هكذا يحافظ الإسلام على بيت الزّوجيّة

mohamadamin

حكيم المنتدى
هكذا يحافظ الإسلام على بيت الزّوجيّة
للإسلام طريقةٌ فريدة في تنظيم الحياة بين الزَّوجين والحفاظ على بيتهما من الهزَّات . وترتكز هذه الطَّريقة أساسًا على تحديد مسؤوليَّات كلٍّ من الزَّوج والزَّوجة منذ البداية ، ثمَّ حَثّ كلٍّ منهما أن يُؤدّي حقَّ الآخر عليه بالحسنَى .
لِنَبدأ بتحديد المسؤوليَّات : الرَّجُل هو المسؤول عن الإنفاق على زوجته وأبنائه ، وتوفير كلّ ما يَلزَمُهم من مسكن ومأكل ومشرب وغير ذلك . فهو المطالَب إذًا بالعمل لتحصيل الرّزق .
أمَّا المرأة ، فهي مسؤولةٌ عن عمل البيت والقيام بشؤون الأطفال . وليس في هذا إهانة لها ، بل بالعكس ، فيه إراحة لها من الجري وراء لقمة العيش . والغريبُ أنَّ المرأة اليوم تُقيمُ الدُّنيا وتُقعِدُها لكي تعملَ خارج البيت بِدَعْوَى أنَّ الطَّبخ والتَّنظيف يَحطُّ من قيمتها ، وفي المقابل لا تتردَّد في القيام بنفس هذه الأعمال إذا وجدتْ شغلاً في مطعم أو فندق !
من ناحية إدارة العائلة واتّخاذ القرارات ، فهي مَسؤوليَّة مشتركَة بين الزَّوجين ، بحيثُ يتشاور الاثنان في كلّ الأمور ، ولا يُتَّخَذ أيّ قرار إلاَّ برضَى الطَّرفَيْن . يقول الله تعالى متحدّثًا عن صفات المؤمنين : { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ 38 } (42- الشّورى 38) . فمِنْ صفات المؤمنين إذًا ، رجالاً ونساءً ، أنَّهم يتشاورون في كلّ الأمور .
ويقول تعالى في قضيَّة الرَّضاعة : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا الله وَاعْلَمُوا أَنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 233 } (2- البقرة 233) .
ففي هذه الآية ، أرشدَ الله تعالى أنَّ تَمام الرَّضاعة سَنتان ، ثمَّ رخَّص لِلوالدين أن يَفْطما طفلَهما قبل سِنّ العامين ، إذا رأيَا أنَّ في ذلك مصلَحة له ، شَرْط أن يَتشاورَا في هذا الأمر ويتَّفقَا على قَرار واحد .
حتَّى مسألة عمل الزَّوجة في البيت أو خارجه يُمكنُ التَّشاور فيها . نعم ، فالإسلام لم يقل أنَّ عمل المرأة خارج البيت حرام ، وإنَّما قال أنَّ الأصل هو أن تهتمَّ المرأة بشؤون البيت والأطفال . لكن ، إذا تشاور الزَّوجان واتَّفقَا على أن يعمل الاثنان في الخارج ، ويُرَتّبَا أمورهما على هذا الأساس ، فلا أحد يَمنعهما من ذلك .
قد تقولين سيّدتي : ولكن قد يختلفُ الزَّوجان في أمرٍ مَا ، ويُصرُّ كلٌّ منهما على رأيه ، فما العمل في هذه الحالة ؟
الحلُّ الأمثل هو أن تتنازل الزَّوجة عن رأيها حتَّى لا يَهتزَّ البيتُ كلُّه ! نعم ، تتنازل هي ، ليس لأنَّها الأضعف ، وإنَّما بالعكس ، لأنَّها الأعقل ، والأكثر رزانة ، والأكثر رقَّة ، والأحرص على استقرار بيتها.
ونحنُ عادةً عندما يحصلُ خلافٌ بين أخوَيْن ويصلان إلى حدّ القطيعة ، نذهبُ إلى الأكثر رزانة وحكْمة ، ونطلبُ منه أن يتنازل هو ، ويكون هو المبادِر لِطَلب الصُّلح من أخيه . وفي العادة ، تعود العلاقة من جديد بين الأخوين ، ويزدادُ الثَّاني احترامًا للأوَّل لأنَّه استطاع أن يتغلَّب على نفسه ويُبادر إلى إنهاء النّزاع .
إذا تحاور الزَّوجان إذًا في مسألة مَا ، ثمَّ أصرَّ الزَّوجُ على أنَّ ما قاله هو الذي يجبُ أن يَتِمَّ ، فالأفضل هنا أن تتنازل الزَّوجة عن رأيها ، وتُطيع زوجها في ما أمَر به ، طالَما أنَّ هذا الأمر ليس فيه معصية للَّه ولا يَضُرُّ بها ولا بغيرها . وبهذا ، تُحافظ على استقرار بيتها وأطفالها ، ويزداد احترامُ زوجها لها .
لهذا ، نجدُ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم في العديد من أحاديثه يَحُثُّ الزَّوجة على طاعة زوجها . فقد روى الطَّبراني في المعجم الأوسط حديثًا عظيمًا عن أنَس بن مالك رضي الله عنه ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ألا أُخبرُكُم برجالكُم في الجنَّة ؟ قُلْنا : بلَى يا رسولَ الله ، قالَ : النَّبيُّ في الجنَّة ، والصّدّيقُ في الجنَّة ، والشَّهيدُ في الجنَّة ، والمولودُ في الجنَّة ، والرَّجلُ يزورُ أخاهُ في ناحية المصر (أي في أقصى المدينة ، دليلاً عن بُعد المسافة) لا يزورهُ إلاَّ لِلَّه ، في الجنَّة . ألاَ أُخبرُكُم بنسائكُم في الجنَّة ؟ قُلْنا : بلَى يا رسولَ الله ، قالَ : كلُّ وَدُود وَلُود ، إذا غضبتْ أو أسيءَ إليها (وفي رواية في المعجم الصَّغير : أو غضبَ زوجُها) ، قالتْ (أي لِزوجها) : هذه يَدي في يَدك ، لا أكتحلُ بغمْضٍ حتَّى ترضَى ! (المعجم الأوسط - الجزء 2 - ص 441 - رقم الحديث 1764) .
وروى ابن ماجه في سُنَنه عن أمّ سَلَمة رضي الله عنها ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : أيّمَا امرأة ماتتْ وزوجُها عنها راضٍ ، دخلَت الجنَّة . (سنن ابن ماجة - الجزء 1 - ص 595 - رقم الحديث 1854) .
وروى الإمام أحمد في مُسْنده عن عبد الرَّحمن بن عوف رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إذا صلَّت المرأةُ خَمْسَها (أي الصَّلوات الخَمْس المفروضة) ، وصامتْ شهرَها (أي شهر رمضان) ، وحفظتْ فَرْجَها ، وأطاعتْ زوجَها ، قِيلَ لها : أدْخُلي من أَيّ أبْواب الجنَّة شِئْتِ . (مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 1 - ص 191 - رقم الحديث 1661) .
طبعًا ، وفي مقابل هذا ، حثَّ النَّبيُّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم الزَّوجَ أيضًا أن يُحسِنَ مِن ناحيَته معاشرة زوجته . وقد ذكَرْنا بعض الأحاديث في عناصر سابقة ، من ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ (وذلك في خطبته الطَّويلة في حجَّة الوداع) : اتَّقُوا اللهَ في النّساء ، فإنَّكُم أخَذْتُموهُنَّ بأمانَة الله ، واستحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَة الله . (صحيح مسلم - الجزء 2 - ص 886 - رقم الحديث 1218) .
بل إنَّ النَّبيَّ محمَّدًا صلَّى الله عليه وسلَّم ذهبَ لأبعد من ذلك ! فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر (بن عبد الله) رضي الله عنه ، قال : نَهَى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن يَطرقَ الرَّجلُ أهلَه ليلاً يَتَخَوَّنُهم أو يلتمس عَثَراتهم . (صحيح مسلم - الجزء 3 - ص 1528 - رقم الحديث 715) .
أي أنَّ الزَّوج عندما يكون غائبًا في سَفَر ثمَّ يعود فجأة ، فليس مِن المروءة ولا مِن الأخلاق أن يُفكّر في مُباغتة زوجته والدُّخول عليها ليلاً ، بُغيَة التَّثبُّت مِمَّا تفعلُه من ورائه ! فالأصلُ في الإسلام هو السَّتْر على الغير ، وعدم تتبُّع زلاَّت النَّاس وأخطائهم .
وفي رواية أخرى للإمام مسلم أيضًا عن جابر (بن عبد الله) رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : إذا قدم أحدُكُم ليلاً فلا يأتِيَنَّ أهلَه طروقًا ، حتَّى تستحدَّ المغيبة (وهي المرأة التي يكون زوجُها غائبًا) وتَمْتشط الشَّعثَة . (صحيح مسلم - الجزء 3 - ص 1527 - رقم الحديث 715) .
على الزَّوج إذًا ألاَّ يَدخُل على زوجته فجأةً في وقتٍ لا تتوقَّع فيه مَجيئه ، سواء عاد من سفَر أو عاد باكرًا من عمله اليومي ، بل يُخبرها بأنَّه في طريق العودة إلى البيت حتَّى تستعدَّ لذلك . وفي هذا إشعارٌ قويٌّ لها بأنَّه يثقُ فيها تمام الثّقة ، وأنَّه يحترمها تَمام الاحترام . هذا بالإضافة إلى أنَّه يضمن بهذا الفعل أن يجدها على أحسن حال وأجمل هيئة ، فيزداد حبّا لها .
فهل لَمَسْتِ سيّدتي الكريمة مدى عظمة الإسلام ؟!
قد تقولين الآن : وما العمل إذا أمَر الزَّوجُ زوجته بِمَعصية ، أو كان يؤذيها أو يؤذي أطفالها ؟
طبعًا ، لا تُطيعُه في هذا الأمر . بل تُذَكّره بالله ، وفي نفس الوقت تدعُو اللهَ أن يَهديه إلى الطّريق السّويّ . فإن تَمادَى في ظُلمه ، فيُمكِنُها أن تشكُوه إلى أحد أقاربه أو أصدقائه الثّقات .
وقد اشتكَتْ امرأةٌ زوجَها إلى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فسمع اللهُ حوارهُما وأنزل آيات قرآنيَّة ، ليس لِلتَّنديد بصنيعها ، وإنَّما للدّفاع عنها وعن حقوقها !
فقد روى الإمام أحمد في مُسنَده عن خَوْلة بنت ثعلبة رضي الله عنها ، قالتْ : واللهِ فِيَّ وفي أَوْس بن الصَّامت أنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ صَدْرَ سورة المجادلة . كنتُ عنده (أي كنتُ زوجةً لأوس) ، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خُلُقُه وضجر ، فدخلَ عَلَيَّ يومًا فراجعتُه بشيء (أي عارَضْتُه في أمر من الأمور) ، فغضب فقال : أنتِ عَلَيَّ كَظَهْر أُمّي (وهذا الأمرُ يُسَمَّى ظهارًا ، وكان يُوجِبُ الطَّلاقَ في شريعة العرب) .
قالتْ خَوْلة : ثمَّ خرج ، فجلسَ في نادي قَوْمه ساعة ، ثمَّ دخلَ عَلَيَّ ، فإذا هو يُريدني على نفسي (أي يرغبُ في الجِماع) . فقلتُ : كلاَّ ، والذي نفسُ خُوَيْلَة بِيَده لا تخلُص إلَيَّ وقد قُلْتَ ما قُلْت حتَّى يحكُمَ الله ورسولُه فينا بحُكْمه (وذلك أنَّها أصبحتْ كالمطلَّقة في شريعة العرب ، وبالتَّالي فهي تحرمُ على زوجها) .
قالتْ خَوْلة : فَواثَبَني ، وامتنعتُ منه ، فغلَبْتُه بِمَا تغلِبُ به المرأةُ الشَّيخَ الضَّعيف . فألقَيْتُه عنّي ، ثمَّ خرجتُ إلى بعض جاراتي ، فاستَعرْتُ منها ثيابَها ، ثمَّ خرجتُ حتَّى جئتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .

فجلستُ بين يَدَيْه فذكرتُ له ما لقيتُ منه (أي من زوجي) ، فجعلتُ أشكُو إليه صلَّى الله عليه وسلَّم ما ألْقَى من سُوء خُلُقه . فجعلَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول : يا خُوَيْلَة ، ابنُ عمّكِ شيخٌ كبيرٌ ، فاتَّقِي الله فيه !
فَوَاللهِ ما برحتُ حتَّى نزلَ فِيَّ القُرآن ، فتَغَشَّى رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كان يَتغشَّاه ثمَّ سُرّيَ عنه ، فقال لي : يا خُوَيْلَة ، قد أنزلَ اللهُ فيكِ وفي صاحبكِ (قرءانًا) ، ثمَّ قرأ علَيَّ : { قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ 1 الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ 2 وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 3 فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ الله وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ 4 } (58- المجادلة 1-4) .
قالتْ خَوْلة : فقال لي رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : مُريهِ ، فَلْيُعتِقْ رَقَبة . فقلتُ : واللهِ يا رسولَ الله ، ما عِنْدَه ما يُعتِقْ . قالَ : فَلْيَصُم شَهرين مُتتابعَيْن . فقلتُ : واللهِ يا رسولَ الله ، إنَّه شيخٌ كبيرٌ ما لَه مِن صِيام . قال : فَلْيُطعِمْ ستّين مسكينًا وسْقًا من تَمْر . قلتُ : واللهِ يا رسولَ الله ، ما ذاكَ عندَه . فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : فإنَّا سنُعينُه بعِرْقٍ من تَمر . فقلتُ : وأنا يا رسولَ الله ، سأعينُه بعِرْقٍ آخر . قال : قد أصَبْتِ وأحسنْتِ ، فاذهَبي فتَصَدَّقي عنه ، ثمَّ استَوْصِي بابن عَمّكِ خيرًا .
قالتْ خَوْلة : ففعلتُ . (مسند الإمام أحمد بن حنبل - الجزء 6 - ص 410 - رقم الحديث 27360) .

بالله عليكِ سيّدتي الفاضلة ، هل هذا دِينٌ يَحتقرُ المرأة ؟! يَحدثُ خِلافٌ كبير بين امرأة وزوجها ، فتستنجدُ المرأةُ بالنَّبيّ محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ، فيُنزلُ الله تعالى تشريعًا في هذه المسألة يُقرّر فيه أنَّ الزَّوجة لا تُطَلَّق في حالة الظّهار ، وإنَّما يجبُ على زوجها أن يُكفّر عن قوله بأن يُعتقَ رَقبَة ، فإن لَم يَجد ، يصومُ شَهرَيْن مُتتابعَيْن ، فإن لم يَستطع ، يُطعم سِتّين مسكينًا .
والغريب أنَّ المرأة بدأتْ حديثَها بالشَّكْوى من سوء خُلُق زوجها ، فنَصحها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالإحسان إليه ، فلَم تَقُم من مجلسها حتَّى أصبحتْ تُدافع عن هذا الزَّوج ! بل الأغرب من هذا ، تكفَّلَت بدفع بقيَّة الكفَّارة عنه ، بعد أن تكفَّل النَّبيُّ بدفع جزء منها !
وقد حدثتْ قصَّةٌ أخرى عجيبة مع خَوْلَة ، رواها القرطبي في تفسيره ، قال : مَرَّ بها عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه في خلافته والنَّاسُ معه ، وهو على حمار ، فاسْتَوْقفَتهُ طويلاً ووَعظتهُ وقالت : يا عُمَر ، قد كنتَ تُدْعَى عُمَيْرًا ، ثمَّ قِيل لك عُمَر ، ثمَّ قيل لك أمير المؤمنين ، فاتَّقِ الله يا عُمَر ، فإنَّه مَنْ أيقنَ بالموت خافَ الفَوْت ، ومَنْ أيقنَ بالحساب خافَ العذاب !
وهو واقفٌ يسمعُ كلامها ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، أتقفُ لهذه العجوز هذا الوقُوف ؟! فقال : واللهِ لَو حَبَسَتْني مِن أوَّل النَّهار إلى آخره ، لا زلتُ (أي واقفًا) ، إلاَّ (أن أذهبَ) للصَّلاة المكتوبة . أتدرونَ مَن هذه العجوز ؟ هي خَوْلة بنت ثعلبة ، سمع اللهُ قولَها من فَوق سبع سماوات . أيَسْمعُ ربُّ العالَمين قولَها ولا يسمعهُ عُمَر ؟!
هذه إذًا طريقة الإسلام في الحفاظ على بيت الزَّوجيَّة . فماذا قدَّمَت الأنظمة الأخرى ؟
لا شيء ، سِوَى أنَّها زَيَّنت للمرأة أنَّ قوَّتها تكمن في مدى قدرتها على أن يكون القرارُ دائمًا قرارها ، وأنَّها لا يجبُ أن تضعف أمام زوجها لأنَّها مساوية له ! فكانت النَّتيجة أن كَثُرت الخلافات الزَّوجيَّة واشتدَّتْ ، وامتلأت المحاكم بقضايا الطَّلاق ، وكان الخاسر الأكبر طبعًا هو .. الزَّوجة !

</B></I>
 
عودة
أعلى