



تحدث الناس كثيراً عن قضية قصاصٍ عجيبة، فقد أدى إختلافٌ على ريالٍ واحد بين بائع
ومشترٍ إلى أن قام المشتري بضرب البائع بحديدةٍ كانت بجواره فشج بها رأس البائع
الذي بدأ ينزف دماً حتى مات! عندها حكمت المحكمة الشرعية بوجوب قتل القاتل جزاء
فعله! ونفذ الحكم فيه.
والسبب ليس الريال كما يظن البعض! بل السبب داء خطير ومرض استشرى في بعض
النفوس وأدى إلى خروجها عن طورها وتفكيرها وعقلها، إنه مرض أدى إلى القتل،
وإلى طلاق الزوجات وفراق الأولاد، أدى إلى تنازع الأحبة وخلاف الإخوة والأقارب!
إنه داء ومرض الغضب!
دخل رجلٌ على النبي فقال: أوصني! قال: { لا تغضب } فردد مراراً قال: { لا تغضب } [رواه البخاري].
الغضب عدو العقل ، وهو له كالذئب للشاة قلَّ ما يتمكن منه إلا اغتاله, والغضب من
الصفات التي ندر أن يسلم منه أحد بل تركه بالكلية صفة نقص لا كمال والغضب ينسي
الحرمات ، ويدفن الحسنات ، ويخلق للبريء جنايات وقد قيل :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة : ولكن عين السخط تبدي المساويا
كما قيل :
وعين البغض تبرز كل عيب : وعين الحب لا تجد العيوبا
والغضب يُحدث هيجاناً حاداً عند الإنسان ينتج عنه احمرارٌ في الوجه، وخفقانٌ في
القلب، وزيادة في النبض، وتتابعٌ في الأنفاس، إنه تحولٌ عجيب يخرج الإنسان عن
طوره فينقلب إلى شكل مخيف تأباه النفوس، وتكرهه القلوب! ترى رجلاً في المجلس
متزناً عاقلاً، ذا هندام يرتبه ويعتني به بين الحين والآخر، ثم إذا غضب تغير شكله،
وانتفخت أوداجه وسقط ما على رأسه من اللباس، وأكثر من حركات اليدين، والضرب
بالرجلين، وهكذا....!
وأشمل وصف لحالة الغضب تلك، قول النبي : { ألا وإن الغضب جمرة في قلب إبن آدم،
أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه...! } [رواه أحمد].
والغضب - والعياذ بالله - مرتبط بالكبر والاستعلاء والظلم والتعدي، ولهذا كان طريقاً
مهلكة وأرضاً موحشة! تأباه القلوب الكريمة، والعقول الكبيرة، والفطر السليمة.
وقد مدح الله عز وجل المؤمنين بصفات كثيرة منها قوله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي
السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134]
فهذه ثلاث صفات عظيمة أولها: كظم الغيظ وإيقافه، والثانية: العفو والصفح مع المقدرة
والتمكن، والثالثة وهي أعلاها مرتبة: الإحسان إلى الناس مقابل إساءتهم.
وقال خلافاً لما تعارف عليه الناس اليوم: { ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي
يملك نفسه عند الغضب } [متفق عليه]. وقال : { وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر
كله } [متفق عليه] ومَنْ أولى الناس بالرفق من زوجك وأبنائك وإخوانك
المسلمين؟!.والبعض اليوم يكون مستعداً لنتائج الغضب الوخيمة، فتراه يجعل بجواره في
السيارة مثلاً حديدةً او خشبة أعدها لهذه المواقف!

أصناف الناس في الغضب
الناس في موضوع الغضب أربعة أصناف، وهذه هي طبيعة الأمور..
إليك هذه القائمة لكي تتعرف على نفسك، فمن أنت من بين الكل؟ لاحظ بنفسك واقرأ بنفسك..
1 - سريع الغضب سريع الرضى:
هذا الصنف من الناس لا يحسن إدارة ذاته ونفسه، وكلمة واحدة تؤثر فيه ويتفاعل معها ثم
بكلمة أخرى يهدأ ويرضى , وهذا الصنف يؤذي في التعامل ولا يعرف الطرف الآخر
كيف يتعامل معه باستمرار، بل مزاجه متقلب وقد يغضب من كلمة اليوم، ولوقيلت له بعد
أسبوع قد لا يغضب فهو حسب حالته النفسية يغضب ويرضى.
2 - بطيئ الغضب بطيء الرضى:
وهذا صنف آخر من الناس لا يغضب، ولكنه إن غضب فلعله يقاطع الطرف الآخر
أسبوعا أو أكثر، إلا أن حسنة هذا الصنف أنه بطيء الغضب.
3- سريع الغضب بطيء الرضى:
وهذا شر الناس فانه يغضب لأي شئ ولكنه لا يرضى بسرعة، ولا يقبل أي اعتذار أو
تأسف على الخطأ، بل انه حتى إذا أراد أن يصفح أو يعفو يتخذ هو القرار بغض النظر
عن اعتذار الطرف الآخر.
4-بطيئ الغضب سريع الرضى:
وهذا خير الناس، فالحلم والحكمة صفاتهم، ولا يمنع ذلك من غضبهم بحكم طبيعتهم
البشرية، ولكنهم إذا غضبوا سريعوا الرضى عندما يعتذرإليهم..

علاج الغضب
ما هي الوسائل التي تحد من الغضب، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال؟؟
لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص ، وهو يتلخص فيما يأتي :
أولا :اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء ، فالنفوس بيد الله تعالى ، وهو المعين على
تزكيتها ، يقول الله تعالى : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } [غافر: 60].
ثانيا :التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب ، يقول الله
تعالى : { وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله } [فصلت: 36]. ، وقد مرّ
النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان ، فأحدهما احمرّ وجهه ، وانتفخت أوداجه
،فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إني لأعلم كلمة ، لو قالها ذهب عنه ما يجد ، لو
قال : أعوذ بالله من الشيطان ، ذهب عنه ما يجد)، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله
تعالى والاستغفار ؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب.
ثالثا :التطلع إلى ماعند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه ، فمن
ذلك ما رواه أبوداود بسند حسن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كظم غيظا
وهو قادر على أن ينفذه ، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق ، حتى يخيره من
أي الحور شاء ).
رابعا :الإمساك عن الكلام ، ويغير من هيئته التي عليها ، بأن يقعد إذا كان واقفا ،
ويضطجع إذا كان جالسا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو
قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) [رواه أبو داود].
خامسا :الابتعاد عن كل ما ما يسبب الغضب ، والتفكر فيما يؤدي إليه.
سادسا :تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل ، في شتى
شؤون الدنيا والدين .
.


المصدر:
شبكة اسلامك
منتديات الأخت المسلمة
منتديات سفينة النصح
صيد الفوائد

