دعوة للتوبة

بسم الله الرحمـن الرحيم

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ،
وأشهد أن لا إلـه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد :
يقول الله تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
من المعلوم أنَّ الله تعالى خلق هذا الكون وبما فيه من سماوات ذات أبراج وأراضين ذات فجاج وما بينهما من نجوم وأبراج ، ومن جنة ونار إلى غير ذلك من خلق الله تعالى مالا يعلمه إلا الله{ ألا يعلممن خلق وهو اللطيف الخبير }
وهذا كله من عظيم قدرة الله سبحانه وتعالى ، و من بديع صنعه إنه عليم حكيم ، وسنَّ سبحانه وتعالى في خلقه سنن كونية
وجعل الله تعالى من سننه الثابتة والتي لا تتغير ولا تتبدل ،
ما جاء في قوله تعالى :{ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً }
لما خلق الله الخلق خلقهم على الفطرة وهي توحيد الخالق جلَّ وعلا في علاه ، وأرسل لهم رسلاً مبشرين ومنذرين ، ووعدهم الله تعالى وسنَّ عليهم سننه ، وإنَّ من سننه سبحانه أنه من اتبع هداه وهو ما بعث به الرسل فلا يضل ولا يشقى " أي في الدنيا والآخرة " ومن أعرض عن الذكر وهي الكتب والصحف التي أنزلها الله على الرسل وتولى عنها ، فإن له معيشة ضنكا ، أي ضيقة تضيق بها نفسه فلم يشعر بالغبطة والسعادة وان اتسع رزقه ، هذا في الدنيا ، وفي الحياة البرزخية يضيق عليه قبره ويشقى فيه طيلة مكثه فيه ، وفي الآخرة يحشره الله تعالى أعمى والعياذ بالله .
أخي في الله اعلم وإنَّ من سنن الله تعالى التي سنها وأجراها على خلقه ، أن جعل المعاصي سبب كل عناء ، وطريق كل تعاسة وشقاء ، ما أحلَّت في ديار إلا أهلكتها ، ولا فشت في مجتمعات إلا دمَّرتها وأزالتها ، أو ما أهلك الله تعال أمة من الأمم إلا بذنب ، وما نجا وتاب إلا بتوبة وطاعة ، فإنَّ ما أصاب الناس من ضر وضيق في كل مجال من المجالات فردياً كان أو جماعياً ، هو بسبب معاصيهم وإهمالهم لأوامر الله عز وجل ونسيانهم شريعته .
وكتاب الله تعالى خير شاهد ، فقد عمَّ قوم نوح الغرق ، وأهلكت عاداً الريح العقيم ، وأخذت ثمود الصيحة ، وقُلِبَت قرى قوم نوح عليهم ،
قال سبحانه وتعالى: { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }
إنَّ أضرار المعاصي ، وشؤم الذنوب عظيم وخطير ؛ فهي موجبة للذل والحرمان ، جالبة للصد عن سبيل الرحمـن ، تورث الهوان ، هكذا قضى الملك الديان ،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ))
و عن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب و ما يدفع الله عنه أكثر ))
إذاً فالمعصية جعلها الله سبحانه وتعالى سبب كل شقاء وبلاء ، كما جعل الله تعالى الطاعة سبب كل رخاء وهناء ،
فالمعصية إذاً تزيل النعم وتحل النقم . فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ، ولا حلَّ فيه نقمة إلا بذنب .
قال سبحانه وتعالى { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ }
عن معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته ))
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبأس لك لما نرى فيك قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الآية (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) و عن الضحاك قال ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)
وقال تعالى : {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً }
وقال أيضاً :{ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }
يخبر الله تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء وصفاء ورغد وعيش بسب إيمانهم وصالح أعمالهم ، حتى يغيِّروا ما بأنفسهم بأن ينتقلوا من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية أو من شكر نعم الله إلى البطر بها فيسلبهم الله إياها عند ذلك ، ومقابل ذلك إذا غيَّر العباد ما بأنفسهم من المعصية فانتقلوا إلى طاعة الله غيَّر الله عليهم ما كانوا فيه من الشقاء إلى الخير والسرور والغبطة والرحمة .
إشارة إلىما أنزل الله من عذابعلى الأمم المكذبةالكافرة الظالمة ، وإلى بيان سنته في عباده وهي أنه تعالى لم يكن من شأنه أن يغيِّر نعمة أنعمها على قوم كالأمن والرخاء ، أو الطهر والصفاء حتى يغيروا هم ما بأنفسهم بأن يكفروا ويكذبوا ، أو يظلموا أو يفسقوا ويفجروا ، وعندئذٍ يغير تلك النعم بنقم فيحل محل الأمن والرخاء الخوف والغلاء ومحل الطهر والصفاء الخبث والشر والفساد هذا إذا رحمهم الله ولم يأخذهم بالإبادة الشاملة والاستئصال التام .
قال صلى الله عليه وسلم : ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ، هم أكثر وأعز ممن يعمل بها ، ثم لا يغيرونه إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب))
وعن جرير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "" ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون على أن يغيروا عليه فلا يغيروا إلا أصابهم الله بعذاب من قبل أن يموتوا "" .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه ذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيه ما ظهر في قوم الزنا أو الربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله
قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )
وعن معاذ رضي الله عنه قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات فذكر منها : (( وإياك والمعصية فإن بالمعصية حل سخط الله ))
ونستخلص مما سبق أنَّ بالمعاصي تزول النعم وتحل النقم وبالتوبة وإتباع هدى الله
يحل الرخاء والهناء وتعم النعم ويرفع الغلاء والوباء والسخط والنقم .
وقال تعالى : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }
ومما جاء من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذا الباب ما رواه الترمذي عن ابن عباس قال كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومافقال: (( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ))
فإن أصبت فمن الله وحده وإن أخطأت فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه براء.
وإلى لقاء آخر وآية أخرى وإلى أن ألقاكم استودعكم الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته
المصدر: مأخوذ من رسائل من القلب إلى القلب للشيخ أحمد رزوق
 
جزاكِ الله خيراً أختنا الفاضلة على هذه التذكرة القيمة
تقبل الله منا ومنكِ ورزقنا الله وإياكِ التوبة النصوح
دمتِ في حفظ الرحمن وأمنه
 
بارك الله فيكِ أختنا الفاضلة
 
السلام عليكم
جزاكم الله خيرا على الإنتقاء الجيد
و إن شاء الله كل من قرأ هذا الموضوع يستفيد منه بأخذ العبرة
لا بد أن نفهم فقه التغيير...
فلا يتجسد أي تغيير إلا بالتغيير الداخلي لكل فرد...
و هذا هو المقصود بإذن الله
التوبة تصفي الإنسان من الذنوب و المعاصي...جاعلة منه شعلة متوهجة من الحسنات
و هذه الأخيرة بدون شك سوف تكون بمثابة الدفع للأمام لكل المجتمع

في أما الله

 
شكر الله لك... وحياك ربي وبياك
و بالفردوس الأعلى
مع حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم لقياك
ونفع الله بكم ورزقكم الاخلاص
 
اللهم تب علينا

تقيل الله منا ومنكم

اللهم انصر المسلمين فى مشارق الارض ومغاربها
 
عودة
أعلى