آداب العمل والمعاش والبيع والشعار

قصي حمدان

New Member
من كتاب الآداب للناشئة الاسلامية – محمد خير فاطمة

آداب العمل والمعاش والبيع والشعار
الإسلام دين العمل، ولكنه العمل الصالح النافع، وإيمان بدون عمل تمنّ وإدعاء، وعمل بدون إيمان فسوق وعصيان.
والرجولة في الإسلام، وكمال النضج فيه، أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحا، وإلى أبواب الرزق ساعيا، ولكن قلبه معلق بالله، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره.
قال تعالى:{ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} النور..
والعمل على أنواع كثيرة فمنها ما له علاقة بالدين ومنها ما له علاقة بالدنيا فما له علاقة بالدين فهو العبادات وغيرها من الأعمال الصالحة المختلفة.
وما له علاقة بالدنيا من معاملة وبيع وشراء وتكسب وتجارة أو أي حرفة كانت فهو وإن كان بابا للرزق والسعي للتكسب والعيش والحصول على المال من أجل القيام بحاجات الإنسان الضرورية في حياته. فهو مع كل ذلك اعتبره الإسلام عملا مرتبطا بالدين بل حثّ الدين على العمل وجعل له الثواب العظيم.
قال أيضا سبحانه وتعالى:{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)} الملك.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده" رواه البخاري.
قال ابن عباس رضي الله عنه: كان آدم عليه السلام حراثا، ونوح نجارا، وإدريس خياطا، وإبراهيم ولوط زراعين، وصالح تاجرا، وداود زرادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم رعاة.
بعض آداب هذا الموضوع:

1- حسن النية في التجارة، فلينو بها الاستعفاف عن السؤال وكف الطمع عن الناس، والقيام بكفاية العيال ليكون بذلك من جملة المجاهدين ولينو النصح للمسلمين.
عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا ـ يعنون النشاط والقوة ـ في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن كان يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان" رواه الطبراني والبيهقي.

2- أن لا يمنعه سوق الدنيا عن سوق الآخرة، وسوق الآخرة المساجد فينبغي أن يجعل أول النهار الى وقت دخول السوق لآخرته، فيواظب على الأوراد والأذكار والصلوات، فقد كان صالحوا السلف من التجار يجعلون أول النهار وآخره للآخرة ووسطه للجتارة، وإذا سمع أذان الظهر والعصر فينبغي أن يترك المعاش اشتغالا بأداء الفرائض.

3- أن يلازم ذكر الله تعالى في السوق ويشتغل بالتسبيح والتهليل وأن لا يكون شديد الحرص على السوق والتجارة. فلا يكون أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه.

4- أن يطلب الحلال ويجتنب الحرام ويتوقى مواقع الشبه ومواضع الريب، وطلب الحلال فرض على كل مسلم.
قال الله تعالى:{ يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا} المؤمنون 51.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا" رواه مسلم.

5- البعد عن الاحتكار فهو حرام.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من احتكر الطعام أربعين يوما فقد بريء من الله والله بريء منه" رواه أحمد والحاكم.
والاحتكار هو أن يخفي التاجر ما يحتاج الناس إليه حاجة ضرورية ليتحكم بالسعر في الوقت المناسب كالمواد التموينية بشكل عام.

6- البعد عن البيع عن طريق الغش لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنه مر برجل يبيع طعاما "حبوبا" فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللا، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء " أي المطر" فقال عليه الصلاة والسلام:" فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا ليس منا" رواه مسلم.
والغش هو إظهار الشيء على خلاف حقيقته دون علم المشتري به.

7- تجنب حلف الإيمان لترويج البضاعة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب" متفق عليه.
ثم والذي يحلف وهو متيقن الكذب يكون حالفا بيمين الغموس.
واليمين الغموس: هو من الكبائر وسمي غموسا لأنه يغمس صاحبه في النار وليس له كفارة سوى التوبة الصادقة النصوح.

8- عدم التطفيف في الكيل والميزان وإتمام الكيل والميزان، وإرجاح الوزن زيادة في الاحتياط.

قال تعالى:{ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (35)} الإسراء.

قال تعالى:{ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)} المطففين.

وعن سويد بن قيس رضي الله عنه قال: جلبت أنا ومخرمة عبدي بزا من هجر. فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا سراويل، وعندي وازن يزن بالأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان:" زن وأرجح" رواه أبو داود والترمذي.
والتطفيف هو إنقاص المكيال والميزان أثناء التعامل التجاري ومزاولة البيع والشراء.

9- تجنب الثناء على البضاعة عند البيع ووصفها بما ليس فيها فهو كذب وتدليس وتمويه وخداع، وتجنب ذمها عند الشراء، والقيام بالتجارة بالصدق الحق والعدل والاستقامة والأمانة.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء". رواه الترمذي.

10- البعد عن النجش. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تناجشوا" رواه البخاري ومسلم.
والنجش أن يكون هناك بائع ومشتري وبينهما سلعة معينة وقد أوضح البائع للمشتري الراغب في ثمنها فيأتي شخص آخر لا رغبة له في السلعة فيقول للبائع:" أنا أشتريها منك بثمن أكثر من الثمن المذكور" وقد قصد من ذلك تحريك رغبة المشتري الأول فيها.

11- تجنب الجلوس في طريق المسلمين من أجل البيع أو الشراء فيضيّق عليهم وتجنب الخوض في الباطل والإثم والخصومات ورفع الصوت والصياح أو الشتم.

12- الرضا بالربح القليل وهذا يؤدي الى محبة الناس وكثرة الزبائن وطيب المعاملة والبركة في الرزق.

13- تجنب البيع والشراء عن طريق السرقة والاغتصاب.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من اشترى سرقة ـ أي مسروقا ـ وهو يعلم أنها سرقة فقد اشترك في إثمها وعارها". رواه البيهقي.

14- تجنب التكسب عن طريق الربا والميسر.
قال تعالى:{ وأحلّ الله البيع وحرّم الربا} البقرة 275.
ولما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال هم سواء". أصحاب السنن.

15- تجنب بيع الأشياء المحرمة لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إن الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه" رواه أحمد وأبو داود.
وعلى هذا فإن بيع الخمر وكل محرم محرم في نظر الإسلام.

16- عدم إعانة المشتري الظالم فإعانة التاجر للمشتري في الشر محرمة ويأثم منها التاجر ومثال ذلك التاجر الذي يبيع العنب أو التمر لمن يعلم أنه يتخذه خمرا.

17- الإحسان في المعاملة وفي إستيفاء الثمن إما بالمسامحة أو بالمساهلة أو بالإهمال أو بالتأخير.
قال تعالى:{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} البقرة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رحم الله امرئ سهل البيع، سهل الشراء، سهل القضاء، سهل الاقتضاء" رواه البخاري.

18- تجنب شراء شيء يساوم غيرنا لشرائه حتى ينتهي بشرائه أو بتركه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يبع بعضكم على بيع أخيه" رواه البخاري.

19- البعد عن ترويج النقود المزيفة .

20- إقالة النادم: في بعض الأحيان قد يشتري أحدهم السلعة ثم يتضح له أنه في غير حاجة لها أو يرى أنه محتاج لثمنها فيندم على شرائه ويأتي الى التاجر ليقيله ( أي يقبل السلعة ويرد إليه ثمنها) فمن حسن المعاملة الشرعية أن يقبل التاجر السلعة من المشتري النادم وله من الله في هذا الفعل ثواب كثير كما يشير الى ذلك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أقال مسلما بيعته أقاله الله عثرته يوم القيامة". رواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان.

21- أن يتجنب العامل والموظف التأخر عن موعد العمل المتفق عليه واستغلال وقت العمل بكامله لصالح العمل وعدم إضاعة الوقت والانشغال بغير العمل فهذا الوقت من حق صاحب العمل وإلا فإن الإضاعة للوقت والانشغال عن العمل المطلوب تجعل أجرة هذا الوقت موضع شبهة لأنه أخذ أجرة بدون عمل.

22- أن يتجنب الموظف تأخير المعاملات وتأجيل أصحاب الحاجة ومماطلتهم والإسراع في أداء الأعمال وحل مشاكل الناس بوجه طلق وكلام حسن طيب لأنه يعمل في مضمار خدمة الناس وهذا عمله ولا يجوز له التصرف بما يؤذي الناس وتأخير حاجاتهم وإضاعة أوقاتهم والفرص لديهم.


 
عودة
أعلى