محاربة البدع في رسائل المرابطين

قضية محاربة البدع في رسائل المـــرابطين


إحراق كتاب "إحياء علوم الدين " للغزالي نموذجا


إعداد :د. محمد بن العياشي



تعد البدع على رأس القضايا التي تجند المرابطون للجهاد ضدها([1])، رافضين أي تحريف في الدين أو تبديل فيه، حيث تصدوا لها بقوة من خلال الأمر بمعاقبة أصحابها، والقضاء على معالمها؛ وذلك حفاظا على وحدة الأمة وسلامة دينها ومذهبها الرسمي.
وقبل الخوض في رسائل الموضوع، يجدر بنا أن نستهل هذا المقال بتسليط الضوء على مفهوم كلمة "بدعة"؛ وذلك لمعرفة المناخ الثقافي والديني، الذي كان يحيط بنتاج هذه النصوص. وأشير بدءا إلى تعدد تعاريف الكلمة المتأثرة بحسب اختلاف الفقهاء ومذاهبهم، وإن كان الجمهور الأكبر منهم يجمعون على أن البدعة هي "كل أمر محدث عقيدة كان أم عادة من سلوك الفرد اليومي، ولم يجد له سندا بل أصلا من القرآن أو السنة أو الإجماع"([2]). ومعنى هذا أن كل ما فقد أساسه من هذه الأصول؛ عقيدة كان أم عادة، فهو يمثل بدعة. وعرف الخلال البدعة بقوله : "البدعة شرعا، إحداث أمر في الدين، يشبه أن يكون منه وليس منه، سواء كان بالصورة أو بالحقيقة. ومن خصائصها أنها لا توجد إلا مقرونة بمحرم صريح، أو ماثلة إليها، وأنها لا توجد غالبا إلا في الأمور المستغربة غير المألوفة في الدين"([3]).
ويبدو من النص أن الخلال لا يرى مجالا محددا للبدعة؛ فهي تشمل عنده كل ما أحدث في الدين من بدع سواء في العبادات أو المعاملات. ولم يفرق الطرطوشي بدوره –وهو فقيه مالكي- بين الحوادث والبدع مستلهما في ذلك عددا من أحاديث النبي التي تدور في هذا المعنى وعلى رأسها قوله صلى الله عليه وسلم "إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"([4]) .إلا أننا وجدنا فريقا من الفقهاء يميز بين ميادين البدعة، ويحصرها في العبادات دون العادات، وفريقا آخر من الفقهاء يميز بين البدع والحوادث، ويرى الصنف الأول (أي البدع) مذموما([5])، والصنف الثاني غير مذموم كما فعل الإمام الشافعي الذي قبل البدع التي لا تخالف الأصول باعتبارها محمودة([6]).
وعموما، يظهر مما سبق أن المقصود بالبدعة، تلك الأفعال المخالفة للشرع([7])، وهو أمر مرفوض دينيا، ولذلك كان أمراء المسلمين يبادرون إلى تنبيه أتباعهم على ضرورة الالتزام بأحكام الشريعة، والحفاظ على سلامة الأداء الديني، واجتناب أي تحريف أو تبديل، قد يخل بأصول العقيدة الإسلامية. ومن هذا المنطلق، فقد تصدى المرابطون لكل الأفعال التي تسيء إلى الدين. ويتضح ذلك جليا من مواقفهم التي تعكسها رسائلهم، ومنها الرسالة التي بعث بها أمير المسلمين علي بن يوسف إلى القائد أبي محمد بن فاطمة، حيث أمره فيها بعزل كل عامل عن عمله، ومعاقبته في بدنه، إذا ما ثبت عليه أي تحريف في الرسوم الدينية، ومما ورد فيها قوله: "ومن تثبت عليه من عما لك زيادة، أو خرق في أمر عادة، أو غير رسما، أو بدل حكما، أو أخذ لنفسه درهما ظلما، فاعزله من عمله، وعاقبه في بدنه"([8]).
يتضح من الرسالة موقف المرابطين الداعي إلى تقيد العمال –في شؤون تدبير حكمهم- بأصول العقيدة الصحيحة التي جاهدت الدعوة المرابطية من أجل تثبيتها في البلاد، وعدم السماح بأي تحريف لرسومها أو انتفاع منها، ومعاقبة المخالفين لأوامرها. ويأتي الإلحاح على العقاب بسبب تعدد شكايات الرعية من بعض حكامها الذين كانوا يتحايلون على أخذ أموال الناس تحت ذرائع واجتهادات مختلفة ؛ ومن ذلك مثلا أخذهم لأموال الزكاة، دون التقيد بأحكام الشريعة بحجة تباين أنواعها. ولعل هذا ما تشير إليه رسالة علي بن يوسف التي يلح فيها على رفض أي تصرف في مثل هذه الأمور التعبدية([9])، حيث يقول : "وأمر الزكوات على تباينها في الصفة، وأنواعها المختلفة، تجري على موجب فريضتها، وتوقف على حد شريعتها، لا تحرف ولا تبدل، ولا تصرف عن جهتها ولا تعدل"([10]).
يطرح النص قضية شائكة؛ تتمثل في الخلط الذي كان يقع فيه العمال المرابطون بين الموارد الشرعية والموارد غير الشرعية، في مسألة تحصيل الزكوات([11]) وجباية الضرائب، حيث كان عدد من المكلفين بها يحرفون أمر الزكاة المستقطعة من دخل المسلمين، أو يبالغون في الجزية، أو ضريبة الأرض المفروضة على المسيحيين واليهود المقيمين على أرض إسلامية. ولعل في هذا المثال ما يمكن تعميمه على سائر العبادات والمعاملات التي وقف المرابطون ضد أي خرق في أمرها وثوابتها؛ لأن من شان الاجتهاد فيها أن يؤدي إلى تحريفها وارتكاب عدد من المظالم في حق الرعية والشريعة نفسها.
هذا، وإذا كان موقف الأمراء المرابطين من هذه القضية واضحا تماما كما تؤكده رسائلهم، فإنه لا يبدو كذلك عند خصوم المرابطين (من الموحدين والمستشرقين) الذين حاولوا التشكيك في صلابة هذا الموقف من خلال التمثل ببعض الوقائع (دون ربطها بأسباب نزولها) كبعض الإجراءات التي اضطر العمال المرابطون إلى اتخاذها في ظروف صعبة ينضب معها بيت المال ؛ كالظروف الطبيعية أو الحربية (الجهاد)، حيث لم يجدوا بدا من اللجوء إلى سن بعض الضرائب الإضافية([12]) لتغطية العجز المذكور. ولعل هذا الأمر –في رأيي- هو من باب الضرورات التي تبيح المحظورات (إذا ما اتخذ في ظروف استثنائية)؛ ولكنه لا يعني في كل الأحوال تساهلا من المرابطين في أمور الدين أو تليينا للمواقف كما حاول أن يوهمنا بذلك جورج مارسي([13]).

- قضية التوحيد المذهبي للمغرب:
تعد قضية التوحيد المذهبي للمغرب([14]) من أكبر القضايا الفكرية والفقهية العامة التي سال حولها حبر كثير، ودم غزير، حيث تعددت المذاهب، واشتد الصراع، وتكسرت النصال على النصال. وقد تمكن المذهب المالكي –بعد صراع مرير- من السيطرة على باقي المذاهب الأخرى التي كانت منتشرة بالمغرب، وفي مقدمتها "المذهب الكوفي الذي كانت له الصولة في المغرب، والمذهب الخارجي الذي كانت تعتنقه إمارة "بني مدرار" في سجلماسة، والمذهب البورغواطي "الذي كان قد باض وفرخ في تامسنا"([15]). والمذهب الاعتزالي والشيعي الذي يقال "إن قرنه طلع مع نشوء الدولة الإدريسية"([16]).
ومهما يكن من أمر، فقد توطد أمر المذهب المالكي في عصر المرابطين-بخاصة- فقها واعتقادا "لأن التلازم بين طريقته في الفقه والاعتقاد هي اتباع السنة ونبذ الرأي والتأويل مما لا يخفى"([17]).

- الموقف المرابطي من الجدل المذهبي:

لقد شايع المغاربة –كما قلنا- مذهب مالك فقها وسلوكا وعقيدة، إلى أن تجدد الجدل العقدي بينهم، وبخاصة في أواخر العهد المرابطي، حيث اشتد الخلاف بينهم إلى حد التناحر والقتال وتكفير طرف طرفا آخر. وقد انحصر الجدل –بصفة عامة- في رؤيتين لأمور العقيدة، رؤية سلفية تنهل من المذهب المالكي وموقف السلف الصالح، ورؤية أشعرية تستلهم المذهب الأشعري. وقد مثل المرابطون وجهة النظر السلفية، بينما مال الموحدون إلى وجهة النظر الأشعـرية، وقـد ابتـدأت شـرارة هـذا الصراع([18]) بدخول كتاب "إحياء علوم الدين" إلى المغرب الذي تضمن آراء أشعرية ومؤاخذات فقهية اعتبرت في حينها تجذيفا في حق الدولة المرابطية. وقد واكبت الرسائل المرابطية هذا الصراع المذهبي والعقدي في المغرب، وعكست حرص المرابطين الشديد على وحدة المذهب المالكي. ومن ذلك مثلا رسالة تاشفين إلى واليه على بلنسية أبي زكريا يحيى بن غانية، يحثه فيها على ضرورة التمسك بمذهب الإمام مالك([19])، والتصدي لما سواه. ومما ورد فيها قوله:
"واعلموا رحمكم الله أن مدار الفتيا ومجرى الأحكام والشورى في الحضر والبدا، على ما اتفق عليه السلف الصالح، رحمهم الله، من الاقتصار على مذهب إمام دار الهجرة أبي عبد الله مالك بن أنس رضي الله عنه، فلا عدول لقاض، ولا مفت، عن مذهبه، ولا يأخذ في تحليل ولا تحريم إلا به، ومن حاد عن رأيه بفتواه، ومال من الأئمة إلى سواه، فقد ركب رأسه واتبع هواه"([20]).
يكتسي الأمر الوارد في هذا النص، والذي يقوم على ضرورة الالتزام بالإفتاء([21]) وفق المذهب المالكي خلفية تاريخية ترتبط بذلك الصراع الضاري الذي شهده القرن الخامس الهجري بين عدد من المذاهب([22])وفي مقدمتها المذهب السني، والمذهب الشيعي. ويأتي النص في سياق نصرة المرابطين للمذهب المالكي (وهو مذهب سني) ومحاصرة التيار الشيعي، ومحاربة الفوضى المذهبية والفكرية (الأشعرية مثلا) التي تسببت فيها بعض الحركات الفكرية في الأندلس؛ كحركة ابن مسرة، وابن برجان، وابن قسي([23]). ولعل هذا ما يساعدنا على فهم أمر تاشفين بن علي الموجه إلى قضاته، والذي يقضي بضرورة الالتزام بما اتفق عليه السلف الصالح؛ وهو الاقتصار على مذهب الإمام مالك، واتخاذه دليل العمل الوحيد في أحكامهم، وفتاويهم، وتهديد عدم الملتزمين به بالعقاب؛ باعتبارهم خارجين عن الإجماع، الذي اتفق عليه السلف الصالح، والذي سالت دماء المرابطين من أجل جمع كلمة المغاربة عليه. ولعل السؤال الوجيه هنا هو لماذا هذا الإصرار على مذهب الإمام مالك دون غيره من الأئمة؟.
إن الإجابة عن السؤال تقتضي تسليط الضوء على ظروف ميل المغاربة إلى هذا المذهب دون سواه([24]). فبغض النظر عن الأسباب السياسية السابقة الذكر، التي تجسدت من خلال ما رأيناه من صراع مذهبي في القرن الخامس الهجري. هناك أسباب أخرى؛ بعضها يعود إلى المغاربة أنفسهم، وبعضها يعزى إلى المميزات الفقهية والعلمية للمذهب المالكي. فمن الأسباب الأولى ما ذكر ابن خلدون في تعليله لميل أهل المغرب إلى مذهب مالك حين ذهب إلى أن عددا من المغاربة والأندلسيين كانوا كثيري الترحال إلى المدينة التي كان مالك وتلامذته يدرسون بها مذهب مدرسة الحجاز، وبما أن العراق لم تكن في طريقهم، فإنهم لم يتعرفوا على مذهب الإمام أبي حنيفة.
ومنها أيضا التقاء بداوة أهل المغرب ببداوة أهل الحجاز ، حيث مال الطبع للطبع، خلافا للطبع الحضري لأهل العراق.
فأما من حيث خصائص المذهب العلمية والفقهية، فإن مذهب مالك اعتمد في التشريع الإسلامي أساسا على السنة والحديث بعد القرآن – طبعا -، خلافا لمدرسة أبي حنيفة (ت 145 هـ ) التي كانت تميل إلى الـرأي، والمعـالجـة العقـلـيـة للأصــول([25])، كمـا اعتـمـد أيضا على عمل أهـل المـدينـة([26]) (مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ) الذي اعتبره مالك أصلا من الأصول مقدما على القياس .
ونظرا لمكانة هذا المذهب، وتقديرا لتضحيات المرابطين، وحفاظا على وحدة البلاد، فقد كان من الطبعي أن يتصدى الأمراء المرابطون لكل المواقف والأحكام المخالفة لهذا الاعتقاد الذي تقوم عليه سياسة الدولة وتقاليدها، وأن يعتبروها بدعا يجب محاربتها، والتخلص منها، كما هو الشان بالنسبة لكتب الغزالي، التي اعتبرت مثالا للانحراف عن الاتجاه الرسمي للدولة، وهو ما سنتعرض له في سياق القضية التالية.

- إحراق كتاب إحياء علوم الدين:

تعد قضية إحراق كتاب الإحياء([27]) من أبرز المظاهر التي تجسد الوقف الصارم للمرابطين من البدع حفاظا على وحدة المذهب المالكي. وقد بدأت هذه القضية كما هو معلوم –منذ عهد علي بن يوسف- وامتدت في الزمن إلى عهد ابنه تاشفين، وتجاوز صداها البلاد المرابطية ليمتد عبر المغارب نحو بلاد المشرق في مطلع القرن السادس الهجري.
ونجد في رسائل المرابطين ما يؤكد دعوتهم إلى إحراق كتب البدعة، واستئصال شأفتها، ومنها كتب أبي حامد الغزالي التي وردت الإشارة إليها بالاسم في إحدى رسائل تاشفين، ومما جاء فيها قوله مخاطبا أحد ولاته :
"... ومتى عثرتم على كتاب بدعة، أو صاحب بدعة وخاصة –وفقكم الله- كتب أبي حامد الغزالي، فليتبع أثرها، وليقطع بالحرق المتتابع خبرها، ويبحث عليها، وتغلظ الأيمان على من يتهم بكتمانها"([28])
يكشف النص أمرين أساسيين؛ الأول صحة الدعوة المرابطية إلى إحراق كتب الغزالي، والأمر الثاني هو تداول هذه الكتب بين الناس([29])، ونستشف هذا من إشارة النص الخفية إلى إمكانية احتفاظ بعضهم بها، وكتمان سرها. غير أن السؤال المطروح هنا، والذي يساعدنا على فهم النص هو لماذا اعتبر المرابطون كتب أبي حامد الغزالي بدعا؛ وهو الفقيه العالم الذي استخدم نفوذه الروحي في بغداد، ليفتي بحق يوسف بن تاشفين في أن يحل محل ملوك الطوائف بالأندلس؟.
يقتضي الجواب عن السؤال التعريف ببعض مضامين الكتاب التي كانت موضوع تجريح الفقهاء المرابطين، مع رصد لأهم مؤاخذاتهم عليه، والتي كانت وراء الدعوة إلى إحراقه.
وهكذا فإن المتأمل في مباحث الكتاب بأجزائه الخمس يلاحظ أنها لا تخرج عن إطار التعريف بالأحكام والعلوم الدينية، ولو أنها اكتست طابعا فلسفيا وصوفيا، غير أن مربط الفرس هنا هو ما تضمنه الكتاب من مؤاخذات الغزالي للفقهاء بعامة، والتي كانت السبب الرئيس في اشتدادهم في مواجهته. ويمكن إجمال هذه المؤاخذات في العناصر الآتية:
-استخدام الفقهاء الجدل العقيم، والتباهي به في النوادر و الغرائب.
-اتخاذ الفقه والعلم مطية لنيل حطام الدنيا: يحمل الغزالي على الفقهاء، ويسميهم "فقهاء الدنيا" و"علماء السوء"؛ لأنهم في اعتقاده يتخذون من علمهم وفقههم وسيلة للتوصل إلى طلب الولاية والقضاء، وتحقيق مصلحة دنيوية، والتقرب بهما إلى أهل السلطة.
-ارتباط الفقهاء بالسلاطين وموالاتهم لهم: ينتقد الغزالي تبعية الفقيه للسلطان، ويرى أن الفقيه يجب أن يكون معلما للسلطان ومرشده، أي أن يكون متبوعا لا تابعا. ونجد في كتاب الإحياء عددا من الإشارات إلى ذلك كقوله: "إن الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك"([30])، وقوله: "فالدين أصل والسلطان حارس"([31])، وإلحاحه على أن الفقيه هو "معلم السلطان ومرشده إلى سياسة الخلق"([32])، وتعريفه للفقهاء والعلماء بأنهم المعرضون عن الحكام وليس الفئة الطالبة لهم من أولئك "الذين أكبوا على علم الفتاوى، وعرضوا أنفسهم على الولاة... وطلبوا الولايات والصلات منهم"([33]) فهؤلاء مسؤولون في رأيه عن فساد الرعية لأنه "إنما فسدت الرعية بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء"([34]).
– اعتبار مرتبة الفقيه أقل من مرتبة المتصوف: يرى الغزالي أن علم الفقيه لا يبلغ مرتبة علم المتصوف من حيث التجرد وإدراك الحقيقة وذلك لسببين:
الأول أن الغاية الأخروية مختلطة بالغاية الدنيوية للفقه، والسبب الثاني ارتباطه النفعي بالسلطان، ومعنى هذا أن الفقيه يتاجر بعمله، وينشغل بعلم الظاهر عن علم الباطن (التصوف والزهد في الدنيا).
هذه مجمل الانتقادات التي وجهها الغزالي إلى الفقهاء بعامة وليس فقهاء المغرب، ومع ذلك فقد أحس الفقهاء المرابطون بأن هذا النقد موجه إليهم نظرا للعلاقة الوطيدة التي كانت بينهم وبين أمرائهم؛ ولهذا حملوا على الكتاب، وحرضوا أمير المسلمين علي بن يوسف على اتخاذ قرار بتحريم كتب الغزالي في المغرب والأندلس على أنها كفر وضلال. ولعل هذا ما أشار إليه المراكشي بقوله:
"ولما دخلت كتب أبي حامد الغزالي –رحمه الله- المغرب، أمر أمير المسلمين بإحراقها، وتقدم بالوعيد الشديد، من سفك الدم، واستئصال المال، إلى من وجد عنده شيء منها، واشتد الأمر في ذلك"([35]). ولعل السؤال الذي يوحي به النص بالنسبة للدارس هو ما الأسباب التي بنى عليها أمير المسلمين أمره بإحراق([36]) كتب أبي حامد الغزالي؟. إن الإجابة عن ذلك تقتضي منا إضاءة مؤاخذات الفقهاء للغزالي، وردودهم على كتابه "الإحياء". ويمكننا إجمالها في العناصر الآتية:
-تشويش "الإحياء" على وحدة المذهب المالكي.
-عمل الغزالي على فلسفة نبوة الرسول (صلى الله عليه وسلم).
-مجافاته لظاهر الشريعة والعقيدة.
-تضمنه أحاديث موضوعة (الكذب على رسول الله).
-حشو الكتاب بآراء المتكلمين ومذاهب الصوفية.
-المبالغة في الروحانية، مما يفقد الكتاب التوازن بين المادة والروح.
-المغالاة في الباطنية والتأويل غير الشرعي.
هذه مجمل النقط التي تحرك في ضوئها رجال الدين والفقه لمعارضة الغزالي. ولكن لا ينبغي أن يفهم من هذا أن كل الفقهاء كانوا مع الموقف الداعي إلى إحراق الكتاب، بل ظهرت بخصوص هذه القضية ثلاثة اتجاهات مختلفة؛ اتجاه رسمي مؤيد للإحراق؛ ويمثله عدد من فقهاء الأندلس والمغرب، وفي مقدمتهم القاضي الأندلسي "ابن حمدين"([37]) (ت 508هـ) الذي تزعم الطعن على الغزالي، والفتوى بإحراق كتابه، واتجاه معارض للإحراق([38])، ويمثله بعض الأندلسيين([39]) كالبرجـي(ت : 509هـ) وبعض المغاربة([40]) كابن النحوي (ت 513هـ)، وأبي محمد عبد الله الـرجراجـي (ت قبل 540 هـ). واتجاه انتقائي، ينتقد مواضع محددة من "الإحياء". على أن الاتجاه إلى إحراق الكتاب هو الذي غلب على أكثر الفقهاء وخاصة الأندلسيين منهم، وذلك بسبب الخلاف الذي نشب بينهم وبين المتصوفة، فرأوا في كتاب الإحياء دعما لأدب الصوفية واصطلاحاتها وأحكامها([41]). وهي أمور تتعارض مع مذهب الدولة الرسمي الذي يوحد الأمة.
ونجد في هذا السياق رسالة نفيسة تسلط الضوء على موقف الفقهاء المرابطين من كتاب الإحياء، وهي لأبي بكر الطرطوشي، وقد بعث بها إلى "ابن المظفر" في هذا الموضوع، ومنها قوله متحدثا عن الغزالي:
"فلما عمل كتابه سماه إحياء علوم الدين كمن يتكلم في علوم الأحوال ومرامز الصوفية([42])، وكان غير أنيس بها، ولا خبير بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتابا على وجه بسيط الأرض أكثر كذبا على الرسول منه، ثم شبكه بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا..."([43]).
يتضمن النص عددا من المؤاخذات التي سجلها الطرطوشي على كتاب الإحياء ؛ ومن أمثلة ذلك اتهامه للغزالي بالزج بنفسه في الحديث في أمور الصوفية، وهو غير خبير بها ويتضح هذا أكثر في قوله مخاطبا "ابن المظفر": فأما ما ذكرت من أمر الغزالي، فرأيت الرجل، وكلمته، فرأيته رجلا من أهل العلم قد نهضت به فضائله، واجتمع فيه العقل والفهم وممارسة العلوم طول زمانه. ثم بدا له الانصراف عن طريق العلماء، ودخل في غمار العمال، ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان..."([44]) .
فهذا تنكب واضح –في رأي الطرطوشي- عن طريق العلماء ومسالكهم.
وأما الأمر الثاني فيتعلق باتهام الغزالي بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ بسبب ما تضمنه كتابه من أحاديث موضوعية. وقد عزا ذلك إلى قلة بضاعة الغزالي في ميدان الحديث النبوي، حيث يقول : "إلا أن الرجل لم يتعمد منها كلمة إن شاء الله، وإنما نقل من كتب لا معرفة له بها"([45]).
وذهب فقهاء قرطبة (ومنهم ابن حمدين) إلى الحجة نفسها لتحريض الأمير المرابطي على إحراق الكتاب، وهو ما أشار إليه ابن الأحمر في قوله : "تكلم فيه فقهاء قرطبة لما فيه من الأحاديث الموضوعية التي لا أصل لها، وقالوا هذا الكتاب يضر بالمسلمين، الصواب إحراقه، وأما قاضيها ابن حمدين فقال بكفر مؤلفه"([46]) .
وأما المؤاخذة الثالثة فهي شحن الكتاب بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاج، ومعاني رسائل إخوان الصفا، وهي أفكار فلسفية اعتبرت غريبة عن المحيط الفقهي السائد في الأندلس. ومثال ذلك ما ذهب إليه ابن عربي([47]) من أن الغزالي قد خلط تصوفه بأقوال الفلاسفة وغلاة الباطنية والمبتدعة، "واعتمد مناهج الصوفية في التأويل، فدعا إلى الذوق والخلوة، فترك التأويل الشرعي المقبول إلى التأويل الذي يتنافى مع أصول الشريعة ومعانيها"([48]).
ويفهم من هذا أن الفقهاء المرابطين يرون في تصوف الغزالي انسياقا وراء روحانية مبالغ فيها، قد تجعل صاحبها ينسى نفسه، وينقاد لروحانية بعيدة عن الإسلام الصحيح الذي تسعى تعاليمه السمحة إلى المحافظة على التوازن بين المادة والروح، وبين الظاهر والباطن([49]).
هذا، ومع تسليمنا بقساوة النتيجة التي أفضت إليها معارضة الفقهاء لكتاب الغزالي، وهي الدعوة إلى إحراقه([50])، فإنه لا يسعنا إلا أن نعترض على أولئك الدارسين الذين يرون في هذا الموقف دليلا على عدم ازدهار الحركة الأدبية والفكرية في العهد المرابطي؛ بدعوى حظر الفكر وخنق الحرية([51]).
وهي دعوى مبالغ فيها، وتعميم غير دقيق؛ لأن المرابطين –كما أعتقد- لم يحجروا الحركة الفكرية، ولم يتعصبوا –بهذا الإطلاق- ضد الفلسفة وعلم الكلام الذي وردت بعض اصطلاحاته في الكتاب، بل لعلهم كانوا ضد نوع خاص منها؛ ويتعلق الأمر بتلك الأحكام والخواطر أو الشطحات الصوفية([52]) التي تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية والتي قد تفضي إلى نوع من التصدع والشقاق المذهبي. وماعدا ذلك، فقد عرفوا بتسامحهم([53]) وتشجيعهم للعلم، والفلسفة، والطب([54]). [55]
وحسبي أن أذكر هنا بأن مستشار علي بن يوسف المرابطي "مالك بن وهيب" كان فيلسوفا([56]). ومهما يكن من أمر الاختلاف في تقويم هذا المنع([57]) فقد اتضح من نماذج الرسائل المعروضة في هذا المبحث أن المرابطين كانوا أصحاب مشروع حضاري في بلاد الغرب الإسلامي بعامة، وبلاد المغرب الأقصى بخاصة، تجلت معالمه في عدد من القضايا التي تعرضنا لها بالدرس والمناقشة؛ كقضية نشر الدين من خلال إنشاء الرباطات التي تسهم في ترسيخ الوعي الإسلامي، والخروج لنشر الإسلام في الآفاق، ومحاربة المذاهب الضالة والمنكرات، وقضية إصلاح الأحوال العامة للبلاد التي رافقت نشوء الدولة المرابطية، والتي تمثلت في الدعوة إلى العدل وإنصاف المظلومين، وتطهير المجتمع من مظاهر العبث والفساد والبدع، وبخاصة تلك المرتبطة بتحريف الأمور التعبدية أثناء تحصيل الزكوات، وجباية الضرائب، وقضية الإقرار بوحدة المذهب المالكي، ومنع الإفتاء بغيره من المذاهب الذي بلغ حده الأقسى من خلال الدعوة([58]) إلى إحراق كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي التي استغلها محمد بن تومرت للثورة على المرابطين كما يظهر ذلك من قول مؤرخ الموحدين ابن القطان.
" وقد كان إحراق هؤلاء الجهلة لهذا الكتاب العظيم "([59]) الذي ما ألف مثله سببا لزوال ملكهم وانتثار سلكهم، واستئصال شأفتهم على يد هذا الأمير العزيز القائم بالحق"([60]).

يسمح لنا هذا القول بالإشارة إلى الوضعية الجديدة التي حظي بها كتاب الإحياء في عهد الموحدين؛ بسبب الصراع السياسي والمذهبي الذي تجدد بالمغرب بين المرابطين والموحدين، والذي كان وراء عناية المهدي بن تومرت بالكتاب، ودفتعه المزعوم عنه، بالرغم مما تضمنه من أفكار تتعارض مع اتجاه المهدي؛ كفكرة الإمام المعصوم الذي لا تناقش أحكامه ، ولا تبحث آراؤه ، والتي عارضها الإمام الغزالي([61])، مما يعني استغلال محمد بن تومرت قضية الإحياء إلى جانب قضايا أخرى للثورة على المرابطين والانتفاع بالمنهج نفسه الذي سلكه السابقون، والذي يقوم على أساس الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.



الهوامش:

([1]) انظر: "حول تاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط" لمحمد القبلي (فصل : المجتمع بين الإصلاح والابتداع: 3، منشورات الفنك، الدار البيضاء 1998م.

([2]) انظر: كتاب الحوادث والبدع لبي بكر الطرطوشي: 30 تحقيق، عبد المجيد تركي، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1990م.

([3]) انظر: كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر": 6.

([4]) الحوادث والبدع: 33.

([5]) انظر فصلا بعنوان: ذم البدعة والمبتدعين ضمن كتاب الحدائق في علم الحديث والزهديات" لابن الجوزي: 1/544.

([6]) الحوادث والبدع : 33.

([7]) عرف الجرجاني البدعة بأنها "الفعلة المخالفة للسنة وسميت بدعة؛ لأن قائلها ابتدعها من غير مقام إمام" انظر: كتاب التعريفات للعلامة علي بن محمد الجرجـاني: 58، ضبطـه وفهرسـه محمد بن عبد الحكيـم القاضـي، بيـروت، ط 1، 1991م.

([8]) البيان المغرب: 4/63.

([9]) بالطبع فالزكاة عبادة مالية، وبهذا المعنى نجد بعض المعاجم تعرف البدعة بأنها "التعبد لله بما لم يشرعه الله" و"التعبد لله بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم" انظر : (معجم ألفاظ العقيدة لأبي عبد الله عامر عبد الله فالح: 66، مكتبة العبيكان، الرباط، ط. 2، 2002م).

([10]) وثائق تاريخية جديدة : 173.

([11] )انظر عن مفهوم الزكاة وأنواعها وأحكامها ؛ كتاب صحيح سنن النسائي : 2/511، وصحيح سنـن ابـن ماجـة : 1/297 وكتاب الحدائق: 2/189.

([12]) كضريبة الأسواق التي لجأ إليها بعض عمال علي بن يوسف بالأندلس، والمسماة "قبالة" والتي نبه عليها القاضي عياض (انظر : التعريف بالقاضي عياض لولده أبي عبد الله محمد : 115، تقديم وتحقيق : د. محمد بن شريفة، مطبعة فضالة، المحمدية، ط 2، 1982م).

([13]) انظر : بلاد المغرب وعلاقاتها بالمشرق الإسلامي في العصور الوسطى : 284-285.

([14]) انظر عنها كتاب: وحدة المغرب المذهبية خلال التاريخ، لعباس الجراري، ط. دار الكتب الثقافية 1976م.

([15]) النبوغ المغربي: 48.

([16]) نفسه ص.ن.

([17]) نفسه ص.ن.

([18]) الصراع بين المذاهب قديم. وتعود جذوره الأولى إلى ما بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث وجد الصحابة أنفسهم أمام حوادث جديدة، فحاولوا معالجتها من خلال كتاب الله، والمعروف من سنن رسول الله، واجتهدوا آراءهم في الحكم على الحوادث، التي لم يجدوا لها سندا في القرآن والسنة، وذلك بتشجيع من خلفاء المسلمين، كما هو الأمر بالنسبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في رسالته الشهيرة في القضاء التي بعث بها إلى أبي موسى الأشعري، حاثا إياه على الاجتهاد. ومما جاء فيها قوله: "الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة. اعرف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق". (انظر: الكامل للمبرد (ت 285هـ): 1/20، تح: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط، 2، 1993م). غير أن هذا الاجتهاد أفضى إلى ظهور فرق مختلفة؛ فريق يعتمد كثيرا على الرأي وفي مقدمتهم أبو حنيفة.
أما الفريق الثاني فهو الذي ينبذ الرأي والتأويل ويمثله مالك بن أنس والأصمعي وبعض السلف الصالح وغيرهم.
وهناك فريق آخر يعمل بالرأي في شيء من القصد والحذر.

([19]) هو إمام أهل المدينة مالك بن أنس (ت 179 هـ)، كان واسع العلم بالحديث، ألف كتابه الضخم في الحديث والفقه "الموطأ" خلال أربعين سنة، ولم يصدره ويخرجه إلى العامة، حتى توفر لديه إجماع سبعين من علماء المدينة على محتواه.
لقي صنوفا من التعذيب على يد العباسيين. (انظر : مذكرات من التراث المغربي : 103).

([20])نصوص سياسية : 113، وانظر الرسالة نفسها ضمن كتاب "رسائل أندلسية" تحقيق فوزي سعد عيسى: 58 نشر: منشأة المعارف، الإسكندرية، ط. 1، 1989م.

([21]) في الحقيقة إن فكرة الدعوة إلى التمسك بمذهب مالك ومنع الإفتاء بغيره من المذاهب تعود إلى القرن الثالث الهجري عندما تولى سحنون قضاء إفريقية سنة 234هـ، حيث كان يمنع الفتوى من غير مذهب مالك بل ويؤدب المخالفين على ذلك. (انظر المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب للونشـريسـي، ت 914هـ، 2/169 و12/36، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف محمد حجي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسـلامـية، الرباط 1981م).

([22])انظر كتاب الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم: 173.

([23]) أبان ابن قسي عن اتجاه باطني متطرف، عبر عنه في كتابه "خلع النعلين". انظر عن هذه الحركات كتاب المغرب والأندلس في عصر المرابطين لإبراهيم بوتشييش : 152، ط. بيروت : 1993، ومقال : حركة ابن قسي لعبد القادر زمامة، مجلة البينة، ع : 8، ص : 75.

([24]) انظر: الأمير الشاعر أبو الربيع سليمان الموحدي، عصره، حياته، شعره، عباس الجراري: 28، دار الثقافة، الدار البيضاء 1974م.

([25]) انظر: مذكرات من التراث المغربي لحسن الصقــلي (مجموعة مكونة مـن ثمانية مجلـدات)، مج: 2: 102، ط. 1984م.

([26]) لعل المقصود بعمل أهل المدينة هو ما يلي :
-ما قال به بعض أئمة الصحابة وكبار التابعين .
-ما اتفق واجتمع عليه أهل الفتوى بالمدينة .
-ما اختص به أهل المدينة من فضل العلم والإيمان والسنة والقرآن " والمدينة قبة الإسلام ، ودار الإيمان ، وأرض الهجرة ومبدأ الحلال والحرام " .
وكان مالك يرى أن أهل المدينة هم أجدر بأن يحافظوا على ما سمعوه ، وشاهدوه ، وتعلموه من النبي ، وأن ما جرى عليه أهل المدينة لا يبعد أن يكون الرسول طلع عليه ، وسكت عنه ، وأقرهم عليه ، وأن الرسول لبث في أهل المدينة عشرا يوحى إليه ، وبها أقام دولته ، وبنى قواعدها ، ودبر شؤون المسلمين . وأن المدينة مركز للخلافة ومقرها في عهد الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة.
انظر مقال: " عمل أهل المدينة ، مظهر اجتهاد مالك وعبقريته " للدكتور يوسف الكتاني، مجلة السنة النبوية، ع: 2، خاص عن الإمام مالك والموطأ ، مطبعة الكرامة ، المغرب ، أبريل 2003 ، ص 285

([27]) انظر عنها كتاب : الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي: 243.

([28]) نصوص سياسية: 113، "رسائل أندلسية": 58.

([29]) نشير هنا إلى أن الفترة ما بين وصول كتاب إحياء علوم الدين وإحراقه امتدت نحو ثماني سنوات، وهي كافية –فيما نظن- لتداوله بين المهتمين (انظر: مقال إحياء علوم الدين في منظور الغرب الإسلامي أيام المرابطين والموحدين لمحمد المنوني، حوليات كلية الآداب، عين الشق، الدار البيضاء، ع: 3 السنة : 1986. ص: 145).

([30]) إحياء علوم الدين لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي: 1/17، دار الكتب العلمية بيروت.

([31]) نفسه ص.ن.

([32]) نفسه ص.ن.

([33]) إحياء علوم الدين: 2/42.

([34]) نفسه: 2/150.

([35]) المعجب : 255.

([36]) انظر عن هذا الإحراق المصادر التالية : نظم الجمان : 15، والحلل الموشية : 105، وبيوتات فاس الكبرى لابن الأحمر : 33، تح: عبد الوهاب بنمنصور، الرباط 1972م. والمعجم في أصحاب القاضي الإمام أبي علي الصدفي لابن الأبار 272، مدريد 1985م، والمعجب: 255.

([37]) انظر ترجمته في الصلة لابن بشكوال (ت578هـ). 2/529، عني بنشره وصححه وراجع اصله: السيد عزت العطار الحسيني، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1/1995م، وأزهار الرياض في أخبار عياض للمقري، 3/95، تح: مجموعة من الباحثين بإشراف اللجنة المشتركة لنشر التراث الإسلامي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، الرباط 1978م.

([38]) المعروف من المناهضين لإحراق الكتاب ستة أسماء. (انظر : مقال إحياء علوم الدين في منظور الغرب الإسلامي لمحمد المنوني: 149).

([39]) انظر : المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي: 272.

([40]) انظر : التشوف إلى رجال التصوف، وأشار ابن الزيات إلى انتصار بعض علماء فاس وأغمات لكتاب الإحياء، وصدرت عنهم فتاوى في الدفاع عنه والدعاء على الذين أفتوا بإحراقه. (م.ن: 96).

([41]) يتعلق الأمر بصوفية الأندلس متمثلة في تعاليم مدرسة ابن مسرة وبخاصة خلية المرية، وحركة ابن العريف وابن برجان، وابن قسي.

([42]) الصوفية من التصوف وهو التخلق بالأخلاق الإلاهية، والوقوف مع الآداب الشرعية ظاهرا وباطنا (أي أن هناك علاقة جدلية بينهما). والمتصوف هو الذي يحفر في غمر الباطن المتفجر بالرجاء، رغبة في الهداية والنجاة. أما اللغة الصوفية فهي لغة إشارية ؛ لأن اللفظ يحمل دلالات ظاهرية وباطنية قابلة للتأويل، انظر عن الصوفية: كتاب "اصطلاحات الصوفية للشيخ كمال الدين عبد الرزاق القاشاني (من صوفية القرن الثامن الهجري): 156، تح: محمد كمال إبراهيم جعفر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط. 198. وكتاب "الإشارات الإلاهية لأبـي حيـان التوحيـدي (ت: 414هـ): 12، تح: وداد القاضي، دار الثقافة، بيروت 1973م (بالكتاب أربع وخمسون رسالة صوفية)، وكتاب التعريفات للجرجاني: 73.

([43]) انظر : طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب السبكي (ت 771هـ): 6/252، القاهرة، 1324هـ، ووردت الرسالة أيضا بالمعيار للونشريسي: 12/186 و187.

([44]) المعيار: 6/252.

([45]) انظر : مقال : إحياء علوم الدين لمحمد المنوني ص : 156 نقلا عن كتاب "الأسرار والعبر" للطرطوشي، وهو في حكم الكتب المفقودة، ولم يورد منه الأستاذ المنوني سوى بعض فقرات المدخل.

([46])انظر : بيوتات فاس الكبرى: 33-34؛ والحلل الموشية: 104.

([47]) انظر رأيه في كتابه "العواصم من القواصم، 2/290، تحقيق : عمار طالبي (وقد نشره تحت عنوان "أراء أبي بكر بن العربي الكلامية)، الجزائر 1974.
وعلق أحد الفقهاء تعليقا طريفا على كتاب الغزالي بقوله : "ومتى ماتت العلوم حتى تحيى علوم الدين، ومازالت حية ولا تزال". انظر: عنوان الدراية للغبريني: 239، تح: رابح بونار، ط. الجزائر: 1970م.

([48]) انظر : مقال "لماذا أحرق كتاب الإحياء، عبد القادر العافية، مجلة دعوة الحق، السنة : 1974، العدد: 7، ص:175-177.

([49]) المقال: نفسه 177.

([50]) إن فكرة إحراق الكتب المخالفة هي فكرة قديمة، لم تأت من المغرب، بل وردت عليه من المشرق، ومن الأندلس تحديدا التي عرفت وقائع مشابهة دون أن تنال من النقد والتجريح ما نالته واقعة إحراق المرابطين لكتاب الغزالي. ويكفي أن نذكر هنا باستجابة المنصور بن عامر لضغط الفقهاء الذين طالبوه بإحراق كتب الفلسفة، حيث "أمر بإحراق كل ما كان في مكتبة القصر من كتب الفلسفة والفلك وغيرهما من العلوم، التي لا يرضى عنها الفقهاء. (انظر : تاريخ الفكر الأندلسي: 116).

([51]) انظر كتاب: حول تاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط: 32، مجمل تاريخ المغرب: 2/105، الدولة الموحدية، أثر العقيدة في الأدب: 26

([52]) من شطحاتهم القول مثلا بحلول الله في الأصفياء من خلقه ؛ يظهر هذا من جواب الحلاج عن سؤال : من هو الله؟، فأجاب : "الله هو أنا، وأنا هو الله"، وقولهم أيضا بوحدة الوجود.

([53]) إن اتهام المرابطين بخنق الحرية وعدم التسامح تفنده وقائع هذه القضية بدليل أن معارضة الكتاب لم تكن شاملة، وحتى الذين ثاروا عليه (أو نبحوا ضده بعبارة جولد تسيهر المهذبة جدا) هم أصلا من فقهاء الأندلس، بل إن بعض المغاربة عارضوا إحراق الكتاب، وانتصروا للغزالي، فأين خنق الحرية أو تكميم الأفواه بهذا الإطلاق؟ إن الذين لا يتسامحون حقا هم أولئك الذين لا يكتفون بمنع الكتب والأفكار، بل يعمدون إلى أكثر من ذلك حين يأمرون بإزهاق الأرواح وقتل البشر. والمرابطون لم يصلوا أبدا إلى هذا المستوى من التعصب بدليل معاملتهم للمعتمد بن عباد، الذي حمل السيف في وجوههم (وسنعود إلى هذه القضية بالتحليل والمناقشة لاحقا)، ومعاملتهم المتسامحة مع المهدي بن تومرت الذي هاجم أمير المسلمين علي بن يوسف وشقيقته، ولم يتعرض حتى للسجن رغم إلحاح بعض الوزراء على قتله أو سجنه وتلك "غاية المدح والتقريظ للمرابطين الذين لم يثبت في تاريخهم أنهم أراقوا محجم دم في غير ساحة الحرب". (النبوغ المغربي: 69).

([54]) هناك قائمة طويلة من العلماء والفلاسفة والأطباء والأدباء التي تؤكد نبوغهم في عهد المرابطين؛ كابن طفيل، وابن رشد، ومالك بن وهيب، وابن باجة، والقاضي عياض، وابن عربي وغيرهم.

[55]

([56]) لقبه الحجاري صاحب كتاب المسهب ب " فيلسوف المغرب " أنظر :" نفح الطيب 3/479 .

([57]) نوه الأستاذ كنون باستجابة الأمراء المرابطين لدعوة الفقهاء بمنع الكتاب، وعده واجبا من واجبات الدولة التي عليها أن تحترم رأي المختصين في الموضوع. (انظر النبوغ: 69).

([58]) يرى الدكتور الجراري في هذه الدعوة مؤشرا على وضعية الفقهاء – في أواخر الدولة المرابطية – التي اتسمت بالعجز عن توجيه الرأي العام ، ومحاربة المنكرات. (انظر: الأدب المغربي: 94).

([59]) لعل ما يلفت النظر في هذا القول هو حديث ابن القطان عن كتاب الغزالي وكأنه كتاب مقدس ، ومحاولته حصر أسباب زوال المرابطين في إحراق الكتاب، متغافلا عن عدد من الأسباب الحقيقية الأخرى وراء ضعف المرابطين وزوالهم؛ كواجب الجهاد الذي أنهكهم في نفوسهم وأموالهم ، ومعارضة الموحدين للمرابطين وتربصهم الدوائر بهم.

([60]) انظر: نظم الجمان: 71.

([61]) انظر كتابه المنقذ من الضلال: 19 .
 
عودة
أعلى