بسم الله الرحمن الرحيم
يعني أخوتي كلامكم كله صحيح ومشكورين عليه
اسمحوا لي بهذه المشاركة المتواضعة و التي سأبدأها بكلمة ( صلاح القادة من صلاح الرعية وصلاح الرعية من صلاح القادة )
أخوتي و أحبابي الخوف من الله هو أساس عبادتنا و بعد
يؤسفني ما يحدث للأمة الاسلامية عامة وفلسطين خاصة و تكالب الأمم علينا أتعرفون السبب ؟
لأننا أصبح أغلبنا كغثاء السيل الذي لا فائدة منه
نعم؛ إن قضية فلسطين اليوم لم تَعُدْ تحتمل القيلَ والقال، أو كثرةَ السؤال، فهي قضيةُ المسلمين كافةً، لذا كانت حديثَ مجالسهم، ومادةَ خُطبهم، وحِبْرَ كُتبهم، وزفراتِ قلوبهم، وآهات صدورهم، وديوانَ شعرهم، وأسفارَ نثرهم ... ! .
لكن من المؤسف أن قضية فلسطين وغيرها من القضايا الإسلامية قد أخذت منحى غير ما يُراد لها؛ حيث اكتنفتها طائفتان متناقضتان، وهما : ( أهل الاستنكار، وأهل الأخبار ) و إن سلاحُ أهل الاستنكار في مثل هذه المواقف سلاحٌ عريضٌ يحملُه كلُّ مريض، وسيفٌ أعوج يرفعُه كلُّ أعرج ! .
و أما الهدف المنشود للأخبار هو : أن نقل الأخبار ما هي إلاَّ وسيلةٌ محمودةٌ إلى غايةٍ منشودةٍ وهي البحث عن الحلِّ الشرعي والتعامل معها ، وللأسف خرجت الأخبار عن هدفها و كأن الأمر : ( أهلُ أخبارٍ مجردة، وأهلُ تحليلات مجوَّدة ) .
تعالوا نأخذ درسا من موقفه صلى الله عليه وسلم مع اليهود في غزوة بني قَينُقاع ( و غيها كثير )
لقد ذكرت كتب السير سببين لهذه الغزوة :
الأول : أن يهودَ بني قينُقاع أظهروا الغضبَ والحسدَ عندما انتصر المسلمون ببدرٍ .
والسبب الثاني : هو أنَّ أحدهم عَقَدَ طرفَ ثوبِ امرأةٍ مسلمةٍ في سوق بني قينقاع، فلما قامت انكشفت، فصاحت مستنجدةً، فقام أحدُ المسلمين فقتل اليهودي، وتواثب عليه اليهودُ فقتلوه، فاستصرخ أهلُ المسلمِ المسلمين على اليهودِ . فغضب المسلمون، ووقع القتالُ بينهم، وبين بني قينقاع .
ومن خلال ما مضى نستنتج - لاسيما السبب الثاني - أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بنقل الأخبار، كما أنه لم يشتغل بتحليلها؛ بقدر ما كان حريصاً كلَّ الحرصِ على حلِّ الموقف تُجاه يهود لا غير، فما أنْ سمع النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع بين المسلمين ويهود إلاَّ وقام مسرعاً إلى يهود، ونبذ إليهم على سواء، وحاصرهم خمس عشرة ليلةً وعندما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حُكمِ الرسول صلى الله عليه وسلم على أنَّ لهم أموالهم، وأنَّ لهم النساء والذرية، فأمر بهم فكتِّفوا، ثُمَّ كلَّمهم فيه حليفُهم ابنُ سلولٍ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " هم لك ... "(
[1])، وأمر بهم أن يُجلوا عن المدينة، فلحقوا بأذرعات(
[2]) .
فعند ذلك؛ يتأكَّدُ لدينا : أنَّ نقلَ الأخبارِ وتحليلها ما هي إلاَّ وسيلةٌ ومُسْتَنَدٌ، أمَّا طرحُ الحلِّ فهو غَايةٌ ومَقْصَدٌ ! .
ما هو الحل ؟
برأي الحل يجب أن يكون اسلاميا بحتا
الحُلولُ الإسلاميَّةُ : تقسم لحلول عامة و حلول خاصة :
1- الحلول العامة : لا تتقيد بزمان، أو مكان فهي مستمرَّةٌ لا تنفكُّ عن حياة المسلم ما تردَّدت أنفاسُه في جوفه ، و تتمثل
في أمور منها :
1ـ دعوة المسلمين إلى تصحيح العقيدة الإسلامية، ومنابذة الشرك .
2ـ تعليمُ المسلمين أمورَ دينِهم .
3ـ تقوية الروابط بين المسلمين .
4ـ إحياءُ قضيةِ الولاءِ والبراءِ في قلوب المسلمين .
5ـ إحياءُ قضيةِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عامة المسلمين وغير ذلك من الحلول العامة الهامَّة .
2- الحلول الخاصة : وهي حلولٌ ترتبط بالزمان والمكان و منها :
1- : الجهادُ ! .
فاسترداد الأقصى المبارك، وتحرير الأراضي المحتلة لا يَتمُّ بالأقوال والاحتجاجات، ولا بالمسيرات والبرقيات، ولا بأي عُنصرٍ خارجٍ عن إطار الإرادة الإسلامية المخلصة وتعاليم الإسلام السَّامية التي لا ترضى لأصحابها سوى العزةِ والكرامة : " ولله العزةُ ولرسولِه وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " المنافقون 8
وإنه لمن أوجب الواجبات على المسلمين أن يَهُبوا هبةَ رجلٍ واحدٍ، وينفروا خِفافاً وثِقَالاً لنجدةِ الأقصى من أيدي إخوان القردة والخنازير .
2- إدخالُ السلاحِ لإخواننا المسلمين داخل فلسطين بطريقٍ أو آخر، وهذا الحلُّ ما أظنُّه من الصعوبة بمكان، هذا إذا علمنا أن الحدودَ كلَّها إسلامية، .
3- تشجيع العمليات الجهادية ( و لا نسميها الانتحارية ) في نفوس المسلمين الذين في فلسطين مع مراعاة المصالح والمفاسد، وذلك في تحقيق قاعدة " دَرْءُ المفاسدِ مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصالحِ "
.
4- القنوت، وهو الدعاء على يهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم، وذلك بأن تتضافر جهود المسلمين، وتجتمع كلمتهم، وتتوحَّد دعوتهم على رفع أكفِّ الضراعة إلى الله تعالى؛ بحيث يلهج بالدعاء قرابة ( مليار ) مسلم سواءٌ في مساجدهم جماعةً، أو في صلواتهم فُرادى .
5- المقاطعة الاقتصادية للمنتجات اليهودية، والأمريكية، والبريطانية بجميع أنواعها وأشكالها الصغير منها والكبير.
وهذا الحلُّ أراه من أهم الحلول المهمة بعد الحل الأول دون منازع !؛ هذا إذا علمتَ أخي المسلم أن العالم الأوربي لا سيما أنَّ اليهود هم عبَّاد الدرهم والدينار !، لذا يعتبر الاقتصاد هو شريان الحياة لديهم، فهم قد يقبلون التنازل في كلِّ شئ سواءٌ في دينهم، أو عِرضهم، أو أرواحهم، أو عقولهم ... أمَّا المال فلا يقبلون فيه تنازلاً بأيِّ حالٍ كان !!.
فعند هذا لا أبالغ إذا قلتُ : أن مقاطعة المسلمين للمنتجات اليهودية والأمريكية سيكون له الأثر الكبير في كشف عورة يهود، وسقوط هيمنة أمريكة ! .
فالجهاد إذاً لا يسقُط عن المسلم القادر بما يستطيع، ومنه كان الجهادُ المطلوبُ منك أخي المسلم مع اليهود اليوم مهماً جداً؛ كما لا تحسبه مقتصراً على القتال في ساحات المعركة؛ كلاًّ !؛ بل هو فوق هذا، فمنه جهاد البنان، وجهاد اللسان، وجهاد المال، كما أنه اليوم جهاد المقاطعة ! .
شُبْهةٌ، ورَدُّها :
ولا تقلْ أخي المسلم بعد هذا ماذا يا ترى الذي أُقاطعه من المنتجات اليهودية والأمريكية، وأنا واحدٌ لا أثَرَ لمقاطعتي في أشياء صغيرة كشراء قارورة " بيبسي" مثلاً، أو غيرها من الأشياء التي لا تفعلُ في ميزان المقاطعة شيئاً ؟! .
فمثلاً لو قدَّرنا أن خمسمائة مليون مسلم من المليار؛ سوف يقاطعون قارورة "بيبسي" !، فإذا حسبنا هذه الأموال خلال سنة سيكون العدد كبير جداً .
نوضحه بما يلي : ( 500000000 × 30 × 12= 180000000000 ) ريال، أي : مائة وثمانون مليار ريال !! .
أخي هذه مقاطعةٌ بريالٍ واحدٍ لقارورة "بيبسي" فقط، فكيف بك إذا اجتهدت في مقاطعة الكثير من منتجات اليهود ومن عاونهم لا سيما الأمريكية منها ؟! .
فأقول : إنَّ كلَّ سلعةٍ يهوديةٍ، أو أمريكيةٍ يجب مقاطعتها .
ـ قد يرد سؤال بأنه إذا لم أجد بديل للمنتج الأمريكي فما الحلُّ ؟.
الجواب : عليك حينئذٍ استخدامه في أضيق الحدود، مع السعي الدؤوب لإيجاد البديل، والتجربة اليابانية خير شاهد للعيان في هذا المجال، كما لنا أن نعْتَبِرَ أيضاً أنَّ المُنتجَ الذي نودُّ مقاطعته مُنتجاً قد انتهت صلاحيته؛ وَلْيَكُن ! .
6- التبرعات المالية لأيدي أمينة ثقة بأنها ستوصل التبرعات إلى أهلها .
7- من الواجب على المسلمين هذه الأيام أن يقفوا قليلاً مع أنفسهم، وأن يُراجعوا حساباتِهم يوم زادت بينهم الشُّقَّة، وكَثُر الخلاف فيهم، وذهبت ريحُهم؛ حتى لم يَعُدْ لهم بين أعدائهم هيبةٌ، ولا قوَّةٌ !، فمن هنا كان يجبُ علينا جميعاً أن تجتمع كلمتُنا، وأن تتوحَّد صفوفُنا، وأن يكن لنا مرجعيةٌ علميةٌ أمينةٌ .
8- فتح الباب على مِصْراعَيْه لكلِّ مسلمٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجتهدَ في طرحِ ووضعِ الحلولِ الإسلامية التي يراها مناسبةً للخروج بالأمة الإسلامية عامةً، وفلسطين خاصةً من هذه الأزمات، والنكبات، والضعف، والهوان، والجهل؛ كلُّ هذا إبراءً للذِّمةِ ومعذرةً إلى الله تعالى .
و أخيرا أسأل الله تعالى الصلاح للأمة والرعية وأن يمحق الكافرين إنه على كل شيء قدير
[1]ـ انظر "سيرة ابن هشام" (3/70-71)، و"الواقدي" (1/177-178)، و"طبقات ابن سعد" (2/92) .
[2]ـ انظر خبر إجلاءهم البخاري مع الفتح (15/203-204)، ومسلم (3/1387-1388) وغيرهما كثير .