mohamadamin
حكيم المنتدى
الشيعة ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم
إن المتأمل في نشأة الخلاف في الأمة الإسلامية ومراحله التي مر بها، يلحظ عن قرب أن الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم لم يورث فرقة، ولا جعله بعضهم سببًا في تضليل بعض ولا تفسيقه، فضلًا عن خروجه من الملة؛ لأنها مسائل لا تمس العقيدة من قريب ولا بعيد، إذ هي مسائل فرعية لم ترد فيها نصوص صريحة في كتاب الله، أما حينما كان يذكر لهم النص عن الرسول صلى الله عليه وسلم، تجدهم أسرع ما يكونون إلى الوئام والوفاق، وهكذا انقضى عصر الخليفتين، وصدر من خلافة ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث كانت الأمة بأسرها على عقيدة واحدة، وطريق واحد.
ثم جاء ـ بعد ذلك ـ قوم لم يستضيئوا بنور النبوة، ولم يشرفوا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغلوا ـ أحيانًا ـ اختلاف الصحابة في بعض المسائل، واتخذوا من هذا الخلاف سبيلًا إلى تفريق كلمة الأمة، مثل: ابن سبأ وأضرابه، الذي ـ أي ابن سبأ ـ جعل ينفث سمومه وآراءه الفاسدة في جسد الأمة، ومن هذه الآراء الفاسدة تفرعت آراء كثيرة لم تلبث أن أصبحت عقائد لفرق شتى عن غلاة الروافض، ثم ظهر الخوارج، والجهمية، والمعتزلة، وهكذا تفرقت الأمة، إلا أن هذه الفرق التي نشأت في أول الإسلام كالخوارج والمعتزلة قد اندثرت كفرق ولم يبق إلا بعض عقائدها، أما الشيعة وخاصة الإمامية فقد استمرت إلى اليوم، فقد دعموا مذاهبهم بكثرة المؤلفات التي تقوم على التأويل لكتاب الله عز وجل وتأويل ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وبوضع أحاديث مكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته.
من هنا يستشرفنا الأستاذ الدكتور (محمد محمد إبراهيم العسال) برسالته العلمية (الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم) التي حصل من خلالها على درجة الدكتوراة، والتي تعد دراسة وافية لهذه الفرقة، وبيانًا ومعرفة بموقفهم من تفسير القرآن الكريم، وقد أشار الدكتور ابتداءًا إلى الخطة العملية الدقيقة التي انتهجها في رسالتة والتي تتلخص في:
1- الاعتماد في بيان عقائد الطائفة على مراجعهم.
2- عدم إلزامهم بقول لم يجمعوا عليه أو يقول به أكثرهم.
3- عرض ما لديهم من عقائد على القرآن الكريم وصحيح السنة.
4- قبول الحق الذي لديهم ـ إن كان ـ.
وقد جاءت الرسالة في مقدمة وأربعة أبواب تعقبها كلمة الختام، كالتالي:
الباب الأول: الشيعة ونشأتهم وأهم عقائدهم:
وقد عقد الدكتور هذا الباب لعرض الجانب التاريخي لهذه الطائفة، فعرَّف الشيعة متحدثًا عن نشأتهم، والتي تبين لنا من خلال الحديث عنها أن أول ما ظهرت الشيعة كان ذلك في سنة 37هـ، وذلك حينما انقسم الناس إلى شيعة وخوارج بعد التحكيم في معركة صفين وثبت مع علي رضي الله عنه جماعة من أصحابه عرفوا بأنهم شيعته، وكان من بينهم أصحاب ابن سبأ، وهؤلاء هم (الطبقة الأولى من الشيعة)، وأما موقف علي رضي الله عنه منهم فتوضحه خطبه الكثيرة، وكان مما قال فيهم: (أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعيت لم تجب، إن أُمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، ... إلخ).
(أما الطبقة الثانية) فهم شيعة الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، أما (الطبقة الثالثة) فهم شيعة الإمام الحسين رضي الله عنه، وأما (الطبقة الرابعة) فهم الذين كانوا من أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقد أغراه الروافض بادعاء النبوة فادعاها، أما (الطبقة الخامسة) فهم الذين حملوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه على الخروج وتعهدوا بنصرته، ثم تولوا عنه لما أبى أن يقول في أبي بكر وعمر إلا خيرًا فتولوا عنه، فقال لهم: رفضتموني، ومن يومها سموا بالرافضة، أما (الطبقة السادسة) فهم الذين كانوا يدعون صحبة الأئمة والأخذ عنهم، وأغلب مرويات الشيعة عن الأئمة جاءت عن طريقهم، مع أن الأئمة كانوا يكفرونهم ويكذبونهم ويقصونهم عن مجالسهم.
ثم بين لنا الدكتور فرق الشيعة التي تفرقت بعد كل إمام، وهنا يتبين لنا أن فرق الشيعة كثيرة ومن العسير حصرها، غير أنه من الممكن تقسيمها إلى خمس فرق رئيسة ترجع إليها باقي الفرق، وهي: الكيسانية، الزيدية، الإسماعيلية، الغالية، الإمامية، وقد أضح لنا المؤلف هنا أهم عقائدهم مع إيراد جملة من المسائل الفقهية عندهم، كما أردف المؤلف ذلك ببيان الأشخاض الذين جعلوهم أئمة من أهل البيت.
ثم تحدث الدكتور محمد العسال عن أهم عقائد الشيعة من أصول وفروع، كما أزال لنا الغطاء عن مصادرهم وأهم كتب أخبارهم وتفاسيرهم.
الباب الثاني: موقف الشيعة من تفسير القرآن ونظرتهم إليه:
وفي هذا الباب كان الحديث عن بيان زعم الشيعة أن الأئمة هو وحدهم تراجمة القرآن الكريم، وقد أورد المؤلف هنا جملة من المفسرين في مقدمات تفاسيرهم تزعم أن عليًا رضي الله عنه وآل بيته وحدهم العارفون بما في القرآن الكريم.
وقد تبين لنا هنا أن المطلع على هذه الروايات التي نسبوها إلى أهل البيت يرى عجبًا، روايات تطفح بالغلو ودعوى إحاطة العلم بعلم الوجود كله منذ أوجده الله عز وجل إلى ما لا نهاية، وهذه دعوى لم تصح للأنبياء بل ولا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل لا أملك لنفسي نفعًا} [الأعراف: 188].
وقال تعالى: {عالم الغيب } [الجن: 26-28]، إلى غير ذلك من الآيات القطعية الدلالة التي تسد كل باب للدعاوى الكاذبة التي يزعم أصحابها أن أحدًا غير الرسل يشارك الرسل في علم الغيب، وإذا كانت هذه الآيات بهذه الدلالة لا تدل على أن الغيب من خصائص الخالق فليس هناك دلالة قطعية في كتاب الله عز وجل.
أما الغلو في دعوى علوم لم يعرفها البشر فاستمع إلى أحد النماذج التي أوردها المؤلف من تفاسير القوم، فقد نقل الدكتور العسال عن المفسر الكاشاني في تفسيره (الصافي) عن الصادق يرحمه الله أنه قال: "في الكافي عن الصادق: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي ... الخبر، وعن الباقر قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا، وإنما سموا أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم أن ذلك كائن كذلك، فأخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعًا وكرهًا، قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله: {لقد عهدنا إلى آدم} [طه: 115]".
ونقل عن البحراني في تفسيره (البرهان) أنه عزا إلى علي رضي الله عنه أنه تحدث عن تفسير (الباء) في (بسم الله الرحمن الرحيم) ليلة كاملة ثم قال: "لو زادنا الليل لزدنا" وهكذا على هذا النمط الذي أرادوا به إيهام الناس بأن الأئمة لديهم علوم فوق إدراك البشر.
وهنا نؤكد أنه لاشك في فضل علي رضي الله عنه، وما أوتيه من العلم لكنه بريء من هذه الدعاوى الباطنية، فإن الحديث عن الحروف لم يرد فيه حرف واحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، لا عن علي رضي الله عنه ولا عن غيره، وإنما هي نزعة باطنية أرادت إفقاد الثقة في كتاب الله عز وجل، الذي أكد سبحانه أنه أنزله بلفظ عربي مبين، أي: واضح الدلالة.
وقد أورد لنا الشيخ هنا نماذج من تلك التفاسير، التي تنحى بالقرآن إلى التفسير الباطني الذي يفسد معناه، ويحيله إلى ألغاز وطلاسم على خلاف حقيقته وما وصفه الله عز وجل به.
والمقصود بالتفسير الباطني عند الشيعة ـ بينه لنا المؤلف بأن الشيعة الاثنى عشرية يؤمنون بأن للقرآن ظهرًا وبطنًا، بل ويؤمنون أن لكل آية سبعة أبطن، ويجمعون على أن الإيمان بهذا الباطن واجب كالإيمان بالظاهر على حد سواء، وكما أن من كفر بالظاهر فقد خرج عن الإسلام فكذلك من كفر بالباطن، كما يؤمنون بأن الظاهر وارد في التوحيد والنبوة، أما الباطن فكله وارد في الولاية والإمامة ـ ولا غرو أن هذا التفسير الباطني عند الشيعة كان له بالغ الأثر في تلاعبهم بنصوص القرآن، كما رأينا.
وقد ختم فضيلة الدكتور هذا الباب بذكر نماذج مما اشتملت عليه كتب الاثنى عشرية من الروايات التي تزعم أن القرآن تعرض للتحريف والزيادة والنقصان، وأن القرآن الذي بين أيدينا اليوم ليس كما أنزله الله عز وجل، ولا يكاد يخلو من هذه الفرية كتاب من كتب تفاسيرهم إما تصريحًا وإما تلويحًا.
والله عز وجل يكذبهم فيقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له} [الحجر: 9]، فأي فرية أعظم من اتهام الله عز وجل بعدم الوفاء بوعده، نعوذ بالله من الزندقة الملبسة بثوب الدين.
الباب الثالث: عقائد الشيعة الاثنى عشرية، وأثرها في التفسير:
ثم يأتي هنا الباب الثالث الذي عقده فضيلة الدكتور، وأبان فيه عن تطويع هذه الطائفة القرآن الكريم لعقائدهم الضالة وفي مقدمتها: الإمامة، والطعن في خيار الأمة الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وامتدحهم وأثنى عليهم ووعدهم بجنات النعيم في عشرات الآيات، الذين قد نصروا هذا الدين بأموالهم وسيوفهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته.
فإن لم يكن هؤلاء الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ورووا دينه أولياء الله عز وجل، فمن هم إذًا أولياؤه؟!
هات طائفة غير هؤلاء حفظوا القرآن ورووا السنن وفتحوا الأرض!
وهنا يتبين لنا أن طعن الاثنى عشرية فيهم يترتب عليه مفاسد عظيمة من أهمها:
1- أن الله عز وجل لم ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوكله إلى فئة من البشر تظاهرت بالإسلام وهي تنوي به الشر، وأحاطت بالنبي صلى الله عليه وسلم من بداية بعثته إلى أن مات.
2- أن الله عز وجل قد علم منهم ذلك ولم يكشفهم لنبيه صلوات الله وسلامه عليه ـ وهذا فيه تغرير من الله عز وجل، وتعالى الله عن ذلك ـ به صلى الله عليه وسلم.
3-أن النبي صلى اللهعليه وسلم إن كان علم بذلك وأبقاهم حوله يخرج معهم ويدخل معهم ويغزو معهم ويصلي بهمالصلوات الخمس ويزوجهم من بناته ويتزوج من بناتهم ويستشيرهم ويثني عليهم، ويفعل ذلككله والناس يشاهدون ذلك منه فيعتقدون فضلهم وخيرهم، وهو يعلم أنهم على خلاف ذلكلاشك أن هذا طعن فيه صلى الله عليه وسلم.
وإن كان لا يعلم بهم فذلك كذلك طعن فيه صلى الله عليه وسلم.
4- ثم إن الدين الذي نقلوه من قرآن وسنة لا يوثق به؛ لأنهم إن لم يكونوا مؤمنين فكيف يوثق بهم؟
5-ثم إن الأرض التيفتحوها ليست دار إسلام، فإن جميع البلدان الإسلامية اليوم بما فيها البلدان التييقطنها الشيعة لم يفتحها إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أسلم علىأيديهم أو على الدين الذي رووه من كتاب وسنة.
إلى آخر ذلك من المفاسد التي ذكرها المؤلف؛ والمترتبة على اتهام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بتلك التهم البائسة التي اتهمتهم بها الشيعة الاثنا عشرية.
ثم عرج المؤلف على بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم من خلال القرآن الكريم وخصَّ الخلفاء الراشدين وطلحة والزبير وعائشة بذكر بعض فضائلهم؛ لأنهم قد تعرضوا للأذى أكثر من غيرهم.
ثم تحدث الدكتور عن بقية عقائد الشيعة الاثنى عشرية، وأورد نماذج من أثر عقائدهم على جملة من فروع الشريعة.
الباب الرابع: تفاسير الشيعة بين الغلو والاعتدال:
وهنا نأتي للباب الأخير الذي ختم به المؤلف تلك الرسالة الشيقة، وفيه تحدث عن تفاسير الشيعة، وقد قسم يرحمه الله كتب التفسير عند الاثنى عشرية إلى تفاسير الغلاة، وتفاسير المعتدلين.
وقد اعتبر كتب الغلو هي ما كان فيها تكفير الصحابة رضي الله عنهم، وتحريف القرآن، والتفسير الباطني، وذكر منها سبعة كتب، أولها: تفسير الحسن العسكري، ثم تفسير القمي، ثم تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ثم الصافي، ثم البرهان، إلى آخر ذلك من تفاسير تناولها المؤلف بالتفصيل، وكشف لنا عما كانت تحمله من غلو.
وفي تفاسير المعتدلين ذكر المؤلف يرحمه الله سبعة تفاسير، والاعتدال هنا يعتبر نسبيًا، وقد ذكر بعض هذه التفاسير في الباب الثاني: الفصل الثالث عندما تحدث عن فرية الشيعة في تحريف القرآن، فذكر منها كتابين ذكرهما هنا، وهما تفسير شبر، وتفسير مجمع البيان للطبرسي، وقال: لم يقع لي تفسير الطوسي.
وقد أضاف المؤلف ثمانية كتب أخرى قال أصحابها بالتحريف.
وفي الباب الثاني أيضًا نجد الدكتور جعل الفصل الأول لبيان كتب الغلاة القائلين بأن أئمتهم هو وحدهم تراجمة القرآن، وذكر هنا ثلاثة تفاسير، ثم تحدث في الفصل الثاني عن التفسير الباطني.
وهكذا نجد المؤلف يرحمه الله تحدث عن معظم كتب التفسير عند الاثنى عشرية من القرن الثالث إلى العصر الحديث، وتتبع ما في هذه الكتب تتبعًا دقيقًا عميقًا، بصبر وأناة، حيث استطاع إعطاء صورة واضحة جلية للقارئ عن كتب التفسير عند هذه الفرقة.
وفي الختام
نجد الدكتور محمد العسال، بعد هذا التأصيل وذلك البيان، الذي تناول من خلالهما الموضوع تناولًا كافيًا شافيًا، يطل علينا في الختام بباقة من النقاط الهامة كخلاصة ما جاء في البحث، وما توصل إليه من خلاله، تؤكد هذه النقاط في مجملها على أنه من طالع البحث تبين له خطأ الشيعة في أغلب ما ذهبوا إليه، وذلك من خلال عرض أدلتهم ومناقشتها على ضوء من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذا أخبار الأئمة من آل البيت برواية الشيعة عنهم، هذا فضلًا عن دلالة العقول، والوقائع التاريخية الثابتة.
ثم جاء ـ بعد ذلك ـ قوم لم يستضيئوا بنور النبوة، ولم يشرفوا برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فاستغلوا ـ أحيانًا ـ اختلاف الصحابة في بعض المسائل، واتخذوا من هذا الخلاف سبيلًا إلى تفريق كلمة الأمة، مثل: ابن سبأ وأضرابه، الذي ـ أي ابن سبأ ـ جعل ينفث سمومه وآراءه الفاسدة في جسد الأمة، ومن هذه الآراء الفاسدة تفرعت آراء كثيرة لم تلبث أن أصبحت عقائد لفرق شتى عن غلاة الروافض، ثم ظهر الخوارج، والجهمية، والمعتزلة، وهكذا تفرقت الأمة، إلا أن هذه الفرق التي نشأت في أول الإسلام كالخوارج والمعتزلة قد اندثرت كفرق ولم يبق إلا بعض عقائدها، أما الشيعة وخاصة الإمامية فقد استمرت إلى اليوم، فقد دعموا مذاهبهم بكثرة المؤلفات التي تقوم على التأويل لكتاب الله عز وجل وتأويل ما صح عن نبيه صلى الله عليه وسلم، وبوضع أحاديث مكذوبة على الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته.
من هنا يستشرفنا الأستاذ الدكتور (محمد محمد إبراهيم العسال) برسالته العلمية (الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ومنهجهم في تفسير القرآن الكريم) التي حصل من خلالها على درجة الدكتوراة، والتي تعد دراسة وافية لهذه الفرقة، وبيانًا ومعرفة بموقفهم من تفسير القرآن الكريم، وقد أشار الدكتور ابتداءًا إلى الخطة العملية الدقيقة التي انتهجها في رسالتة والتي تتلخص في:
1- الاعتماد في بيان عقائد الطائفة على مراجعهم.
2- عدم إلزامهم بقول لم يجمعوا عليه أو يقول به أكثرهم.
3- عرض ما لديهم من عقائد على القرآن الكريم وصحيح السنة.
4- قبول الحق الذي لديهم ـ إن كان ـ.
وقد جاءت الرسالة في مقدمة وأربعة أبواب تعقبها كلمة الختام، كالتالي:
الباب الأول: الشيعة ونشأتهم وأهم عقائدهم:
وقد عقد الدكتور هذا الباب لعرض الجانب التاريخي لهذه الطائفة، فعرَّف الشيعة متحدثًا عن نشأتهم، والتي تبين لنا من خلال الحديث عنها أن أول ما ظهرت الشيعة كان ذلك في سنة 37هـ، وذلك حينما انقسم الناس إلى شيعة وخوارج بعد التحكيم في معركة صفين وثبت مع علي رضي الله عنه جماعة من أصحابه عرفوا بأنهم شيعته، وكان من بينهم أصحاب ابن سبأ، وهؤلاء هم (الطبقة الأولى من الشيعة)، وأما موقف علي رضي الله عنه منهم فتوضحه خطبه الكثيرة، وكان مما قال فيهم: (أحمد الله على ما قضى من أمر، وقدر من فعل، وعلى ابتلائي بكم أيتها الفرقة التي إذا أمرت لم تطع، وإذا دعيت لم تجب، إن أُمهلتم خضتم، وإن حوربتم خرتم، وإن اجتمع الناس على إمام طعنتم، ... إلخ).
(أما الطبقة الثانية) فهم شيعة الإمام الحسن بن علي رضي الله عنه، أما (الطبقة الثالثة) فهم شيعة الإمام الحسين رضي الله عنه، وأما (الطبقة الرابعة) فهم الذين كانوا من أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقد أغراه الروافض بادعاء النبوة فادعاها، أما (الطبقة الخامسة) فهم الذين حملوا زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه على الخروج وتعهدوا بنصرته، ثم تولوا عنه لما أبى أن يقول في أبي بكر وعمر إلا خيرًا فتولوا عنه، فقال لهم: رفضتموني، ومن يومها سموا بالرافضة، أما (الطبقة السادسة) فهم الذين كانوا يدعون صحبة الأئمة والأخذ عنهم، وأغلب مرويات الشيعة عن الأئمة جاءت عن طريقهم، مع أن الأئمة كانوا يكفرونهم ويكذبونهم ويقصونهم عن مجالسهم.
ثم بين لنا الدكتور فرق الشيعة التي تفرقت بعد كل إمام، وهنا يتبين لنا أن فرق الشيعة كثيرة ومن العسير حصرها، غير أنه من الممكن تقسيمها إلى خمس فرق رئيسة ترجع إليها باقي الفرق، وهي: الكيسانية، الزيدية، الإسماعيلية، الغالية، الإمامية، وقد أضح لنا المؤلف هنا أهم عقائدهم مع إيراد جملة من المسائل الفقهية عندهم، كما أردف المؤلف ذلك ببيان الأشخاض الذين جعلوهم أئمة من أهل البيت.
ثم تحدث الدكتور محمد العسال عن أهم عقائد الشيعة من أصول وفروع، كما أزال لنا الغطاء عن مصادرهم وأهم كتب أخبارهم وتفاسيرهم.
الباب الثاني: موقف الشيعة من تفسير القرآن ونظرتهم إليه:
وفي هذا الباب كان الحديث عن بيان زعم الشيعة أن الأئمة هو وحدهم تراجمة القرآن الكريم، وقد أورد المؤلف هنا جملة من المفسرين في مقدمات تفاسيرهم تزعم أن عليًا رضي الله عنه وآل بيته وحدهم العارفون بما في القرآن الكريم.
وقد تبين لنا هنا أن المطلع على هذه الروايات التي نسبوها إلى أهل البيت يرى عجبًا، روايات تطفح بالغلو ودعوى إحاطة العلم بعلم الوجود كله منذ أوجده الله عز وجل إلى ما لا نهاية، وهذه دعوى لم تصح للأنبياء بل ولا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل لا أملك لنفسي نفعًا} [الأعراف: 188].
وقال تعالى: {عالم الغيب } [الجن: 26-28]، إلى غير ذلك من الآيات القطعية الدلالة التي تسد كل باب للدعاوى الكاذبة التي يزعم أصحابها أن أحدًا غير الرسل يشارك الرسل في علم الغيب، وإذا كانت هذه الآيات بهذه الدلالة لا تدل على أن الغيب من خصائص الخالق فليس هناك دلالة قطعية في كتاب الله عز وجل.
أما الغلو في دعوى علوم لم يعرفها البشر فاستمع إلى أحد النماذج التي أوردها المؤلف من تفاسير القوم، فقد نقل الدكتور العسال عن المفسر الكاشاني في تفسيره (الصافي) عن الصادق يرحمه الله أنه قال: "في الكافي عن الصادق: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل) كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي ... الخبر، وعن الباقر قال: عهد إليه في محمد والأئمة من بعده فترك ولم يكن له عزم فيهم أنهم هكذا، وإنما سموا أولي العزم لأنه عهد إليهم في محمد والأوصياء من بعده والمهدي وسيرته فأجمع عزمهم أن ذلك كائن كذلك، فأخذ الميثاق على أولي العزم أني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين، وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي، وأن المهدي أنتصر به لديني، وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي، وأعبد به طوعًا وكرهًا، قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا، ولم يجحد آدم ولم يقر، فثبت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به وهو قوله: {لقد عهدنا إلى آدم} [طه: 115]".
ونقل عن البحراني في تفسيره (البرهان) أنه عزا إلى علي رضي الله عنه أنه تحدث عن تفسير (الباء) في (بسم الله الرحمن الرحيم) ليلة كاملة ثم قال: "لو زادنا الليل لزدنا" وهكذا على هذا النمط الذي أرادوا به إيهام الناس بأن الأئمة لديهم علوم فوق إدراك البشر.
وهنا نؤكد أنه لاشك في فضل علي رضي الله عنه، وما أوتيه من العلم لكنه بريء من هذه الدعاوى الباطنية، فإن الحديث عن الحروف لم يرد فيه حرف واحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، لا عن علي رضي الله عنه ولا عن غيره، وإنما هي نزعة باطنية أرادت إفقاد الثقة في كتاب الله عز وجل، الذي أكد سبحانه أنه أنزله بلفظ عربي مبين، أي: واضح الدلالة.
وقد أورد لنا الشيخ هنا نماذج من تلك التفاسير، التي تنحى بالقرآن إلى التفسير الباطني الذي يفسد معناه، ويحيله إلى ألغاز وطلاسم على خلاف حقيقته وما وصفه الله عز وجل به.
والمقصود بالتفسير الباطني عند الشيعة ـ بينه لنا المؤلف بأن الشيعة الاثنى عشرية يؤمنون بأن للقرآن ظهرًا وبطنًا، بل ويؤمنون أن لكل آية سبعة أبطن، ويجمعون على أن الإيمان بهذا الباطن واجب كالإيمان بالظاهر على حد سواء، وكما أن من كفر بالظاهر فقد خرج عن الإسلام فكذلك من كفر بالباطن، كما يؤمنون بأن الظاهر وارد في التوحيد والنبوة، أما الباطن فكله وارد في الولاية والإمامة ـ ولا غرو أن هذا التفسير الباطني عند الشيعة كان له بالغ الأثر في تلاعبهم بنصوص القرآن، كما رأينا.
وقد ختم فضيلة الدكتور هذا الباب بذكر نماذج مما اشتملت عليه كتب الاثنى عشرية من الروايات التي تزعم أن القرآن تعرض للتحريف والزيادة والنقصان، وأن القرآن الذي بين أيدينا اليوم ليس كما أنزله الله عز وجل، ولا يكاد يخلو من هذه الفرية كتاب من كتب تفاسيرهم إما تصريحًا وإما تلويحًا.
والله عز وجل يكذبهم فيقول: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له} [الحجر: 9]، فأي فرية أعظم من اتهام الله عز وجل بعدم الوفاء بوعده، نعوذ بالله من الزندقة الملبسة بثوب الدين.
الباب الثالث: عقائد الشيعة الاثنى عشرية، وأثرها في التفسير:
ثم يأتي هنا الباب الثالث الذي عقده فضيلة الدكتور، وأبان فيه عن تطويع هذه الطائفة القرآن الكريم لعقائدهم الضالة وفي مقدمتها: الإمامة، والطعن في خيار الأمة الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وامتدحهم وأثنى عليهم ووعدهم بجنات النعيم في عشرات الآيات، الذين قد نصروا هذا الدين بأموالهم وسيوفهم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته.
فإن لم يكن هؤلاء الذين نصروا النبي صلى الله عليه وسلم، ورووا دينه أولياء الله عز وجل، فمن هم إذًا أولياؤه؟!
هات طائفة غير هؤلاء حفظوا القرآن ورووا السنن وفتحوا الأرض!
وهنا يتبين لنا أن طعن الاثنى عشرية فيهم يترتب عليه مفاسد عظيمة من أهمها:
1- أن الله عز وجل لم ينصر نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوكله إلى فئة من البشر تظاهرت بالإسلام وهي تنوي به الشر، وأحاطت بالنبي صلى الله عليه وسلم من بداية بعثته إلى أن مات.
2- أن الله عز وجل قد علم منهم ذلك ولم يكشفهم لنبيه صلوات الله وسلامه عليه ـ وهذا فيه تغرير من الله عز وجل، وتعالى الله عن ذلك ـ به صلى الله عليه وسلم.
3-أن النبي صلى اللهعليه وسلم إن كان علم بذلك وأبقاهم حوله يخرج معهم ويدخل معهم ويغزو معهم ويصلي بهمالصلوات الخمس ويزوجهم من بناته ويتزوج من بناتهم ويستشيرهم ويثني عليهم، ويفعل ذلككله والناس يشاهدون ذلك منه فيعتقدون فضلهم وخيرهم، وهو يعلم أنهم على خلاف ذلكلاشك أن هذا طعن فيه صلى الله عليه وسلم.
وإن كان لا يعلم بهم فذلك كذلك طعن فيه صلى الله عليه وسلم.
4- ثم إن الدين الذي نقلوه من قرآن وسنة لا يوثق به؛ لأنهم إن لم يكونوا مؤمنين فكيف يوثق بهم؟
5-ثم إن الأرض التيفتحوها ليست دار إسلام، فإن جميع البلدان الإسلامية اليوم بما فيها البلدان التييقطنها الشيعة لم يفتحها إلا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أسلم علىأيديهم أو على الدين الذي رووه من كتاب وسنة.
إلى آخر ذلك من المفاسد التي ذكرها المؤلف؛ والمترتبة على اتهام الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بتلك التهم البائسة التي اتهمتهم بها الشيعة الاثنا عشرية.
ثم عرج المؤلف على بيان فضل الصحابة رضي الله عنهم من خلال القرآن الكريم وخصَّ الخلفاء الراشدين وطلحة والزبير وعائشة بذكر بعض فضائلهم؛ لأنهم قد تعرضوا للأذى أكثر من غيرهم.
ثم تحدث الدكتور عن بقية عقائد الشيعة الاثنى عشرية، وأورد نماذج من أثر عقائدهم على جملة من فروع الشريعة.
الباب الرابع: تفاسير الشيعة بين الغلو والاعتدال:
وهنا نأتي للباب الأخير الذي ختم به المؤلف تلك الرسالة الشيقة، وفيه تحدث عن تفاسير الشيعة، وقد قسم يرحمه الله كتب التفسير عند الاثنى عشرية إلى تفاسير الغلاة، وتفاسير المعتدلين.
وقد اعتبر كتب الغلو هي ما كان فيها تكفير الصحابة رضي الله عنهم، وتحريف القرآن، والتفسير الباطني، وذكر منها سبعة كتب، أولها: تفسير الحسن العسكري، ثم تفسير القمي، ثم تفسير مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار، ثم الصافي، ثم البرهان، إلى آخر ذلك من تفاسير تناولها المؤلف بالتفصيل، وكشف لنا عما كانت تحمله من غلو.
وفي تفاسير المعتدلين ذكر المؤلف يرحمه الله سبعة تفاسير، والاعتدال هنا يعتبر نسبيًا، وقد ذكر بعض هذه التفاسير في الباب الثاني: الفصل الثالث عندما تحدث عن فرية الشيعة في تحريف القرآن، فذكر منها كتابين ذكرهما هنا، وهما تفسير شبر، وتفسير مجمع البيان للطبرسي، وقال: لم يقع لي تفسير الطوسي.
وقد أضاف المؤلف ثمانية كتب أخرى قال أصحابها بالتحريف.
وفي الباب الثاني أيضًا نجد الدكتور جعل الفصل الأول لبيان كتب الغلاة القائلين بأن أئمتهم هو وحدهم تراجمة القرآن، وذكر هنا ثلاثة تفاسير، ثم تحدث في الفصل الثاني عن التفسير الباطني.
وهكذا نجد المؤلف يرحمه الله تحدث عن معظم كتب التفسير عند الاثنى عشرية من القرن الثالث إلى العصر الحديث، وتتبع ما في هذه الكتب تتبعًا دقيقًا عميقًا، بصبر وأناة، حيث استطاع إعطاء صورة واضحة جلية للقارئ عن كتب التفسير عند هذه الفرقة.
وفي الختام
نجد الدكتور محمد العسال، بعد هذا التأصيل وذلك البيان، الذي تناول من خلالهما الموضوع تناولًا كافيًا شافيًا، يطل علينا في الختام بباقة من النقاط الهامة كخلاصة ما جاء في البحث، وما توصل إليه من خلاله، تؤكد هذه النقاط في مجملها على أنه من طالع البحث تبين له خطأ الشيعة في أغلب ما ذهبوا إليه، وذلك من خلال عرض أدلتهم ومناقشتها على ضوء من كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذا أخبار الأئمة من آل البيت برواية الشيعة عنهم، هذا فضلًا عن دلالة العقول، والوقائع التاريخية الثابتة.