الإعجاز الإلهي في خلق الإبل
الإبل في القرآن:
وعندما جاء الإسلام لفت القرآن الكريم أنظار العرب إلى هذا المخلوق العجيب الذي يعرفونه جيدًا، فهو رفيقهم في الأسفار والرحلات وقوافل التجارة، وهم أهل الإبل وأعرف الناس بها، فقال الله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} [الغاشية: 17]، أفلا ينظرون إلى عجائب قدرة الله في الإبل ليتدبروا ويتفكروا في خلقها على هذه الصورة المتناسقة مع بيئتها التي تعيش فيها. ثم جاء التعميم حول فوائد الأنعام ومن بينها الإبل في قوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون، ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون، وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم} [النحل: 705].
الجمل صانع حضارة:
وتاريخ الإبل يرجع إلى ما قبل الميلاد بأكثر من ثمانية آلاف سنة، حيث وجد الجمل في شمال غرب أفريقيا، وكانت الجمال في نشأتها الأولى متوحشة، وبدأ ظهور النوع المتسأنس في جنوب الجزيرة العربية ومصر والصحراء الكبرى في فترة الحكم الروماني.
الجمل في تراثنا:
والجمل العربي أكبر الجمال حجمًا في العالم، وله سنام واحد، وهو أصبر على الجوع والعطش من غيره، ولا يكاد يعرف التعب إليه سبيلاً، فهو يسير 50 كيلومترًا دون توقف، ويمكنه حمل نحو 275كجم، ويستطيع السير بحمله الثقيل مدة 12 ساعة دون كلل، لذا يسمى سفينة الصحراء.
وهو حيوان طائع سهل المراس ويضرب به المثل في الصبر على تحمل العطش الشديد، يتميز الجمل العربي بصفات جسدية تمكنه من التكيف مع البيئة الصحراوية، إذ ينتهي كل من أطرافه بإصبعين يغطي كل أصبع بحافر صغير، الوسطى للإصبعين مما يسهل سيره على الرمال والصخور، واللسان والفم والأسنان قد تكيفت كي تتمكن من اقتلاع النباتات الصحراوية ومضغها، وعلى ظهره سنام واحد يختزن المواد الدهنية، كما أنه يختزن المياه في أنسجة وفي أكياس موجودة في معدته، ويستطيع هذا الجمل تحمل فقدان 40 في المائة من ماء جسمه، وهو لا يفرز إلا كمية قليلة من الملح بحيث يبقى مقداره في الدم ثابتًا. ويبلغ ارتفاعه حوالي مترين ويزن حوالي 600 كلغ بينما يبلغ طول رقبته وجسمه نحو 3 أمتار.
ولقد اعتبرت قدرة الجمال على السير مسافات طويلة دون ماء، وهي تحمل الأثقال من الأسباب التي جعلت تحرك البشر في الصحراء، وفي العالم القديم يزدهر، مما أدى إلى زيادة حجم التبادل التجاري والثقافي بين الأجناس المختلفة.
وللجمال في حضارتنا العربية والإسلامية تاريخ طويل بدءًا من رحلة الشتاء والصيف التي كانت وسيلتها الوحيدة هي الجمال، ومرورًا بناقة سيدنا صالح المعجزة التي ذبحها قوم ثمود، وانتهاءً بالهجرة النبوية المباركة للرسول -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبي بكر من مكة المكرمة إلى المدينة والتي استخدمت فيها الإبل.
أوجه الإعجاز في خلقه:
وإذا نظرنا إلى أوجه الإعجاز الإلهي في خلق الإبل، والتي جعلت القرآن الكريم يدعونا إلى النظر في عظمة هذا الخلق البديع نجد أن قدرة الله وحكمته تتجلى في كل جزء من أجزاء جسم الجمل، والتي تتمثل فيما يلي:
1- خُفُّ الجمل الموجود في نهاية القدم مخلوق بصورة بديعة، حيث يتألف من أصبعين اثنتين لكل منهما ظفر مفلطح كبير، وتحتهما وسادة عريضة من جلد لحمي تُيَسِّر للجمل السير السهل على الأرض الصخرية الزلقة أو الرمال الموَّارة دون أن تغوص القدم فيها، والتي تتميز بها طبيعة الصحارى والجبال، خاصة وأن الجمال تحمل أوزانًا ثقيلة إلى جانب وزن جسمها الضخم، والوبر الموجود على الخف يساعد الجمل على تحمل حرارة الأرض الرملية، كما أن أخفاف البعير وثفناته كلها مواد عازلة للكهرباء تحميه من الصواعق الكهربائية التي تحدث بين السحب، وارتفاع الجمل يصل إلى نحو المترين من عند الكتفين، ويرجع ذلك إلى طول أرجلها التي تبعد جسمها عن سطح الأرض لتتقي حرارتها.
2- وجه الجمل طويل بارز، وأنفه يشبه الشق، يفتحه الجمل ويغلقه حسب ظروفه، وهذا يساعده على منع دخول الرمال في أنفه عند أكله لطعام موجود على الرمال. كما أن شفة البعير العليا غليظة حساسة ومشقوقة إلى نصفين ليتمكن من تحريكهما ورفعهما إلى أعلى ليتحاشى أذى النباتات الشوكية عندما يتناولها فلا تلحق به ضررًا.
3- وعينا الجمل تنفتحان بزاوية مائلة تغطيها رموش طويلة وتستقران داخل تجويف قوي، ولعينيه أجفان طويلة جدًا، وبهذه الصفات يستطيع الجمل مقاومة العواصف الرملية.
4- ومن عجائب خلق الله في الجمل أن الأنف ينفتح وينغلق متى شاء البعير، وفتحته محسوبة بمقدار، وهو عبارة عن مصفاة هواء من النوع الممتاز الدائم، كما أن في أنفه جهازًا عجيبًا يسمى جهاز التيار العكسي الذي يساعده على الاقتصاد الشديد في ضياع ماء البدن أثناء التنفس، حيث يتفرد الجمل بأن الغشاء المخاطي في أنفه جاذبٌ للرطوبة، فالهواء الذي يدخل أنف الجمل جافًا يتشبّع بالرطوبة التي يهبها له غشاء الأنف، حتى إذا مرّ بالأنف وهو خارج عاد غشاء الأنف فاجتذب جلّ ما فيه من ماء بحيث لا يضيع من ماء جسمه إلا النزر اليسير، وكلما اشتد القيظ (شدة الحر) ازداد جذب غشاء الأنف للرطوبة واقتصاده في الماء.
5- أما سنام الجمل فهو مستودع ضخم للشحم يفيده وقت الحاجة، وهو كتلة من أنسجة دهنية ومياه مُستقلبة (متحولة) عن مواد أخرى، وبذلك يكون السنام مستودعًا للماء والغذاء معًا!! ويتميز الجمل بقدرة هائلة على البقاء بدون ماء لفترة طويلة، ويرجع ذلك إلى قدراته البيولوجية التي أودعها الله فيه، والتي تجعله قادرًا على التكيف والاحتفاظ بالماء عن طريق عمليات شديدة التخصص تقوم بها الكلى.
والجمل لا يقتصد في الماء فحسب، لكنه يولد الماء أيضًا!، فقد زوده الخالق سبحانه بجهاز لتوليد الماء، حيث تتفكك الشحوم المتراكمة في سنام الجمل إلى محاصيل نهائية، من أهمها الهيدروجين الذي لا يلبث أن يتحد بالأوكسجين الآتي مع هواء التنفس فيؤلفان "الماء" الذي يحتاجه الجمل.
6- رقبة الجمل الطويلة ليست عبئًا عليه، فهي تتحرك وتلتف في كل اتجاه بكل سهولة ويسر، وتساعد الجمل على الوصول إلى أغصان الشجر المرتفعة، وتمكنه من الأعشاب والحشائش على سطح الأرض، ويضع رأسه على جسمه عندما تشتد الرياح ليتقي شدتها وما تحمله من تراب وغبار.
7- الإبــل تـتـعايــــش مــــع ارتــفــاع أو انخفاض درجة الحرارة فلديها منظم بيولوجي للحرارة يساعدها في السيطرة على درجة الحرارة والبقاء على قيد الحياة رغم التذبذب الشديد في مستوى بلازما الدم، ففي الشتاء يكثر الوبر ويتلبد على جسمه فيقيه ويحميه من البرد، وفي الصيف يسقط الوبر لتتم عملية التبريد بالتعرق، فالعرق يخرج من مسام الجسم بدقة محسوبة، ويتحكم الجمل في درجة حرارة جسمه حسب ظروف الجو مما يمكنه من العيش في الصحراء وتحمل تقلبات الجو المختلفة.
8- والجمل ليس له مرارة مما يساعده على تناول كميات كبيرة من الغذاء ولساعات طويلة، وهذه الخاصية تساعده على تكوين كميات كبيرة من احتياجات الشحوم والدهون، وبصفة خاصة في السنام لتساعده على تحمل الظروف الشاقة في مواسم الجفاف والمجاعة.
9- وإذا نظرنا إلى الجمل باعتباره وسيلة للسفر والترحال وحمل الأثقال والأمتعة، سنجد أن الجمل هو الحيوان الوحيد الذي يستقر عليه الهودج أو المحمل، لأن جسم الجمل في المشي شبه مستقر لكونه يتمايل إلى الأمام وإلى الخلف ولا تتحرك سوى قوائمه بحركة متوازية، ويمتص الجسم ضربات الأرجل على الأرض فلا يحس الراكب إلا بالتمايل فقط، لذلك تسهل إقامة الهودج على الجمل، ولا يمكن هودجة الحصان أو البغل