حماية نظامهم , وعن حماية أرضهم , وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم . وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم ! وغير عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم , وأحلوا مكانه كل منكر فيهم . . كل منكر من العقائد والتصورات , ومن القيم والموازين , ومن الأخلاق والعادات , ومن الأنظمة والقوانين . . . وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص "الإنسان" وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان . . وأحيانا إلى حياة يشمئز منها الحيوان . . ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من "التقدم" و "التطور" و "العلمانية " و "العلمية " و "الانطلاق" و "التحرر" و "تحطيم الأغلال" و "الثورية " و "التجديد" . . . . إلى آخر تلك الشعارات والعناوين . . وأصبح "المسلمون" بالأسماء وحدها مسلمين . ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير . وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع , ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقودا للنار . . وهو وقود هزيل ! . .
ولكن أعداء هذا الدين - بعد هذا كله - لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها . ولم يكونوا في هذا من الزاهدين . فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ , وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال !
ولقد بذل أعداء هذا الدين - وفي مقدمتهم اليهود - رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله . وقدروا على أشياء كثيرة . . قدروا على الدس في سنة رسول الله [ ص ] وعلى تاريخ الأمة المسلمة . وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون . وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين . وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون , وبخاصة في العصر الحديث . .
ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد - والظروف الظاهرية كلها مهيأة له - . . لم يقدروا على إحداث شيء فيهذا الكتاب المحفوظ , الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه ; وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع ; فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب , وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقا تنزيل من عزيز حكيم .
لقد كان هذا الوعد على عهد رسول الله [ ص ] مجرد وعد . أما هو اليوم - من وراء كل تلك الأحداث الضخام ; ومن وراء كل تلك القرون الطوال . فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب , والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول:
(إنا نحن نزلنا الذكر , وإنا له لحافظون). . وصدق الله العظيم . . ). أ.هـ
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- أيضاً:
(قال تعالى: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط فإن الله يقيم له من الأمة من يبينه ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة إذ كانوا في آخر الأمم فلا نبي بعدهم ولا كتاب بعد كتابهم، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيروا بعث الله نبياً يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ولم يكن بعد محمد -صلى الله عليه وسلم- نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر، وأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، بل أقام الله لهذه الأمة في كل عصر من يحفظ به دينه من أهل العلم والقرآن - الجواب الصحيح (3 / 39).أ.هـ
أقول .. ومن هنا يكون تحصين اللغة العربية .. مهما تطاول المتطاولون , وكذب الكذابون .. ومهما أطل علينا من بنى جلدتنا أفاقون او مزايدون , ومهما تكاسل عن الذود عنها المتكاسلون ..


وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(2/3)

لاشك أن حفظ العربية - بحفظ القرآن - على نحو ماذكرنا , كاف كفاية تامة ومكتملة . إذ الحافظ للقرآن هو المولى عز وجل .
والحق تبارك وتعالى هو المنفرد بالخلق , وهو المنفرد بإحداث إى شئ من العدم , لاشريك له ولا ند , قال تعالى : ( هل من خالقٍ غيرُ الله ) وقال : ( ألا له الخلق والأمر ) , وقال : ( قل اللهُ خالِقُ كلِّ شىء وهو الواحدُ القهّار ) .. وقال صلى الله عليه وسلم : "إنّ اللهَ خلَق الدَّاءَ وخَلَقَ الدَّوَاء فإذا أُصِيْبَ دَوَاءُ الدَّاء بَرَأَ بإذْنِ الله" ( صحيح ابنِ حِبّان ) , ولعلك تلحظ معى قوله صلى الله عليه وسلم ( بَرَأَ بإذْنِ الله ) وما يدل عليه من أنّ الأسبابَ بِقَدَر الله والمُسَبّبات بقَدَر الله . وبعبارة أخرى , أن الأسباب والنتائج إنما هى بارادة الله جل فى علاه . قال تعالى: ( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ) وقال صلى الله عليه وسلم: ( إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة - حديث صحيح ) .. والنصوص القرآنية والنبوية فى هذا الباب كثيرة ..
وإذ شاء الله تبارك وتعالى - بفضله ومنته على الأمة الاسلامية - أن يحفظ الذكر , فقد وجب علينا أن ننظر فى أسباب ذلك , لا لعدم إيماننا بما أوجب الله تعالى على نفسه - حاشا - وإنما لننظر فى واقع حياتنا , ونتفكر فيما أنعم الله علينا به وقد أمرنا المولى عز وجل بالنظر والتفكر فى خلقه وابداعه , قال تعالى: (فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ - الطارق:5) وقال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ - العلق:1) فقرن القراءة وهى أصل العلم بالخلق وهو دليل القدرة المطلقة وقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ - الروم:22) والآيات سبيل اإيمان الصحيح , ومن هذا قوله تعالى:(إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ - يونس:6) , والله عز وجل يذكرنا فى كثير من الآيات بنعمه فقال: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - النور:45) , ومن نعمه العظيمة بل أعظم نعيم الدنيا نعمة الاسلام , قال تعالى:( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً -المائدة:3) .
وأيضاً ليرى المغرضون والخبثاء والمنكرون ومن شاكلهم , من خارج الأمة أو من بنى جلدتنا , ليرى كل أولئك أن الحق ماض لا محالة , وأن كلمة الله هى العليا , وأن الاسلام باق عزيزاً إلى يوم القيامة . شاؤوا أو أبوا . قال تعالى يفضح أهل الباطل ويبشر أهل الحق: (الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً - النساء:104) , وكم يطمئن النفس ويشحذ همة أهل الإيمان قوله عز وجل: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ - محمد:35) وقوله: ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ - آل عمران:139) , والشرط واضح ( إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ..
وأوجه حصانة اللغة العربية - لغة القرآن الكريم - عديدة.
الوجه الأول:
قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً - طـه:113) , وقال : (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ - هود:1) فالقرآن أنزل بالعربية , وبها نفهم أحكامه ومقاصده , ويؤيد ذلك قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ - يوسف:2) , كما أن المسلم يتعبد الله تبارك وتعالى بحفظ القرآن وقراءته , قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ , قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً , نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً , أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً - المزمل:1-4) , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران , وفى رواية: ( والذي يقرأ وهو يشتد عليه له أجران ) - رواه مسلم . قال النووى فى شرحه لصحيح مسلم: ( السفرة جميع سافر ككاتب وكتبة ، والسافر : الرسول ، والسفرة : الرسل ، لأنهم يسفرون إلى الناس برسالات الله ، وقيل : السفرة : الكتبة ، والبررة : المطيعون ، من البر وهو الطاعة ، والماهر : الحاذق الكامل الحفظ الذي لا يتوقف ولا يشق عليه القراءة بجودة حفظه وإتقانه ، قال القاضي : يحتمل أن يكون معنى كونه مع الملائكة أن له في الآخرة منازل يكون فيها رفيقا للملائكة السفرة ، لاتصافه بصفتهم من حمل كتاب الله تعالى . قال : ويحتمل أن يراد أنه عامل بعملهم وسالك مسلكهم . وأما الذي يتتعتع فيه فهو الذي يتردد في تلاوته لضعف حفظه فله أجران : أجر بالقراءة ، وأجر بتتعتعه في تلاوته ومشقته . ) وهذا الأجر العظيم وتلك المرتبة الشريفة دليل على سمو تلاوة القرآن وأنه متعبد به.
وهنا يثور التساؤل : هل يجوز التعبد بالقرآن بغير العربية ؟ وهل تجوز الصلاة بغير العربية؟
وللاجابة على ذلك , هذه فتوى مفصلة للشيخ حسام الدين عفانة:
يقول السائل: ما قولكم في الفتوى التي صدرت عن أحد المفتين الأتراك والتي أجاز فيها قراءة القرآن في الصلاة باللغة التركية؟
الجواب: ( يقول الله تعالى:}إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ- سورة يوسف الآية 2 ) وقال الله تعالى:(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ{ سورة الشعراء الآيات 192 - 195). وقد اتفق العلماء على أن القرآن الكريم هو اسم للنظم والمعنى وهذا هو الصحيح من قول أبي حنيفة أيضاً قال الأصفهاني:
[ والأصح من مذهب أبي حنيفة أن القرآن هو النظم والمعنى جميعاً والمراد بالنظم العبارات وبالمعنى مدلولاتها. وصح رجوع أبي حنيفة عن الإجزاء بالمعنى في الصلاة لوجوب القراءة بها لقوله تعالى:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ- سورة المزمل الآية20). ولا ينطبق حد القرآن على المعنى وحده بل حد القرآن ينطبق على مجـمـوع العبارة والمعنى ] بيان معاني البديع ج1/ ق2/ 915.
وما نسب إلى أبي حنيفة رحمه الله أنه يجيز قراءة القرآن بغير العربية فقد بُنِيَ على قول منسوب لأبي حنيفة أن القرآن اسم للمعنى فقط والنظم ركن زائد، ولكن لم يثبت هذا عنه كما حقق ذلك الأصوليون من الحنفية، انظر كشف الأسرار على أصول البزدوي 1/25، التقرير والتحبير 2/213-214، فواتح الرحموت 2/8-9.
إذا تقرر هذا التأصيل فإن جماهير أهل العلم منعوا قراءة القرآن بغير العربية في الصلاة وخارج الصلاة حيث إن ترجمة القرآن لا تسمى قرآناً وقد أُمرنا بقراءة القرآن:(فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ).
قال الإمام النووي:[ مذهبنا أنه لا يجوز قراءة القرآن بغير لسان العرب سواء أمكنه العربية أو عجز عنها وسواء كان في الصلاة أو غيرها فإن أتى بترجمته في صلاة بدلاً عن القراءة لم تصح صلاته سواء أحسن القراءة أم لا، هذا مذهبنا وبه قال جماهير العلماء منهم مالك وأحمد وداود ] المجموع 3/379-380. وقال الإمام النووي أيضاً:
[ واحتج أصحابنا بحديث عمر بن الخطاب t أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة على غير ما يقرأ عمر فلببه بردائه وأتى به رسول الله e وذكر الحديث، رواه البخاري ومسلم، فلو جازت الترجمة لأنكر عليه e اعتراضه في شيء جائز، واحتجوا أيضاً بأن ترجمة القرآن ليست قرآناً لأن القرآن هو هذا النظم المعجز وبالترجمة يزول الإعجاز فلم يجز وكما أن الشعر يخرجه ترجمته عن كونه شعراً فكذا القرآن ] المجموع 3/380. ثم نقل الإمام النـووي كـلام إمام الحرمين في المسألة فقال:[ ترجمة القرآن ليست قرآناً بإجماع المسلمين ومحاولة الدليل لهذا تكلف فليس أحدٌ يخالف في أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآناً وليس ما لفظ به قرآناً ومن خالف في هذا كان مراغماً جاحداً وتفسير شعر امرئ القيس ليس شعره فكيف يكون تفسير القرآن قرآناً، وقد سلموا أن الجنب لا يحرم عليه ذكر معنى القرآن والمحدث لا يمنع من حمل كتاب فيه معنى القرآن وترجمته فعلم أن ما جاء به ليس قرآناً ولا خلاف أن القرآن معجز وليست الترجمة معجزة والقرآن هو الذي تحدى به النبي e العرب ووصفه الله تعالى بكونه عربياً وإذا علم أن الترجمة ليست قرآناً وقد ثبت أنه لا تصح صلاته إلا بقرآن حصل أن الصلاة لا تصح بالترجمة، هذا كله مع أن الصلاة مبناها على التعبد والإتباع والنهي عن الاختراع وطريق القياس منسدة وإذا نظر الناظر في أصل الصلاة وأعدادها واختصاصها بأوقاتها وما اشتملت عليه من عدد ركعاتها وإعادة ركوعها في كل ركعة وتكرر سجودها إلى غير ذلك من أفعالها ومدارها على الإتباع ولم يفارقها جملة وتفصيلاً فهذا يسد باب القياس حتى لو قال قائل مقصود الصلاة الخضوع فيقوم السجود مقام الركوع لم يقبل ذلك منه وإن كان السجود أبلغ في الخضوع. ثم عجبت من قولهم إن الترجمة لا يكون لها حكم القرآن في تحريمها على الجنب ويقولون لها حكمه في صحة الصلاة التي مبناها على التعبد والإتباع ] المجموع 3/380-381.
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي:[ ولا تجزئه القراءة بغير العربية ولا إبدال لفظها بلفظ عربي سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد] المغني 1/350.
وقال الشيخ ابن حزم الظاهري:[ ومن قرأ أم القرآن أو شيئاً منها أو شيئاً من القرآن في صلاته مترجماً بغير العربية أو بألفاظ عربية غير الألفاظ التي أنزل الله تعالى عامداً لذلك أو قدم كلمة أو أخرها عامداً لذلك: بطلت صلاته وهو فاسق لأن الله تعالى قال:}قُرْءَانًا عَرَبِيًّا - سورة الزخرف الآية 3). وغير العربي ليس عربياً فليس قرآناً ؟! وإحالة رتبة القرآن تحريف كلام الله تعالى وقد ذم الله تعالى قوماً فعلوا ذلك فقال:(يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ - سورة النساء الآية 46). وقال أبو حنيفة: تجزيه صلاته واحتج له من قلده بقول الله تعالى:(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ- سورة الشعراء الآية 196). قال علي: لا حجة لهم في هذا لأن القرآن المنزل علينا على لسان نبينا e لم ينزل على الأولين وإنما في زبر الأولين ذكره والإقرار به فقط ولو أنزل على غيره عليه السلام لما كان آية له ولا فضيلة له وهذا لا يقوله مسلم ! ومن كان لا يحسن العربية فليذكر الله تعالى بلغته لقوله تعالى:(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا- سورة البقرة الآية 286). ولا يحل له أن يقرأ أم القرآن ولا شيئاً من القرآن مترجماً على أنه الذي افترض عليه أن يقرأه لأنه غير الذي افترض عليه كما ذكرنا فيكون مفترياً على الله تعالى ] المحلى 2/285. ويجب أن يعلم أن ما نسب إلى أبي حنيفة من جواز قراءة القرآن بالفارسية لغير القادر على العربية صحّ رجوع أبي حنيفة عنه والفتوى عند الحنفية على منع قراءة القرآن بغير العربية. قال صاحب الهداية الحنفي بعد ذكر المسألة:[ ويروى رجوعه في أصل المسألة وعليه الاعتماد ] الهداية مع شرح فتح القدير 1/249. وقال الشيخ علاء الدين الحصكفي من الحنفية بعد ذكر المسألة:[ لأن الأصح رجوعه -أبو حنيفة- إلى قولهما - أبو يوسف ومحمد- وعليه الفتوى ] الدر المختار شرح تنوير الأبصار 1/484. وأكد العلامة ابن عابدين الحنفي صحة رجوع أبي حنفية عن قوله في هذه المسألة. حاشية ابن عابدين 1/484.
وخلاصة الأمر أنه تحرم قراءة القرآن بغير العربية ولا تصح الصلاة بذلك والفتوى المشار إليها في السؤال باطلة. ) أ.هـ.
وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالسعودية بهذه الفتوى:
الفتوى رقم ‏(‏4211‏)‏
س‏:‏ هل تجوزالصلاة بلغة غير العربية‏؟‏

ج‏:‏ لا تجوز الصلاة بغير اللغة العربية مع القدرة عليها، فيلزم المسلم أن يتعلم باللغة العربية من الدين مالايسعه جهله ومنه تعلم سورة الفاتحة والتشهد والتسميع والتحميد والتسبيح في الركوع والسجود، ورب اغفرلي بين السجدتين والتسليم‏.‏ أما العاجز عن اللغة العربية فعليه أن يأتي بما ذكر بلغته إلا الفاتحة فإنها لا تصح قراءتها بغير العربية وهكذا غيرها من القرآن و عليه أن يأتي بمكانها بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير لحديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال‏:‏ جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني منه فقال‏:‏ ‏"‏قل سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏"‏ الحديث رواه أحمد وأبوداود والنسائي وصححه ابن حبان والدار قطني والحاكم، لقول الله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏فاتقوا الله ما استطعتم‏}‏ ‏[‏سورة التغابن، الآية 16‏]‏، وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏"‏ إلى أن يتعلم اللغة العربية، وعليه أن يبادر بذلك ‏.‏
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ‏.‏أ.هـ
والاسلام دين الله الحق الذى ارتضاه لعباده وأمرهم به , وهو الحق الخالص , وليس ثمة دين سواه , قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ - البينة:5) وقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً - الفتح:28) وقال: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ- التوبة:33) وقال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ - آل عمران:19) فهو الدين الخاتم التام الجامع لأصول الخير جميعاً وفروعه إلى يوم القيامة , قال تعالى: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً - الأحزاب:40 ) أى أن النبوة ختمت بنبوته صلى الله عليه وسلم ، فلا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن حيث انه صلى الله عليه وسلم ( خَاتَم النَّبِيِّينَ ) فلا شك أنه أبضاً خَاتَم المُرْسَلينَ ؛ فلا رسالة إلا بنبوة. ولهذا قالوا: كل رسول نبيٌّ، وليس كل نبيٍّ رسولاً. وفى الصحيح : (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ، ولكن لا نبيّ بعدي فسيكونون خلفاء فيكثرون - رواه البخارى)
ولما كان هذا الأصل , كان لنا أن نفهم , أن بقاء العربية حتم لا شك فيه . وهى باقية ببقاء هذا الدين . وليس ثمة متسع لمن ينكر حقيقة بقاء الدين إلى يوم القيامة , فقد أثبتنا ذلك بالنقل والاستدلال بالقرآن الكريم والحديث الشريف الصحيح , وأما ما نراه بالمشاهدة فالمعلوم , كما نرى كل يوم , أن الاسلام ينتشر فى الناس , والذين يعتنقونه يتزايدون يوماً بعد يوم .
وكلما كان هناك مسلم يعبد الله تبارك وتعالى .. كلما وجدت العربية ..
وفى تنامى أعداد المسلمين , منذ بعثته صلى الله عليه وسلم وإلى يومنا هذا شواهد وآيات دالة قطعاً على استتباب الأمر للعربية , وإن تعرضت لما هو أشد وأنكى مما ذكرناه .. وهذا ما سنعرض له فى الوجه الثانى بإذن الله تعالى.

وللحديث بقية إن شاء الله جل فى علاه...

ودى واحترامى
 
الحمد لله تعالى .. والصلاة والسلام على نبيه المصطفى ورسوله المجتبى ..

أسأل المولى جل فى علاه .. التيسير .. سأستأنف الموضوع بعد يومين ان شاء الله تعالى .. فالجزء القادم تحت المراجعة والضبط ..

ودى واحترامى
 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(3/3)

الوجه الثانى:
كيف كان العالم يوم ولد النبى محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟.
كانت الدنيل تموج بالصراعات والنزاعات والعصبيات .. ولكنت الشرائع والفضائل التى جاء بها الرسل والأنبياء قد تبدل الكثير منها وتغير , وربما إلى الضد . ولم يبق عند الناس إلا بعض من المثل والقيم الأخلاقية التى الموروثة من ميراث الرسالات والنبوات السابقة, وكان الناس يتفاضلون ويتمايزون بها بعضهم على بعض, خاصة فى بلاد العرب. حيث نجد فى العصر الجاهلى - على ماكان فيه من جاهلية وكفر ووثنية وما إلى ذلك - مايدل على وجود مثل هذه القيم والفخر بها ..
( لا شك أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان ويفضى به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق‏:‏
1 ـ الكرم‏:‏ وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم بين ممتدح به ومُثْنٍ على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم فيقوم إليها، فيذبحها لضيفه‏.‏ ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات‏.‏
وكان من نتائج كرمهم أنهم كانوا يتمدحون بشرب الخمور، لا لأنها مفخرة في ذاتها؛ بل لأنها سبيل من سبل الكرم، ومما يسهل السَّرَف على النفس، ولأجل ذلك كانوا يسمون شَجَرَ العنب بالكَرْم، وخَمْرَه بِبِنْتِ الكرم‏.‏ وإذا نظرت إلى دواوين أشعارالجاهلية تجد ذلك بابًا من أبواب المديح والفخر، يقول عنترة بن شداد العبسي في معلقته‏:‏
ولقد شَرِبْتُ من المُدَامَة بَعْدَ ما ** رَكَــد الهَواجـِرُ بالمَشـُوفِ المُعْلـِم
بزُجَاجَةٍ صـَفْراء ذات أسـِرَّة ** قُرنَـتْ بأزهــرَ بالشِّمال مُفـَدَّمِ
فــإذا شـَرِبتُ فإننى مُسْتَهْلـِك ** مالى وعِرْضِى وافِـرٌ لم يُكْلـَـمِ
وإذا صَحَوْتُ فما أُقَصِّرُ عن نَدَى ** وكمــا عَلمـت شمائلــى وَتَكَرُّمـِى
ومن نتائج كرمهم اشتغالهم بالميسر، فإنهم كانوا يرون أنه سبيل من سبل الكرم؛ لأنهم كانوا يطعمون المساكين ما ربحوه أو ما كان يفضل عن سهام الرابحين؛ ولذلك ترى القرآن لا ينكر نفع الخمر والميسر وإنما يقول‏:‏ ‏(‏وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا‏ - ‏البقرة‏:‏219‏)
2 ـ الوفاء بالعهد‏:‏ فقد كان العهد عندهم دينًا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، والسَّمَوْأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي‏.‏
3 ـ عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم‏:‏ وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل‏.‏
4 ـ المضي في العزائم‏:‏ فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والافتخار، لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله‏.‏
5 ـ الحلم، والأناة، والتؤدة‏:‏ كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود؛ لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم على القتال‏.‏
6 ـ السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها‏:‏ وكان من نتائجها الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر‏.‏
نرى أن هذه الأخلاق الثمينة ـ مع ما كان لجزيرة العرب من الموقع الجغرافي بالنسبة إلى العالم ـ كانت سببًا في اختيار الله عز وجل إياهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة الإنسانية، وإصلاح المجتمع البشرى؛ لأن هذه الأخلاق وإن كان بعضها يفضى إلى الشر، ويجلب الحوادث المؤلمة إلا أنها كانت في نفسها أخلاقًا ثمينة، تدر بالمنافع العامة للمجتمع البشرى بعد شيء من الإصلاح، وهذا الذي فعله الإسلام‏.‏
ولعل أغلى ما عندهم من هذه الأخلاق وأعظمها نفعًا ـ بعد الوفاء بالعهد ـ هو عزة النفس والمضي في العزائم؛ إذ لا يمكن قمع الشر والفساد وإقامة نظام العدل والخير إلا بهذه القوة القاهرة وبهذا العزم الصميم‏.‏ ولهم أخلاق فاضلة أخرى دون هذه التي ذكرناها، وليس قصدنا استقصاءها‏.‏) ( الرحيق المختوم - صفي الرحمن المباركفوري)

وأن هناك أفراداً كانوا محط الشهرة والاهتمام بما تميزوا بها. ونرى هذا كثيراً فى شعر وأمثال وقصص العصر الجاهلى. وأما فى ناحية الديانة فقد استشرى كما هو معروف الشرك والوثنية والكفر واتيان المنكرات والفواحش حتى لكأنها الأساس عندهم. ولايمنع ذلك من وجود بعض أفراد اجتنبوا واعتزلوا مشاركة القوم هذه الأمور وتمسكوا ببقية مما تركه الأنبياء والرسل من إيمان بالله الواحد الأحد.

والذى يعنينا فى مسألة اللغة العربية , من هذه الناحية , يجعلنا ننظر فى تاريخ العرب ومن حولهم فى هذا الوقت , وفى أحوال وأوضاع الأمم المحيطة ببلاد العرب العقائدية والسياسية ..
فاسمح لى - ياصاحبى - أن أقتطف بعضاً من الكتاب القيم " الرحيق المختوم " لصفي الرحمن المباركفوري ( الحائز على جائزة رابطة العالم الإسلامي):
( وأما أقوام العرب فقد قسمها المؤرخون إلى ثلاثة أقسام؛ بحسب السلالات التي ينحدرون منها‏:‏
1 ـ العرب البائدة‏:‏ وهم العرب القدامى الذين انقرضوا تمامًا ولم يمكن الحصول على تفاصيل كافية عن تاريخهم، مثل‏:‏ عاد، وثمود، وطَسْم، وجَدِيس، وعِمْلاق، وأُمَيْم، وجُرْهُم، وحَضُور، ووَبـَـار، وعَبِيل، وجاسم، وحَضْرَمَوت، وغيرها‏.‏
2 ـ العرب العاربة‏:‏ وهم العرب المنحدرة من صلب يَشْجُب بن يَعْرُب بن قَحْطان، وتسمى بالعرب القحطانية‏.‏
3 ـ العرب المستعربة‏:‏ وهي العرب المنحدرة من صلب إسماعيل عليه السلام، وتسمى بالعرب العدنانية‏.‏
ويقول:
ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام هاجر منها إلى حاران أو حَرَّان، ومنها إلى فلسطين، فاتخذها قاعدة لدعوته، وكانت له جولات في أرجائها وأرجاء غيرها من البلاد، وفي إحدى هذه الجولات أتى إبراهيم عليه السلام على جبار من الجبابرة، ومعه زوجته سارة، وكانت من أحسن النساء، فأراد ذلك الجبار أن يكيد بها، ولكن سارة دعت الله تعالى عليه فرد الله كيده في نحره، وعرف الظالم أن سارة امرأة صالحة ذات مرتبة عالية عند الله ، فأخدمها هاجر اعترافًا بفضلها، أو خوفًا من عذاب الله ، ووهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام‏.‏
ورجع إبراهيم عليه السلام إلى قاعدته في فلسطين، ثم رزقه الله تعالى من هاجر ابنه إسماعيل، وصار سببًا لغيرة سارة حتى ألجأت إبراهيم إلى نفي هاجر مع ولدهـا الرضيـع ـ إسماعيل ـ فقدم بهما إبراهيم عليه السلام إلى الحجاز، وأسكنهما بواد غير ذي زرع عند بيت الله المحرم الذي لم يكن إذ ذاك إلا مرتفعًا من الأرض كالرابية، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله، فوضعهما عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أحد، وليس بها ماء، فوضع عندهما جرابا فيه تمر، وسقاء فيه ماء، ورجع إلى فلسطين، ولم تمض أيام حتى نفد الزاد والماء، وهناك تفجرت بئر زمزم بفضل الله ، فصارت لهما قوتا وبلاغًا إلى حين‏.‏ والقصة معروفة بطولها‏.‏
وجاءت قبيلة يمانية ـ وهي جُرْهُم الثانية ـ فقطنت مكة بإذن من أم إسماعيل‏.‏ يقال‏:‏ إنهم كانوا قبل ذلك في الأودية التي بأطراف مكة، وقد صرحت رواية البخاري أنهم نزلوا مكة بعد إسماعيل، وقبل أن يشب، وأنهم كانوا يمرون بهذا الوادى قبل ذلك‏.‏
وكان إبراهيم عليه السلام يرتحل إلى مكة ليطالع تركته بها، ولا يعلم بالضبط عدد هذه الرحلات، إلا أن المصادر المعتمدة حفظت لنا أربعة منها‏:‏
1 ـ فقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنه أرى إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل، فقام بامتثال هذا الأمر‏:‏ ‏(‏فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏ - ‏الصافات‏:‏103‏-‏ 107‏)
وقد ذكر في سِفْر التكوين أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة، وسياق القصة يدل على أنها وقعت قبل ميلاد إسحاق؛ لأن البشارة بإسحاق ذكرت بعد سرد القصة بتمامها‏.‏
وهذه القصة تتضمن رحلة واحدة ـ على الأقل ـ قبل أن يشب إسماعيل، أما الرحلات الثلاث الأخر فقد رواها البخاري بطولها عن ابن عباس مرفوعًا، وملخصها‏:‏
2ـ أن إسماعيل عليه السلام لما شب وتعلم العربية من جُرْهُم، وأنفسهم وأعجبهم زوجوه امرأة منهم، وماتت أمـه، وبدا لإبراهيم أن يطالع تركته، فجاء بعد هذا الزواج، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه وعن أحوالهما، فشكت إليه ضيق العيش فأوصاها أن تقول لإسماعيل أن يغير عتبة بابه، وفهم إسماعيل ما أراد أبوه، فطلق امرأته تلك وتزوج امرأة أخرى ‏[‏وهي ابنة مُضَاض بن عمرو، كبير جرهم وسيدهم على قول الأكثر‏]‏‏.‏
3 ـ وجاء إبراهيم عليه السلام مرة أخرى بعد أن تزوج إسماعيل هذه الزوجة الثانية، فلم يجده فرجع إلى فلسطين بعد أن سأل زوجته عنه وعن أحوالهما، فأثنت على الله بخير، فأوصى إلى إسماعيل أن يُثَبِّتَ عَتَبَة بابه‏.‏
4 ـ ثم جاء إبراهيم عليه السلام بعد ذلك فلقى إسماعيل، وهو يَبْرِى نَبْلا له تحت دوحة قريبًا من زمزم، فلما رآه قام إليه فصنع كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، وكان لقاؤهما بعد فترة طويلة من الزمن، قلما يصبر فيها الأب الكبير الأواه العطوف عن ولده، والوالد البار الصالح الرشيد عن أبيه، وفي هذه المرة بنيا الكعبة، ورفعا قواعدها، وأذَّن إبراهيم في الناس بالحج كما أمره الله ‏.‏
وقد رزق الله إسماعيل من ابنة مُضَاض اثنى عشر ولدًا ذكرًا،وهم‏:‏ نابت أو نبايوط،وقَيْدار، وأدبائيل، ومِِبْشام، ومِشْماع، ودوما، ومِيشا، وحدد، وتيما، ويَطُور، ونَفيس، وقَيْدُمان‏.‏
وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، سكنت كلها في مكة مدة من الزمان، وكانت جل معيشتهم إذ ذاك التجارة من بلاد اليمن إلى بلاد الشام ومصر، ثم انتشرت هذه القبائل في أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان، إلا أولاد نابت وقيدار‏.‏
وقد ازدهرت حضارة الأنباط ـ أبْناء نابت ـ في شمال الحجاز، وكونوا دولة قوية عاصمتها البتراء ـ المدينة الأثرية القديمة المعروفة في جنوب الأردن، وقد دان لهذه الدولة النبطية من بأطرافها، ولم يستطع أحد أن يناوئها حتى جاء الرومان وقضوا عليها‏.‏
وقد جنحت طائفة من المحققين من أهل العلم بالأنساب إلى أن ملوك آل غسان وكذا الأنصار من الأوس والخزرج إنما كانوا من آل نابت بن إسماعيل، وبقاياهم في تلك الديار‏.‏
وإليه مال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه، فقد عقد بابًا عنوانه‏:‏ ‏[‏نسبة اليمن إلى إسماعيل عليه السلام‏]‏، واستدل عليه ببعض الأحاديث، ورجح الحافظ ابن حجر في شرحه أن قحطان من آل نابت بن إسماعيل عليه السلام‏.‏
...........
وانقسمت قريش إلى قبائل شتى، من أشهرها‏:‏ جُمَح وسَهْم وعَدِىّ ومخزوم وتَيْم وزُهْرَة، وبطون قُصَىّ بن كلاب، وهي‏:‏ عبد الدار بن قصى،وأسد بن عبد العزى بن قصى، وعبد مناف بن قصى‏.‏
وكان من عبد مناف أربع فصائل‏:‏ عبد شمس، ونَوْفَل، والمطلب، وهاشم، وبيت هاشم هو الذي اصطفي الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم صلى الله عليه وسلم‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله اصطفي من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفي من ولد إسماعيل بنى كنانة، واصطفي من بنى كنانة قريشًا، واصطفي من قريش بنى هاشم، واصطفانى من بنى هاشم‏)‏‏.‏
وعن العباس بن عبد المطلب قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين، ثم تخير القبائل، فجعلني من خير القبيلة، ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفسًا وخيرهم بيتًا‏)‏‏.‏ وفي لفظ عنه‏:‏ ‏(‏إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتًا فجعلني في خيرهم بيتًا وخيرهم نفسًا‏)‏‏.‏
ولما تكاثر أولاد عدنان تفرقوا في أنحاء شتى من بلاد العرب متتبعين مواقع القطر ومنابت العشب‏.‏
...........
كان حكام جزيرة العرب عند ظهور دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على قسمين‏:‏
1ـ ملوك مُتَوَّجُون ـ إلا أنهم في الحقيقة كانوا غير مستقلين‏.‏
2ـ رؤسـاء القبائـل والعشائر ـ وكـان لهم مـن الحكم والامتـياز مـا كـان للملـوك المتوجين، ومعظم هـؤلاء كانـوا على تمـام الاستقـلال، وربمـا كانت لبعضـهم تبعية لملك متـوج‏.‏
والملوك المتوجون هم‏:‏ ملوك اليمن، وملوك مشارف الشام ‏[‏وهم آل غسان‏]‏ وملوك الحيرة، وما عدا هؤلاء من حكام الجزيرة لم تكن لهم تيجان‏.‏ وفيما يلى موجز عن هؤلاء الملوك والرؤساء‏.
‏ الملك باليمن‏‏
من أقدم الشعوب التي عرفت باليمن من العرب العاربة قوم سبأ، وقد عثر على ذكرهم في حفريات ‏[‏أور‏]‏ بخمس وعشرين قرنا قبل الميلاد، ويبدأ ازدهار حضارتهم ونفوذ سلطانهم وبسط سيطرتهم بأحد عشر قرنا قبل الميلاد‏.‏
ويمكن تقسيم أدوارهم حسب التقدير الآتى‏:‏
1 ـ ما بين 1300 إلى 620 ق‏.‏م
عرفت دولتهم في هذه الفترة بالدولة المعينية، ظهرت في الجَوْف؛ أى السهل الواقع بين نجران وحضرموت، ثم أخذت تنمو وتتسع وتسيطر وتزدهر حتى بلغ نفوذها السياسى إلى العُلا ومَعَان من شمالي الحجاز‏.‏
ويقال‏:‏ إن مستعمراتها وصلت إلى خارج بلاد العرب، وكانت التجارة هي صلب معيشتهم، ثم إنهم بنوا سد مأرب الذي له شأن كبير في تاريخ اليمن، والذي وفر لهم معظم خيرات الأرض، ‏(‏حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا‏ -الفرقان‏:‏18‏])
وكان ملوكهم في هذه الفترة يلقبون بـ ‏[‏مكرب سبأ‏]‏ وكانت عاصمتهم مدينة ‏[‏صِرْوَاح‏]‏ التي توجد أنقاضها على بعد 50 كيلو مترًا إلى الشمال الغربي من مدينة ‏[‏مأرب‏]‏، وعلى بعد 142 كيلو مترًا شرقى صنعاء، وتعرف باسم ‏[‏خُرَيْبة‏]‏‏.‏ ويقدر عدد هؤلاء الملوك ما بين 22 و 26 ملكًا‏.‏
2 ـ ما بين 620 ق‏.‏ م إلى سنة 115 ق‏.‏ م
وعرفت دولتهم في هذه الفترة بدولة سبأ، وقد تركوا لقب ‏[‏مكرب‏]‏ وعرفوا بـ‏[‏ملوك سبأ‏]‏، واتخذوا ‏[‏مأرب‏]‏ عاصمة لهم بدل ‏[‏صرواح‏]‏ وتوجد أنقاض مأرب على بعد 192 كيلو مترًا شرقي صنعاء‏.‏
3 ـ منذ سنة 115 ق‏.‏ م إلى سنة300 م
وعرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الأولى؛ لأن قبيلة حمير غلبت واستقلت بمملكة سبأ، وقد عرف ملوكها بـ‏[‏ملوك سبأ وذى ريدان‏]‏، وهؤلاء الملوك اتخذوا مدينة ‏[‏ريدان‏]‏ عاصمة لهم بدل مدينة ‏[‏مأرب‏]‏، و تعرف ‏[‏ريدان‏]‏ باسم ظفار، وتوجد أنقاضها على جبل مدور بالقرب من ‏[‏يريم‏]‏‏.‏ وفي هذا العهد بدأ فيهم السقوط والانحطاط، فقد فشلت تجارتهم إلى حد كبير لبسط الأنباط سيطرتهم على شمال الحجاز أولًا، ثم لغلبة الرومان على طريق التجارة البحرية بعد نفوذ سلطانهم على مصر وسوريا وشمالى الحجاز ثانيًا، ولتنافس القبائل فيما بينها ثالثًا‏.‏ وهذه العناصر هي التي سببت في تفرق آل قحطان وهجرتهم إلى البلاد الشاسعة‏.‏
4 ـ منذ سنة 300م إلى أن دخل الإسلام في اليمن
عرفت الدولة في هذه الفترة بالدولة الحميرية الثانية، وعرف ملوكها بـ‏[‏ملوك سبأ وذى ريدان وحضرمـوت ويمـنت‏]‏، وقد توالت على هذه الدولة الاضطرابات والحوادث، وتتابعت الانقلابات والحروب الأهلية التي جعلتها عرضة للأجانب حتى قضى على استقلالها‏.‏ ففي هذا العهد دخل الرومان في عدن، وبمعونتهم احتلت الأحباش اليمن لأول مرة سنة 340 م؛ مستغلين التنافس بين قبيلتى همدان وحمير، واستمر احتلالهم إلى سنة 378 م‏.‏ ثم نالت اليمن استقلالها، ولكن بدأت تقع الثلمات في سد مأرب، حتى وقع السيل العظيم الذي ذكره القرآن بسيل العرم في سنة 450م، أو 451 م‏.‏وكانت حادثة كبرى أدت إلى خراب العمران وتشتت الشعوب‏.‏
وفي سنة 523م قاد ذو نُوَاس اليهودى حملة منكرة على المسيحيين من أهل نجران، وحاول صرفهم عن المسيحية قسرًا، ولما أبوا خدّ لهم الأخدود وألقاهم في النيران، وهذا الذي أشـار إلـيه القـرآن في سـورة الـبروج بقـوله‏:‏ ‏(‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏- الآيات ‏-‏ البروج‏:‏4‏]‏‏.‏
وكان هذا الحادث هو السبب في نقمة النصرانية الناشطة إلى الفتح والتوسع تحت قيادة أباطرة الرومان من بلاد العرب، فقد حرضوا الأحباش، وهيأوا لهم الأسطول البحرى، فنزل سبعون ألف جندى من الحبشة، واحتلوا اليمن مرة ثانية، بقيادة أرياط سنة 525 م، وظل أرياط حاكمًا من قبل ملك الحبشة حتى اغتاله أبرهة بن الصباح الأشرم ـ أحد قواد جيشه ـ سنة 549م، ونصب نفسه حاكمًا على اليمن بعد أن استرضى ملك الحبشة وأرضاه، وأبرهة هذا هو الذي جند الجنود لهدم الكعبة، وعرف هو وجنوده بأصحاب الفيل‏.‏وقد أهلكه الله بعد عودته إلى صنعاء عقب وقعة الفيل، فخلفه على اليمن ابنه يَكْسُوم، ثم الابن الثانى مسروق، وكانا ـ فيما يقال ـ شرا من أبيهما، وأخبث سيرة منه في اضطهاد أهل اليمن وقهرهم وإذلالهم‏.‏
أما أهل اليمن فإنهم بعد وقعة الفيل استنجدوا بالفرس، وقاموا بمقاومة الحبشة حتى أجلوهم عن البلاد، ونالوا الاستقلال في سنة 575 م بقيادة معديكرب سيف بن ذى يزن الحميرى، واتخذوه ملكًا لهم، وكان معديكرب أبقى معه جمعًا من الحبشة يخدمونه ويمشون في ركابه، فاغتالوه ذات يوم، وبموته انقطع الملك عن بيت ذى يزن، وصارت اليمن مستعمرة فارسية تتعاقب عليها ولاة من الفرس، وكان أولهم وهرز، ثم المرزبان بن وهرز، ثم ابنه التينجان، ثم خسرو بن التينجان، ثم باذان، وكان آخر ولاة الفرس، فإنه اعتنق الإسلام سنة 628م، وبإسلامه انتهي نفوذ فارس على بلاد اليمن‏.‏




الملك بالحيرة :
كانت الفرس تحكم بلاد العراق وما جاورها منذ أن جمع شملهم قوروش الكبير ‏(‏557 ـ 529 ق‏.‏م ‏)‏ ولم يكن أحد يناوئهم، حتى قام الإسكندر المقدونى سنة 326 ق‏.‏ م فهزم ملكهم دارا وبددهم وخضد شوكتهم، حتى تجزأت بلادهم، وتولاها ملوك عرفوا بملوك الطوائف، وقد ظل هؤلاء الملوك يحكمون البلاد مجزأة إلى سنة 230م‏.‏ وفي عهد هؤلاء الملوك هاجر القحطانيون، واحتلوا جزءًا من ريف العراق، ثم لحقهم من هاجر من العدنانيين فزاحموهم حتى سكنوا جزءًا من الجزيرة الفراتية‏.‏
وأول من ملك من هؤلاء المهاجرين هو مالك بن فَهْم التَّنُوخى من آل قحطان، وكان منزله الأنبار، أو مما يلى الأنبار، وخلفه أخوه عمرو بن فهم في رواية‏.‏ وجَذِيمة بن مالك بن فهم ـ الملقب بالأبْرش والوَضَّاح ـ في رواية أخرى‏.‏
وعادت القوة مرة ثانية إلى الفرس في عهد أردشير بن بابك ـ مؤسس الدولة الساسانية سنة 226 م ـ فإنه جمع شمل الفرس، واستولى على العرب المقيمين على تخوم ملكه، وكان هذا سببا في رحيل قضاعة إلى الشام، ولكن دان له أهل الحيرة والأنبار‏.‏
وفي عهد أردشير كانت ولاية جذيمة الوضاح على الحيرة وسائر مَنْ ببادية العراق والجزيرة من ربيعة ومضر، وكأن أردشير رأى أنه يستحيل عليه أن يحكم العرب مباشرة، ويمنعهم من الإغارة على تخوم ملكه، إلا أن يملك عليهم رجلًا منهم له عصبية تؤيده وتمنعه، ومن جهة أخرى يمكنه الاستعانة بهم على ملوك الرومان الذين كان يتخوفهم، وليكون عرب العراق أمام عرب الشام الذين اصطنعهم ملوك الرومان، وكان يبقى عند ملك الحيرة كتيبة من جنود الفرس؛ ليستعين بها على الخارجين على سلطانه من عرب البادية، وكان موت جذيمة حوالى سنة 268 م‏.‏
وبعد موت جذيمة ولى الحيرة والأنبار عمرو بن عدى بن نصر اللخمى ‏[‏ 268ـ 288م‏]‏ وهو أول ملوك اللخميين، وأول من اتخذ الحيرة مقرًا له، وكان في عهد كسرى سابور بن أردشير، ثم لم يزل الملوك من اللخميين من بعده يتولون الحيرة حتى ولى الفرس قُبَاذ بن فيروز ‏[‏448ـ 531م‏]‏ وفي عهده ظهر مَزْدَك، وقام بالدعوة إلى الإباحية، فتبعه قباذ كما تبعه كثير من رعيته، ثم أرسل قباذ إلى ملك الحيرة ـ وهو المنذر بن ماء السماء ‏[‏512ـ 554 م‏]‏ ـ يدعوه إلى اختيار هذا المذهب الخبيث، فأبي عليه ذلك حمية وأنفة، فعزله قباذ، وولى بدله الحارث بن عمرو بن حجر الكندى بعد أن أجاب دعوته إلى المذهب المزدكى‏.‏
وخلف قباذ كسرى أنوشروان ‏[‏531ـ 578م‏]‏ وكان يكره هذا المذهب جدًا، فقتل المزدك وكثيرًا ممن دان بمذهبه، وأعاد المنذر إلى ولاية الحيرة، وطلب الحارث بن عمرو، لكنه أفلت إلى دار كلب، فلم يزل فيهم حتى مات‏.‏
واستمر الملك بعد المنذر بن ماء السماء في عقبه حتى كان النعمان بن المنذر ‏[‏583 ـ605 م‏]‏ فإنه غضب عليه كسرى بسبب وشاية دبرها زيد بن عدى العبادى، فأرسل كسرى إلى النعمان يطلبه، فخرج النعمان حتى نـزل سـرا عـلى هانئ بن مسعود سـيد آل شيبان، وأودعه أهله وماله، ثم توجه إلى كسرى، فحبسه كسرى حتى مات‏.‏ وولى على الحيرة بدله إياس بن قَبِيصة الطائى، وأمره أن يرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب منه تسليم ما عنده، فأبي ذلك هانئ حمية، وآذن الملك بالحرب، ولم يلبث أن جاءته مرازبة كسرى وكتائبه في موكب إياس، ودارت بين الفريقين معركة هائلة عند ذى قار، انتصر فيها بنو شيبان وانهزمت الفرس هزيمة نكراء‏.‏ وهذا أول يوم انتصرت فيه العرب على العجم، وهو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏
واختلف المؤرخون في تحديد زمن هذه المعركة، فقيل‏:‏ هو بعد ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم بقليل، وأنه صلى الله عليه وسلم ولد لثمانية أشهر من ولاية إياس بن قبيصة على الحيرة‏.‏ وقيل‏:‏ قبل النبوة بقليل ـ وهو الأقرب‏.‏ وقيل‏:‏ بعد النبوة بقليل‏.‏ وقيل‏:‏ بعد الهجرة‏.‏ وقيل‏:‏ بعد بدر‏.‏ وقيل غير ذلك‏.‏
وولى كسرى على الحيرة بعد إياس حاكمًا فارسيًا اسمه آزادبه بن ماهبيان بن مهرابنداد، وظل يحكم 17 عاما‏[‏614ـ 631م‏]‏ ثم عاد الملك إلى آل لخم سنة 632م، فتولى منهم المنذر بن النعمان الملقب بالمعرور، ولكن لم تزد ولايته على ثمانية أشهر حتى قدم عليه خالد بن الوليد بعساكر المسلمين ‏.‏
الملك بالشام :
في العهد الذي ماجت فيه العرب بهجرات القبائل سارت بطون من قضاعة إلى مشارف الشام وسكنت بها، وكانوا من بنى سُلَيْح بن حُلْوان الذين منهم بنو ضَجْعَم ابن سليح المعروفون باسم الضجاعمة، فاصطنعهم الرومان؛ ليمنعوا عرب البرية من العبث، وليكونوا عدة ضد الفرس، وولوا منهم ملكًا، ثم تعاقب الملك فيهم سنين، ومن أشهر ملوكهم زياد بن الهَبُولة، ويقدر زمنهم من أوائل القرن الثانى الميلادى إلى نهايته تقريبًا، وانتهت ولايتهم بعد قدوم آل غسان، الذين غلبوا الضجاعمة على ما بيدهم وانتصروا عليهم، فولتهم الروم ملوكًا على عرب الشام، وكانت قاعدتهم مدينة بصرى، ولم تزل تتوالى الغساسنة على الشام بصفتهم عمالًا لملوك الروم حتى كانت وقعة اليرموك سنة 13هـ، وانقاد للإسلام آخر ملوكهم جَبَلَة بن الأيهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏
الإمارة بالحجاز :
ولي إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طول حياته، وتوفي وله 137 سنة، ثم ولى واحد، وقيل‏:‏ اثنان من أبنائه‏:‏ نابت ثم قَيْدار، ويقال العكس، ثم ولى أمر مكة بعدهما جدهما مُضَاض بن عمرو الجُرْهُمِىّ، فانتقلت زعامة مكة إلى جرهم، وظلت في أيديهم، وكان لأولاد إسماعيل مركز محترم؛ لما لأبيهم من بناء البيت، ولم يكن لهم من الحكم شيء‏.‏
ومضت الدهور والأيام ولم يزل أمر أولاد إسماعيل عليه السلام ضئيلًا لا يذكر، حتى ضعف أمر جرهم قبيل ظهور بُخْتُنَصَّر، وأخذ نجم عدنان السياسى يتألق في أفق سماء مكة منذ ذلك العصر، بدليل ما جاء بمناسبة غزو بختنصر للعرب في ذات عِرْق، فإن قائد العرب في الموقعة لم يكن جرهميًا، بل كان عدنان نفسه‏.‏
وتفرقت بنو عدنان إلى اليمن عند غزوة بختنصر الثانية ‏[‏سنة 587 ق‏.‏ م‏]‏ وذهب برخيا ـ صاحب يرمياه النبي الإسرائيلى بَمَعَدّ ـ إلى حران من الشام، فلما انكشف ضغط بختنصر رجع معد إلى مكة فلم يجد من جرهم إلا جَوْشَم بن جُلْهُمة، فتزوج بابنته مُعَانة فولدت له نزارًا‏.‏
وساء أمر جرهم بمكة بعد ذلك، وضاقت أحوالهم، فظلموا الوافدين إليها، واستحلوا مال الكعبة، الأمر الذي كان يغيظ العدنانيين ويثير حفيظتهم، ولما نزلت خزاعة بِمَرِّ الظَّهْران، ورأت نفور العدنانيين من الجراهمة استغلت ذلك، فقامت بمعونة من بطون عدنان ـ وهم بنو بكر بن عبد مناف بن كنانة ـ بمحاربة جرهم، حتى أجلتهم عن مكة، واستولت على حكمها في أواسط القرن الثانى للميلاد‏.‏
ولما لجأت جرهم إلى الجلاء سدوا بئر زمزم، ودرسوا موضعها، ودفنوا فيها عدة أشياء، قال ابن إسحاق‏:‏ فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمى بغزالى الكعبة، وبحجر الركن الأسود فدفنهما في بئر زمزم، وانطلق هو ومن معه من جرهم إلى اليمن، فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنًا شديدًا، وفي ذلك قال عمرو‏:‏
كأن لم يكن بين الحَجُون إلى الصَّفَا ** أنيـس ولـم يَسْمُـر بمكـــة سامـــر
بلــى نحــن كــنا أهـلــها فأبـادنـا ** صُرُوف الليالى والجُدُود العَوَاثِر
ويقدر زمن إسماعيل عليه السلام بعشرين قرنًا قبل الميلاد، فتكون إقامة جرهم في مكة واحدًا وعشرين قرنًا تقريبًا، وحكمهم على مكة زهاء عشرين قرنًا‏.‏
واستبدت خزاعة بأمر مكة دون بنى بكر، إلا أنه كان إلى قبائل مضر ثلاث خلال‏:‏
الأولى‏:‏ الدفع بالناس من عرفة إلى المزدلفة، والإجازة بهم يوم النفر من منى، وكان يلى ذلك بنو الغَوْث بن مرة من بطون إلياس بن مضر، وكانوا يسمون صُوفَة، ومعنى هذه الإجازة أن الناس كانوا لا يرمون يوم النفر حتى يرمى رجل من صوفة، ثم إذا فرغ الناس من الرمى وأرادوا النفر من منى أخذت صوفة بجانبى العقبة، فلم يجز أحد حتى يمروا، ثم يخلون سبيل الناس، فلما انقرضت صوفة ورثهم بنو سعد بن زيد مناة من تميم‏.‏
الثانية‏:‏ الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى، وكان ذلك في بنى عدوان‏.‏
الثالثة‏:‏إنساء الأشهر الحرم، وكان ذلك إلى بنى فُقَيْم بن عدى من بنى كنانة‏.‏
.........
وكان هبل من العقيق الأحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب، وكان أول صنم للمشركين وأعظمه وأقدسه عندهم‏.‏
...
وقد تمادى الناس في غيهم هذا حتى يقول أبو رجاء العُطاردى رضي الله عنه‏:‏ كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجرًا هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جُثْوَةً من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه، ثم طفنا به‏.‏
...
أما فكرة الشرك وعبادة الأصنام فقد نشأت فيهم على أساس أنهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين من الأولياء والأتقياء والقائمين بأعمال الخير ـ لما رأوهم أنهم أقرب خلق الله إليه، وأكرمهم درجة وأعظمهم منزلة عنده، وأنهم قد ظهرت على أيديهم بعض الخوارق والكرامات، ظنوا أن الله أعطاهم شيئًا من القدرة والتصرف في بعض الأمور التي تختص بالله سبحانه وتعالى، وأنهم لأجل تصرفهم هذا ولأجل جاههم ومنزلتهم عند الله يستحقون أن يكونوا وسطاء بين الله سبحانه وتعالى وبين عامة عباده، فلا ينبغى لأحد أن يعرض حاجته على الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم يشفعون له عند الله ، وأن الله لا يرد شفاعتهم لأجل جاههم، كذلك لا ينبغى القيام بعبادة الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم بفضل مرتبتهم سوف يقربونه إلى الله زلفي‏.‏
ولما تمكن منهم هذا الظن ورسخ فيهم هذا الاعتقاد اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل، إما حقيقية تطابق صورهم التي كانوا عليها، وإما خيالية تطابق ما تخيلوا لهم من الصور في أذهانهم ـ وهذه الصور والتماثيل هي التي تسمى بالأصنام‏.‏
وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم ومواضع نزولهم واستراحتهم أماكن مقدسة، وقدموا إليها النذور والقرابين، وأتوا لها بأعمال الخضوع والطاعات، وهذه الأضرحة والمقرات والمواضع هي التي تسمى بالأوثان‏.‏
...
وقد مر عن سعيد بن المسيب أن هذه الأنعام كانت لطواغيتهم‏.‏وفي الصحيحين أن النبي صلىالله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏رأيت عمرو بن عامر بن لحى الخزاعى يجر قَصَبَه ‏[‏أي أمعاءه ‏]‏ في النار‏)‏؛ لأنه أول من غير دين إبراهيم، فنصب الأوثان وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامى‏.‏
كانت العرب تفعل كل ذلك بأصنامهم معتقدين أنها تقربهم إلى الله وتوصلهم إليه،وتشفع لديه، كما في القرآن‏:‏ (‏مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله ِ زُلْفَى‏- ‏الزمر‏:‏ 3‏]) , ‏(‏وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله ِ‏- يونس‏:‏81)
.........
ولليهود دوران ـ على الأقل ـ مثلوهما في جزيرة العرب‏:‏
الأول‏:‏ هجرتهم في عهد الفتوح البابلية والآشورية في فلسطين، فقد نشأ عن الضغط على اليهود، وعن تخريب بلادهم وتدمير هيكلهم على يد الملك بُخْتُنَصر سنة 587 ق‏.‏م، وسبى أكثرهم إلى بابل أن قسمًا منهم هجر البلاد الفلسطينية إلى الحجاز، وَتَوطَّن في ربوعها الشمالية‏.‏
الدور الثاني‏:‏ يبدأ من احتلال الرومان لفلسطين بقيادة تيطس الرومانى سنة 70م، فقد نشأ عن ضغط الرومان على اليهود وعن تخريب الهيكل وتدميره أن قبائل عديدة من اليهود رحلت إلى الحجاز، واستقرت في يثرب وخيبر وتيماء، وأنشأت فيها القرى والآطام والقلاع، وانتشرت الديانة اليهودية بين قسم من العرب عن طريق هؤلاء المهاجرين، وأصبح لها شأن يذكر في الحوادث السياسية التي سبقت ظهور الإسلام، والتي حدثت في صدره‏.‏ وحينما جاء الإسلام كانت القبائل اليهودية المشهورة هي‏:‏ خيبر والنضير والمُصْطَلَق وقريظة وقينقاع، وذكر السمهودي أن عدد القبائل اليهودية التي نزلت بيثرب بين حين وآخر‏:‏ يزيد على عشرين‏.‏
ودخلت اليهودية في اليمن من قبل تُبَّان أسعد أبي كَرَب، فإنه ذهب مقاتلًا إلى يثرب واعتنق هناك اليهودية وجاء بحبرين من بني قريظة إلى اليمن، فأخذت اليهودية إلى التوسع والانتشار فيها، ولما ولى اليمن بعده ابنه يوسف ذو نُوَاس هجم على النصارى من أهل نجران ودعاهم إلى اعتناق اليهودية، فلما أبوا خدّ لهم الأخدود وأحرقهم بالنار، ولم يفرق بين الرجل والمرأة والأطفال الصغار والشيوخ الكبار، ويقال‏:‏ إن عدد المقتولين ما بين عشرين ألفًا إلى أربعين ألفًا‏.‏ وقع ذلك في شهر أكتوبر سنة 523 م‏.‏ وقد ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم في سورة البروج؛ إذ يقول‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ‏}‏ ‏[‏البروج‏: ‏4‏:‏ 7‏]‏‏.‏
أما الديانة النصرانية، فقد جاءت إلى بلاد العرب عن طريق احتلال الحبشة وبعض البعثات الرومانية، وكان أول احتلال الأحباش لليمن سنة340 م، ولكن لم يطل أمد هذا الاحتلال، فقد طردوا منها ما بين عامي370ـ 378 م، إلا أنهم شجعوا على نشر النصرانية وتشجعوا لها، وقد وصل أثناء هذا الاحتلال رجل زاهد مستجاب الدعوات وصاحب كرامات ـ اسمه فيميون ـ إلى نجران، ودعاهم إلى دين النصرانية فلبوا دعوته واعتنقوا النصرانية؛ لما رأوا من آيات صدقه وصدق دينه‏.‏
ولما احتلت الأحباش اليمن مرة أخرى عام 525م ـ كرد فعل على ما أتاه ذو نواس من تحريق نصارى نجران في الأخدود، وتمكن أبرهة الأشرم من حكومة اليمن ـ أخذ ينشر الديانة النصرانية بأوفر نشاط وأوسع نطاق، حتى بلغ من نشاطه أنه بني كعبة باليمن، وأراد أن يصرف حج العرب إليها ويهدم بيت الله الذي بمكة، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى‏.‏
وقد اعتنق النصرانية العرب الغساسنة وقبائل تغلب وطيئ وغيرهما لمجاورة الرومان، بل قد اعتنقها بعض ملوك الحيرة أيضًا‏.‏
أما المجوسية، فكان ما كان منها في العرب المجاورين للفرس، فكانت في عراق العرب وفي البحرين ـ الأحسا ـ وهَجَر وما جاورها من منطقة سواحل الخليج العربي، ودان لها رجال من اليمن في زمن الاحتلال الفارسي‏.‏
أما الصابئية ـ وهي ديانة تمتاز بعبادة الكواكب وبالاعتقاد في أنواء المنازل وتأثير النجوم وأنها هي المدبرة للكون ـ فقد دلت الحفريات والتنقيبات في بلاد العراق وغيرها أنها كانت ديانة قوم إبراهيم الكلدانيين، وقد دان بها كثير من أهل الشام وأهل اليمن في غابر الزمان، وبعد تتابع الديانات الجديدة من اليهودية والنصرانية، تضعضع بنيان الصابئية وخمد نشاطها، ولكن لم يزل في الناس بقايا من أهل هذه الديانة مختلطين مع المجوس أو مجاورين لهم في عراق العرب وعلى شواطئ الخليج العربي‏.‏ وقد وجد شيء من الزندقة في بعض العرب، وكانت وصلت إليهم عن طريق الحيرة، كما وجدت في بعض قريش لاحتكاكهم بالفرس عن طريق التجارة‏.‏ ) أ.هـ

أما بلاد الشرق الأقصى , أعنى الهند والصين وماحولهما , فلم يكن الحال هناك أفضل مما كان عليه فى بلاد العرب. ففى الصين مثلاً يكفينا القول بأن عدد المعابد البوذية في الصين يتجاوز الثلاثة عشر ألف معبد, وذلك إثر دخول البوذية للصين فى القرن الأول الميلادي تقريباً على مابذهب إليه المؤرخون. ولا يختلف اثنان على أن الاسلام دخل الصين سلماً - عن طريق التجار المسلمين والتعامل التجاري وأخلاق المسلمين المعروفة , ثم انتشر اللاسلام هناك سريعاً إلى أن قارب عدد المساجد الآن في الصين حوالى 30 ألف مسجد.. وعلى كل حال لم يكن للغة العربية ظهور بارز هناك فى ذلك الوقت .
وأما الهند وأغلب ما حولها - شبة القارة الهندية - فكانت تنتمى إلى أديان أشهرها الهندوسية و البوذية و الجاينية و السيخية . وقد دخلها الاسلام, على ماذكرناه فى أول البحث , أشبه ما دخل الصين وماحولها.. كما لم يكن للغة العربية ظهور بارز أيضاً هناك فى ذلك الوقت .
وأما أوروبا فقد هيمنت عليها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية فى القرون الوسطى , وقد شهدت أوروبا عصراً دموياً بسبب التعصب الدينى وعلى الأخص بعد بدء تغلغل البروتستانتية - وربما كان الصراع الجارى منذ القرن العشرين فى أيرلندا الشمالية ما هو إلا أحد نواتج هذا الصراع القديم - بالاضافة الى ماشهدته ما شهدته يوغوسلافيا السابقة من تصفية جسدية للمسلمين في البوسنة والهرسك على يد النصارى الصرب؛ لم يشكل في ظاهره لونا من ألوان التصفية العرقية ضد السكان المسلمين في تلك البلاد فحسب، وإنما عكس شعورًا أزليا ومتناميا من الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. . ومنعاً للاطالة نقول أن الثابت بالتاريخ أن الثقافة فى هذا الوقت - وقت مولد الرسول صلى الله عليه وسلم - والتى كانت سائدة إنما هى يونانية رومانية , وكانت اللغة اللاتينية هى السائدة كتابة وتحدثاً والتى صارت فيما بعد أساسًا قامت عليه اللغات الرومانسية المتداولة في أوروبا اليوم .
وأما الامبراطورية الفارسية فكانت لغتهم غير العربية على نحو ما مر بنا.
ولا أظن أننا فى حاجة الى طول حديث عن الأمريكتين اللتين لم يعرفهما العالم بحق إلا بعد الحركات الكشفية والتى أشرنل إليه فى أول الكتاب. وأما افريقيا - وباستثناء مصر وبلاد ساحل البحر الأحمر الغربى - فليس ثمة إلا قبائل وبطون متفرقة هنا وهناك , ليس لها نظام أو حكم ادارى اللهم إلا النظام القبلى والعشائرى , ولغات ولهجات متفرقة ليس للعربية فيها نصيب بالمعنى المفهوم.

لكن الله تبارك وتعالى قضى أن يولد محمد بن عبد الله الرسول النبى صلى الله عليه وسلم فى هذه البيئة , وتلك الظروف والأحوال التى عليها العالم , وفى أمة أمية , قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ - الجمعة:2) , وقال: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - الشورى:52) وقال: ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً - النساء:113) . وفى هذا من الحكمة مايطول معه الشرح , لكننا نأخذ مايرتبط بموضوعنا ..
واذا نظرنا إلى العالم اليوم , الذى يبلغ عدد سكانه حوالى 6.8 مليار , منهم مابين مليار إلى 1.57 مليار مسلم - حسب تقديرات 2009 .

ونخلص من ذلك .. أن العربية كانت محصورة فى الجزيرة العربية وبسبب الاحتكاكات القائمة بين أهل الجزيرة العربية امتدت حتى تخوم العراق والشام شمالاً ومصر والسودان وبعضاً من الصومال والحبشة (أثثوبيا الآن) على الجهة الأخرى للبحر الأحمر. ..
ومن جهة أخرى فإن أرض العرب - وعلى الأخص أرض الحجاز - محاطة بالصحراء والجبال والرمال , حتى إنك لترى الكعبة المشرفة كاللؤلؤة المصونة تحتضنها الجبال الشاهقة من كل جانب, علاوة على تلك المرتفعات الممتدة على طول ساحل البحر الأحمر حتى اليمن جنوباً, ومن ثم صارت هذه المنطقة كالحصن الحصين الذى يشق على الغزاة أن يدخلوه أو يستقر لهم مقام فيه.
كانت كما نرى أيضاً أن هؤلاء - أعنى العرب - لم يكن لهم حول ولا طول أمام القوى المحيطة بهم , من فرس أو رومان , أو حبشيين. لا قوة اقتصادية , ولا عسكرية , ولا من الناحية العددية . ومن هنا كان العرب وكأنهم فى معزل عن الاحتكاك المعرفى أو الثقافى - بمعناه الواسع - عن الآخرين. واعتمدوا حياة الحرية داخل حدودهم التى هيأتها الطبيعة والظروف المناخية المحيطة بهم. ومن ثم لم يكن هناك أى داع لانتشار العربية خارج هذا النطاق الضيق.. إلا بالقرآن الذى زاد من أعداد المسلمين فى ربوع الأرض حتى صاروا إلى ما ذكرنا .. واتنتشر العربية زاحفة تحت راية الاسلام حيث سار سارت ورسخت . وهذا ما لم يتوفر لأى لغة أخرى من اللغات على مر التاريخ.
ومن الغريب , بل والعجيب أن يذهب البعض تارة إلى أن العربية لم يكن أصلها العرب , وتارة أخرى إلى أنها فرضت على الناس قهراً وعنوة ..
وهذا ماسنتناوله - ان شاء الله تعالى - فى الوجه الثالث .. ومايليه..


وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى


 
فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(4/3)

الوجه الثالث:
أن تنتصر لمبدأ تؤمن به , أو لعقيدة تعتنقها , أو لمذهب تتمذهب به, هذا أمر مقبول حتى ولو جانبك الصواب . وأن تتعصب لدين وتفتديه, أو تدعو الآخرين ليدينوا به, مع كونه دين الحق فعلاً, فهذا جائز ولكن على غير تطرف أو إكراه.
لكن الطامة كل الطامة ان تتعصب وبتطرف وليس معك من الحق شيئ, أو أن تكون جاهلاً بما أنت عليه, أو أن تلبس الحق بالباطل قصداً أو جهلاً. فهذا منقصة وأى منقصة. فما بالك لو كان الآخر يفعل ذلك بهذه الاعتبارات ويضاف إليها اضماره الحسد والحقد والمكيدة التى تدبر بليل, وهو يعلم أن الحق الصراح ولا يخفى عليه ما يبتغيه من باطل وانحراف عن جادة الصواب؟
وإذ عرفنا - فى الوجه الثانى لأسباب استتباب اللغة العربية - الأثر القوى للنمو العددى لمعتنقى الاسلام من سكان الأرض, ليرتفع عددهم عاماً بعد عام وفى رقعة من بعد رقعة. سواء بالارداة الحرة للداخلين فى الاسلام انتقالاً من عقائد أخرى, أو بتزايد ذرية المسلمين وتكاثرهم الطبيعى فى تكوين الأسرة بالقياس إلى نهج الآخرين فى تحديد النسل وتقليل عدد أفراد الأسرة على ما يتوخونه من حرص على رفاهية العيش وتقليل استهلاك متطلبات هذه الرفاهية. وهذا التزايد السكانى للمسلمين ملاحظ ومعروف برغم انتهاج بعض الدول الاسلامية سياسات تحديد - أو تنظيم - النسل للأسرة المسلمة فيها بأساليب متنوعة ومتعددة لا حاجة لنا بالاطالة فى تناولها.. ونكتفى بالاشارة الى ما تضمنه تقرير الأمم المتحدة لسكان العالم لعام 2006 ( World Population Prospects - The 2006 Revision ) والذى تدل قراءته على أن معدل النمو السكانى فى البلاد الفقيرة والنامية بشكل عام تتقدم الدول المتقدمة فى نسبة النمو السكانى , ومعظم البلاد عالية المعدل هى من الدول الاسلامية. فمثلاً: ليبيريا والمعدل بها 4.50% , وتأتى فى المرتبة الأولى عالمياً, وفلسطين 3.18% فى المرتبة العاشرة, بينما تأتى اسرائيل فى المرتبة 78 بمعدل نمو 1.66% فى حين المعدل بالولايات المتحدة 0.97% وتأتى فى المرتبة 131 , ثم اليونان والدنمارك وتشترك معهما هولندا بمعدل 0.21% وتأتى فى المرتبة 189, ثم أوروبا بمعدل نمو 0.01% وتحتل المرتبة 204 .. وهكذا.
فهذا التنامى السكانى الاسلامى على الأرض. أثار مخاوف الكثيرين واحقادهم - كما سنرى - حتى أرغوا وأزبدوا, وحرفوا وزيفوا, وكادوا ودبروا, .. علهم يوقفون هذا المد, أو يحدون منه . لكن , ضعف الطالب والمطلوب.
واذ لم يكتف الأعداء والمغرضون بقوة السلاح لقهر المسلمين, فقد لجأوا الى سلاح الكلمة بطريق التحريف والتزييف, والتخويف أحياناً .
فمن ناحية قولهم: إن الاسلام قد انتشر بحد السيف. وليس ذلك منهم إلا لستر جرائم وحشية ارتكبت ضد المسلمين, وفى نفس الوقت لادخال الحرج النفسى والشعور بالمعرة فى نفوس المسلمين ومن ثم يتخلون عن قوتهم ويلقوا أسلحتهم. ومن المؤسف, أن بعضاً من سذج المسلمين دخلت عليهم تلك الحيلة فتخبطوا وراحوا ينافحون ويدافعون عن الاسلام - وكأنه دين معيب, وحاشا - ورفعوا راية السلم والسلام وألقوا سلاحهم, فانهالت عليهم الضربات - منذ الدولة العثمانية على الأخص - من كل جانب, تقطع الرقاب, وتبقر البطون, وتسيل الدماء أنهاراً. وأصبح المسلمون اليوم لاحول لهم ولاقوة, ولا عتاد ولا سلاح, ولايزنون عند غيرهم من أهل الأرض مثقال ذرة. ولا يزالون حتى الآن يتناولون الكلام عن الدفاع عن أنفسهم أو الجهاد فى سبيل بقائهم - ناهيك عن حماية دينهم ومقدساتهم - بكثير من الاستحياء والتوسل!! حتى وكأن الواحد منهم كاد يستأذن عدوه قائلاً: هل تسمح لى من فضلك ومع احترامى لك أن أدافع عن عرضى ودينى؟.!! .. قال تعالى: ( وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً - النساء: من الآية102)
ومن ناحية أخرى زعم بعضهم أن الأرض ليست أرض المسلمين , وأن اللغة العربية يجب أن تستبدل بلغات أخرى قديمة - زالت - أو استحدثت.
أما التدبير الخبيث بالمناداة باستبدال العربية بغيرها, فقد مر بنا مثاله بما هو كائن الآن فى مصر. إذ ينعق البعض نعيق البوم بأن العربية فرضت - شأنها شأن الاسلام - بالقوة والقهر على المصريين إبان فتح عمرو بن العاص لمصر. وهذه الدعوة من الخبث والسذاجة بمكان. وقد ذهب بعضهم - اضافة الى ذلك - إلى المبالغة السمجة ليعطى زعمه مسحة من القبول إذ زعم ان عمرو بن العاص حارب نصارى مصر ( أقباطها, كما يحلو للبعض التسمية) وأن منهم شهداء فى مقاومة الفتح الاسلامى!! والتاريخ يرد ويثبت الحقائق, سواء فى حرب الأقباط أو فرض العربية عليهم..
دعنا نسأل التاريخ: كيف كان حال أهل مصر ( الأقباط ) قبل الفتح الاسلامى؟ وماذا كان حالهم حين أتى عمروبن العاص؟ وماذا لقوا من المسلمين؟ الى آخره..
إن أكثر ما يدندن به أولئك أن المسلمين فرضوا الجزية على أهل البلاد المفتوحة, سواء فى مصر أو غيرها. وبدون الخوض فى تفاصيل أحكام الجزية الفقهية وبالتالى دون الدخول فى أوجه الرد على مافى أحكام الجزية من مصالح ومزايا لكلا الطرفين ( مسلمين وغير مسلمين ) إلا أن اليقين الثابت بالتاريخ أنه لم يكن ثمة اكراه على اعتناق الاسلام وإنما حرر المسلمون ارادة الناس من استعباد العباد للعباد, وأبسط الأدلة على ذلك هى الجزية نفسها التى لم تفرض إلا على من بقى على دينه.. فأين اذن الاكراه على الاسلام الذى يدعيه المدعون؟.
ومن ناحية أخرى.. فى كتابه القيم , ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) يقول أبو الحسن الندوى:
(( يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) :
(ولقد أكرهت مصر على انتحال النصرانية . ولكنها هبطت بذلك إلى حضيض الانحطاط الذي لم ينتشلها منه سوى الفتح العربي ، وكان البؤس والشقاء مما كانت تعانيه مصر التي كانت مسرحاً للاختلافات الدينية الكثيرة في ذلك الزمن . وكان أهل مصر يقتتلون ويتلاعنون بفعل تلك الاختلافات ، وكانت مصر التي أكلتها الانقسامات الدينية ، وأنهكها استبداد الحكام تحقد أشد الحقد على سادتها الروم . وتنتظر ساعة تحريرها من براثن قياصرة القسطنطينية الظالمين).
ويقول الدكتور الفرد .ج . بتلر في كتابه (فتح العرب لمصر) :
( فالحق أن أمور الدين في القرن السابع كانت في مصر أكبر خطراً عند الناس من أمور السياسة ، فلم تكن أمور الحكم هي التي قامت عليها الأحزاب ، واختلف بعضها عن بعض فيها ، بل كان كل الخلاف على أمور العقائد والديانات ، ولم يكن نظر الناس إلى الدين أنه المعين يستمد منه الناس ما يعينهم على العمل الصالح ، بل كان الدين في نظرهم هو الاعتقاد المجرد في أصول معينة .
( فكان اختلاف الناس ومناظراتهم العنيفة كلها على خيالات صورية من فروق دقيقة بين المعتقدات ، وكانوا يخاطرون بحياتهم في سبيل أمور لا قيمة لها ، وفي سبيل فروق في أصول الدين وفي فلسفة ما وراء الطبيعة يدق فهمها ، ويشق لإدراكها.)
هذا ، وقد اتخذها الروم شاة حلوباً يريدون أن يستنزفوا مواردها ، ويمتصوا دمها ، يقول ألفرد:
(إن الروم كانوا يجبون من مصر جزية على النفوس وضرائب أخرى كثيرة العدد..مما لاشك فيه أن ضرائب الروم كانت فوق الطاقة، وكانت تجري بين الناس على غير عدل.)
ويقول مؤلفو (تاريخ العالم للمؤرخين) :
( إن مصر كانت تضيف إلى مالية الدولة البيزنطية مجموعاً كبيراً من حاصلها ومنتجاتها ، وكانت طبقات الفلاحة المصرية – مع حرمانها من كل قوة سياسية ومن كل نفوذ – مرغمة على أداء الخرج للدولة الرومية ككراء الأرض فضلاً عن الضرائب ، وكانت ثروة مصر في هذا العهد إلى الانتقاص والانحطاط .
وهكذا اجتمع لمصر من الاضطهاد الديني ، والاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي ما شغلها بنفسها ، وكدر عليها صفو حياتها ، وألهاها عن كل مكرمة .)) أ.هـ
وأما عن المعارك التى دارت على أرض مصر فلم تكن إلا مع الروم الذين أرادوا دوام استعبادهم للمصريين , وكان خط السير للجيس العربى آتياً من جهة الشرق فى عدة مواقع .. دخل عمرو بجيشه مدينة الفرما والتي شهدت أول اشتباك بين الروم والمسلمين، ثم فتح بلبيس وقهر قائدها الروماني ارطبون الذي كان قائداً للقدس وفر منها، ثم أم دنين، ثم حاصر حصن بابليون حيث كان المقوقس حاكم مصر معيناً عليها من قبل هرقل، زبعد حصار دام حوالى سبعة أشهر رضخ المقوقس لدفع الجزية مما أغضب هرقل فاستدعاه إلى القسطنطينية ونفاه، فاقتحم المسملون حصون بابليون حتى وافق الروم على الصلح ودفع الجزية.. ثم مضى عمرو بن العاص حتى حاصر الإسكندرية وقد اعتصم بها مايقرب من خمسين ألفاً من الروم، وأثناء ذلك مات هرقل وتولى أخوه الحكم فأعاد المقوقس من المنفى وأوكل إليه مفاوضة المسلمين على التصالح.. إلى ذلك وقد استقر الحكم لعمرو .. وكانت الاتفاقية المبرمة تتضمن دفع الجزية, واحترام المسلمين للكنائس , ورحيل الروم بأغراضهم ( الأموال والمتاع ) عن الاسكندرية, اضافة الى رهائن من قادة الروم تحت يد المسلمين لضمان تنفيذ الاتفاق.. وأما عن العدل والمساواة فيكفينا قصة القبطى الذى تظلم من ابن عمروبن العاص نفسه وهى مشهورة معلومة..( راجع فى ذلك سيرة عمربن العاص, وتاريخ الفتح الاسلامى فى مصادره المتعددة)
لقد فتح الفاتح المسلم البلاد وقد استقر فى ضميره ووجدانه ما ألزمه المولى عز وجل به , وما وصاه به الرسول صلى الله عليه وسلم قدوته وأسوته فى كل شئ.. قال تعالى: ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين -يونس:99) وقال : ( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي ، فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها ، والله سميع عليم - البقرة:256) .. كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً ، ثم قال : ( اغزوا باسم الله في سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، اغزوا ولا تغُلُّوا ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ، أو خلال ، فأيتهنَّ ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم . . . فإن هم أبَوا فسَلْهم الجزية ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ عنهم ، فإن هم أبَوا فاستعن بالله وقاتلهم - صحيح مسلم).. وكان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصِّران قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتى تُسلِما، فأَبَيَا أن يُسلما؛ فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟ فأنزل الله تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ.." الآية، فخلَّى سبيلهما ( أسباب نزول - الواحدى , والسيوطى )
وبالنظر إلى عدد سكان مصر فى عهد الفتح , فقد كانوا حوالى مليونين أو اكثر قليلاً.. وقد مر بنا أن جيش المسلمين الفاتح كان نحواً من أربعة ألاف مقاتل فقط.. هؤلاء الجند لم يقيموا كلهم فى مصر.. وعلى فرض - والفرض غير الواقع - أن هؤلاء جميعاً - سكنوا مصر اقامة دائمة.. فيكون المسلمون بضعة آلاف مقابل مليونين على الأقل من الأقباط المسيحيين. أى أن النسبة وقتذاك: مسلم واحد مقابل خمسمائة قبطى.. فما هو العدد - والنسبة - الآن؟ ..
( كشف تقرير أمريكى صادر عن مركز «بيو»، الذى يعد أحد أعرق المراكز البحثية الأمريكية، عن أن المسلمين فى مصر يشكلون الآن حوالى «95%» من سكانها.
وأوضح التقرير، الصادر أمس الأول - الذى نشرته وكالة «أمريكا إن أربيك» أمس - أن نسبة المسلمين فى مصر وصلت إلى 94.6%، من إجمالى التعداد السكانى للجمهورية، بينما تشكل الأقليات الدينية وعلى رأسها المسيحيون نسبة «5.4%»، أى ما يعادل «4.5 مليون» شخص من تعداد 83 مليون نسمة.
فى المقابل، رفضت الكنيسة المصرية الاعتداد بهذا التقرير، من حيث النتائج أو الأسلوب، حيث شدد القمص صليب متى ساويرس، عضو المجلس الملى العام، كاهن كنيسة الجيوشى، على أن المسيحيين «ليسوا أقلية دينية»، كما وصفهم التقرير، وأنهم مصريون لهم كل الحقوق وعليهم جميع الواجبات.
وأوضح ساويرس أن المسيحيين فى مصر يتراوح أعدادهم، كما ذكر البابا شنودة، ما بين 12 مليوناً و15 مليون مواطن، أى حوالى 13% من عدد سكان مصر - حسب ساويرس - مشيراً إلى أن الأقباط فقط يمثلون أكثر من ضعف الرقم الذى ذكره التقرير.) ( المصري اليوم - الخميس 08 أكتوبر 2009 - عمرو بيومى )
وبصرف النظر عن اعتراض أو تسليم البعض بعدد المسيحيين الآن فى مصر بنسبتهم 5.4% أو 13% .. فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو: كيف انعكست النسبة بهذا الشكل؟.. وليس ثمة تفسير لذلك إلا مايقرره التاريخ من أن أهل مصر رحبوا بالفاتح القادم, ووجدوا فى الاسلام بغيتهم وعقيدتهم المنشودة, وهم على مر العصور أهل عقيدة مهما كانت, ولا يتخلون عن أرضهم خاصة وأن الفاتح المسلم, كما مر بنا, لم يجبرهم على ذلك بل أمنهم على دينهم. وبالتالى تحولوا إلي الاسلام, ودخلوه حباً واقتناعاً وإيماناً به.
وصار للاسلام فى مصر درع , وللغة العربية معقل.

وأما الزعم بأن الاسلام انتشر بحد السيف, وهو اختراع استشراقى قديم, فإنه لمن السخف بمكان أن يتغنى به اليوم أو يعزف عليه عازف فى عصرنا هذا الذى صارت الحقائق فيه تضارع الشمس فى كبد السماء فى ظل التقدم العلمى الضخم الذى مكن كل من شاء أن يعرف الكثير من الحقائق والوقف على مدى صحتها مهما تقادم بها الزمان. فلو عذرنا من هرطق بهذه الترهات فى زمن ولى ومضى لم يملك الانسان فيه مايملكه الآن من وسائل وأدوات, فهل يجوز أن نعذر اليوم من خاض هذه المخاضة؟!! .. واذا كنا رأينا صحفياً مغموراً فى جريدة مغمورة فى بلدة ما من دولة أوروبية يتطاول على أشرف الخلق صلى الله عليه وسلم, لقلنا أنه رجل مهووس يناطح الأعالى لعل أحداً يذكره وهو النكرة المجهول. لكن أن يردد من هو مثل البابا بندكت السادس عشر ما لم يعد ثمة قناعة به عند ذوى الرأى الصائب والتفكير المستقيم والاعتدال فى التحليل والترجيح, فهذا أمر فيه نظر.
قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ - البقرة:12 ) .. ولولا ماأمرنا به الشارع بحسن الرد وألينه لكان لنا قول آخر, قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ - المؤمنون 96 ) وقال: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - الأنعام:108)
ففي جامعة رِجنسبورغ في ألمانيا بتاريخ 12 أيلول/سبتمبر 2006م خرج على العالم بمحاضرة يثير فيها فكرة قتلها المفكرون بحثاً منذ قديم . سواء من غير المسلمين المفترين كذباً, أو من المحققين المنصفين غير المسلمين والشراح المسلمين. ومثل هذا السلوك لايليق أساساً بذى وجاهة وسمو, اللهم إلا إن كان سئ الطوية والغرض. ولكى لا نكرر ما زاد عن زبد البحر فى هذا الشأن, والبندكت به أعلم. ولكى لا نكرر هنا أقوال لاحد لها مما قاله العلماء المسلمون فى هذا الصدد منعاً للاطالة.. فقد يكون من المناسب أن أضع هنا بعضاً من الحقائق التى يقرها التاريخ , بل ويشهد بها بنو جلدة البندكت..
 
في كتابه "حضارة العرب" حيث يقول غوستاف لوبون عن محاكم التفتيش:
( يستحيل علينا أن نقرأ دون أن ترتعد فرائضنا من قصص التعذيب و الاضطهاد التي قام بها المسيحيون المنتصرين على المسلمين المنهزمين ، فلقد عمدوهم عنوة، و سلموهم لدواوين التفتيش التي أحرقت منهم ما استطاعت من الجموع. و اقترح القس "بليدا" قطع رؤوس كل العرب دون أي استثناء ممن لم يعتنقوا المسيحية بعد، بما في ذلك النساء و الأطفال، و هكذا تم قتل أو طرد ثلاثة ملايين عربي». و كان الراهب بيلدا قد قتل في قافلة واحدة للمهاجرين قرابة مئة ألف في كمائن نصبها مع أتباعه. و كان بيلدا قد طالب بقتل جميع العرب في أسبانيا بما فيهم المتنصرين، و حجته أن من المستحيل التفريق بين الصادقين و الكاذبين فرأى أن يقتلوا جميعاً بحد السيف، ثم يحكم الرب بينهم في الحياة الأخرى، فيدخل النار من لم يكن صادقاً منهم. يقول د. لوبون: «الراهب بليدي أبدى ارتياحه لقتل مئة ألف مهاجر من قافلة واحدة مؤلفة من 140 ألف مهاجر مسلم، حينما كانت متجهة إلى إفريقية ) ( حضارة العرب - غوستاف لوبون )
ولقد ذكرنا فيما سبق , كيف صارت بلاد الأندلس حاضرة الحواضر فى أوروبا بيد المسلمين.. إلى أن سقطت غرناطة سنة (897 هـ=1492م).. ليلقى المسلمون ما وصفه غوستاف لوبون .. بل ولم تسلم طوائف أخرى من هذه الأفاعيل المنكرة .. فهل غفل البندكت عن القصة التالية :
( وبعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس، أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.. وكان من بين ضباط تطهير محاكم التفتيش الضابط (الكولونيل ليموتسكي) أحد ضباط الحملة الفرنسية في إسبانيا والذى يقول :" كنت سنة 1809 ملحقاً بالجيش الفرنسي الذي يقاتل في إسبانيا وكانت فرقتي بين فرق الجيش الذي احتل (مدريد) العاصمة وكان الإمبراطور نابيلون أصدر مرسوماً سنة 1808 بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الإسبانية غير أن هذا الأمر أهمل العمل به للحالة والإضطرابات السياسية التي سادت وقتئذ.
وصمم الرهبان الجزوبت أصحاب الديوان الملغى على قتل وتعذيب كل فرنسي يقع في أيديهم انتقاماً من القرار الصادر وإلقاءً للرعب في قلوب الفرنسيين حتى يضطروا إلى إخلاء البلاد فيخلوا لهم الجو.
وبينما أسير في إحدى الليالي أجتاز شاراً يقل المرور فيه من شوارع مدريد إذ باثنين مسلحين قد هجما عليّ يبغيان قتلي فدافعت عن حياتي دفاعاً شديداً ولم ينجني من القتل إلا قدوم سرية من جيشنا مكلفة بالتطواف في المدينة وهي كوكبة من الفرسان تحمل المصابيح وتبيت الليل ساهرة على حفظ النظام فما أن شاهدها القاتلان حتى لاذا بالهرب. وتبين من ملابسهما أنهما من جنود ديوان التفتيش فأسرعت إلى (المارشال سولت) الحاكم العسكري لمدريد وقصصت عليه النبأ وقال لا شك بأن من يقتل من جنودنا كل ليلة إنما هو من صنع أولئك الأشرار لا بد من معاقبتهم وتنفيذ قرار الإمبراطور بحل ديوانهم والآن خذ معك ألف جندي وأربع مدافع وهاجم دير الديوان واقبض على هؤلاء الرهبان الأبالسة .. "
حدث إطلاق نار من اليسوعيين حتى دخلوا عنوة ثم يتابع قائلاً " أصدرتُ الأمر لجنودي بالقبض على أولئك القساوسة جميعاً وعلى جنودهم الحراس توطئة لتقديمهم إلى مجلس عسكري ثم أخذنا نبحث بين قاعات وكراس هزازة وسجاجيد فارسية وصور ومكاتب كبيرة وقد صنعت أرض هذه الغرفة من الخشب المصقول المدهون بالشمع وكان شذى العطر يعبق أرجاء الغرف فتبدو الساحة كلها أشبه بأبهاء القصور الفخمة التي لا يسكنها إلا ملوك قصروا حياتهم على الترف واللهو، وعلمنا بعد أنَّ تلك الروائح المعطرة تنبعث من شمع يوقد أمام صور الرهبان ويظهر أن هذا الشمع قد خلط به ماء الورد " .
" وكادت جهودنا تذهب سدى ونحن نحاول العثور على قاعات التعذيب، إننا فحصنا الدير وممراته وأقبيته كلها. فلم نجد شيئاً يدل على وجود ديوان للتفتيش. فعزمنا على الخروج من الدير يائسين، كان الرهبان أثناء التفتيش يقسمون ويؤكدون أن ما شاع عن ديرهم ليس إلا تهماً باطلة، وأنشأ زعيمهم يؤكد لنا براءته وبراءة أتباعه بصوت خافت وهو خاشع الرأس، توشك عيناه أن تطفر بالدموع، فأعطيت الأوامر للجنود بالاستعداد لمغادرة الدير، لكن اللفتنانت "دي ليل" استمهلني قائلاً: أيسمح لي الكولونيل أن أخبره أن مهمتنا لم تنته حتى الآن؟!!. قلت له: فتشنا الدير كله، ولم نكتشف شيئاً مريباً. فماذا تريد يا لفتنانت؟!.. قال: إنني أرغب أن أفحص أرضية هذه الغرف فإن قلبي يحدثني بأن السر تحتها.
عند ذلك نظر الرهبان إلينا نظرات قلقة، فأذنت للضابط بالبحث، فأمر الجنود أن يرفعوا السجاجيد الفاخرة عن الأرض، ثم أمرهم أن يصبوا الماء بكثرة في أرض كل غرفة على حدة – وكنا نرقب الماء – فإذا بالأرض قد ابتلعته في إحدى الغرف. فصفق الضابط "دي ليل" من شدة فرحه، وقال ها هو الباب، انظروا، فنظرنا فإذا بالباب قد انكشف، كان قطعة من أرض الغرفة، يُفتح بطريقة ماكرة بواسطة حلقة صغيرة وضعت إلى جانب رجل مكتب رئيس الدير.
أخذ الجنود يكسرون الباب بقحوف البنادق، فاصفرت وجوه الرهبان، وعلتها الغبرة.
وفُتح الباب، فظهر لنا سلم يؤدي إلى باطن الأرض، فأسرعت إلى شمعة كبيرة يزيد طولها على متر، كانت تضئ أمام صورة أحد رؤساء محاكم التفتيش السابقين، ولما هممت بالنزول، وضع راهب يسوعى يده على كتفي متلطفاً، وقال لي: يابني: لا تحمل هذه الشمعة بيدك الملوثة بدم القتال، إنها شمعة مقدسة.
قلت له، يا هذا إنه لا يليق بيدي أن تتنجس بلمس شمعتكم الملطخة بدم الأبرياء، وسنرى من النجس فينا، ومن القاتل السفاك!؟!.
وهبطت على درج السلم يتبعني سائر الضباط والجنود، شاهرين سيوفهم حتى وصلنا إلى آخر الدرج، فإذا نحن في غرفة كبيرة مرعبة، وهي عندهم قاعة المحكمة، في وسطها عمود من الرخام، به حلقة حديدية ضخمة، وربطت بها سلاسل من أجل تقييد المحاكمين بها.
وأمام هذا العمود كانت المصطبة التي يجلس عليها رئيس ديوان التفتيش والقضاة لمحاكمة الأبرياء. ثم توجهنا إلى غرف التعذيب وتمزيق الأجسام البشرية التي امتدت على مسافات كبيرة تحت الأرض.
رأيت فيها ما يستفز نفسي، ويدعوني إلى القشعريرة والتـقزز طوال حياتي.
رأينا غرفاً صغيرةً في حجم جسم الإنسان، بعضها عمودي وبعضها أفقي، فيبقى سجين الغرف العمودية واقفاً على رجليه مدة سجنه حتى يموت، ويبقى سجين الغرف الأفقية ممداً بها حتى الموت، وتبقى الجثث في السجن الضيق حتى تبلى، ويتساقط اللحم عن العظم، وتأكله الديدان، ولتصريف الروائح الكريهة المنبعثة من جثث الموتى فتحوا نافذة صغيرة إلى الفضاء الخارجي.
وقد عثرنا في هذه الغرف على هياكل بشرية ما زالت في أغلالها.
كان السجناء رجالاً ونساءً، تتراوح أعمارهم ما بين الرابعة عشرة والسبعين، وقد استطعنا إنقاذ عدد من السجناء الأحياء، وتحطيم أغلالهم ، وهم في الرمق الأخير من الحياة.
كان بعضهم قد أصابه الجنون من كثرة ما صبوا عليه من عذاب، وكان السجناء جميعاً عرايا، حتى اضطر جنودنا إلى أن يخلعوا أرديتهم ويستروا بها بعض السجناء.
أخرجنا السجناء إلى النور تدريجياً حتى لا تذهب أبصارهم، كانوا يبكون فرحاً، وهم يقبّلون أيدي الجنود وأرجلهم الذين أنقذوهم من العذاب الرهيب، وأعادوهم إلى الحياة، كان مشهداً يبكي الصخور.
ثم انتقلنا إلى غرف أخرى، فرأينا فيها ما تقشعر لهوله الأبدان، عثرنا على آلات رهيبة للتعذيب، منها آلات لتكسير العظام، وسحق الجسم البشري، كانوا يبدؤون بسحق عظام الأرجل، ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا، حتى يهشم الجسم كله، ويخرج من الجانب الآخر كتلة من العظام المسحوقة، والدماء الممزوجة باللحم المفروم، هكذا كانوا يفعلون بالسجناء الأبرياء المساكين، ثم عثرنا على صندوقٍ في حجم جسم رأس الإنسان تماماً، يوضع فيه رأس الذي يريدون تعذيبه بعد أن يربطوا يديه ورجليه بالسلاسل والأغلال حتى لا يستطيع الحركة، وفي أعلى الصندوق ثقب تتقاطر منه نقط الماء البارد على رأس المسكين بانتظام، في كل دقيقة نقطة، وقد جُنّ الكثيرون من هذا اللون من العذاب، ويبقى المعذب على حاله تلك حتى يموت.
وآلة أخرى للتعذيب على شكل تابوت تثبت فيه سكاكين حادة. تابوت السيدة الجميلة التي يلقى فيها الشباب ثم يطبق عليهم كانوا يلقون الشاب المعذب في هذا التابوت، ثم يطبقون بابه بسكاكينه وخناجره. فإذا أغلق مزق جسم المعذب المسكين، وقطعه إرباً إرباً.
كما عثرنا على آلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد ليخرج اللسان معها، ليقص قطعة قطعة، وكلاليب تغرس في أثداء النساء وتسحب بعنفٍ حتى تتقطع الأثداء أو تبتر بالسكاكين.
وعثرنا على سياط من الحديد الشائك يُضرب بها المعذبون وهم عراة حتى تتفتت عظامهم، وتتناثر لحومهم.
وصل الخبر إلى مدريد فهب الألوف ليروا وسائل التعذيب فأمسكوا برئيس اليسوعيين ووضعوه في آلة تكسير العظام فدقت عظامه دقاً وسحقها سحقاً وأمسكوا كاتم سره وزفوه إلى السيدة الجميلة وأطبقوا عليه الأبواب فمزقته السكاكين شر ممزق ثم أخرجوا الجثتين وفعلوا بسائر العصابة وبقية الرهبان كذلك. ولم تمض نصف ساعة حتى قضى الشعب على حياة ثلاثة عشر راهباً ثم أخذ ينهب ما بالدير .) ( التعصب والتسامح بين المسيحية والاسلام - محمد الغزالي)
والثابت أن المسلمين فى أسبانيا (الأندلس) أمام هذه الحمم المحرقة لم يجدوا إلا الفرار بدينهم إلى حيث يعبدون ربهم الواحد الحق, فكانت الهجرة الطوفانية إلى شمال أفريقيا .. فهل كان اسلام هؤلاء كرهاً وبحد السيف؟؟ وبعد أن زالت قوة المسلمين , وما يعانونه اليوم من مذلة وعدوان على أيدى كل من هب ودب ألم يكن ذلك كافياً لكى يتحللوا منه ويرتدوا عنه ؟
وفى رد على البابا كتب ( أوري أفنيري ) وهو يهودى, ونشر مقالته على مواقع الانترنت, تعقيباً على البندكت:
( في خطابه الذي ألقاه في جامعة ألمانية، أراد البابا، المائتان الخامس والستين، أن يثبت أن هناك فرق جوهري بين المسيحية والإسلام: بينما ترتكز المسيحية على المنطق، فإن الإسلام ينكره. بينما يرى المسيحيون منطقا في أعمال الله، ينكر المسلمون أية منطق في أعمال الله.
بصفتي ملحد يهودي، أنا لا أنوي أن أجز نفسي في هذا النقاش. من أنا لأتتبع منطق البابا. غير أني غير قادر على التزام الصمت حيال مقطع واحد من خطابه، متعلق بي كإسرائيلي يعيش إلى جانب خط الجبهة في "حرب الحضارات".
لكي يثبت انعدام وجود المنطق في الإسلام، يدعي البابا أن النبي محمد قد أمر أتباعه بنشر دينه بقوة السيف، وهذا أمر غير منطقي، على حد تعبير البابا، لأن الروح هي مصدر الإيمان وليس الجسد، وكيف يمكن للسيف أن يؤثر على الروح؟
 


لتدعيم أقواله، اقتبس البابا أقوالا أدلى بها قيصر بيزنطي بالذات، وهو من أتباع الكنيسة الشرقية المنافسة. في أواخر القرن الرابع عشر روى القيصر عيمانوئيل الثاني عن نقاش أجراه، على حد زعمه (هذا الأمر مشكوك فيه) مع مثقف فارسي مسلم مجهول. وفي خضم النقاش قال القيصر بخشونة (على حد قوله) أمام شريكه في الحديث:
"أرني شيئا جديدا أتى به النبي محمد، وسترى أشياء سيئة وغير إنسانية فقط، مثل أمر نشر دينه بقوة السيف.) .. وأضاف أوري أفنيري : ( هل هناك حقيقة في ادعاء القيصر عيمانوئيل؟
لقد شكك البابا ذاته بأقواله. كلاهوتي جدي له سمعته، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بتزييف ما هو مكتوب. لذلك ذكر أن النبي محمد قد منع في القرآن بشكل واضح نشر الدين بقوة السيف. لقد اقتبس عن سورة البقرة، الآية 256 (صحيح أن البابا لا يخطئ ولكنه أخطأ هنا: لقد قصد الآية 257. لقد جاء فيها: "لا إكراه في الدين!").
كيف يتجاهلون قولا بسيطا وقاطعا إلى هذا الحد؟ يدعي البابا أن هذه الآية قد كتبت في بداية طريق محمد، بينما كان ما زال يفتقر إلى القوة، ولكن مع مرور الوقت، أمر باستخدام السيف من أجل الدين. لا يوجد لمثل هذه الوصية أي ذكر في القرآن. صحيح أن النبي محمد قد دعا إلى استخدام السيف في معاركه ضد خصومه من القبائل - المسيحيين واليهود - في شبه الجزيرة العربية، عندما أسس دولته، غير أن هذا كان عملا سياسيا وليس دينيا، معركة على الأرض وليس على بسط الدين.
يسوع المسيح قال: "تعرفونهم من ثمارهم." علينا أن ننظر إلى تعامل الإسلام مع الديانات الأخرى حسب اختبار بسيط: كيف تصرفوا خلال أكثر من ألف سنة، بينما كانت القوة بين يديهم، وكان بمستطاعهم "نشر دينهم بقوة السيف". هم لم يفعلوا ذلك.
لقد سيطر المسلمون في اليونان طيلة مئات السنين. هل اعتنق اليونانيون الإسلام؟ حل حاول أي شخص إدخالهم في الإسلام؟ على العكس، لقد شغل اليونانيون وظائف كبيرة في الحكم العثماني. كما أن الشعوب أوروبا المختلفة مثل البلغاريين، الصرب، الرومانيين، الهنغاريين، الذين عاشوا فترات طويلة تحت حكم الأتراك، قد تشبثوا بدينهم المسيحي. إن أحدا لم يجبرهم على اعتناق الدين الإسلامي، وظلوا مسيحيين متدينين.
لقد أسلم الألبان وكذلك البوسنيون، ولكن أحدا منهم لا يدعي بأنهم قد أكرهوا في ذلك. لقد اعتنقوا الدين الإسلامي ليكونوا محببين إلى السلطة وليتمتعوا بخيراتها.
في عام 1099 احتل الصليبيون القدس وذبحوا سكانها المسلمين واليهود من دون تمييز، وكانت هذه الأمور تنفذ باسم يسوع طاهر النفس. في تلك الفترة، وبعد 400 سنة من احتلال المسلمين للبلاد، كان ما زال معظم سكان البلاد من المسيحيين. طيلة كل تلك الفترة لم تجرى أية محاولة لفرض دين محمد على السكان. بعد أن طرد الصليبيون من البلاد فقط، بدأ معظم بتبني اللغة العربية واعتناق الدين الإسلامي - وكان معظم هؤلاء هم أجداد الفلسطينيين في أيامنا هذه.
لم تُعرف أية محاولة لفرض دين محمد على اليهود. لقد تمتع يهود أسبانيا، تحت حكم المسلمين، بازدهار لم يسبق له مثيل في حياة اليهود حتى أيامنا هذه تقريبا. شعراء مثل يهودا هليفي كانوا يكتبون باللغة العربية، كذلك الحاخام موشيه بن ميمون (الرمبام). كان اليهود في الأندلس المسلمة وزراء، شعراء علماء. لقد عمل في طلطيلية المسلمة مسلمون، يهود ومسيحيون معا على ترجمة كتب الفلسفة والعلوم اليونانية القديمة. لقد كان ذلك "عصر ذهبي" بالفعل.
كيف كان لهذا أن يحدث كله، لو كان النبي محمد قد أمر أتباعه "بنشر الإيمان بقوة السيف"؟
ولكن المهم هو ما حدث لاحقا، حين احتل الكاثوليكيون أسبانيا من أيدي المسلمين، فقد بسطوا فيها حكما من الإرهاب الديني. لقد وقف اليهود والمسلمون أمام خيار قاس: اعتناق المسيحية أو الموت أو الهرب. وإلى أين هرب مئات آلاف اليهود، الذين رفضوا تغيير دينهم؟ لقد استقبل معظمهم على الرحب والسعة في الدول الإسلامية. لقد استوطن "يهود الأندلس" من المغرب في الغرب وحتى العراق في الشرق، من بلغاريا (تحت حكم الأتراك آنذاك) في الشمال وحتى السودان في الجنوب. لم تتم ملاحقتهم في أي مكان. لم يواجهوا هناك أي شيء يضاهي تعذيب محاكم التفتيش، لهيب المحارق، المجازر والطرد الذي ساد في معظم الدول المسيحية حتى حدوث الكارثة.
لماذا؟ لأن محمد قد منع بشكل واضح ملاحقة "أهل الكتاب". لقد تم تخصيص مكانة خاصة في المجتمع الإسلامي لليهود وللمسيحيين. لم تكن هذه المكانة مساوية تماما، ولكنها كادت تكون كذلك. كان يتوجب علهم دفع جزية خاصة، ولكنهم قد أعفوا من الجيش مقابلها - وهذه الصفقة كانت مجدية جدا لليهود. يقولون أن الحكام المسلمين قد عارضوا محاولات إدخال اليهود في الإسلام حتى بالوسائل اللطيفة، لأن هذا الأمر كان منوطا بخسارة عائداتهم من الضرائب.) .. ويختتم أوري أفنيري بقوله: ( كل يهودي مستقيم، يعرف تاريخ شعبه، لا يمكنه إلا أن يشعر بالعرفان تجاه الإسلام، الذي حمى اليهود طيلة خمسين جيلا، في الوقت الذي كان العالم المسيحي فيه يلاحقهم وحاول في العديد من المرات إجبارهم على تغيير دينهم "بالسيف".)
والقتال فى الاسلام له أحكامه وضوابطه مودعة فى كتبه لمن شاء , ولكنى أذكر هنا ما يجب على المسلمين - بهذه المناسبة - ألا يغفلوا عنه.. قال تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم ، إن الله يحب المقسطين , إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولَّوهم ، ومن يتولَّهم فأولئك هم الظالمون - الممتحنة8و9) , وقال: ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا - البقرة:190), وقال تعالى : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ , كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ , اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ , لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ - التوبة 7 : 10).

وازاء هذه الحقائق الواضحة, يبين لنا أن المعتنق للاسلام لايعتنقه كنوع من الفسحة أو النزهة أو حب الاستطلاع, إنما هو عن قناعة تامة, وارادة حرة, بل وبعزم وتصميم لاتباع الحق ونبذ الباطل. وبرغبة فى التخلص من ضيق الدنيا ودنياها إلى السمو بالنفس والتطلع إلى ما فى الاسلام من سمات لايمكن إلا أن تكون من لدن حكيم خبير. والأدلة على ذلك غزيرو ووفيرة فى نصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وأفعال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
وطالما اختار المرء شيئاً وأحبه وأقبل عليه, فلابد وأن يتعاطاه ويستزيد منه, ولا يتأتى هذا التعاطى والاستزادة إلا بدراسته وتذوقه, كمن يجول فى حديقته الغناء يتنسم هواءها ويملى النظر بجمالها ويتمعن فى ألوانها وأصناف ثمارها. ولذا , يجد المسلم نفسه مقبلاً على القرآن الكريم والحديث النبوى الشريف وعلومهما مما يجعل المسلم بالضرورة ناظراً فى العربية دارساً لها. إما ليحسن العبادة وهذا على أقل تقدير فى المعرفة بالعربية, أو بالاستفاضة فى هذه العلوم وتدقيقها والابداع فيها. خاصة حين تتمكن منه ملكة الذوق والعلو فى درجات الإيمان. ويؤيد ذلك هذا الفيض الكبير من علماء المسلمين الكثير عددهم وهم من غير العرب . وعلى رأس هؤلاء البخاري وأصله من الاوزبك من مدينة بخارى في أوزبكستان, ومنهم ابن ماجة من قزوين, و فخر الدين الرازي أصله من طبرستان. رحل إلى خوارزم وماوراء النهر وخراسان, و أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي عالم وطبيب فارسي ولد في مدينة الري في خراسان ببلاد فارس. وغيرهم كثيرون.
والكثير من أولئك العلماء من ذوى الأصول غير العربية, برعوا فيها ووضعوا لها المؤلفات العظيمة, وفى علوم القرآن والتفسير والفقه وما إلى ذلك .. مما كان له الفضل الكبير فى خدمة العربية وعلومها وترسيخها.


وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

ودى واحترامى

 
عودة
أعلى