مسألة: تقسيم البدعة، وهل في الإسلام بدعة حسنة

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد..
فإنّ الله تعالى أرسل رسله بالبينات والهُدى ليتبع الناس منهاجهم، ويقتفوا آثارهم، ويسلكوا طريقهم؛ وذلك أنّ هذا الدين: دينٌ مبنيٌّ على الاتباع والاقتداء والتأسي "وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السُّبُل فتفرق بكم عن سبيله" [الأنعام:153]
فمن تعبّد لله بغير ما جاء به رسوله فهو مُسيء الظن به، كيف وقد كَمّل الله لنا الدين، وأتمّ النعمة "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا". [المائدة:3]. وإذا كَمُل الدين فكل محدَثٍ فيه بعد ذلك فليس منه.
وسداد المنهج إنما يكون بالوقوف عند ما جاءت به السُّنَّةُ، واتّباع ما أمر به نبيّنا عليه الصلاة والسلام، امتثالاً لقوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" [الحشر:7] وتأويلاً لقوله تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا" [الأعراف:21].
َقالَ تَعَالَى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وَقالَ تَعَالَى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] أيِ: الكتاب والسنة، وَقالَ تَعَالَى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153]، وَقالَ تَعَالَى:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31
عن عائشةَ رَضِي اللَّه عنها قَالَتْ: قَالَ رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ أَحْدثَ في أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فهُو رَدٌّ (متفقٌ عَلَيهِ.)
في روايةٍ لمسلمٍ: مَنْ عَمِلَ عمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو ردٌّ.)
عن العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن كان عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواخذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) .
حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم ومحدثات الأمور،فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة) .
رواه ابن ماجة.
تعريف البدعة:
البدعة في اللغة هي إحداثُ أمرٍ جديد أو شيء جديد لم يكن له وجود قبل ذلك سواءً كان هذا الشيء معنويًّا أم ماديًّا، ومن هذه الكلمة أُخِذَ مصطلح البدعة في الشريعة الإسلامية، ويدلُّ هذا المصطلح في الشرع على إحداث أمر جديد في الدين لم يكن موجودًا ولم يرِد في كتاب الله أو سنَّة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، يقول الشاطبي في تعريف البدعة: هي طريقة مخترعة في الدين، يقصد بها المبالغة في التعبُّد لله،
+ قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: ( البدعة بدعتان ، بدعة محمودة وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو مذموم ) واحتج بقول عمر - رضي الله عنه - في قيام رمضان( نعمت البدعة هي ).. حلية الأولياء وطبقات الأصفياء 9 / 113 .
وروي عن الشافعي قول آخر يفسر ما سبق . فأخرج البيهقي في مناقب الشافعي بسنده عنه قال : ( المحدثات من الأمور ضربان : أحدهما : ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا أو إجماعا فهي بدعة الضلالة . والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذه فهي محدثة غيرمذمومة. مناقب الشافعي للبيهقي )ج1
+ قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، للعز بن عبدالسلام )ج 2 / 204):
البدعة : فعل مالم يعهد في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي منقسمة إلى : بدعة واجبة ، وبدعة محرمة ، وبدعة مندوبة ، وبدعة مكروهة ، وبدعة مباحة ، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة ، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة ، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة ، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة ، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة.
قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خان الرسالة اقرؤوا قول الله تبارك وتعالى (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ))
قال الإمام أحمد رحمه الله :
َ قبور أهل السنة من أهل الكبائر روضة وقبور أهل البدعة من الزهاد حفرة ، فساق أهل السنة أولياء اللَّه وزهاد أهل البدعة أعداء اللَّه.
قَالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((الزِّنَا مَعْصِيَةٌ وَالبِدْعَةُ شَرٌّ مِنَ المَعْصِيَةِ؛ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِي كذالك
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله : ( عليك بالأثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها بدعة)
قال الفضيل بن عياض رحمه الله : ( من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه )
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول :(الراد على أهل البدع مجاهد)
وقال أبو إدريس الخولاني: لأن أرى في المسجد نارًا لا أستطيع إطفاءها، أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها
ما معنى من سن سنة حسنة :
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَجَاءَ قَوْمٌ عُرَاةً حُفَاةً مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنْ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالا فَأَذَّنَ فَأَقَامَ الصَّلاةَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ مِنْ دِرْهَمِهِ مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ حَتَّى قَالَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا بَلْ قَدْ عَجَزَتْ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا . " رواه مسلم ، الترمذي، النسائي، ابن ماجه
ومعنى سن في الإسلام يعني: أحيا سنة وأظهرها وأبرزها مما قد يخفى على الناس، فيدعو إليها ويظهرها ويبينها، فيكون له من الأجر مثل أجور أتباعه فيها وليس معناها الابتداع في الدين؛ لأن الرسول ﷺ نهى عن البدع وقال: كل بدعة ضلالة وكلامه ﷺ يصدق بعضه بعضًا، ولا يناقض بعضه بعضًا بإجماع أهل العلم، فعلم بذلك أن المقصود من الحديث إحياء السنة وإظهارها،
وسنة حسنة: وهي على نوعين:
على حسب كلام فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله
النوع الأول: أن تكون السنة مشروعة ثم يترك العمل بها ثم يجددها من يجددها مثل قيام رمضان بإمام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته في أول الأمر الصلاة بإمام في قيام رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض على الأمة ثم ترك الأمر في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر، ثم رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ أن يجمع الناس على إمام واحد ففعل فهو رضي الله عنه قد سن في الإسلام سنة حسنة، لأنه أحيا سنة كانت قد تركت.
والنوع الثاني من السنن الحسنة: أن يكون الإنسان أول ما يبادر إليها مثل حال الرجل الذي بادر بالصدقة حتى تتابع الناس ووافقوه على ما فعل.

فالحاصل أن من سن في الإسلام سنة حسنة إلا ما جاء به الشرع ـ فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده.
أو يقصد بذلك في شؤون الدنيا، أما في شؤون العقيدة فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الابتداع في العقيدة ممنوع، الابتداع في العبادة ممنوع، الابتداع في أعمال تنتمي للعبادة ممنوع، المسموح أن تُحسِّن شروط المعيشة للمسلمين، تُطَور، تستخرج الثروات من الأرض، تحفر الآبار، تنشئ المزارع، هيِّأ فرص عمل، أنشأ معامل، هذا كله نحن مطالبين به، هنا نبتدع، هنا نُطَور، هنا نجدد، أما الدين لا يقبل التجديد أبدا
نسأل الله أن يجنبنا مضلات الهوى والفتن ما ظهر منها وما بطن والله تعالى أعلم .
 
جزاك الله خيراً أخي الكريم على هذا التوضيح الجيد
بوركت أخي وسلمك الله من كل مكروه
 
أخوتي الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية مرحبا بعودة المنتدى بعد توقف ثبط عزيمتنا وضيع مواضعنا ...

ولكن ... لنفتح صفحة جديدة كلها أمل وقوة وتفان وفتوة

ولكن هنا سؤال لابد له من جواب.. وهل يثبت منتدانا هذا ؟...

ارجوا ان يكون نعم

وفق الله الجميع


أخوكم ... الناجح
 
من كفر مسلما فقد كفر .

قال صلى الله عليه وسلم:
" من قال لأخيه يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كذلك وإلا حارت على قائلها " .
" إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر أو أنت كافر ، فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال ، وإلا رجعت إلى الأول " .
" لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو بالكفر إلا ردت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " .
" من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا صار عليه " .
" من صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأذكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم ، الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته " رواه البخاري .
 
عودة
أعلى