الاسراء والمعراج تاريخه وحكم الاحتفال به

mohamadamin

حكيم المنتدى
الاسراء والمعراج تاريخه وحكم الاحتفال به



قال تعالى: (سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا حَوْلهُ لنُرِيَهُ مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في فتح الباري:

"وَقَدْ اُخْتُلفَ فِي وَقْت المِعْرَاج فَقِيل كَانَ قَبْل المَبْعَث, وَهُوَ شَاذّ إِلا إِنْ حُمِل عَلى أَنَّهُ وَقَعَ حِينَئِذٍ فِي المَنَام كَمَا تَقَدَّمَ, وَذَهَبَ الأَكْثَر إِلى أَنَّهُ كَانَ بَعْد المَبْعَث. ثُمَّ اِخْتَلفُوا فَقِيل قَبْل الهِجْرَة بِسَنَةٍ قَالهُ اِبْن سَعْد وَغَيْره وَبِهِ جَزَمَ النَّوَوِيّ, وَبَالغَ اِبْن حَزْم فَنَقَل الإِجْمَاع فِيهِ, وَهُوَ مَرْدُود فَإِنَّ فِي ذَلكَ اِخْتِلافًا كَثِيرًا يَزِيد عَلى عَشَرَة أَقْوَال, مِنْهَا مَا حَكَاهُ اِبْن الجَوْزِيّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلهَا بِثَمَانِيَةِ أَشْهُر, وَقِيل بِسِتَّةِ أَشْهُر وَحَكَى هَذَا الثَّانِي أَبُو الرَّبِيع بْن سَالم, وَحَكَى اِبْن حَزْم مُقْتَضَى الذِي قَبْله لأَنَّهُ قَال: كَانَ فِي رَجَب سَنَة اِثْنَتَيْ عَشْرَة مِنْ النُّبُوَّة, وَقِيل بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا جَزَمَ بِهِ إِبْرَاهِيم الحَرْبِيّ حَيْثُ قَال: كَانَ فِي رَبِيع الآخِر قَبْل الهِجْرَة بِسَنَةٍ, وَرَجَّحَهُ اِبْن المُنِير فِي شَرْح السِّيرَة لابْنِ عَبْد البَرّ, وَقِيل قَبْل الهِجْرَة بِسَنَةٍ وَشَهْرَيْنِ حَكَاهُ اِبْن عَبْد البَرّ وَقِيل قَبْلهَا بِسَنَةٍ وَثَلاثَة أَشْهُر حَكَاهُ اِبْن فَارِس, وَقِيل بِسَنَةٍ وَخَمْسَة أَشْهُر قَالهُ السُّدِّيّ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقه الطَّبَرِيُّ وَالبَيْهَقِيُّ, فَعَلى هَذَا كَانَ فِي شَوَّال, أَوْ فِي رَمَضَان عَلى إِلغَاء الكَسْرَيْنِ مِنْهُ وَمِنْ رَبِيع الأَوَّل وَبِهِ جَزَمَ الوَاقِدِيّ, وَعَلى ظَاهِره يَنْطَبِق مَا ذَكَرَهُ اِبْن قُتَيْبَة وَحَكَاهُ اِبْن عَبْد البَرّ أَنَّهُ كَانَ قَبْلهَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا, وَعِنْد اِبْن سَنَدٍ عَنْ اِبْن أَبِي سَبْرَة أَنَّهُ كَانَ فِي رَمَضَان قَبْل الهِجْرَة بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا, وَقِيل كَانَ فِي رَجَب حَكَاهُ اِبْن عَبْد البَرّ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة, وَقِيل قَبْل الهِجْرَة بِثَلاثِ سِنِينَ حَكَاهُ اِبْن الأَثِير, وَحَكَى عِيَاض وَتَبِعَهُ القُرْطُبِيّ وَالنَّوَوِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَبْل الهِجْرَة بِخَمْسِ سِنِينَ وَرَجَّحَهُ عِيَاض وَمَنْ تَبِعَهُ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لا خِلاف أَنَّ خَدِيجَة صَلتْ مَعَهُ بَعْد فَرْض الصَّلاة, وَلا خِلاف أَنَّهَا تُوُفِّيَتْ قَبْل الهِجْرَة إِمَّا بِثَلاثٍ أَوْ نَحْوهَا وَإِمَّا بِخَمْسٍ, وَلا خِلاف أَنَّ فَرْض الصَّلاة كَانَ ليْلة الإِسْرَاء. قُلت: فِي جَمِيع مَا نَفَاهُ مِنْ الخِلاف نَظَر, أَمَّا أَوَّلًا فَإِنَّ العَسْكَرِيّ حَكَى أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْل الهِجْرَة بِسَبْعِ سِنِينَ وَقِيل بِأَرْبَعٍ, وَعَنْ اِبْن الأَعْرَابِيّ أَنَّهَا مَاتَتْ عَام الهِجْرَة. وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّ فَرْض الصَّلاة اُخْتُلفَ فِيهِ فَقِيل كَانَ مِنْ أَوَّل البَعْثَة وَكَانَ رَكْعَتَيْنِ بِالغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالعَشِيِّ, وَإِنَّمَا الذِي فَرَضَ ليْلة الإِسْرَاء الصَّلوَات الخَمْس. وَأَمَّا ثَالثًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَة خَدِيجَة فِي الكَلام عَلى حَدِيث عَائِشَة فِي بَدْء الخَلق أَنَّ عَائِشَة جَزَمَتْ بِأَنَّ خَدِيجَة مَاتَتْ قَبْل أَنْ تُفْرَض الصَّلاة, فَالمُعْتَمَد أَنَّ مُرَاد مَنْ قَال بَعْد أَنْ فُرِضَتْ الصَّلاة مَا فُرِضَ قَبْل الصَّلوَات الخَمْس إِنْ ثَبَتَ ذَلكَ, وَمُرَاد عَائِشَة بِقَوْلهَا مَاتَتْ قَبْل أَنْ تُفْرَض الصَّلاة أَيْ الخَمْس, فَيُجْمَع بَيْن القَوْليْنِ بِذَلكَ, وَيَلزَم مِنْهُ أَنَّهَا مَاتَتْ قَبْل الإِسْرَاء. وَأَمَّا رَابِعًا فَفِي سَنَة مَوْت خَدِيجَة اِخْتِلاف آخَر, فَحَكَى العَسْكَرِيّ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهَا مَاتَتْ لسَبْعٍ مَضَيْنَ مِنْ البَعْثَة, وَظَاهِره أَنَّ ذَلكَ قَبْل الهِجْرَة بِسِتِّ سِنِينَ, فَرَّعَهُ العَسْكَرِيّ عَلى قَوْل مَنْ قَال إِنَّ المُدَّة بَيْن البَعْثَة وَالهِجْرَة كَانَتْ عَشْرًا" انتهى.

وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره الاختلاف في تحديد وقت الإسراء والمعراج وزاد أنه قد روي أن الإسراء كان بعد مبعثه بخمس سنين.

وذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/107) أن من العلماء من يرى أن الإسراء والمعراج وقع قبل الهجرة بستة عشر شهراً وكان ذلك في شهر ذي القعدة وذكر أن بعض الناس ادعى أن ذلك كان أول ليلة جعة من شهر رجب وقال إنه لا أصل له.

وقال العلامة أبو شامة المقدسي في كتابه "الباعث على إنكار البدع والحوادث": "وذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب".

وقال الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف (ص 233):

"وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في أول ليلة منه وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل في الخامس والعشرين ولا يصح شيء من ذلك وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان في سابع وعشرين من رجب, وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره وروي عن قيس بن عباد قال: في اليوم العاشر من رجب".

وعلى أي حال, ولو ثبت الإسراء والمعراج في وقت محدد فهل يجوز الاحتفال بهذه المناسبة واتخاذها عيداً من أعياد المسلمين تعطل فيه الأعمال وتقام فيه الاحتفالات؟ فقد أجاب عن هذا سماحة الإمام العلامة الشيخ أبي عبد الله عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى في رسالة له بعنوان:(حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج)؛ ننقلها بتمامها لعظيم فائدتها:

"الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه.

أما بعد: فلا ريب أن الإسراء والمعراج من آيات الله العظيمة الدالة على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى عظم منزلته عند الله عز وجل, كما أنها من الدلائل على قدرة الله الباهرة, وعلى علوه سبحانه على جميع خلقه, قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليْلًا مِنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلى المَسْجِدِ الأَقْصَى الذِي بَارَكْنَا} {حَوْلهُ لنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} سورة الإسراء الآية: 1.

وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عُرج به إلى السماوات, وفتحت له أبوابها حتى جاوز السماء السابعة, فكلمه ربه سبحانه بما أراد, وفرض عليه الصلوات الخمس.

وكان الله سبحانه فرضها أولا خمسين صلاة, فلم يزل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يراجعه ويسأله التخفيف حتى جعلها خمسا, فهي خمس في الفرض وخمسون في الأجر ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها, فلله الحمد والشكر على جميع نعمه.

وهذه الليلة التي حصل فيها الإسراء والمعراج لم يأت في الأحاديث الصحيحة تعيينها, وكل ما ورد في تعيينها فهو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم بالحديث, ولله الحكمة البالغة في إنساء الناس لها, ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات, فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها, ولم يخصوها بشيء, ولو كان الاحتفال بها أمرا مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ؛ إما بالقول, أو بالفعل, ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر, ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا, فقد نقلوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم كل شيء تحتاجه الأمة, ولم يفرطوا في شيء من الدين, بل هم السابقون إلى كل خير, فلو كان الاحتفال بهذه الليلة مشروعا لكانوا أسبق الناس إليه, والنبي صلى الله عليه وسلم هو أنصح الناس للناس, وقد بَلغ الرسالة غاية البلاغ وأدى الأمانة, فلو كان تعظيم هذه الليلة والاحتفال بها من دين الإسلام لم يغفله صلى الله عليه وسلم ولم يكتمه, فلما لم يقع شيء من ذلك علم أن الاحتفال بها وتعظيمها ليسا من الإسلام في شيء, وقد أكمل الله لهذه الأمة دينها وأتم عليها النعمة, وأنكر على من شَرَّع في الدين ما لم يأذن به الله.

قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة المائدة: {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَليْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} وقال عز وجل في سورة الشورى: {أَمْ لهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلوْلا كَلمَةُ الفَصْل لقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالمِينَ لهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ} وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة التحذير من البدع, والتصريح بأنها ضلالة ؛ تنبيها للأمة على عظم خطرها, وتنفيرا لهم من اقترافها, ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين, عن عائشة رضي الله عنها, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» وفي صحيح مسلم, عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم الجمعة: «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» وفي السنن, عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة, وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقلنا: يا رسول الله, كأنها موعظة مودع فأوصنا, فقال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» (رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم عن العرباض بن سارية) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

وقد ثبت عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن السلف الصالح بعدهم: التحذير من البدع, والترهيب منها ؛ وما ذاك إلا لأنها زيادة في الدين, وشرع لم يأذن به الله, وتشبه بأعداء الله من اليهود والنصارى في زيادتهم في دينهم وابتداعهم فيه ما لم يأذن به الله, ولأن لازمها التنقص للدين الإسلامي واتهامه بعدم الكمال, ومعلوم ما في هذا من الفساد العظيم والمنكر الشنيع والمصادمة لقول الله عز وجل: {اليَوْمَ أَكْمَلتُ لكُمْ دِينَكُمْ} (سورة المائدة الآية: 3) والمخالفة الصريحة لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المحذرة من البدع والمنفرة منها.

وأرجو أن يكون فيما ذكرناه من الأدلة كفاية ومقنع لطالب الحق في إنكار هذه البدعة - أعني: بدعة الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج - والتحذير منها, وأنها ليست من دين الإسلام في شيء.

ولما أوجب الله من النصح للمسلمين, وبيان ما شرع الله لهم من الدين, وتحريم كتمان العلم - رأيت تنبيه إخواني المسلمين على هذه البدعة التي قد فشت في كثير من الأمصار حتى ظنها بعض الناس من الدين.

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعا, ويمنحهم الفقه في الدين, ويوفقنا وإياهم للتمسك بالحق والثبات عليه وترك ما خالفه, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد, وآله وصحبه


منقول من موقع الجمعيةالعلمية السعوديةللسنة وعلومها
 
جزاكم الله خيرا
اختيار مناسب فى هذا الوقت
 
عودة
أعلى