العقل كمرجعية:
إشكالية العقل:من العجيب أن يتحدث الناس عن العقل وكأنه بديهية لا تحتاج لتعريف,ثم يبنون كلامهم على ذلك فيتناقض فيه ما يتناقض دون أن يتوقفوا ليتبينوا المقصود بالعقل,وسأذكر هنا ما يقال عن العقل:
- العقل مناط التكليف.
- إن الإسلام قد رفع مكانة العقل.
- بالعقل نفهم الأمور.
- نحن نعرف الحق من الباطل والخير من الشر والجمال من القبح بالعقل.
- إن السبب في تحريم المسكرات أنها تذهب العقل,وإن من مقاصد الشريعة حفظ العقل.
- إن مهمة العقل هو التفكير لأنه يمتلك الذاكرة,فالذاكرة جزء من العقل.
- إن العقل يجب ان يتبع الشرع لأنه يمكن أن يضل.
- العقل قاصر لأنه لا يمكنه إدراك كل شيء.
- العقل زينة
- بالعقل نعرف الله وصفاته.
- الناس تتفاوت عقولهم.
- الشريعة لا تتناقض مع العقل,والعقل مرجعية معتبرة في الشرع.
- العقل الصحيح لا يتناقض مع النقل الصحيح.
- لو كان الدين بالعقل لكان أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله.
- إذا تناقض العقل والشرع نقف لجانب الشرع,وتقديم العقل على الشرع هو من الضلال.
- يجب أن تتم دعوة الناس للإسلام عن طريق العقل.
ومن الواضح أن العقل يقصد به في معظم الأحوال"التفكير الصحيح",بينما التفكير الصحيح في ذاته لا ينطبق عليه صفات العقل المذكورة,وأصبح مفهوم العقل يتصف بالجمال حين يحكم لنا ويتهم ويحقر حين يحكم علينا.إن العقل يوصف بأنه المتحكم في الفرد ثم يطالب الفرد بتحكيم عقله,ويوصف بأنه هو الذي يحوي الذاكرة وأن الذاكرة جزء من العقل,ثم يعاب على الناس غياب عقولهم,يقال أن من فقد العقل سقط عنه التكليف بل وسقط عنه العقوبة والجزاء ثم يحاسب المرتشي والخائن والظالم وهذا دليل على استمرار احتفاظهم بعقولهم,فما دور العقل.إن الفكر البشري لا يمكن ان يكتمل دون أن يتم تحديد التعريف المنطقي للعقل,بغض النظر عن تطابقه مع تطبيقات اللغة أو ما استخدمه الناس من قبل أو حتى ذكر القرآن والسنة له,إنه تعريف خاص بالفكر(تعريف علمي),يقيد الفكر به ولا يتجاوزه للمعاني الواسعة والمتعددة التي يذخر بها العمل الأدبي.إننا نتحدث عن العقل الآن كمصطلح علمي وليس ككلمة لغوية.إننا نقصد بالعقل ما يعقله الفرد من خلال حواسه الذاتية وليس من خلال أي مصدر آخر من مصادر المعلومات.
إن المقصود بالعقل هو ما تدركه الحواس الخمس وهي السمع والبصر والشم والتذوق واللمس ويصبح يقيناً لا شك فيه,أما ما تدركه الحواس ويبقى موضع شك فإننا نستبعده من الدخول تحت تعريف العقل.أي أننا نسأل صاحب الإدراك:هل هذا يقين؟,فإن قال إنه يقين أصبح عقلاً,وإلا فلا.
إن المقصود بالعقل الذي يقبله الناس كمرجعية هو العقل العام,أي ما يتفق عليه الأسوياء من خلال ما أدركته حواسهم.أما العقل الخاص فهو عقل كل فرد على حدة, وهو مرجعية وحجة قائمة له أو عليه وحده,لا يفرضها على غيره إن أنكر ما يدركه بالحواس.
إن العقل هو جزء من الذاكرة,حيث يختص بالإدراك اليقيني الذي لا يحتمل الشك,والعقل أحد أدوات وعناصر التفكير الصحيح,حيث يمد التفكير باليقينيات التي لديه,أماعناصر التفكير الأخرى فتشمل:الفطرة وتلبية الغرائز والهوى والعاطفة والعلم والاعتقاد والظن والشك والعادات والتقاليد وغير ذلك من الأمور.
إن العقل لا يقبل الشك ولا الخطأ ولا النسبية(أي يكون صحيحاً بنسبة عالية),بل اليقين الكامل التام,وما دون ذلك فليس بعقل.
إن رؤية عامود إنارة أطول من برج القاهرة ليس دليلاً على فساد النظر أو العقل,فالنظر سيرى طول العامود وطول البرج,والعقل هو الذي يدرك أن البرج أطول من العامود,وأن الأشياء كلما ابتعدت تبدو أقل من حجمها الذي نراها به عند قربنا منها.إن سماع صوت لشخص يحسب الإنسان أنه لفرد معين ثم يتبين له خطأ ذلك ليس دليلاً على خطأ السمع ولا العقل,فسماع الصوت يقين أما نسبة الصوت لأحد معين فتخمين يصدق أو يكذب.
إن أهل الجدل والمراء يتعمدون أن ينكروا وجود العقل,فإن خابوا في ذلك شككوا في تعريفه,فإن فشلوا أدخلوا عليه ما يحدث اللبس.إن العقل في المجال الفكري هو ما عقله الفرد بذاته من خلال إدراكاته,أما العقل الفسيولوجي والذي يقوم بوظائف تفكيرية وتناسقية مع مراكز المخ المختلفة فلا مجال لها إلا في الطب بفروعه المختلفة,وكذلك القلب, فهناك القلب الفسيولوجي والقلب الفكري{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (179) سورة الأعراف. {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحـج
يبقى سؤال:هل يجوز لنا أن نستخدم ألفاظاً كمصطلحات علمية لا تتطابق مع المقصود منها في القرآن والسنة.هل لفظ الذرة في القرآن يحمل المعنى نفسه لدى أهل الكيمياء والفيزياء؟.
إن لفظ"يعقلون"يعتي في اللغة إعمال مرجعية العقل,و"يتفكرون" يعني إعمال التفكير,و"يبصرون" يعني إعمال آلية الإبصار,ويتذكرون يعني إعمال الذاكرة وهكذا.