البحث العلمي - الواقع والطموح
بقلم: أ.د. عبد المجيد حمزة الناصر
المقدمــة:
لا يختلف اثنان في الأهمية البالغة التي يتمتع بها "التعليم العالي" كونه أمل المجتمع في التقدم وإعداد الملاكات الفنية والعلمية والتنظيمية والإدارية والفكرية وإرساء قاعدة البحوث العلمية الهادفة وخدمة المجتمع. وهو في الوقت نفسه أداة المعاصرة الحضارية وطريق استيعابها والإسهام فيها. لا بل يزداد دوره الفعّال الحيوي في عصرنا الحالي عصر "المعلومات والاتصال".
حيث تجمع الدراسات والبحوث الحديثة: "أنّ لا صَلاح لأمّةٍ دون تعليمٍ عالٍ فعّال وحيوّي ودائم التطوّر.
وعلى وجه الخصوص عندما تتكامل وظائف الجامعة الثلاث: "التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع" وتتظافر هذه النشاطات الثلاثة فيما بينها، بحيث أن الإنجاز المرتفع في واحد منها ينعكس إيجابياً على النشاطين الآخرين، فالبحث الرصين والخدمة الاجتماعية المؤثرة شرطان جوهرّيان لتعليم فعّال مثمر ناجح.
ويقصد "بالبحث العلمي" في سياق التعليم العالي: البحث المبتكر في مجالات العلوم والهندسة والطب والثقافة والعلوم الاجتماعية والإنسانية والتربوية والذي ينطوي على تحقيق دقيق ونقدي ومضبوط. ويعتمد على تقنيات وأساليب متنوعة وفقاَ لطبيعة المشكلات التي يتم تحديدها وظروفها ويكون موجها نحو حلّ تلك المشكلات.
والبحث يعني بأبسط مستوياته: "استجلاء الحقائق والتحقّق من الافتراضات والتوصّل إلى النتائج والاستنتاجات".
واقع البحث العلمي في الجامعات:
يجُمع الخبراء في مجال التعليم العالي، أن التقدم في مجال العلم والتكنولوجيا ينطلق من الجامعة وما يتبعها من مؤسسات ومراكز ودراسات وبحث. إذ انّ هذه المنارات العلمية تُعدّ بمثابة مراكز توليد المعرفة الأساسية والضرورية لحلّ المشكلات التي يواجهها المجتمع. إلاّ أنّ المتتبع لواقع البحث العلمي في كثير من الجامعات يتبين مايلي:
v لا يشكلّ البحث العلمي إلاّ قدراً محدوداً ويسيراً من اهتمام عضو هيئة التدريس ووقته.
v البحث العلمي في الجامعات، هو آلية من آليات التعليم وليس آلية من آليات التنمية فمعظم بحوث الجامعات، إما بحوث للترقيات العلمية أو بحوث لنيل شهادات علياً: (الدبلوم، الماجستير، الدكتوراه). وقد تكون بعيدة عن مشكلات الجامعة والمجتمع وبهذا يصبح دور الجامعات في مجال البحث العلمي هو إعداد القوى البشرية اللازمة لممارسة البحث. وتكون الدراسات العليا هي " همزة الوصل بين التعليم العالي والبحث العلمي" وهي بعيدة في معظمها عن أن تكون أساساً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . هذا يقودنا للقول "أن سياسة البحث العلمي في كثير من الجامعات لا يوجد لها هدف واضح ومحدّد ولا تصّب في خدمة أهداف الجامعة أو أهداف المجتمع وتطلّعاته".
v قلّة التنسيق والعمل الجماعي بين الباحثين من أجل إنماء البحث وتطويره وفتح قنوات الاتصال بين التخصصات والتلاقي بين مختلف العلوم سيّما في عصرنا الراهن "عصر التشابك المعرفي" وبكلام آخر قلة وجود البحث الجماعي (العمل كفريق).
v قلة توفير الأعتمادات والتجهيزات والمختبرات والمكتبات الحديثة وظروف البحث والعمل للعاملين في مجال البحث العلمي حيث أن نسبة الأنفاق على البحث العلمي ضئيلة جداً لا تتناسب ومهام هذا المجال. وكذلك لا يجرى ما يكفي للمحافظة على المكانة اللائقة للتدريسيين الباحثين لأغراض التنافس العلمي المشروع لتحقيق المنزلة العلمية المتميزة بل على العكس قد يتعّرض التدريسي الباحث الجادّ لنوع من السخرية من قبل زملائه وأقرانه في الجامعة.
v ضعف دور القطاع الخاص في مجالات البحث العلمي: "مزاولة وتمويلاً".
وهذا يقودنا للقول بأن السياسة البحثية إجمالاً لا زالت بعيدة عن مقاييس السياسة البحثية النموذجية التي تقرن القول بالعمل وتتّوج التخطيط بالتنفيذ وتتُرجم المبادئ والأهداف الى حقائق وإنجازات.
السياسة البحثية الطموحة
يَعدّ خبراء التعليم العالي : البحث العلمي عاملاً أساسياً مؤثّراً وفاعلاً في التطوير والتنمية ، كما أنّ تقدّم المعرفة ونقلها ونشرها وتأصيلها وتوطينها خدمة للمجتمع ولأغراض التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة هي من ابرز مهام البحث العلمي التي يتّعين على الجامعات أن تضطلع بها فلابد إذاً من إيلاء قطاع البحث العلمي الأهتمام والدعم الضروريين والكافيين عن طريق الإفادة من تجارب الشعوب المتقدمة في مجال البحث العلمي وعلى النحو التالي:
زيادة الأنفاق على البحث العلمي بحيث تكون نسبة الأنفاق من أجمالي الأنفاق العام للدولة تتناسب مع المهام الجسام لهذا القطاع الحيوي .
ضرورة إنشاء قاعدة بيانات علمية مشتركة لمؤسسات البحث العلمي (جامعات ومراكز بحوث) وتوفير شبكة علمية تربط ما بين المراكز الوطنية للمعلومات و وضع آلية للمتابعة في التنفيذ والتطبيق.
تتطلب عملية إحداث التنمية الشاملة القيام ببحوث مشتركة تدرس مجمل القضايا والمشكلات الأساسية في المجتمع. فمطلوب إذاً أن تدخل الجامعات في عمل علمي مشترك يربط بينها ببحوث مشتركة حول: قضايا الأمن الغذائي، قضايا الأمن المائي والتصحر، مشكلات البيئة، قضايا الطاقة البديلة، تكنولوجيات معالجة المياه وتحليتها، تكنولوجيات طاقة الشمس والرياح وغيرها الكثير.
فمطلوب إذا جهد جهيد يتضمن إعداد مسح شامل ودقيق بأوضاع البحث العلمي وبالبنى التحتية والمختبرات والعاملين في المراكز البحثية ومؤهلاتهم وبالقوانين واللوائح التي تنظم البحث العلمي لأحداث تغييرات جوهرية أساسية للنهوض بالبحث العلمي.
فلا مستقبل لشعب يصبو نحو الرقيّ بلا بحث علمي ولا مجال لأنتاج المعرفة والتكنولوجيا بلا بحث علمي كذلك لا يمكن الحديث عن إقتصاد تنافسي وإنتاج ذي مردودية عالية على وفق المواصفات العالمية بلا بحث علمي.
بقلم: أ.د. عبد المجيد حمزة الناصر
المقدمــة:
لا يختلف اثنان في الأهمية البالغة التي يتمتع بها "التعليم العالي" كونه أمل المجتمع في التقدم وإعداد الملاكات الفنية والعلمية والتنظيمية والإدارية والفكرية وإرساء قاعدة البحوث العلمية الهادفة وخدمة المجتمع. وهو في الوقت نفسه أداة المعاصرة الحضارية وطريق استيعابها والإسهام فيها. لا بل يزداد دوره الفعّال الحيوي في عصرنا الحالي عصر "المعلومات والاتصال".
حيث تجمع الدراسات والبحوث الحديثة: "أنّ لا صَلاح لأمّةٍ دون تعليمٍ عالٍ فعّال وحيوّي ودائم التطوّر.
وعلى وجه الخصوص عندما تتكامل وظائف الجامعة الثلاث: "التعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع" وتتظافر هذه النشاطات الثلاثة فيما بينها، بحيث أن الإنجاز المرتفع في واحد منها ينعكس إيجابياً على النشاطين الآخرين، فالبحث الرصين والخدمة الاجتماعية المؤثرة شرطان جوهرّيان لتعليم فعّال مثمر ناجح.
ويقصد "بالبحث العلمي" في سياق التعليم العالي: البحث المبتكر في مجالات العلوم والهندسة والطب والثقافة والعلوم الاجتماعية والإنسانية والتربوية والذي ينطوي على تحقيق دقيق ونقدي ومضبوط. ويعتمد على تقنيات وأساليب متنوعة وفقاَ لطبيعة المشكلات التي يتم تحديدها وظروفها ويكون موجها نحو حلّ تلك المشكلات.
والبحث يعني بأبسط مستوياته: "استجلاء الحقائق والتحقّق من الافتراضات والتوصّل إلى النتائج والاستنتاجات".
واقع البحث العلمي في الجامعات:
يجُمع الخبراء في مجال التعليم العالي، أن التقدم في مجال العلم والتكنولوجيا ينطلق من الجامعة وما يتبعها من مؤسسات ومراكز ودراسات وبحث. إذ انّ هذه المنارات العلمية تُعدّ بمثابة مراكز توليد المعرفة الأساسية والضرورية لحلّ المشكلات التي يواجهها المجتمع. إلاّ أنّ المتتبع لواقع البحث العلمي في كثير من الجامعات يتبين مايلي:
v لا يشكلّ البحث العلمي إلاّ قدراً محدوداً ويسيراً من اهتمام عضو هيئة التدريس ووقته.
v البحث العلمي في الجامعات، هو آلية من آليات التعليم وليس آلية من آليات التنمية فمعظم بحوث الجامعات، إما بحوث للترقيات العلمية أو بحوث لنيل شهادات علياً: (الدبلوم، الماجستير، الدكتوراه). وقد تكون بعيدة عن مشكلات الجامعة والمجتمع وبهذا يصبح دور الجامعات في مجال البحث العلمي هو إعداد القوى البشرية اللازمة لممارسة البحث. وتكون الدراسات العليا هي " همزة الوصل بين التعليم العالي والبحث العلمي" وهي بعيدة في معظمها عن أن تكون أساساً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية . هذا يقودنا للقول "أن سياسة البحث العلمي في كثير من الجامعات لا يوجد لها هدف واضح ومحدّد ولا تصّب في خدمة أهداف الجامعة أو أهداف المجتمع وتطلّعاته".
v قلّة التنسيق والعمل الجماعي بين الباحثين من أجل إنماء البحث وتطويره وفتح قنوات الاتصال بين التخصصات والتلاقي بين مختلف العلوم سيّما في عصرنا الراهن "عصر التشابك المعرفي" وبكلام آخر قلة وجود البحث الجماعي (العمل كفريق).
v قلة توفير الأعتمادات والتجهيزات والمختبرات والمكتبات الحديثة وظروف البحث والعمل للعاملين في مجال البحث العلمي حيث أن نسبة الأنفاق على البحث العلمي ضئيلة جداً لا تتناسب ومهام هذا المجال. وكذلك لا يجرى ما يكفي للمحافظة على المكانة اللائقة للتدريسيين الباحثين لأغراض التنافس العلمي المشروع لتحقيق المنزلة العلمية المتميزة بل على العكس قد يتعّرض التدريسي الباحث الجادّ لنوع من السخرية من قبل زملائه وأقرانه في الجامعة.
v ضعف دور القطاع الخاص في مجالات البحث العلمي: "مزاولة وتمويلاً".
وهذا يقودنا للقول بأن السياسة البحثية إجمالاً لا زالت بعيدة عن مقاييس السياسة البحثية النموذجية التي تقرن القول بالعمل وتتّوج التخطيط بالتنفيذ وتتُرجم المبادئ والأهداف الى حقائق وإنجازات.
السياسة البحثية الطموحة
يَعدّ خبراء التعليم العالي : البحث العلمي عاملاً أساسياً مؤثّراً وفاعلاً في التطوير والتنمية ، كما أنّ تقدّم المعرفة ونقلها ونشرها وتأصيلها وتوطينها خدمة للمجتمع ولأغراض التنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة هي من ابرز مهام البحث العلمي التي يتّعين على الجامعات أن تضطلع بها فلابد إذاً من إيلاء قطاع البحث العلمي الأهتمام والدعم الضروريين والكافيين عن طريق الإفادة من تجارب الشعوب المتقدمة في مجال البحث العلمي وعلى النحو التالي:
زيادة الأنفاق على البحث العلمي بحيث تكون نسبة الأنفاق من أجمالي الأنفاق العام للدولة تتناسب مع المهام الجسام لهذا القطاع الحيوي .
ضرورة إنشاء قاعدة بيانات علمية مشتركة لمؤسسات البحث العلمي (جامعات ومراكز بحوث) وتوفير شبكة علمية تربط ما بين المراكز الوطنية للمعلومات و وضع آلية للمتابعة في التنفيذ والتطبيق.
تتطلب عملية إحداث التنمية الشاملة القيام ببحوث مشتركة تدرس مجمل القضايا والمشكلات الأساسية في المجتمع. فمطلوب إذاً أن تدخل الجامعات في عمل علمي مشترك يربط بينها ببحوث مشتركة حول: قضايا الأمن الغذائي، قضايا الأمن المائي والتصحر، مشكلات البيئة، قضايا الطاقة البديلة، تكنولوجيات معالجة المياه وتحليتها، تكنولوجيات طاقة الشمس والرياح وغيرها الكثير.
فمطلوب إذا جهد جهيد يتضمن إعداد مسح شامل ودقيق بأوضاع البحث العلمي وبالبنى التحتية والمختبرات والعاملين في المراكز البحثية ومؤهلاتهم وبالقوانين واللوائح التي تنظم البحث العلمي لأحداث تغييرات جوهرية أساسية للنهوض بالبحث العلمي.
فلا مستقبل لشعب يصبو نحو الرقيّ بلا بحث علمي ولا مجال لأنتاج المعرفة والتكنولوجيا بلا بحث علمي كذلك لا يمكن الحديث عن إقتصاد تنافسي وإنتاج ذي مردودية عالية على وفق المواصفات العالمية بلا بحث علمي.