مهدي عبد الوفي
New Member
بسم الله و الحمد لله و الصلاة والسلام على أشرف خلق الله .
اللهم اشرح صدور قوم مؤمنين و أذهب غيظ قلوبهم ..
عين القلب : ( 1 )
القلب المؤمن حاسة دقيقة جامعة تصبح آلة لتلقي العلم و استبصار المعلومات و استشفاف المغيبات على غاية من اللطف بعد ان يبرأ القلب من أمراضه في مصحة التربية .. و بعد أن تعنى به يد "الصحبة " و يصقله الذكر و يكشف الله عز و جل عنه غطاءه .. ليجد ما وعد المتقون بإخلاص النية من قدم الصدق المكتوبة في سابقة علم الله تعالى .
ما كل المؤمنين يعطاهم هذا الفتح القلبي بمقدار ما تنكشف الحجب الغيبية للعين القلبية .. و قد يكون طلب الفتح و التعلق به و التماسه بالدعاء و التضرع و الأذكار الخاصة حجابا عن الله عز و جل و فتنة .. فيصرف طالب الحق مريد الله عن وجهته .. فإذا هو قد زاغ عن قبلة الطلب و هي وجه الله إلى الحظوظ النفسية و المتاهات الكونية .. فيكون من الهالكين .
و إن من أعداء الله عز و جل و من كافة المشركين من يفتح الله سبحانه عليهم عوالمه الكونية فيطلعون على ما شاء ابتلاؤه و كيده و مكره منها .. فيغرقون في مشاهدة حقائقها .. و يصرفون عن طلب الحق و عن عالم النور إلى عالم الظلمات الكونية .. هؤلاء هم أصحاب الرياضات من يوكيين و غيرهم .. و يسمى الفتح عليهم " فتحا ظلمانيا " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عنوانها " الظاهر و الباطن " : " طوائف كثيرة آل الأمر بهم إلى مشاهدة الحقيقة الكونية القدرية .. و ظنوا أن من شهدها سقط عنه الأمر و النهي و الوعد و الوعيد .. و هذا هو دين المشركين " . الرسائل المنيرية ص 251 .
أما أحباب الله ممن شاء الله أن يكشف عنهم الغطاء .. فإن عناية المولى الكريم سبحانه تسلك بهم فجاج مشاهدة " الحقيقة الكونية القدرية " و يتجاوزون مخاطرها و إغراءها .. لا يقفون مع شيء دون الله عز و جل .. شعارهم دائما كما يقول الشيخ عبد القادر : و إنك لتعلم ما نريد .
لنسمع إلى أهل الفن في الموضوع لكيلا يتوهم المتوهم أن الفتح و الكشف و عجائب القلب حديث خرافة .. أو أن مبالغة الصوفية و مجازهم و كنايتهم و لغتهم الغامضة سبح خيال .. و قد استدعيت للشهادة في الموضوع إماما يحظى بالثقة لأنه هو نفسه لا ينتمي إلى الصوفية و إن كان يعترف و يفتخر و يتحمد " بالقدر المشترك " بينه و بينهم . و سترى أن صاحب " القدر المشترك " أبلغ بيانا و أشد حرصا و أثبت كلمة في التأكيد على وقائع الفتح و على طور ما وراء الحس و العقل .. نستمع أولا إلى إمام صوفي .. و بعده إلى الإمام المشارك ابن القيم .
قال الإمام الغزالي : " الإيمان بالنبوة أن يقر بإثبات طور ما وراء العقل .. تنفتح فيه عين يدرك بها مدركات خاصة .. و العقل معزول عنها كعزل السمع عن إدراك الألوان .. و البصر عن إدراك الأصوات .. و جميع الحواس عن إدراك المعقولات " . المنقذ من الضلال ص 70 .
و قال : " و وراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب .. و ما سيكون في المستقبل .. و أمورا أخرى العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات .. و كعزل قوة الحس عن مدركات التمييز " . المنقذ من الضلال ص 57 .
يقول الغزالي هذا في إثبات النبوة و الفتح الخاص بالأنبياء عليهم السلام .. و له في " الإحياء " حديث طويل عن فتح الأولياء و ما يعطاهم من العلم اللدني القلبي قامت عليه بسببه قيامة المكذبين منذ تسعة قرون ..
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فرغم نقده للغزالي في مسائل عقلية ونقلية فإنه يتفق معه اتفاقا تاما أو يكاد في أصول المسائل القلبية . و يقول : " أنكر عليه ( على الغزالي ) طائفة من أهل الكلام و الرأي كثيرا مما قاله من الحق .. و زعموا أن طريقة الرياضة و تصفية القلب لا تؤثر في حصول العلم .. و أخطأوا أيضا في هذا النفي .. بل الحق أن التقوى و تصفية القلب من أعظم الأسباب على نيل العلم " الرد على المنطقيين " ص 511 .
و قال شيخ الإسلام ابن القيم : " ... " ( انظر الصفحة الموالية .. قريبا بإذن الله ) .
بسم الله الرحمان الرحيم
و قال شيخ الإسلام ابن القيم : " فإذا صارت صفات ربه ( أي الولي المتقرب بالفرض و النفل حتى يحبه الله ) و أسماؤه مشهدا لقلبه أنسته ذكر غيره .. و شغلته عن حب سواه ( ... ) . فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به .. و بصره الذي يبصر به .. و يده التي يبطش بها .. و رجله التي يمشي بها . فبه يسمع و به يبصر و به يبطش و به يمشي كما أخبر عن نفسه بلسان رسوله . و من غلظ حجابه .. و كثف طبعه .. وصلب عوده .. فهو عن فهم هذا في معزل ( ... ) . و بالجملة فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى .. أي عرشا لمعرفة محبوبه و محبته و عظمته و جلاله و كبريائه . و ناهيك بقلب هذا شأنه ! فيا له من قلب من ربه ما أدناه ! و من قربه ما أحظاه ! فهو ينزه قلبه أن يساكن أو يطمئن إلى غيره . فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان و سجدت تحت العرش .. و أبدانهم على فرشهم كما قال أبو الدرداء : إذا نام العبد المؤمن عرج بروحه حتى تسجد تحت العرش " . طريق الهجرتين ص 264 .
و قال رحمه الله : " ينجذب ( المريد ) إليها ( الآخرة ) بالكلية .. و يزهد في التعلقات الفانية .. و يدأب في تصحيح التوبة و القيام بالمأمورات الظاهرة و الباطنة ( ... ) . فحينئذ يجتمع قلبه و خواطره و حديث نفسه على إرادة ربه و طلبه و الشوق إليه . فإذا صدق في ذلك رزق محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و استولت روحانيته على قلبه ( ... ) . فإذا رسخ في ذلك فتح له في فهم الوحي المنزل ( ... ) . فإذا تمكن من ذلك انفتح في قلبه عين أخرى .. يشاهد بها صفات الرب جل جلاله .. حتى تصير لقلبه بمنزلة المرئي لعينه . فيشهد علو الرب سبحانه فوق خلقه .. و استواءه على عرشه .. و نزول الأمر من عنده بتدبير مملكته .. و تكليمه بالوحي .. و تكليمه لعبده جبريل به .. و إرساله إلى من يشاء بما يشاء .. و صعود الأمور إليه .. و عرضها عليه " . مدارج السالكين ج 3 ص 268 .
و قال رحمه الله : " إن الله سبحانه جعل في العين قوة باصرة .. كما جعل في الأذن قوة سامعة .. و في الأنف قوة شامة .. و في اللسان قوة ناطقة و قوة ذائقة ( ... ) . و أما معاينة القلب فهي انكشاف صورة المعلوم له .. بحيث تكون نسبته إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين . و قد جعل الله سبحانه القلب يبصر و يعمى . قال تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " . فالقلب يرى و يسمع .. و يعمى و يصم .. و عماه و صممه أبلغ من عمى البصر و صممه " . مدارج السالكين ج 3 ص 246 .
و قال رحمه الله : ... ( ترقبوا ذلك في الصفحة الموالية بإذن الله ) .
بسم الله الرحمان الرحيم
و قال ابن القيم رحمه الله : " فمن فتح الله بصيرة قلبه و إيمانه حتى خرقها و جاوزها إلى مقتضى الوحي و الفطرة و العقل فقد أوتي خيرا كثيرا .. و لا يخاف عليه إلا من ضعف همته . فإذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقا .. واحد الناس بزمانه .. لا يلحق شأوه .. و لا يشق غباره . فشتان بين من يتلقى أحواله و وارداته عن الأسماء و الصفات و بين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية و الرسوم ( قلت : يعني شتان ما بين أرباب الصدور و المتصفحين للسطور ) ! أو عن مجرد ذوقه و وجده .. إذا استحسن شيئا قال : هذا هو الحق !
" فالسير إلى الله من طريق الأسماء و الصفات شأنه عجب .. و فتحه عجب " طريق الهجرتين ص 206.
و قال الإمام عبد القادر : " يا غلام ! ليكن الخرس دأبك .. و الخمول لباسك .. و الهرب من الخلق كل مقصودك .. و إن قدرت أن تنقب في الأرض سربا تخفى فيه فافعل .. يكون هذا دأبك إلى أن يترعرع إيمانك .. و يقوى قدم إيمانك .. و يتريش جناح صدقك .. و تنفتح عينا قلبك فترفع من أرض بيتك .. و تطير إلى جو علم الله .. تطوف المشرق و المغرب .. البر و البحر .. و السهل و الجبل .. تطوف السماوات و الأرضين و أنت مع الدليل الخفير الرفيق .. فحينئذ أطلق لسانك في الكلام .. و اخلع لباس الخمول .. و اترك الهرب من الخلق .. و اخرج من سربك إليهم .. فإنك دواء لهم غير مستضر في نفسك . لا تبال بقلتهم و كثرتهم .. و إقبالهم و إدبارهم .. و حمدهم و ذمهم .. أين سقطت لقطت .. أنت مع ربك عز و جل " ( الفتح الرباني ص 48 ) .
و قال رحمه الله : " الصديق إذا فرغ من تعلم العلم المشترك ( علم السطور ) أدخل في العلم الخاص .. علم القلوب و الأسرار .. فإذا تمكن في هذا العلم صار سلطان دين الله عز و جل .. يأمر و ينهى .. و يعطي و يمنع بإذن مسلطنه " .
و هذا معنى التصريف و الفعل بالهمة .. و معنى الخلافة في الأرض في حق الكمل من الأولياء .. و هذا لا يدركه إلا " واحد الناس بزمانه " كما مرت عبارة ابن القيم .
قال : " يصير سلطانا في الخلق .. يأمر بأمر الله عز و جل .. و ينهى بنهيه ( ... ) . العارف واقف بباب الحق عز و جل و قد سلم إليه علم المعرفة و الاطلاع على أمور لم يطلع غيره عليها " ( الفتح الرباني ص 182 - 183 ) .
و قال رحمه الله : " العارف المقرب يعطى أيضا نورا يرى به قربه من ربه عز و جل .. و يرى قرب ربه عز و جل من قلبه .. يرى أرواح الملائكة و النبيئين و قلوب الصديقين و أرواحهم .. يرى أحوالهم و مقاماتهم .. كل هذا في سويداء قلبه و صفاء سره .. هو أبدا في فرحه مع ربه عز و جل .. هو واسطة يأخذ منه و يفرق على الخلق .. منهم من يكون عليم اللسان و القلب .. و منهم من يكون عليم القلب ألكن اللسان .. و أما المنافق فهو عليم اللسان ألكن القلب " . ( الفتح الرباني ص 254 ) .
و قال رحمه الله : " اسمعوا هذا الكلام فإنه لب علم الله عز و جل .. لب إرادته من خلقه و في خلقه .. و هو حال الأنبياء و المرسلين و الأولياء و الصالحين . يا عباد الدنيا و يا عباد الآخرة ! أنتم جهال بالله عز و جل و بدنياه و بآخرته ! أنتم حيطان ! أنت صنمك الدنيا ! و أنت صنمك الآخرة ! و أنت صنمك الخلق ! و أنت صنمك الشهوات و اللذات ! و أنت صنمك الحمد و الثناء و قبول الخلق لك ! ما سوى الله عز و جل صنم ! القوم يريدون وجه الله .. الدنيا و الآخرة موكلتان على باب الحق عز و جل .. موكلتان في دار الطبيب .. يأخذ منهما ما يريد و يطعم المريض .. يا منافقون ! ما عندكم خبر ! المنافق لا يقدر يسمع حرفا من هذا .. لإنه لا يقدر على سماع الحق ( ... ) كلامي من الله عز و جل لا مني .. من الشرع لا من الهوس .. و لكن آفة فهمك السقيم ! " . ( الفتح الرباني ص 293 ) .
هذه كلمات قوم سلكوا الطريق و تركوا وصفا للمشاهد عسى يكون من بعدهم من يصدق الله و رسوله في وعد الله و رسوله لأولياء الله .. ابتداء من ما من الله به على العباد "
و الحمد لله رب العالمين ..
اللهم اشرح صدور قوم مؤمنين و أذهب غيظ قلوبهم ..
عين القلب : ( 1 )
القلب المؤمن حاسة دقيقة جامعة تصبح آلة لتلقي العلم و استبصار المعلومات و استشفاف المغيبات على غاية من اللطف بعد ان يبرأ القلب من أمراضه في مصحة التربية .. و بعد أن تعنى به يد "الصحبة " و يصقله الذكر و يكشف الله عز و جل عنه غطاءه .. ليجد ما وعد المتقون بإخلاص النية من قدم الصدق المكتوبة في سابقة علم الله تعالى .
ما كل المؤمنين يعطاهم هذا الفتح القلبي بمقدار ما تنكشف الحجب الغيبية للعين القلبية .. و قد يكون طلب الفتح و التعلق به و التماسه بالدعاء و التضرع و الأذكار الخاصة حجابا عن الله عز و جل و فتنة .. فيصرف طالب الحق مريد الله عن وجهته .. فإذا هو قد زاغ عن قبلة الطلب و هي وجه الله إلى الحظوظ النفسية و المتاهات الكونية .. فيكون من الهالكين .
و إن من أعداء الله عز و جل و من كافة المشركين من يفتح الله سبحانه عليهم عوالمه الكونية فيطلعون على ما شاء ابتلاؤه و كيده و مكره منها .. فيغرقون في مشاهدة حقائقها .. و يصرفون عن طلب الحق و عن عالم النور إلى عالم الظلمات الكونية .. هؤلاء هم أصحاب الرياضات من يوكيين و غيرهم .. و يسمى الفتح عليهم " فتحا ظلمانيا " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة له عنوانها " الظاهر و الباطن " : " طوائف كثيرة آل الأمر بهم إلى مشاهدة الحقيقة الكونية القدرية .. و ظنوا أن من شهدها سقط عنه الأمر و النهي و الوعد و الوعيد .. و هذا هو دين المشركين " . الرسائل المنيرية ص 251 .
أما أحباب الله ممن شاء الله أن يكشف عنهم الغطاء .. فإن عناية المولى الكريم سبحانه تسلك بهم فجاج مشاهدة " الحقيقة الكونية القدرية " و يتجاوزون مخاطرها و إغراءها .. لا يقفون مع شيء دون الله عز و جل .. شعارهم دائما كما يقول الشيخ عبد القادر : و إنك لتعلم ما نريد .
لنسمع إلى أهل الفن في الموضوع لكيلا يتوهم المتوهم أن الفتح و الكشف و عجائب القلب حديث خرافة .. أو أن مبالغة الصوفية و مجازهم و كنايتهم و لغتهم الغامضة سبح خيال .. و قد استدعيت للشهادة في الموضوع إماما يحظى بالثقة لأنه هو نفسه لا ينتمي إلى الصوفية و إن كان يعترف و يفتخر و يتحمد " بالقدر المشترك " بينه و بينهم . و سترى أن صاحب " القدر المشترك " أبلغ بيانا و أشد حرصا و أثبت كلمة في التأكيد على وقائع الفتح و على طور ما وراء الحس و العقل .. نستمع أولا إلى إمام صوفي .. و بعده إلى الإمام المشارك ابن القيم .
قال الإمام الغزالي : " الإيمان بالنبوة أن يقر بإثبات طور ما وراء العقل .. تنفتح فيه عين يدرك بها مدركات خاصة .. و العقل معزول عنها كعزل السمع عن إدراك الألوان .. و البصر عن إدراك الأصوات .. و جميع الحواس عن إدراك المعقولات " . المنقذ من الضلال ص 70 .
و قال : " و وراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب .. و ما سيكون في المستقبل .. و أمورا أخرى العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات .. و كعزل قوة الحس عن مدركات التمييز " . المنقذ من الضلال ص 57 .
يقول الغزالي هذا في إثبات النبوة و الفتح الخاص بالأنبياء عليهم السلام .. و له في " الإحياء " حديث طويل عن فتح الأولياء و ما يعطاهم من العلم اللدني القلبي قامت عليه بسببه قيامة المكذبين منذ تسعة قرون ..
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فرغم نقده للغزالي في مسائل عقلية ونقلية فإنه يتفق معه اتفاقا تاما أو يكاد في أصول المسائل القلبية . و يقول : " أنكر عليه ( على الغزالي ) طائفة من أهل الكلام و الرأي كثيرا مما قاله من الحق .. و زعموا أن طريقة الرياضة و تصفية القلب لا تؤثر في حصول العلم .. و أخطأوا أيضا في هذا النفي .. بل الحق أن التقوى و تصفية القلب من أعظم الأسباب على نيل العلم " الرد على المنطقيين " ص 511 .
و قال شيخ الإسلام ابن القيم : " ... " ( انظر الصفحة الموالية .. قريبا بإذن الله ) .
بسم الله الرحمان الرحيم
و قال شيخ الإسلام ابن القيم : " فإذا صارت صفات ربه ( أي الولي المتقرب بالفرض و النفل حتى يحبه الله ) و أسماؤه مشهدا لقلبه أنسته ذكر غيره .. و شغلته عن حب سواه ( ... ) . فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به .. و بصره الذي يبصر به .. و يده التي يبطش بها .. و رجله التي يمشي بها . فبه يسمع و به يبصر و به يبطش و به يمشي كما أخبر عن نفسه بلسان رسوله . و من غلظ حجابه .. و كثف طبعه .. وصلب عوده .. فهو عن فهم هذا في معزل ( ... ) . و بالجملة فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى .. أي عرشا لمعرفة محبوبه و محبته و عظمته و جلاله و كبريائه . و ناهيك بقلب هذا شأنه ! فيا له من قلب من ربه ما أدناه ! و من قربه ما أحظاه ! فهو ينزه قلبه أن يساكن أو يطمئن إلى غيره . فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان و سجدت تحت العرش .. و أبدانهم على فرشهم كما قال أبو الدرداء : إذا نام العبد المؤمن عرج بروحه حتى تسجد تحت العرش " . طريق الهجرتين ص 264 .
و قال رحمه الله : " ينجذب ( المريد ) إليها ( الآخرة ) بالكلية .. و يزهد في التعلقات الفانية .. و يدأب في تصحيح التوبة و القيام بالمأمورات الظاهرة و الباطنة ( ... ) . فحينئذ يجتمع قلبه و خواطره و حديث نفسه على إرادة ربه و طلبه و الشوق إليه . فإذا صدق في ذلك رزق محبة رسول الله صلى الله عليه و سلم و استولت روحانيته على قلبه ( ... ) . فإذا رسخ في ذلك فتح له في فهم الوحي المنزل ( ... ) . فإذا تمكن من ذلك انفتح في قلبه عين أخرى .. يشاهد بها صفات الرب جل جلاله .. حتى تصير لقلبه بمنزلة المرئي لعينه . فيشهد علو الرب سبحانه فوق خلقه .. و استواءه على عرشه .. و نزول الأمر من عنده بتدبير مملكته .. و تكليمه بالوحي .. و تكليمه لعبده جبريل به .. و إرساله إلى من يشاء بما يشاء .. و صعود الأمور إليه .. و عرضها عليه " . مدارج السالكين ج 3 ص 268 .
و قال رحمه الله : " إن الله سبحانه جعل في العين قوة باصرة .. كما جعل في الأذن قوة سامعة .. و في الأنف قوة شامة .. و في اللسان قوة ناطقة و قوة ذائقة ( ... ) . و أما معاينة القلب فهي انكشاف صورة المعلوم له .. بحيث تكون نسبته إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين . و قد جعل الله سبحانه القلب يبصر و يعمى . قال تعالى : " فإنها لا تعمى الأبصار و لكن تعمى القلوب التي في الصدور " . فالقلب يرى و يسمع .. و يعمى و يصم .. و عماه و صممه أبلغ من عمى البصر و صممه " . مدارج السالكين ج 3 ص 246 .
و قال رحمه الله : ... ( ترقبوا ذلك في الصفحة الموالية بإذن الله ) .
بسم الله الرحمان الرحيم
و قال ابن القيم رحمه الله : " فمن فتح الله بصيرة قلبه و إيمانه حتى خرقها و جاوزها إلى مقتضى الوحي و الفطرة و العقل فقد أوتي خيرا كثيرا .. و لا يخاف عليه إلا من ضعف همته . فإذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقا .. واحد الناس بزمانه .. لا يلحق شأوه .. و لا يشق غباره . فشتان بين من يتلقى أحواله و وارداته عن الأسماء و الصفات و بين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية و الرسوم ( قلت : يعني شتان ما بين أرباب الصدور و المتصفحين للسطور ) ! أو عن مجرد ذوقه و وجده .. إذا استحسن شيئا قال : هذا هو الحق !
" فالسير إلى الله من طريق الأسماء و الصفات شأنه عجب .. و فتحه عجب " طريق الهجرتين ص 206.
و قال الإمام عبد القادر : " يا غلام ! ليكن الخرس دأبك .. و الخمول لباسك .. و الهرب من الخلق كل مقصودك .. و إن قدرت أن تنقب في الأرض سربا تخفى فيه فافعل .. يكون هذا دأبك إلى أن يترعرع إيمانك .. و يقوى قدم إيمانك .. و يتريش جناح صدقك .. و تنفتح عينا قلبك فترفع من أرض بيتك .. و تطير إلى جو علم الله .. تطوف المشرق و المغرب .. البر و البحر .. و السهل و الجبل .. تطوف السماوات و الأرضين و أنت مع الدليل الخفير الرفيق .. فحينئذ أطلق لسانك في الكلام .. و اخلع لباس الخمول .. و اترك الهرب من الخلق .. و اخرج من سربك إليهم .. فإنك دواء لهم غير مستضر في نفسك . لا تبال بقلتهم و كثرتهم .. و إقبالهم و إدبارهم .. و حمدهم و ذمهم .. أين سقطت لقطت .. أنت مع ربك عز و جل " ( الفتح الرباني ص 48 ) .
و قال رحمه الله : " الصديق إذا فرغ من تعلم العلم المشترك ( علم السطور ) أدخل في العلم الخاص .. علم القلوب و الأسرار .. فإذا تمكن في هذا العلم صار سلطان دين الله عز و جل .. يأمر و ينهى .. و يعطي و يمنع بإذن مسلطنه " .
و هذا معنى التصريف و الفعل بالهمة .. و معنى الخلافة في الأرض في حق الكمل من الأولياء .. و هذا لا يدركه إلا " واحد الناس بزمانه " كما مرت عبارة ابن القيم .
قال : " يصير سلطانا في الخلق .. يأمر بأمر الله عز و جل .. و ينهى بنهيه ( ... ) . العارف واقف بباب الحق عز و جل و قد سلم إليه علم المعرفة و الاطلاع على أمور لم يطلع غيره عليها " ( الفتح الرباني ص 182 - 183 ) .
و قال رحمه الله : " العارف المقرب يعطى أيضا نورا يرى به قربه من ربه عز و جل .. و يرى قرب ربه عز و جل من قلبه .. يرى أرواح الملائكة و النبيئين و قلوب الصديقين و أرواحهم .. يرى أحوالهم و مقاماتهم .. كل هذا في سويداء قلبه و صفاء سره .. هو أبدا في فرحه مع ربه عز و جل .. هو واسطة يأخذ منه و يفرق على الخلق .. منهم من يكون عليم اللسان و القلب .. و منهم من يكون عليم القلب ألكن اللسان .. و أما المنافق فهو عليم اللسان ألكن القلب " . ( الفتح الرباني ص 254 ) .
و قال رحمه الله : " اسمعوا هذا الكلام فإنه لب علم الله عز و جل .. لب إرادته من خلقه و في خلقه .. و هو حال الأنبياء و المرسلين و الأولياء و الصالحين . يا عباد الدنيا و يا عباد الآخرة ! أنتم جهال بالله عز و جل و بدنياه و بآخرته ! أنتم حيطان ! أنت صنمك الدنيا ! و أنت صنمك الآخرة ! و أنت صنمك الخلق ! و أنت صنمك الشهوات و اللذات ! و أنت صنمك الحمد و الثناء و قبول الخلق لك ! ما سوى الله عز و جل صنم ! القوم يريدون وجه الله .. الدنيا و الآخرة موكلتان على باب الحق عز و جل .. موكلتان في دار الطبيب .. يأخذ منهما ما يريد و يطعم المريض .. يا منافقون ! ما عندكم خبر ! المنافق لا يقدر يسمع حرفا من هذا .. لإنه لا يقدر على سماع الحق ( ... ) كلامي من الله عز و جل لا مني .. من الشرع لا من الهوس .. و لكن آفة فهمك السقيم ! " . ( الفتح الرباني ص 293 ) .
هذه كلمات قوم سلكوا الطريق و تركوا وصفا للمشاهد عسى يكون من بعدهم من يصدق الله و رسوله في وعد الله و رسوله لأولياء الله .. ابتداء من ما من الله به على العباد "
و الحمد لله رب العالمين ..