قصي حمدان
New Member
آداب المسجد – آداب الجمعة
والضيف إذا نزل بساحة الكرماء، و منازل العظماء، أصابه جودهم وفضلهم، ونال من أعطياتهم وغنم من إكرامهم، فكيف بضيف نزل بأكرم الأكرمين، وحلّ على رب العالمين..؟
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن ربه:" إنّ بيوتي في أرضي المساجد، وإنّ زوّاري فيها عمّارها، فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثم زارني في بيتي فحقّ على المزور أن يكرم زائره" رواه أبو نعيم.
ولا شك أن أعظم هذه الكرامات، وأفضل هذه الأعطيات، أن يذيقه الله تعالى لذة قربه وحلاوة مناجاته، وأن يمنحه شهادة الإيمان.
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان، قال الله تعالى:{ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر.. الآية} رواه الترمذي.
وفي منازل القيامة، وكربات مواقفها، وأهوال مشاهدها، يكون في ظل عرش الرحمن، آمنا مطمئنا. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله ـ وعد منهم ـ ورجل قلبه معلق بالمساجد" متفق عليه.
ثم يصله تعالى بنعمة الجنة، وما أعده له فيها من نعيم مقيم، وفضل عميم.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من غدا الى المسجد أو راح، أعدّ الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح" متفق عليه.
والمساجد ليست معابد تؤدى فيها طقوس العبادات، وحركات الصلوات فحسب، فالأرض كلها جعلت لأمة النبي صلى الله عليه وسلم مسجدا وطهورا، وتصلح لأداء الأركان والواجبات، قال أبو ذر رضي الله عنه: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال:"المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال:" ثم المسجد الأقصى" قلت: كم بينهما؟ قال:" أربعون عاما". ثما قال:" أينما أدركتك الصلاة فصلّ فهو مسجد" رواه الجماعة.
ولكن المساجد بيوت الله يأوي اليها المسلم منقطعا عن صخب الحياة المادية، ومتحررا من قيود الهموم الدنيوية، فيجد فيها مراتع من رياض الجنة، ورياحين الفردوس..
فتارة في مجلس ذكر لله تعالى، وتلاوة القرآن الكريم يصل فيها الى صفاء الروح، ولقائها بخالقها، وصلتها بمصدر الخير والكمال، ونهلها من منبع الحكمة والمعرفة والإيمان..
وتارة في مجلس وعظ وإرشاد تتزكى فيه النفس من نقائصها، وتتطهر من رذائلها، وتتحلى بفضائلها ومكارم أخلاقها..
وتارة في مجلس علم وفقه في الدين تتفتح فيه آفاق العقل على عظمة التشريع، وتتنوّر دروب الحياة بهدي التعاليم الإلهية، فيتضح صراط الله المستقيم..
كل ذلك في مجتمع إيماني كريم، يشد بعضه أزر بعض، ويحقق فيه المؤمنون قوله تعالى:{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} المائدة 2. ويجنون من الثمرات ما ورد في الحديث الشريف: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده" رواه مسلم.
وإذا كان حق الضيف إكرامه، فإن من واجبه معرفة قدر من يزور، والاستعداد لزيارته، والتأدب في حضرته بما يليق وجلال المزور وعظمته..
ومن الآداب الإسلامية لزيارة بيوت الله تبارك وتعالى نذكر منها ما يلي:
1- محبة المساجد وتقديرها، والنظر إليها بعين التكريم والتعظيم والتقديس والاحترام، لأنها بيوت الله تعالى التي بنيت لذكره وعبادته، وتلاوة كتابه وأداء رسالته، ونشر تعاليمه وتبليغ منهجه، وتعارف أتباعه ولقائهم على مائدة العلم والحكمة ومكارم الأخلاق..
قال تعالى:{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (32)} الحج.
2- العمل على إشادتها، والقيام بما يستطيع من جهد مادي أو جسدي لبنائها، وتشجيع الناس على التبرع لاستكمالها وتجهيزها بما يليق ومكانتها، وابتغاء وجه الله تعالى في كل ذلك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها ـ أي بقدر الموضع الذي يبيض فيه طائر القطاة ـ بنى الله له بيتا في الجنة" رواه أحمد وان حبان.
3- المحافظة على ارتياد المساجد ولو كانت بعيدة عن منزله، والمشي إليها ولو تحمل في سبيل ذلك الحّر والبرد، وظلمة الليل ومشقة الطريق.
وعن أبي بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" بشّروا المشّائين في الظلم الى المساجد بالنور التام يوم القيامة" رواه أبو داود والترمذي.
4- التهيؤ للذهاب الى المسجد بالطهارة وحسن الوضوء والتسوّك، ولبس الثياب النظيفة، وتقليم الأظافر وترجيل الشعر، والتجمّل والتطيّب.
قال تعالى:{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} الأعراف 31.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من تطهر في بيته ثم مضى الى بيت من بيوت الله، ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداها تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة" رواه مسلم.
5- إنهاء جميع الأعمال الدنيوية، وإيقاف كافة الأشغال المادية عند سماع الأذان، والمسارعة الى تلبية النداء، والتوجه الى المسجد مهما كانت الأعذار.
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} الأنفال 24.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل اعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني الى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخّص له فيصلي في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال:" فأجب" رواه مسلم.
6- الدخول الى المسجد مقدما الرجل اليمنى قائلا: بسم الله، اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
كما يستحب أن ينوي الاعتكاف فإنه يصح ولو لم يمكث إلا فترة قليلة، فيقول: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه.
7- الخروج مقدما الرجل اليسرى واضعا حذاءه أمامه بهدوء قائلا: اللهم صل على سيدنا محمد، اللهم إني أسألك من فضلك.
عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك". رواه مسلم وأبو داود.
8- صلاة ركعتين سنة تحية المسجد قبل الجلوس، إذا لم يكن وقت صلاة راتبة، ومن لم يتمكن من الصلاة لحدث أو شغل.. فليقل: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثلاث مرات.
عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أحكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين" متفق عليه.
9- خلع الحذاء وإزالة ما علق به من أوساخ خارج المسجد، وإطباقه ووضعه في أقرب مكان مخصص والحذر من رفعه فوق الرؤوس، أو تلويث المسجد به، ثم إطباق باب المسجد بهدوء عند الدخول.
10- الانتباه الى طهارة الجوارب ونظافتها، قبل المشي بها على سجاد المسجد.
11- تجنب أكل الثوم أو البصل، وما له رائحة كريهة، والدخول الى المسجد قبل إزالتها، بتنظيف الفم بالماء والفرشاة والمعجون.
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا، أو فليعتزل مسجدنا" متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" متفق عليه.
12- تجنب تلويث المسجد بشيء من القاذورات أو النجاسات، كالمرور بأرجل عليها نجاسة، أو تلويثه بالقليل من الدم، كما يحرم البول في المسجد ولو كان في وعاء ويحرم الاستنجاء فيه.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي بال في المسجد:" إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله وقراءة القرآن" رواه مسلم.
13- تجنب تلويث المسجد بالبصاق أو المخاط أو النخامة، وخاصة عند عتبات المسجد أو على بابه أو في أماكن الوضوء، والقيام على إزالته إن وجد.
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها" متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطا أو بزاقا أو نخامة فحكّه. متفق عليه.
14- تجنب اللهو واللعب والجري، واللغو والثرثرة، ورفع الأصوات ولو بقراءة القرآن على وجه يشوّش على المصلين أو الذاكرين أو المتدارسين للعلم.
عن السائب بن يزيد الصحابي قال: كنت في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أين أنتما؟ فقالا: من أهل الطائف فقال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال:" ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذينّ بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". رواه النسائي وأبو أحمد.
15- تجنب الخصومات والاشتغال بأمور الدنيا، والبيع والشراء، والبحث عن ضائع، وإنشاد الشعر المتضمن فحشا أو هجاء لمسلم أو ظلما أو غزلا، ولا بأس فيما تضمن حكمة أو خيرا.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار، وأن تنشد فيه الضالة. رواه الخمسة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا لا ردّ الله عليك" رواه الترمذي.
وقال سعيد بن المسيّب: من جلس في المسجد فإنما يجالس ربه، فحقه ألا يقول إلا خيرا.
16- تجنب الاحتباء وتشبيك الأصابع وفرقعتها والعبث بها في المسجد وإثناء انتظار الصلاة.
عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: دخلت المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رجل جالس وسط المسجد محتبيا مشبّكا أصابعه بعضها على بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن لإشارته، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبّكنّ فإنّ التشبيك من الشيطان، وإنّ أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه" رواه أحمد.
17- تجنب الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر حتى يصلي المكتوبة.
عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا عند أبي هريرة رضي الله عنه في المسجد فأذّن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
18- تجنب تناول الأطعمة في المسجد وجعلها أمكنة للراحة أو القيلولة أو السمر، وتجنب الوقوع في المحرمات كالغيبة والنميمة والكذب وتنفقيص الناس.
19- تجنب الدخول الى المسجد للمرور فيه كطريق، أو الدخول والخروج منه من غير صلاة أو ذكر أو تسبيح أو عبادة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو طلب للعلم.
20- القيام بصيانة المسجد، والحفاظ على نظافته وأناقته، وأثاثه وأمتعته، وكتبه ومصاحفه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ـ أي في الأماكن التي تبنى فيها البيوت ـ وأن تنظف وتطيّب. رواه أحمد وأبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" عرضت عليّ أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد" رواه الترمذي وأبو داود.
21- صيانة المسجد من الأطفال والمجانين، وتشجيع الصبية الذين تجاوزوا السابعة وإحضارهم الى المسجد تعويدا لهم على العبادة، وتحبيبهم بالمساجد مع تعليمهم آدابها قبل دخولها، والإشراف عليهم أثناء وجودهم فيها لتوجيههم وتنبيههم عند الإخلال بحرمتها أو مخالفة آدابها والحذر من إهانتهم أو طردهم منها.
22- تجنب التطيب والتزين والتبرّج للمرأة التي تشهد المساجد، ودخولها وخروجها من المكان المخصص للنساء، دون اختلاطها بالرجال أو مزاحمتهم.
عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا شهدت إحداكنّ المسجد فلا تمسّ طيّبا" رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد إذ دخلت إمرأة من مزينة ترفل في زينة لها في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم:" يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبختروا في المساجد" رواه ابن ماجه.
آداب الجمعة
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" سيد الأيام عند الله يوم الجمعة، أعظم من يوم النحر والفطر، وفيه خمسة خصال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة الى الأرض، وفيه توفي، وفيه ساعة لا يسأل العبد الله شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرضولا ريح ولا جبل ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة". رواه البخاري.
وقد خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي، وفرض فيه صلاة الجمعة، وخطبتها وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعا لقلوبهم، وتوحيدا لكلمتهم، وتعليما لحاهلهم، وتنبيها لغافلهم، وردا لشاردهم، بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب، كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا، وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها.
فإذا سلمت الجمعة كانت كفارة لما سبقها خلال أيام الأسبوع، قال صلى الله عليه وسلم:" الصلوات الخمس، والجمعة الى الجمعة، ورمضان الى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". رواه مسلم عن أبي هريرة.
وقد ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام " من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه" رواه أحمد وأصحاب السنن، وفي رواية " فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" رواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس. وقال:" لينتهن أقواما عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين" رواه مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة.
وقد أتى على بعض الناس زمن، غفلوا عن واجباتهم الإسلامية، ومنها حقوق يوم الجمعة، فحسبوه يوم الراحة الاسبوعية، ويوم العطلة بعد العمل ينطلقون فيه الى الملاعب والمنتزهات، وبأيديهم أدوات اللهو واللغو واللعب والغفلات، وصنوف الأطعمة والأشربة والملذات، في يوم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم" أتاني جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء وقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيدا، ولأمتك من بعدك. قلت: فما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له، أعطاه الله سبحانه إياه، أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه، أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه، وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم؟ قال: إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل الله تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا الى وجهه الكريم". رواه الشافعي في المسند، الطبراني في الأوسط، وابن مردويه في تفسيره، عن أنس.
ولقد أخبرنا سبحانه أنه حرم العمل على اليهود يوم السبت، وأمرهم بالتفرغ لعبادته، فعملوا الحيل، استهزاء بأمر الله تعالى واعتداء على حدوده، فغضب عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.
قال تعالى:{ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} الأعراف.
وقال صلى الله عليه وسلم:" إن اهل الكتاب أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه، وهدانا الله إليه وأخره لهذه الأمة وجعله عيدا لهم فهم أولى الناس به سبقا، وأهل الكتابين لهم تبع". متفق عليه عن أبي هريرة.
وقد جاء رجل الى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: في النار. فلم يزل يتردد إليه شهرا يسأله عن ذلك وهو يقول في النار.
وهذه باقة من الآداب الإسلامية والتي هي بعض من حقوق هذا اليوم الكريم:
1- الاستعداد للجمعة من يوم الخميس، بغسل ثيابه وإعداد طيبه، وتفريغ قلبه من الوساغل الدنيوية، والاشتغال بالتوبة والاستغفار، والذكر والتسبيح من عشية يوم الخميس، والعزم على التكبير الى المسجد، ويستحسن قيام ما تيسر من ليلة الجمعة بالصلاة وقراءة القرآن.
قال بعض السلف: أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس.
2- الابتداء بالغتسال بعد صلاة فجر يوم الجمعة مع الجماعة، ويمتد وقت الغسل حتى النداء.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم" متفق عليه. المراد بالمحتلم: البالغ.
وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه أبو داود والترمذي.
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام واستمع، كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" رواه الحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل" متفق عليه.
3- النظافة العامة بحلق الشعر وقص الأظافر والسواك، والتطيب ولبس أحسن الثياب.
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما إستطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين إثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" رواه البخاري.
4- التبكير الى الصلاة، ساعيا إليها بالسكينة والوقار، والتواضع والخشوع، ناويا إجابة أمر الله سبحانه والمسارعة الى مغفرته ورضوانه، وليغتنم ثواب الصف الأول، ولا يكونن مع دينه أقل همة من أصحاب الدنيا إذ يبكرون الى أسواقهم.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الجمعة 9.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يحضرون الذكر". متفق عليه.
5- الدخول إلى المسجد مراعيا آدابه، مجتنبا تخطي رقاب الناس، أو المرور بين أيديهم، إلا أن يرى فرجة فيأوي إليها، ويجلس حيث ينتهي الصف، ولا يفرق بين إثنين ليجلس بينهما، ويتقرب الى الخطيب ما أمكنه ليستمع إليه.
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة إذا رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى قدم فجلس، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال له:" ما منعك أن تصلي معنا؟ فال: أولم ترني؟ قال: رأيتك آنيت وآذيت. رواه أبو داود والنسائي.
6- الاستماع والإنصات للخطبة، والانتباه واليقظة لما فيها من العلم والحكمة، وتفريغ القلب من الشواغل لما يرد من الموعظة والذكرى، والعزم على العمل بما سمع من أحكام الدين الحنيف. ولا يتكلم حتى مع من يريد أن ينبهه الى وجوب الإنصات وإنما يشير له ليكف عن كلامه، ولا يجيب مسلما، ولا يشمّت عاطسا..
قال تعالى:{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} الجمعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت فقد لغا، ومن لغا لا جمعة له" رواه الترمذي والنسائي.
7- تجنب العبث باليدين أو بالسجاد أو بالسبحة أثناء الخطبة فهو من اللغو، وتجنب التغافل عن الخطبة والانشغال بغيرها أو النوم خلالها فإنه يذهب ثوابها.
8- يكره الاحتباء إثناء الخطبة لأنه يجلب النوم ويفوت استماع الخطبة ومدعاة لانتقاض الوضوء.
عن معاذ لن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود والترمذي.
9- صلاة أربع ركعات قبل الصلاة وأربع ركعات بعدها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلّ بعدها أربعا" رواه مسلم.
10- الإكثار يوم الجمعة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي" رواه أبو داود.
11- حضور مجالس العلم في الغداة أو بعد العصر، ويجمع بحضوره مجلس العلم بكرة بين خيرين، وفضيلتين هما التبكير والتفقه في الدين، قال أنس رضي الله عنه: في تفسير قوله تعالى:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، إما إنه ليس بطلب دنيا، لكن عيادة مريض، وشهود جنازة، وتعلم علم، وزيارة أخ في الله.
12- الإكثار من قراءة القرآن وخصوصا سورة الكهف، وقد تقدم فضيلة قراءتها يوم الجمعة.
13- الإكثار من ذكر الله تعالى، وعموم العبادات الأخرى كالصلوات والصدقات والدعوة الى الله، وجعل يوم الجمعة عملا يدخره في رصيده لحساب يوم الحساب.
قال تعالى:{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} الجمعة.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن لربكم في أيا دهرت نفحات، ألا فتعرضوا لها" رواه الحكيم والطبراني.
14- ترقب الساعة المباركة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا ترد فيها دعوة، وذلك بالإنشغال يوم الجمعة بأصناف القربات، والتزود من التقوى والنوافل والأذكار والدعوات.. قال بعض العلماء: هذه الساعة مبهمة مثل ليلة القدر، في ساعات يوم الجمعة، تتوفر الدواعي لمراقبتها.
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن في الجمعة ساعة لا يسأل اله العبد فيها شيئا إلا أتاه الله إياه". قالوا: يا رسول الله أي ساعة هي؟ قال:" هي حيت تقام الصلاة الى الانصراف منها" رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:" فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها" متفق عليه.
15- يكره السفر يوم الجمعة إن استطاع تأجيله إلا لمضطر، حتى تقضي صلاة الجمعة.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه" رواه الدارقطني.
16- يكره إفراض يوم الجمعة بصوم الفضل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده" متفق عليه.