ففيــم يختصمــون ؟!.
--------------------
--------------------
فقال عمر : لا يا خليفة رسول الله ، ولكن ليس بي حاجة عند قوم مؤمنين ، عرف كل منهم ما له من حق ، فلم يطلب أكثر منه ، وما عليه من واجب ، فلم يقصر في أدائه ، أحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه ، إذا غاب أحدهم تفقدوه ، وإذا مرض عادوه ، وإذا افتقر أعانوه ، وإذا احتاج ساعدوه ، وإذا أصيب واسوه ، دينهم النصيحة ، وخلقهم الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ففيم يختصمون ؟!.
نعم .. ففيم يختصمون ؟!
ولماذا يختصمون ؟!
وعلى ماذا يختصمون ؟!
وأي شيء هذا الذي يستحق أن يختصموا عليه ؟! أو أن يتدابروا لأجله ؟!
قوم بهذه الأخلاق .. لا حاجة بهم إلى قضاة ..
قوم صدقوا في إيمانهم .. لا حاجة بهم إلى محاكم ومحاكمات .. حتى تستقيم حياتهم ، وتزكو نفوسهم ..
قوم على الإيمان ، صفاتهم .. عرفوا ما لهم فلم يتجاوزوه ، وما عليهم فما أنكروه .. علام يختلفون ، وفيم يختصمون ؟!
نعم .. إن عظيم مشكلاتنا أننا نطلب أكثر من حقوقنا ، ونتجاوز إلى حقوق غيرنا ، ونعتدي عليها ، ولا نؤدي ما علينا من حقوق .. هذه هي المشكلة أننا نصر على أخذ حقوقنا وافية كاملة ، في الوقت الذي نتهرب فيه من تسديد الحقوق ، والوفاء بالوعود ، وأداء الواجبات .. كأن الله خلقنا وحقوقنا معلقة بأعناق الناس ، وأعناقنا خالية من كل الحقوق والواجبات ..
يرى أحدنا لزام الوفاء بحقوقه ، وقيام الآخرين بواجباته كاملة ، ويرى كذلك لزام أن يقبل الناس أعذاره ، ويسوغوا أخطاءه ، ولا يرى شيئاً من ذلك يلزمه .. أليس هذا أس الداء ، وأصل البلاء ؟!!
ولو أننا عرفنا حقوقنا فما تجاوزناها ، وحقوق غيرنا فأديناها .. ما خسرنا أحداً ، ولا خاصمنا أحداً ، ولا ساء لنا جوار ، ولا تقطعت بيننا أرحام ، ولا نَبَتْ بنا ألفاظ ، ولا استبد بنا غضب !!
لكن .. من أين لنا بهذا الوقـّاف عند حدوده ؟! يعرف فيلزم ، يستسلم للحق راضياً ، له الحق أو عليه ؟!!
وحين يستسلم الجميع للحق ، ويكونون جنوداً مخلصين في ميادينه ، ينتصرون له ، على القرابة ، والصداقة ، والصحبة ، والولد ، والزوجة .. تصفو القلوب ، وتسلم النفوس من الشح ، والبغض ، والحسد ، والكراهية .. عندها فقط نحب لإخواننا وجيراننا وأهلنا ما نحب لأنفسنا .. عندها فقط نفقد الغائب ، ونعود المريض ، ونعين الفقير ، ونساعد صاحب الحاجة ، ونواسي صاحب المصيبة ، شأننا النصيحة .. لا نبحث لأحد عن فضيحة .. أمرنا بالمعروف ، ونهينا عن المنكر .. نغفر الزلل ، ونتجاوز الإساءة ، ونقبل العذر ..
إذا كنا هكذا .. هل نكون بحاجة إلى محاكم ومحاكمات .. ؟!!
إذا كنا هكذا ففيم الخصومة أصلاً ؟؟!!
وأعتقد أن المحاكم والمحاكمات .. مهما بلغت في العدل شأواً ، لا تشيد مجتمعاً نظيفاً سليماً ، خالياً من المصائب والمتاعب .. ولا تقوى على تنظيف القلوب ، وحصد الشرور منها .. هذا بالنسبة للمجتمعات عامة .. فكيف يكون الأمر بالنسبة للدعوات الإصلاحية .. التي تسعى لتطبيق منهج ، وتأسيس بنيان ، وصياغة إنسان .. ؟!!
--------------------------------------------------------
المصدر :
كتاب "قواعد السلف الذهبية في الأخوة الإيمانية"
لمؤلفه الدكتور : عبد الله فرج الله