فضلاً.. اقرأ ماتقدم قبلاً, فهو أصل لاينفصل عما ستقرأ..(5/2)
من السمات الثابتة لنشاط البشر فى أى أمة أن تجد لغة هذه الأمة أو تلك, على شاكلتين: الفصحى, والعامية "المحكية". والواقع المشاهد فى كل امة أن الناس يتكلمون فى شئونهم الحياتية اليومية باللهجة العامية, وليسوا مطالبين بالتعامل فى هذه الحالة باللغة الفصحى. كما وأن اللغة الفصحى هى الأم والأساس خاصة عند تداول المحررات والكتابات, وعلى الأخص عند صياغة الدساتير والقوانين والعقود والمواثيق وما إلى ذلك, من الشئون التى تتسم بالدوام والثبات, والتى يجب أن يتفق الشعب الواحد فى أمة ما على فهم واحد بلا تفاوت -قدر الامكان- على هذه الصياغات. بمعنى أنك قد تجد فى البلد الواحد لهجات متعددة "محكية", كما هو الحال فى مصر مثلاً ما بين لهجة أهل الوجه البحرى ولهجة أهل الوجه القبلى, أو قبائل الشمال وقبائل الجنوب فى اليمن, وهكذا. وما يجمع الناس على معنى واحد لايختلفون فى فهمه هو اللغة الفصحى. هذه مسألة معروفة فى كل بلد من بلدان العالم. ويتفق هذا تماماً بالنظر إلى اللهجات العامية فيما بين الدول العربية والاسلامية, فاللهجة العراقية تختلف عن اللهجة المصرية واللبنانية والسعودية والمغربية , كل بلد له لهجته, فضلاً عن اللهجات الداخلية المختلفة داخل البلد الواحد -على نحو ماضؤبنا له المثل. لكن مما لاخلاف فيه اتفاق سكان هذه البلاد جميعاً فى فهم اللغة العربية الفصحى, ولايكاد يكون ثمة اختلاف فى الفهم إلا فى القليل النادر.
على أن قضية العامية ليست جديدة , فأغلب الظن أنها بدأت مع ظهور التواشيح -وسميت بالزجل فيما بعد- فى بلاد الأندلس, وقد أشار ابن خلدون الى ذلك فى مقدمته بقوله: "ولما شاع فن التوشيح في أهل الأندلس، وأخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه، نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله، ونظموا في طريقته بلغتهم الحضرية من غير أن يلتزموا فيها إعراباً، واستحدثوا فناً سموه بالزجل".
اذا فهمنا هذا المعنى, فمن المسلمات أن اللهجة العامية تزحف وتستوطن ألسنة الناس حتى تصبح اللغة الفصحى فى حاجة إلى تفسير وتأويل باللهجة العامية ليفهم السامع - أو القارئ, وهو الأهم- ما المقصود بالعبارة الفصحى.
لقد صارت لغات أخرى فى مأزق خطير إزاء زحف العامية , حتى بلغ الأمر -مثلاً- الى اصدار قاموس للغة العامية الأنجليزية English Idioms,Sayings And Slang يحتوى على العديد من المصطلحات الشائعة و الكثيرة الحدوث فى اللغة العامية و بالذات اللهجة الأمريكية.. وقد أذاعت وكالة رويترز العربية هذا الخبر- لوس انجليس (رويترز) 2 فبراير 2009-:
"تصدر الطبعة السادسة من معجم "اللغة العامية لجامعة كاليفورنيا في لوس انجليس" هذا الشهر. وتقوم على اصدار المعجم كل اربع سنوات استاذة علم اللغة باميلا مونرو وطلابها في جامعة كاليفورنيا بلوس انجليس. وقالت مونرو ان المعجم المرح قد وضع باستخدام عملية منهجية تبدأ بجمع الطلاب للعامية من الاصدقاء يلي ذلك تحليل مفصل للتأكد مما تم التوصل اليه ينطق ويعرف على نحو صحيح. وتابعت مونرو قائلة "يتعلم الطلاب الكثير عن القواعد واللغة وعلم اللغة.. يمكنك دراسة اي شيء تريده عن اللغة العادية من خلال اللغة العامية.".. واوضحت مونرو ان معجم الانجليزية العامية الذي يقع في 160 صفحة يتضمن مصطلحات وتعريفات واجزاء كلام ونماذج جمل وملاحظات حول دراسة تعليل (اتيمولوجيا) واصل اللغة العامية الجديدة.أ.هـ.
إن القراءة السريعة لهذا الخبر تعطينا مؤشراً واضحاً بأن اللهجة العامية تستوطن ألسنة الناس, ومن ثم أفهامهم, حتى أنها تكاد تحل محل الفصحى, فصار لها -للعامية- معاجم وقواميس !!. أى أصبحت وكأنها لغة مستقلة بذاتها منفصلة عن اللغة الأم. وأبسط مثل لبيان خطورة هذا الأمر, أننا لو تصورنا قارئاً يقرأ فى احد كتب التاريخ سيرة بلده المكتوبة باللغة الفصحى بطبيعة الحال منذ زمن مضى, لاشك أنه سيتعثر فى فهم المقصود فهماً صحيحاً لأنه يقرأ مالا يتكلمه أو على الأقل يقرأ ما لم يألف كتابته, فكيف يفهمه؟؟
وإلى ذوى النوايا "الطيبة" الذين يستخفون بالمسألة ولا يعيرونها اهتماماً, أو الذين يجسبوننا نبالغ فيما ذكرنا. سنضرب مثلاً (مجرد عينة) لنرى -فوق ماذكرناه عبر مشوارنا الطويل- كيف يفكر الآخرون, أو ماذا يريدون, وماهى أساليبهم؟؟ .. ومع انتشار الانترنت, والمحمول, كما أسلفنا, كانت الأرض الخصبة أو المستنقع بمعنى أصح حيث الصياد والفريسة. وليس شرطاً -والحالة هذه- أن يكون الصياد ماهراً, بل غالباً ما تكون الفريسة سهلة المنال تعانى جهلاً أو اندفاعاً غير محسوب العواقب .. فقد وجدت فى أحد المواقع (ويكيبيديا) على شبكة الانترنت هذا "الكلام" المجهول صاحبه, وستلاحظ معى أنه "كلام" لايليق به أن يسمى موضوعاً بالمعنى الصحيح لما يسمى موضوعاً.. هذا الكلام جاء فيه النص التالى -والذى أرى من الضرورى التعقيب عليه بعد عرضه:
"المَصري (اللغة المصرية الحديثة) هى اللغة اللي المصريين بيتكلّموها في مصر, ابتدا تاريخها في دلتا النيل حوالين بلادها الحضرية زي القاهرة وإسكندرية. النهارده اللغة المصرى هي اللغه السايدة في مصر و بيتكلّمها مُعظَم سكّانها. اللغه المصريه الحديثه هى لغه معترف بيها. كود اللغة بالنسبة لقانون المنظمه الدولية للتوحيد القياسى (ايزو 639), هو arz.
المصرى لغه ماخدتش نصيبها من الكتابة, بس ساعات بيتكتب بيها في الروايات, و المسرحيات, و الأصايد (الثقافة "العامية") و كمان في مجلات ورسوم الكاركاتير و الاعلانات, و شوية جرانيل، وأخيراً في كتب إنكتبت بـ اللغة المصري الحديثة. أكتريـّة طرُق الإعلام المكتوبة و أخبار التليفيزيون بتبقى بـ العربي الكلاسيكي بعد تطويرهُ و تعديلهُ. دلوقتي بقى فيه شويِّة قنوات بتستعمل "المصري" بدل "العربي في الاخبار, زي قناة "او تي في". المصرى دلوقتي كمان ببتكتب بيه شعارات الحزب الوطنى الديمقراطى فى مصر .
اللغة المصرية الحديثة هى اللغة الأُم لـ 76 مليون مصرى و هى في الحقيقة لغة مستقله من أصل «حامي» (أفريقي) وهى إمتداد لـ حروف اللغات المصرية القديمة و ليها قواعد مختلفة عن قواعد اللغة العربي, في تركيب الجمل, وتصريف الكلمات و أخدت مفردات كتير من اللغة العربي و كمان من لغات تانية زي اللغة القبطي(لغة المصريين قبل الغزو او الفتح العربي لمصر) و التركي و الانجليزي و الفرنساوي. اللغة المصري الحديثة بيتكلمها اكتر من 76 مليون واحد في مصر و بيفهمها كويس سكان البلاد اللي حوالين مصر. بسبب إنتشار المسلسلات و الأفلام و الأغاني المصرية. و المصري لغة ليها لهجات و من أكبر اللهجات دي البحيري و الصعيدي وكل واحدة فيهم ممكن تتقسم لـ لهجات فرعية تانية و فيه مجهودات علشان يبقا للمصرى قاموس. اللغة المصرية بتتكتب بالابجدية العربية في أغلب الأوقات, بس في دعوات من وقت للتاني لـ كتابتها بـ الحروف اللاتيني او بالحروف القبطي.
التوزيع الجغرافى:
المصري بيتكلمه حوالي 76 مليون مصري جوّه مصر زائد المصريين المهاجرين لمناطق زي الشرق الاوسط, اوروبا, أمريكا الشمالية, اُستراليا و جنوب شرق اسيا. المصري كمان بقى لغة التواصل المشترك (لينجوافرانكا) بين شعوب الدول اللي حوالين مصر
و دا راجع لـسببين اساسيين: انتشار و شعبية الأفلام المصرية و الاعمال الفنية التانية من بدايات القرن العشرين; و كمان بسبب الأساتذة المصريين اللي بعتتهم مصر علشان يأسسو النظام التعليمي في دول شبه الجزيرة العربية و الجزاير و ليبيا. في اليمن مثلاً, فيه يمنيين إتاثـّرو بشكل كبير باللغة المصري و دخّلو كلمات مصرية زي "كويّس" و "كدا" جوه اللغات بتاعتهم. نفس الحاجة بنلاقيها في السودان و الشام (خصوصا فلسطين) و في ليبيا. الإتجاه دا دلوقتي خّف[عايز مصدر] شوية بسبب اللغة اللبنانية بسبب الأعمال الفنية و الإعلام اللبناني اللي نجح بشكل [عايز مصدر]كبير في الفترة الاخيرة على الرغم من ان كتير من المغنيين اللبنانيية لسة بيغنو أغانيهم بـ المصري.
التاريخ:
بعد غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ابتدا العرب فى فرض لغتهم ومضايقة المصريين اللى بيتكلمو بالقبطى و وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى و زاد الضغط على المصريين بعد تعريب الدواوين وبقت من شروط التعيين فى اى شغلانه في الدواوين (الوزارات دلوقتي) هو الكلام باللغة العربى. ولمدة تلات قرون بعد الغزو كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي. الازدواجية دي فضلت في الصعيد لمدة طويلة جداً بيقدرها بعض العلما لحد القرن ال17 وخصوصا بين الفلاحين وبين الستات اكتر من الرجالة. المصري يمكن يكون إبتدا في الفسطاط, اول عاصمة اسلامية لمصر. الحاكم بأمر الله حرم استخدام "القبطى" حتى فى صلاة المسيحيين.
من اقدم الحاجات اللي اتكتبت عن المصري كتاب اسمه "دفع الإصر عن كلام أَهل مصر" واللى ألّفهُ يوسف المغربي في القرن ال16 الكتاب فيه معلومات مهمة جدا عن اللغة المصرية في العصور الوسيطة. الكتاب كان هدفه اثبات ان كلام اهل مصر مختلف عن اللغه العربى, و قال "كلام اهل مصر مليان غلطات لما تقارنها بالعربي الكلاسيكي، بس اللغة دي مرتبطة بالعربي في حاجات كتيرة تانية".
الحالة الرسمية:
اللغه المصريه الحديثه هى لغه معترف بيها كود اللغة بالنسبة لقانون المنظمه الدولية للتوحيد القياسى (ايزو 639) بس لحد دلوقتي مالهاش أي صفة رسمية من الحكومة المصرية و مش معترف بيها على انها لغة مستقلة .العربى القياسى الحديث و هو تجديد للـ لغة العربي الكلاسيكية (عَرَبيّة فُصحَى), هي اللغة الرسمية في مصر, و لكن إبتدا الإهتمام بـ اللغة المحكيـّة في القرن ال19 لمّا كانت الحركة القومية المصرية الإستقلاليّة بتعمل.
كان فيه أسئلة عن تصليح و تجديد اللغة العربي, وكانت الإقتراحات دي موجودة:
1. تطوير تعبيرات جديدة, عشان تتحط بدل المصطلحات القديمة في العربي
2. تبسيط القواعد النَحويـّة و المورفولوچيـّة معا إستعمال المُصطلَحات المعروفة؛
3. التـَمصير الكامل بـ الإستغناء عن العربي لـ صالح اللي إتسمّا الـ"مصري", أو العربية المَصرية.
من الناس اللي إقترحو التصليح اللغوي في مصر قاسم أمين, (واحد من مؤسيين الحركة الوطنية المصرية و جامعة القاهرة و من اشهر المدافعين عن حرية المراة), و أحمد لطفي السيد رئيس جامعة القاهرة, والمُفكّر المعروف سلامه موسى. وإتبنـّو طريق جديدة و علمانية وإختلفو مع الفرضية اللي بتقول إن اللغة العربي هيا لغة ثابتة علشان إرتباطها بـ القرآن. أما في القرن ال21, مجموعة من النـُشـَطاء العلمانيين الحزب المصري الليبرالي, بهدف التَرويج للإصلاح السياسي في مصر, و هما بينادو بـ الإعتراف الرسمي بـ الـمصري بس الدعوات دي ماتشهرتش في الشارع المصري عشان مافهموش الفكرة و متأثرين بالأفاكر السابقة. و دعوات الإعتراف بـ اللغة المصرى, بتبقى عادةً من مثقفين و دعاة التغيير, و الفكر المسيطر على الناس بيبقى مُحافظ, و بـ سبب شوية أفكار دينيه متعصبه. العصر الدهبي للغة المصرية كان قبل إنقلاب الضباط الأحرار في 1952 و وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1945 و اللي بدأت معاه عملية تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ. أول رواية مصرية في العصر الحديث إسمها زينب و ألـّفها محمد حسين هيكل سنة 1913 و كتبها كلها بـ اللغة المصري. فيه مصريين كتير ساهمو في تبيين إن اللغة المصري هي لغة مستقلة عن العربي بـ أعمالهم الأدبية زي يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي. جمال عبد الناصر إبتدا حملة تعريب التعليم في مصر و تعريب المؤسسات الحكومية. و في الخمسين سنة اللي فاتو بقى معظم المصريين المتعلمين في المدارس المصرية عندهم إنطباع إن اللغة العربي هي اللغة الاُم بتاعة المصريين. بس ده تشويه لـ مفهوم اللغة الاُم.
هذا هو "الكلام" بنصه, والتعقيب عليه يتمثل فى عدة ملاحظات , وهذه الملاحظات من الأهمية بمكان:
أولاً: من المؤكد أن صاحب هذا الكلام ليس من المسلمين, بل كلامه ينضح بالعداوة للاسلام وللمسلمين وهذا واضح من عدة تعبيرات استخدمها, مثل قوله:"غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ".. و " أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ" .. و "اللغة القبطي(لغة المصريين قبل الغزو او الفتح العربي لمصر)",, و "ولمدة تلات قرون بعد الغزو كان فيه ازدواجيه لغويه في مصر بين القبطي و العربي"
ثانيا: الاصرار على اعتبار اللهجة العامية لغة مستقلة, كأى لغة, كالانجليزية, واليابانية والصينية والعربية. فقائل هذا الكلام يبدأ بتسمية العامية بـ"المصرى" ويعتبر اللهجة العامية المصرية لغة مستقلة, كأى لغة, كالانجليزية واليابانية والصينية . وقد صرح بذلك فى قوله "و هى في الحقيقة لغة مستقله من أصل «حامي» (أفريقي)" فهو اذن يريد أن يجعلها تضارع اللغات الأخرى فى النشأة والتكوين والاستخدام. ولو أنه أراد بقوله هذا أنها لغة الكلام لأهل مصر لكان أمراً عادياً. فقد ذهب بعض علماء المصريات والآثار إلى أن المصريين كانوا -منذ القدم- يتكلمون باللغة التى يتكلمونها اليوم, أى اللغة العامية (منهم الدكتور أسامة السعداوى:"اللغـة المصرية لم تتغير شفهيا حرفا واحدا منذ عصور ما قبـل الأسرات وحتى يومنا هذا .. بمعنى أننا نتحدث تماما كما كان أجدادنا المصريون القدماء يتحدثون ").
وهذا مالا نرى داعياً قوياً كى نتمادى فى النظر فيه, إذ من المسلمات أن لكل أمة لغة كلام -مجموعة النغمات الصوتية التي يتلفظ بها-(العامية), ولغة رسمية (الفصحى)- وهى اللغة المتعامل بها فى الكتابة وفى التعليم وفى مجالات المحررات المتداولة بشكل عام. واللغة الرسمية هى لغة أكثر ثباتاً ودواماً, وهى المرعية بالحفظ والصون . وهذا ما سنتعرض له فى موضعه ان شاء الله تعالى.
ثالثا: هذا الكلام فيه خلط الكثير من الزيف والافتراء والالتواء أكثر مما فيه من قول الحق. علاوة على مافيه من اضطراب أو تضارب. وما ذلك إلا لتعمية القارئ.. فمن ناحية: قائل هذا الكلام يبدأ بتسمية العامية بـ"المصرى", ثم يعتبرها "اللغة المصرية الحديثة", وقوله:"وهى إمتداد لـ حروف اللغات المصرية القديمة و ليها قواعد مختلفة عن قواعد اللغة العربي, في تركيب الجمل, وتصريف الكلمات" ولا ندرى ما المقصود بتلك الحروف؟؟ إذا المعلوم أن حروف كتابة المصريين القدماء لم تكن ذات صلة بالحروف العربية. ولا تزال الآثار الفرعونية حتى الآن تشهد أن المصريين القدماء كانوا يكتبون بالتصاوير, وهى قضية مشهورة ومعروفة , وأقصى ما استطاعه علماء المصريات والآثار أن يحكوا لنا استنتاجات - تحتمل القبول والرد, على خلاف بينهم - أن الكتابة عند القدماء المصريين تطورت بشكل ما إلى رموز ومايشبه الحروف فى العصر القبطى والرومانى. لكنها فى كل الأحوال لم تكن أبداً هى الحروف العربية التى نزل بها القرآن الكريم والتى تمت كتابته بها ومحفوظ من عهد عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه و ستظل كذلك إلى قيام الساعة. ومن ناحية أخرى: فهو يزعم أن " الحاكم بأمر الله حرم استخدام "القبطى" حتى فى صلاة المسيحيين." وليس يخفى على أحد هذا الافتراء السمج, فالمسلمون فى كل فتوحاتهم لم يتدخلوا فى شئون أهل الكتاب ولا فى عباداتهم بأى شكل, اللهم إلا فى كتابات بعض المستشرقين ومن والاهم ممن يستهويهم الطعن على الاسلام بالطعن على أهله, إذ أعجزهم الطعن على القرآن الكريم. ومن جهة ثالثة: يتكلم عن رواد العلمانية والليبرالية أمثال قاسم أمين, ولطفى السيد. بسياق يوهم أنهم دعوا الى تبنى اللغة العامية على شاكلة كلامه, ويكفينا لفضح هذا الالتواء فى التعبير أن أياً من هؤلاء لم يكتب إلا باللغة العربية الفصحى, وعلى الرغم من أن طه حسين كان واحداً من الذين دعوا الى انتهاج النموذج الغربى فى الثقافة إلا أنه -وللحقيقة- لم يدع إلى معاداة أو اهمال العربية, وإنما غاية ماذهب إليه الرجل فى هذا الشأن أنه دعا إلى اثراء اللغة العربية بالألفاظ والتراكيب التى تستحدث مع تطور الزمن. ومن ناحية ثالثة: فهو يقول:"أول رواية مصرية في العصر الحديث إسمها زينب و ألـّفها محمد حسين هيكل سنة 1913 و كتبها كلها بـ اللغة المصري" -لاحظ قوله "كلها"- مضيفاً التعبير الخبيث: "فيه مصريين كتير ساهمو في تبيين إن اللغة المصري هي لغة مستقلة عن العربي بـ أعمالهم الأدبية زي يوسف إدريس و إحسان عبد القدوس و صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي ". وكأنه لم يقرأ أعمال هؤلاء الأدبية -وهذا مستبعد طبعاً فاللغط منه مقصود ومرتب مسبقاً- إذ الثابت أن أعمال هؤلاء لم تكن إلا باللغة العربية الفصحى وجل ما فى الأمر احتواء رواياتهم على حوار يغلب عليه العامية, ولا مجال للكلام عن صلاح چاهين و أحمد فؤاد نـِجم و الأبنودي, إذ الأعمال هنا من قبيل الأغانى والزجل, ولا يعنى هذا تبنى العامية على مفهوم اهدار العربية الفصحى. ويشهد لما كتبناه أن المقالات التى قدمها هؤلاء ليست إلا بالعربية الفصحى فى الصحف والمجلات التى كتبوا فيها. هذا بصرف النظر عن الوجهة التشريعية المتعلقة بالغناء أو غير ذلك مما لا محله هنا.
رابعا : ثم التمادى فى الافتراء بقوله:"بعد غزو العرب لمصر فى سنة 641 م ابتدا العرب فى فرض لغتهم و مضايقة المصريين اللى بيتكلمو بالقبطى و وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى و زاد الضغط على المصريين بعد تعريب الدواوين وبقت من شروط التعيين فى اى شغلانه في الدواوين (الوزارات دلوقتي) هو الكلام باللغة العربى." وهذا مردود عليه بالواقع وبالتاريخ. فحماية الفصحى ضد التبديل والضياع أمر معروف فى كل البلاد ومن ذلك "وقد صدر في فرنسا في أعقاب ثورة 1830 قانون يحتم على الفرنسي معرفة الإملاء السليم بغية الحصول على وظيفة عامة في البلاد" (عبد الفتاح الزين - قضايا لغوية في ضوء الألسنية). بل إنه من المعروف أن الدول المتقدمة الغربية التى تفتح باب الهجرة إليها - أو منح جنسيتها - توجب على الراغب فى ذلك أن يكون متقنا للغات تلك البلاد تحدثاً وكتابة. ولايغيب عن الذهن أن الكتابة هنا تتطلب مهارة ولو معقولة فى استخدام لغة هذه البلاد الفصحى لا العامية. هذا مايفعلونه على الرغم مما ذكرناه سلفاً مما فعلوه لنشر لغاتهم فى بقاع الأرض . وهذا مايفعلونه على الرغم من أنهم ليس عندهم من داع عظيم الشأن لحفظ اللغة الفصحى كما هو حال المسلمين مع لغتهم العربية فى شأن القرآن الكريم, الذى أوجب الله تعالى اتباعه والعمل بمقتضاه ولايجوز التعبد به -تلاوة أو فى مناسك العبادة- إلا بلغته المنزل بها, ومن ثم وجوب فهمه . أضف إلى ذلك هذا الكلام الغث الساذج حين يزعم "وصل فى بعض الأوقات فى مناطق معينه لـقطع لسان اي واحد مصرى بيتكلم قبطى" أى لسان؟ وأى قبطى؟ وأى مناطق معينة؟؟
خامساً: أما عن قوله:" العصر الدهبي للغة المصرية كان قبل إنقلاب الضباط الأحرار في 1952 و وصول جمال عبد الناصر للسلطة سنة 1945 و اللي بدأت معاه عملية تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ." فلا يخفى على لبيب مافيه من مكر وخبث وزيف. إذ هذا الكلام يدخل على الجاهل والسطحى من الناس. وإلا فمتى كان للعامية فى مصر عصر ذهبى قبل 1945 (الصحيح أن الثورة قامت 1952)؟ ولن نذهب بعيداً فى عمق التاريخ المصرى, بل نستشهد -وببساطة- بالعصر المملوكى الذى شهد تأليف الموسوعات في شتى النواحي الأدبية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية. ويكفى أن نعرف أن عصر المماليك الجراكسة ظل أكثر من مائة وأربعة وثلاثين سنة ( 784 - 923 هـ / 1382 - 1517 م ) وهو العصر الذى امتاز بابداعات الأدباء والشعراء - وباللغة العربية الفصحى - كما هو ثابت بمخطوطات ذلك العصر. فأين كانت هذا العصر الذهبى للعامية المصرية منذ المماليك إلى ثورة عبد الناصر 1952؟؟ . ثم لاحظ معى -ياصاحبى- هذا التعبير الخبيث حيث يقول"تعريب و أسلمة مصر و الشرق الأوسط كلهُ." هكذا وببساطة لم تكن مصر (ولا الشرق الأوسط كله) مسلمة قبل عبد الناصر 1952 !!! وأبسط ما يقال أن مصر فى عهد الملكية (التى قامت الثورة ضدها 1952) كانت تستشير الأزهر فى معظم القرارات والسياسات.
سادسا: وكما هى عادة الحرب المخادعة يستعمل تعبيرات الحرباء فى غدرها للوصول إلى الغاية. فقوله:"و دعوات الإعتراف بـ اللغة المصرى, بتبقى عادةً من مثقفين و دعاة التغيير, و الفكر المسيطر على الناس بيبقى مُحافظ, و بـ سبب شوية أفكار دينيه متعصبه." وكأنه يقول إياك أن تكون من غير "المثقفين" "المستنيرين" "دعاة التغيير" إياك أن تكون ضد ترسيخ العامية وإلا فأنت يسيطر عليك "شوية أفكار دينيه متعصبه".. وكأن من العار أن تملك لساناً عربياً فصيحاً !!.
سابعاً: وعلى نحو ما يقول المثل: يكاد السارق يقول خذونى.. وعلى غير قصد تظهر لنا الغاية من هذا التدليس والمراوغة. والحقيقة أنه لايريد مجرد أن (يتكلم )الناس اللغة العامية. لا, إنما يريد أن تكون هى لغة الكتابة. يقول:"المصرى لغه ماخدتش نصيبها من الكتابة". ولعلنا نتساءل: فبأى لغة يريد كتابة العامية؟؟ والجواب من كلامه:"اللغة المصرية بتتكتب بالابجدية العربية في أغلب الأوقات, بس في دعوات من وقت للتاني لـ كتابتها بـ الحروف اللاتيني او بالحروف القبطي.".. لعلنا الآن صرنا أمام غاية واضحة يحاول صاحبها بخبث مفضوح مواراتها. وهى هنا ذات شقين: الأول طمس اللغة العربية واستبدالها بالعامية تحدثاً وكتابة. والثانى: الدعوة الى القبطية..
وأرجئ تكملة التحليل والرد إلى اللقاء القادم باذن الله جل فى علاه.
لعلى أطلت هذه المرة -ياصاحبى- فأثقلت عليك. لكن رغماً عنى. كان لابد أن أتناول هذه العينة من المخطط المشئوم الدنئ. لكنى مكره أن أعبر عن ألمى -مراراً- حين أرى شبابنا يكتبون بأيديهم ينفذون للعدو مطلبه ويحققون ما يرضاه النبيه لنفسه. فأرى هنا أو هناك من يكتب بالعامية, وريما كان ذلك منه لعدم اتقانه العربية الفصحى , ولذا فدعنى أنصح -وهل من مجيب- فليكتب كل واحد بالعربية وليخطئ فلسنا كلنا أدباء ولا شعراء, ومن يخطئ اليوم سيألف أن يصلح وسيتحسن مع التكرار لسانه العربى وكتابته بلغة القرآن. أليس هذا أفضل من أن يكون معولاً يهدم به لغة القرآن الكريم؟؟
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
ودى واحترامى