المقاومة قادمة لحكم العراق

الموضوع في 'المنتدى الإسلامي' بواسطة jam1966, بتاريخ ‏أغسطس 2, 2005.

  1. jam1966

    jam1966 مشرف عام سابق

    إنضم إلينا في:
    ‏نوفمبر 3, 2004
    المشاركات:
    3,734
    الإعجابات المتلقاة:
    3,802
    نقاط الجوائز:
    128
    الجنس:
    ذكر
    مكان الإقامة:
    بلاد العرب اوطاني


    المقاومة قادمة لحكم العراق



    تقارير رئيسية :عام :الثلاثاء 27 جمادى الآخر 1426هـ – 2 أغسطس 2005م



    مفكرة الإسلام : يبدو الابتعاد عن المشهد المباشر للأحداث في العراق ضروريًا للتعرف على المعالم العامة للمشهد العراقي ومعرفة الأوضاع الكلية وتحديد خطة مستقبلية صحيحة للعمل على تحرير العراق. ويبدو هذا الابتعاد عن تفاصيل الأحداث ضروريًا للإفلات من تأثيرات اللعبة الإعلامية الأمريكية التي تحاول توجيه العقول نحو تحقيق الأهداف الأمريكية، وحتى يمكن الوصول إلى جوهر الأحداث وبعمق وسط ركام يهدمه الاحتلال وغبار يثيره ودخان يطلقه.

    ويبدو هذا الابتعاد ممكنًا الآن بعد أن أصبحت ملامح المشهد تسمح بالتقييم الاستراتيجي للأحداث لا متابعة الأوضاع المؤقتة أو الأحداث الجارية وقراءة الملامح منها. ويبدو الأمر ممكنًا لأن أحد أطراف الصراع وصل إلى حد إعلان عدم جدوى استراتيجيته وخطئها – الاحتلال – وبات يقدم سلوكًا آخر أو يعلن عن مواقف أخرى غير التي بدأ بها استراتيجيته، والمقصود هنا الحديث الأمريكي عن الحوار مع المقاومة بغض النظر عن الأبعاد الفعلية لهذا الإعلان إذ أن مجرد الإعلان يعني تسليمًا بقوة الخصم وعدم القدرة على هزيمته عسكريًا.

    والمتابع للمشهد العراقي على مستوى الصراع الاستراتيجي بين المقاومة من جهة وقوات الاحتلال والعملاء المرتبطين بها يستطيع أن يستنتج ما يلي:

    أولاً: أن المقاومة العراقية قد ثبتت خطتها على المستوى الاستراتيجي مع أقصى قدر من المرونة التكتيكية، بينما قوات الاحتلال لم تتمكن من الثبات على استراتيجيتها وصارت تكتيكاتها تأتي كرد فعل لضربات المقاومة. فمنذ البداية حددت المقاومة استراتيجيتها في العمل في المدن ومن خلال تعدد مراكز المقاومة - العمل من مدن متعددة - ومن عدم الاشتباك في كل المدن في وقت واحد - أي عدم اللجوء إلى انتفاضة شاملة - إلا بعد إنضاج الظروف تدريجيًا، كما هي حددت تكتيكاتها في الربط بين ما هو سياسي وما هو عسكري، وهي في ذلك قد بنت خطتها على استثمار نقطة الضعف الاستراتيجي لدى قوات الاحتلال المتمثلة في عدم قدرة هذه القوات على إدخال قوات أكثر مما أدخلت إلى العراق – حتى لا تصبح أهدافًا أكثر سهولة للمقاومة ولأسباب استراتيجية أمريكية دولية – ومن عدم قدرة القوات الموجودة على الأرض العراقية على الانتشار بكثافة في كل المدن العراقية وعلى كل الطرق وفي كافة الاتجاهات ..إلخ.

    وعلى العكس من ذلك فإن قوات الاحتلال لم تمتلك استراتيجية محددة لمواجهة المقاومة التي فيما يبدو شكل اندلاعها ودرجة قوتها مفاجأة استراتيجية لقوات الاحتلال – كما قالت دوائر أمريكية: إن أمريكا لم تمتلك خطة لما بعد الاحتلال - بسبب ذلك في خططها مجرد رد فعل للمقاومة. لقد بنت قوات الاحتلال استراتيجيتها الأولى على إقامة تداخل بين قوات الاحتلال وسكان المدن أو هي حددت استراتيجية ما بعد الاحتلال وفق خطة لإقامة ارتباط بين المواطن العراقي وقوات الاحتلال، وهي بدت مستهينة في البداية بالمقاومة وغير ممتلكة لاستراتيجية محددة للتعامل معها. وهي حينما بدأت مواجهة المقاومة تصرفت وفق استراتيجية حسم المعارك وفق نمط الحرب النظامية بإقامة أوسع حشد لإنجاز حملات عدوانية ضد كل مدينة بها مقاومة وصارت تسمى حملاتها واحدة تلو أخرى وتحاصر المدن واحدة تلو الأخرى، فكان أن فوجئت استراتيجيًا بقدرات المقاومة التي كانت تجر قوات الاحتلال إلى معارك لتخسر فيها ولتصيبها بالإرهاق المعنوي والقتالي.

    ثانيًا: وهكذا فإن المقاومة ثبتت قدرتها على الهجوم دومًا مع تنويع مناطق تركيز الهجوم في كل مرحلة، بينما القوات الأمريكية لم تستطع الحفاظ على استراتيجيتها في الهجوم دومًا وصارت متذبذبة بين الهجوم والتراجع غير المنظم في كلا الحالتين والعودة إلى الهجوم في موجات متحركة متغيرة الأماكن، كانت المقاومة تستغل كل موجة منها في فتح جبهات أخرى بما جعل التحركات الأمريكية تأتي دومًا كرد فعل. وقد كان ذلك أحد أبرز أسباب نجاح المقاومة التي صارت دومًا تحدد مناطق التركيز ومناطق التركيز التالية وبالتالي، هي التي كانت تجر قوات الاحتلال إلى معارك محسوبة، كما أصبحت المقاومة هي من يبدأ التحضير للمعركة في كل مكان وتحديد المعركة التالية، كما هي صارت المسيطر على توقيتات العمل العسكري بصفة عامة أو هي بالدقة صارت تضرب على جحر الثعبان حتى يخرج من مكمنه لكي تصطاده أو تنهكه كلما حاول الراحة.

    ثالثًا: تصاعد التعاطف الشعبي مع المقاومة في داخل العراق وليس فقط ثبات القاعدة الجماهيرية المؤيدة لها، مع تراجع التأييد للاحتلال 'داخل العراق وداخل أمريكا أيضًا' وتشديد الحصار حول المتعاونين معه واستمرار تضارب مصالحهم [القيادة الشيعية وقيادة الحالة الكردية المتعصبة] إلخ. أن جردة بأوضاع التعاطف السياسي مع كلا الطرفين المتصارعين تظهر أن التعاطف الشعبي مع المقاومة العراقية داخليًا وخارجيًا بات في توسع بينما يضيق حجم التعاطف أو الاقتناع بأفعال قوات الاحتلال، بل بقضية الاحتلال ذاتها من الأصل بما أعاد فكرة احتلال العراق إلى سابق الصراع حولها. وأن جردة بالوضع في أمريكا تظهر أن أعمال المقاومة – ورغم عدم امتلاكها وسائل دعاية مؤثرة – نجحت في تغيير موقف الرأي العام الأمريكي على نحو هدد قناعة الأمريكيين بالعدوان على العراق كما رفعت نسبة المطالبين بعودة القوات الأمريكية من العراق. وفي بريطانيا نجحت المقاومة العراقية في إجبار بلير والحكومة والجيش البريطاني على الإعلان عن بدء سحب القوات البريطانية خلال 12 شهرًا في وقت تحدث فيه رامسفيلد عن أن القضاء على 'التمرد' سيحتاج إلى 12 عامًا. وعلى مستوى الرأي العام العربي فإن القطاع الذي كان خدع بفعل الدعاية الأمريكية المباشرة وغير المباشرة – من خلال قنوات وصحف عربية – قد جرى استعادته لصالح المقاومة. وخلاصة ذلك كله على أن الاتجاه الاستراتيجي للصراع بات محسومًا لصالح المقاومة العراقية ولغير صالح الاحتلال وأعوانه.

    المقاومة أين وصلت
    يمكن القول بأن المقاومة العراقية قد أثبتت أن مشروع الاحتلال غير ممكن تحقيقه وثبتت موقعها كبديل استراتيجي لحكم العراق، وأنها باتت المتحكمة في أجزاء كبيرة على أرض العراق وأصبحت ذات حضور سياسي كبير ومؤثر في مختلف مناطق العراق ..إلخ. والأهم أن المقاومة باتت تستعد على المستوى الاستراتيجي أو على صعيد خططها الاستراتيجية للوصول بالاحتلال إلى نقطة ذروة المنحنى لتدفعه إلى أسفل وبما يعني تصعيد قدرتها على عزل القوى التي تعاونت مع الاحتلال وتطوير سريع لمواقف القوى المذبذبة التي ستظهر على سطح أحداث العراق بشكل متسارع في المرحلة القريبة وتصب جهودها لصالح المقاومة.

    في بداية كل احتلال تكون القوة المحتلة في غاية الإصرار على إنجاز مشروعها وتكون قوتها وقواتها مشبعة بروح عدوانية وبشعور بالغطرسة والقوة، وتحت هيمنة تحركاتها وقوتها ودعايتها وحربها النفسية يصاب بعض أبناء الوطن من غير المجاهدين ومن غير ذوي البصيرة بحالة من الضعف أو الخديعة أو بحالة من الرغبة في النجاة بالنفس، وبطبيعة الحال يكون هناك من يلعبون دور العملاء والخونة.

    غير أن معنويات قوات الاحتلال وغطرستها تبدأ في التعرض لحالة من الدهشة ثم الضعف التدريجي إلى أن تصل إلى مرحلة الهزيمة النفسية في دورة يمر بها كل محتل خاض تجربة احتلال بلد به مقاومة ومجاهدة. وهو أمر لا يحدث دفعة واحدة، خاصة إذا كان العدو المحتل يبدل ويغير قواته العاملة على أرض المعركة. لكن طال الوقت أم قصر فإن كل قوة احتلال تمر بتلك الحالات المعنوية إلى أن نصل إلى حالة عامة شاملة لكل قوات الاحتلال العاملة في الجيش الأمريكي.

    ومع هذه الحالة يكون العملاء أكثر حساسية من قوات الاحتلال وأكثر رعبًا إذ أن قوات الاحتلال يمكن لها أن تنسحب وتعود إلى بلادها بينما العملاء غالبًا ما يتركون ليلاقوا مصيرهم – كما هو حال عملاء لحد في لبنان – في بلادهم. وهؤلاء العملاء يتحولون في مرحلة متقدمة من حالة تقوي الاحتلال إلى حمل ثقيل على كاهل الاحتلال ذاته يسعى للتخلص منه.

    والأهم هنا هم المواطنون الذين غرر بهم أو ضعفوا أو آثروا السلامة للنفس مع ترك الوطن يستباح، يتحولون مع وصول الاحتلال إلى منحنى الهبوط المتسارع إلى قوة داعمة تضفي زخمًا كبيرًا على المقاومة وتمثل رصيدًا استراتيجيًا حاسمًا ضد قوات الاحتلال.

    وهذا هو ما بدأ يتحقق الآن في معركة المقاومة في العراق، حيث كثير من القوى التي كانت مترددة أو غير مبالية باتت تتوجه نحو دعم المقاومة، ومظاهر ذلك تعج بها الساحة العراقية.

    حرب الاعتراف الديبلوماسي بالمقاومة

    ولعل الملخص والمؤشر الكلي على ما آلت إليه المقاومة العراقية من قوة على المستوى الاستراتيجي، ومن قدرات تكتيكية تربط بين ما هو سياسي وعسكري، ومن وضوح درجة سيطرتها على الأرض في العراق، هو ما تقوم به المقاومة من حملة سياسية وعسكرية لنيل الاعتراف السياسي والديبلوماسي بها كممثل للشعب العراقي وليس فقط لحصار حكومة الاحتلال سياسيًا وديبلوماسيًا.

    فمن يتابع أحداث الفترة الأخيرة في العراق، يجد أن المقاومة بدأت حملة سياسية وعسكرية باتجاه السفراء والسفارات، وأن هذه الحملة أو المعركة التي بدأت، قد شملت حتى الآن سفراء دول عربية وإسلامية كما هي شملت مهاجمة سفراء دول أخرى وذلك في توجه مختلف عما ساد في المرحلة الماضية التي جرى فيها التركيز على قوات الاحتلال وعلى قوات الشرطة والحرس الوطني تحت قيادة وسيطرة الاحتلال، كما يلحظ أن هذه المعركة قد جاءت في أعقاب زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس وما صاحبها من الإعلان عن بدء إرسال سفراء دول متعددة إلى بغداد، بما يمثل اعترافًا بشرعية حكومة احتلال العراق وبما يشكل سندًا عربيًا لها وللاحتلال في آن واحد.

    وإذا كانت الفاجعة التي ألمت بمصر بمقتل القائم بالأعمال المصري في بغداد قد غطت على ما عداها من أحداث، تنديدًا وإدانة أو فتحًا لمعركة داخلية بين القوى السياسية المختلفة في مصر كما نتج عنها تلاسن كلامي بين الخارجية المصرية ومتحدثين باسم حكومة احتلال العراق، وكذلك نتج عنها سحب لديبلوماسيين مصريين من بغداد، فإن القضية الأصل وبعيدًا عن تلك العملية المؤلمة يظل الأساس فيها أننا أمام تغير في موقف المقاومة من الديبلوماسيين من الدول العربية والإسلامية، وأننا لسنا فقط أمام معركة محددة تخوضها المقاومة تجاه منع الاعتراف الديبلوماسي بالحكومة المعينة تحت حراب الاحتلال في العراق، ولكننا أمام معركة تخوضها المقاومة لانتزاع الاعتراف بها كممثل للشعب العراقي.

    لقد جرت خلال يومين متتالين عملية خطف لرئيس البعثة الديبلوماسية المصرية في بغداد ثم قتله دون انتظار إجراء أية مفاوضات مع الحكم في مصر، كما حدث في عملية الاختطاف السابقة لديبلوماسي مصري، كما جرت محاولة لاختطاف السفير الباكستاني – يونس خان - أو اغتيال ومحاولة اغتيال السفير البحريني الذي أصيب خلالها في كتفه – حسن الأنصاري - وكذا عملية قصف لسيارة السفير الروسي – فلاديمير شامون – إلخ، وبعدها بأيام جرت عملية اختطاف لاثنين من الديبلوماسيين الجزائريين. وإذ رأى البعض أن ما يجري هو رد فعل على ما حدث من استجابة من نظم حكم عربية وإسلامية للضغوط الأمريكية، فإن حقيقة ما يجري هو أن المقاومة بدأت معركة الاعتراف الديبلوماسي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب العراقي بدءًا بنزع غطاء الاعتراف الديبلوماسي بالحكومة العراقية المرتبطة بالاحتلال، بناءً على حالة الضعف الأمريكي التي وصلت حد الإعلان عن التفاوض مع المقاومة العراقية والتي أرادت المقاومة من خلال العمليات الأخيرة تطوير حالة الضعف هذه إلى خارج العراق لانتزاع الاعتراف بها على المستوى السياسي والديبلوماسي.

    المقاومة قادمة لحكم العراق

    لقد تثبتت الآن أعمدة المرحلة المقبلة في العراق .فمن ناحية صار مؤكدا أن قوات الاحتلال ستغادر العراق سواء حدث ذلك تدريجيًا أو على طريقة التداعي والانهيار. ومن ناحية أخرى فإن الحكم العميل في العراق تهتز أركان تركيبته الهشة يومًا بعد يوم ويثبت عجز صيغته عن التوافق والاستقرار. وفي المقابل فإن المقاومة ثبتت أقدامها على المستوى الاستراتيجي وباتت هي القوة الوحيدة التي تتصاعد قدراتها ومصداقيتها والتي تحصل على مصداقية على حساب أعدائها بصفة متصاعدة، بما يؤكد حسمها لمعركتها على الأرض وخوضها معركة الاعتراف السياسي والاستراتيجي.
     

مشاركة هذه الصفحة