ومن مواقف الإمام أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ مع خصومه في الرأي أيضاً أنَّ ( جهم بن صفوان ) رأس الفرقة الجهمية الضالة المبتدعة ، وزارع الشر في أرض الإسلام جاء مرةً أبا حنيفة وقال :
لقد أتيتك لأكلمك في أشياء هيأتـُها لك !!
فقال أبو حنيفة : الكلام معك عار ...
والخوض فيما تذهب إليه نار تلظى ...
فقال جهم : كيف حكمت عليَّ بما حكمت ، وأنت لم تلقني من قبل ، ولم تسمع كلامي ؟؟
فقال أبو حنيفة : لقد بلغتني عنك أقاويل لا تصدر عن رجل من أهل القبلة...
فقال جهم : أتحكم عليَّ بالغيب ؟؟
فقال أبو حنيفة : لقد شُهر ذلك عنك واستفاض ..
وعرفته العامة والخاصة ، فجاز لي أن أثبته عليك بما تواتر عنك !!
فقال جهم : أنا لا أريد أن أسألك إلا عن الإيمان !!
فقال أبو حنيفة : أو لم تعرف الإيمان إلى هذه الساعة حتى تسألني عنه ؟؟!!
فقال جهم : بلى ، ولكني شككت في نوع منه ..
فقال أبو حنيفة : الشك في الإيمان كفر ...
فقال جهم : لا يحل لك أن تصمني بالكفر إلا إذا سمعت مني ما يكفر !!
فقال أبو حنيفة : سل عما بدا لك ...
فقال جهم : أخبرني عن رجل عرف الله بقلبه ، وعلم أنه واحد لا شريك له ، ولا ند ...
وعرفه بصفاته ، وأنه ليس كمثله شئ ...
ثم مات ولم يعلن الإيمان بلسانه ..
أفيموت مؤمناً أم كافراً ؟؟
فقال أبو حنيفة : يموت كافراً ويكون من أهل النار ، إذا لم يصرح بلسانه عما عرفه بجنانه ما لم يمنعه من التصريح مانع ...
فقال جهم : كيف لا يكون مؤمناً وقد عرف الله حق معرفته ؟؟
فقال أبو حنيفة : إن كنت تؤمن بالقرآن وتجعله حجة كلمتك به !!
وإن كنت لا تؤمن بالقرآن ، ولا تراه حجة كلمتك بما نكلم به من خالف الإسلام !!!
قال جهم : بل أؤمن بالقرآن وأجعله حجة ...
فقال أبو حنيفة : إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإيمان بجارحتين اثنتين : بالقلب واللسان ، لا بواحدة منهما ...
وكتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم طافحان بتقرير ذلك :
قال تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{83} وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ{84} فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ{85} ) ..
فهم قد عرفوا الحق بجنانهم ، ونطقوا به بلسانهم ، فأدخلهم الله بما قالوا جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ...
وقال تعالى : ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136} ) ..
فأمرهم بالقول ، ولم يكتف منهم بالمعرفة والعلم ...
وقال عليه الصلاة والسلام : ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) ...
فلم يجعل الفلاح بالمعرفة وحدها ، وإنما ضم إليها القول ..
وقال عليه الصلاة والسلام : ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ) ..
فلم يقل : يخرج من النار من عرف الله !!
ولو كان القول لا يُحتاج إليه ، ويُكتفى بالمعرفة من دونه لكان إبليس مؤمناً !!
لأنه عارف بربه ، فهو يعلم أنه هو الذي خلقه ، وهو الذي يميته ، وهو الذي يبعثه ، وهو الذي أغواه ...
قال تعالى على لسانه : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) ..
وقال : ( رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ..
وقال : ( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ )..
ولو كان ما تزعمه صحيحاً لكان كثيرٌ من الكفار مؤمنين بمعرفتهم لربهم مع إنكارهم له بلسانهم ...
قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) ..
فلم يجعلهم مؤمنين باستيقانهم ، وإنما عدهم كافرين لجحود ألسنتهم ...
ومضَى أبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ يتدفق على هذا النسق تارة بالقرآن وأخرى بالحديث حتى بدا الإنبهار والخذلان على وجه جهم بن صفوان ...
وانسل من بين يدي أبي حنيفة وهو يقول :
لقد أذكرتني شيئاً كنت ناسيه ، وسأرجع إليك ...
ثم مضى إلى غير عودة !!!!!
وبعد :
فقد قطع أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ رحلة الحياة كلها ينافح عن دين الله بما وهبه الله الخالق من حجة بالغة ...
ويجادل عن شرعه بما حباه من منطق فذ ..
فلمّا أتاه اليقين ، وجدوا في وصيته أنَّه عزم على أهله أن يدفنوه في أرض طيبة ، وأنْ يُجنِّبُوه كل مكان فيه شبهة غصْب ...
فلما بلغت وصيته المنصور قال :
مَنْ يعذرنا من أبي حنيفة حياً وميتاً ؟؟
ولقد أوصى أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ بأن يتولى غسله الحسن بن عمارة ، فلمّا غسله قال :
رحمك الله يا أبا حنيفة ، وغفر لك جزاء ما قدمت ...
فإنك لم تفطر منذ ثلاثين سنة !!
ولم تتوسد بالليل يمينك منذ أربعين سنة ...
لقد أتيتك لأكلمك في أشياء هيأتـُها لك !!
فقال أبو حنيفة : الكلام معك عار ...
والخوض فيما تذهب إليه نار تلظى ...
فقال جهم : كيف حكمت عليَّ بما حكمت ، وأنت لم تلقني من قبل ، ولم تسمع كلامي ؟؟
فقال أبو حنيفة : لقد بلغتني عنك أقاويل لا تصدر عن رجل من أهل القبلة...
فقال جهم : أتحكم عليَّ بالغيب ؟؟
فقال أبو حنيفة : لقد شُهر ذلك عنك واستفاض ..
وعرفته العامة والخاصة ، فجاز لي أن أثبته عليك بما تواتر عنك !!
فقال جهم : أنا لا أريد أن أسألك إلا عن الإيمان !!
فقال أبو حنيفة : أو لم تعرف الإيمان إلى هذه الساعة حتى تسألني عنه ؟؟!!
فقال جهم : بلى ، ولكني شككت في نوع منه ..
فقال أبو حنيفة : الشك في الإيمان كفر ...
فقال جهم : لا يحل لك أن تصمني بالكفر إلا إذا سمعت مني ما يكفر !!
فقال أبو حنيفة : سل عما بدا لك ...
فقال جهم : أخبرني عن رجل عرف الله بقلبه ، وعلم أنه واحد لا شريك له ، ولا ند ...
وعرفه بصفاته ، وأنه ليس كمثله شئ ...
ثم مات ولم يعلن الإيمان بلسانه ..
أفيموت مؤمناً أم كافراً ؟؟
فقال أبو حنيفة : يموت كافراً ويكون من أهل النار ، إذا لم يصرح بلسانه عما عرفه بجنانه ما لم يمنعه من التصريح مانع ...
فقال جهم : كيف لا يكون مؤمناً وقد عرف الله حق معرفته ؟؟
فقال أبو حنيفة : إن كنت تؤمن بالقرآن وتجعله حجة كلمتك به !!
وإن كنت لا تؤمن بالقرآن ، ولا تراه حجة كلمتك بما نكلم به من خالف الإسلام !!!
قال جهم : بل أؤمن بالقرآن وأجعله حجة ...
فقال أبو حنيفة : إنَّ الله تبارك وتعالى جعل الإيمان بجارحتين اثنتين : بالقلب واللسان ، لا بواحدة منهما ...
وكتاب الله وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم طافحان بتقرير ذلك :
قال تعالى : ( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ{83} وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ{84} فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ{85} ) ..
فهم قد عرفوا الحق بجنانهم ، ونطقوا به بلسانهم ، فأدخلهم الله بما قالوا جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ...
وقال تعالى : ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{136} ) ..
فأمرهم بالقول ، ولم يكتف منهم بالمعرفة والعلم ...
وقال عليه الصلاة والسلام : ( قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ) ...
فلم يجعل الفلاح بالمعرفة وحدها ، وإنما ضم إليها القول ..
وقال عليه الصلاة والسلام : ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله ) ..
فلم يقل : يخرج من النار من عرف الله !!
ولو كان القول لا يُحتاج إليه ، ويُكتفى بالمعرفة من دونه لكان إبليس مؤمناً !!
لأنه عارف بربه ، فهو يعلم أنه هو الذي خلقه ، وهو الذي يميته ، وهو الذي يبعثه ، وهو الذي أغواه ...
قال تعالى على لسانه : ( خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) ..
وقال : ( رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) ..
وقال : ( فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ )..
ولو كان ما تزعمه صحيحاً لكان كثيرٌ من الكفار مؤمنين بمعرفتهم لربهم مع إنكارهم له بلسانهم ...
قال تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ) ..
فلم يجعلهم مؤمنين باستيقانهم ، وإنما عدهم كافرين لجحود ألسنتهم ...
ومضَى أبو حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ يتدفق على هذا النسق تارة بالقرآن وأخرى بالحديث حتى بدا الإنبهار والخذلان على وجه جهم بن صفوان ...
وانسل من بين يدي أبي حنيفة وهو يقول :
لقد أذكرتني شيئاً كنت ناسيه ، وسأرجع إليك ...
ثم مضى إلى غير عودة !!!!!
وبعد :
فقد قطع أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ رحلة الحياة كلها ينافح عن دين الله بما وهبه الله الخالق من حجة بالغة ...
ويجادل عن شرعه بما حباه من منطق فذ ..
فلمّا أتاه اليقين ، وجدوا في وصيته أنَّه عزم على أهله أن يدفنوه في أرض طيبة ، وأنْ يُجنِّبُوه كل مكان فيه شبهة غصْب ...
فلما بلغت وصيته المنصور قال :
مَنْ يعذرنا من أبي حنيفة حياً وميتاً ؟؟
ولقد أوصى أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ بأن يتولى غسله الحسن بن عمارة ، فلمّا غسله قال :
رحمك الله يا أبا حنيفة ، وغفر لك جزاء ما قدمت ...
فإنك لم تفطر منذ ثلاثين سنة !!
ولم تتوسد بالليل يمينك منذ أربعين سنة ...
------------------------------------------------------
المصدر كتاب / صور من حياة التابعين
المصدر كتاب / صور من حياة التابعين