هو الليث بن سعد ابن عبدالرحمن، الامام الحافظ شيخ الاسلام، وعالم الديار المصرية، أبو الحارث الفهمي مولى خالد بن ثابت بن ظاعن.
مولده:
بقرقشندة قرية من أسفل أعمال مصر في سنة أربع وتسعين.
كان الليث رحمه الله فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها، ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الاقليم، بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها، من تحت أوامره، ويرجعون إلى رأيه، ومشورته، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الاقليم، فاستعفي من ذلك.
يقول الليث : بلغت الثمانين، وما نازعت صاحب هوى قط.
قال الذهبي: كانت الاهواء والبدع خاملة في زمن الليث، ومالك، والاوزاعي، والسنن ظاهرة عزيزة.
فأما في زمن أحمد بن حنبل، وإسحاق، وأبي عبيد، فظهرت البدعة، وامتحن أئمة الاثر، ورفع أهل الاهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم، فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة، ثم كثر ذلك، واحتج عليهم العلماء أيضا بالمعقول، فطال الجدال، واشتد النزاع، وتولدت الشبه.
علمه:
روى عبدالملك بن شعيب، عن أبيه، قال: قيل لليث: أمتع الله بك، إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك، فقال: أو كل ما في صدري في كتبي ؟ لو كتبت ما في صدري، ما وسعه هذا المركب.
قال الدراوردي :رأيت الليث عند ربيعة يناظرهم في المسائل وقد فاق أهل الحلقة.
قول العلماء فيه :
قال أحمد: ليث كثير العلم، صحيح الحديث ، ليس في المصريين أصح حديثا من الليث بن سعد.
قال ابن سعد: استقل الليث بالفتوى، وكان ثقة، كثير الحديث، سريا من الرجال، سخيا، له ضيافة.
قال الشافعي: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به.
قال شرحبيل بن جميل: أدركت الناس أيام هشام الخليفة، وكان الليث بن سعد حدث السن، وكان بمصر عبيدالله بن أبي جعفر، وجعفر بن ربيعة، والحارث بن يزيد، ويزيد بن أبي حبيب، وابن هبيرة، وإنهم يعرفون لليث فضله وورعه وحسن إسلامه عن حداثة سنه، ثم قال ابن بكير: لم أر مثل الليث.
وروى عبدالملك بن يحيى بن بكير، عن أبيه، قال: ما رأيت أحدا أكمل من الليث.
وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن، عربي اللسان، يحسن القرآن والنحو، ويحفظ الحديث والشعر، حسن المذاكرة، فما زال يذكر خصالا جميلة، ويعقد بيده، حتى عقد عشرة: لم أر مثله.
قال ابن وهب: كل ماكان في كتب مالك: وأخبرني من أرضى من أهل العلم، فهو الليث بن سعد
قال ابن وهوب: لولا مالك، والليث، هلكت، كنت أظن كل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم يفعل به.
قال أبو يعلى الخليلي: كان إمام وقته بلا مدافعة
، قال عثمان بن صالح: كان أهل مصر ينتقصون عثمان، حتى نشأ فيهم الليث، فحدثهم بفضائله، فكفوا.
وكان أهل حمص ينتقصون عليا حتى نشأ فيهم إسماعيل بن عياش، فحدثهم بفضائل علي، فكفوا عن ذلك.
فضائله:
كان الليث يستغل عشرين ألف دينار في كل سنة، وقال: ما وجبت علي زكاة قط.
كان الليث له كل يوم أربعة مجالس يجلس فيها: أما أولها، فيجلس لنائبه السلطان في نوائبه وحوائجه، وكان الليث يغشاه السلطان، فإذا أنكر من القاضي أمرا، أو من السلطان، كتب إلى أمير المؤمنين، فأتيه العزل، ويجلس لاصحاب الحديث، وكان
يقول: نجحوا أصحاب الحوانيت، فإن قلوبهم معلقة بأسواقهم.
ويجلس للمسائل، يغشاه الناس، فيسألونه، ويجلس لحوائج الناس، لا يسأله أحد فيرده، كبرت حاجته أو صغرت، وكان يطعم الناس في الشتاء الهرائس بعسل النحل وسمن البقر، وفي الصيف سويق اللوز في السكر.
وجاءت امرأة إلى الليث، فقالت: يا أبا الحارث، إن ابنا لي عليل، واشتهى عسلا، فقال: يا غلام، أعطها مرطا من عسل، والمرط: عشرون ومئة رطل.
وفاته:
مات الليث للنصف من شعبان سنة خمس وسبعين ومئةيوم الجمعة. 15/شعبان/175 هــ .
قال خالد بن عبد السلام الصدفي: شهدت جنازة الليث بن سعد مع والدي، فما رأيت جنازة قط أعظم منها، رأيت الناس كلهم عليهم الحزن، وهم يعزي بعضهم بعضا، ويبكون، فقلت: يا أبت، كأن كل واحد من الناس صاحب هذه الجنازة، فقال: يا بني، لا ترى مثله أبدا.
==================
سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي
تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر
=================