مكانـــة الأســتاذ
بقلم : أ.د. عبد المجيد حمزة الناصر
المقدمــة:
"الأستاذ" في اللغة: هو المعلم والعالم الكبير. وهي أعلى المراتب التي يصل إليها العالم. وواضح أن الحضارة الإنـسانية في كل زمان ومكان هي من صنع (العلماء)، مصابيح الأنام وفي أيديهم مفاتيح الأبواب الى النعيم والسلام والرّقي والازدهار. و "العلماء" في أغلب الأحيان من الجامعيين أو من طلبتهم.
صحيح أنّ لكل زمان ٍ علوماً وصنائع قد لا يصلح بعضها إلاّ لمثل ظروف الأقوام التي عاشتها. إلاّ أنّ في علوم التراث المجيد من اللؤلؤ النظيم في روم التعّلم والتعليم ما لا يخلو من العبر و المثاوب التي يمكن الاستفادة منها في ما له علاقة بتهذيب الروح وتنمية الشخصية العلمية والاجتماعية. لا سيمّا أن المتغيرات السريعة والمتلاحقة في مختلف الميادين التعليمية والتكنولوجية في القرن الحالي لم تُلغ جوهر العملية التعليمية وإنما أضافت تقنيات حديثة متزايدة في الخدمات التعليمية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نظم الوسائط المتعددة (Hyper media system)، والطرق الافتراضية التفاعلية الحديثة (Virtual interactive).
ويبقى "الأستاذ" محور العملية التعليمية والمحّرك الأساس للبحث العلمي وخدمة المجتمع. يصون المعارف والثقافة وينشرها ويحسّن المهارات ويبحث عن الجديد ويؤصّله.
مكانة الأستاذ في التراث:
تتجلّى صورة (الأستاذ) في التراث الزاهر مصباحاً يستضاء به، ومثلاً يسمو البصر إليه تغطيه الهيبة ويغمره الوقار. وينبع ذلك من مكانة (العلم) و (العقل) في التراث. والأدب الباهر حافل بالآيات والبينّات والأحاديث المباركة وأحسن الأشعار وطرائف البيان وبدائع الأخبار في فضل (العلم).
ويجمع الباحثون أن ليس في أية أمة تراث يرفع درجة العقل كمثل تراث هذه الأمة.
وهذه النظرة إلى (العقل) هي أساس ودعامة تبجيل الأستاذ واحترامه وتكريمه وأن (العلم) الذي يعلّمه (الأستاذ) وينشره في حياته هو مما يلحقه من بـعـد مـوته من حسـنـات فقد قيـل "لا خــير فـي عبـادة ٍ لا عـلم فيهـا" و " الأيمان ثمرته العلم".
لقد كانت صورة (الأستاذ) في التراث الأصيل مثلاً متكاملاً، جامعاً للمناقب، حاوياً للفضائل عماده (العلم) وأساسه (الأبوة والخلق العظيم). ومن تلك "المناقب والفضائل" :
يصون (العلم) ، وينزهه عن الطمع. يعظمه في النفوس ولا يذلّه.
زيادة حسن الخلق، وتمام الرفق والتواضع. فالحكمة تعمر بالتواضع لا بالتكبرّ .
يصدق قوله فعله. فأن (العلم) ، مقرون إلى العمل.
بذل (العلم) ، وعدم البخل به. و زكاة (العلم) أن يعُلّم
أن يكون سمحاً ببذل (العلم) ، سهلاً بشوشاً بإلقائه ، متلطفاً في الإفادة بلا تطويل يُملّ وبلا تقصير يخُلّ. عادلاً منصفاً لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض فان ذلك يوحش الصدر وينفر القلب. ويكون معيار التفضيل العادل حصراً: (الأكثر تحصيلاً، الأشدّ إجتهاداً، والأحسن أدباً).
أن يخرج إلى المحاضرة بكامل الأهبة والوقار والهيبة في اللباس والهيئة والنظافة في الثوب والبدن.
والأستاذ بهذه الصفات الحميدة بمنزلة رفيعة بين مجتمعات الناس ومنتديات العلم والعلماء وجليس الحكام ومستشارهم. فهو مصدر الأدب والعلم والعقل التي لا يضاهيها أي ثراء او جاه.
والأستاذ في التراث ليس (معلماً) فحسب. بل هو واعظ الأسر والأمراء والخلفاء و رفيق حياتهم فلا يردّون له طلباً ولا يتردّدون أن يجهروا بفضله عليهم والاعتذار منه اذا ما تناسوا حقوقه عليهم. أو أغفلوا شخصيته في مجالسهم. فأجلّوه أن يُعلّم بأجرٍ.
وكانت منزلة ثابت بن قرّة، وعبد الله بن المبارك، ألكسائي، الأصمعي، علي بن الحسن الأحمر. خير الشواهد لمكانة الأستاذ في المجتمع و دوره في بناء الثقافة وصقل المواهب وتنمية المهارات.
وكان (الأستاذ) مهنياً مستقلاً. هذا وقد كان تأريخ (النظامية) قد حفظ المثل الأعلى من أمثلة استقلال (الأستاذ) في قصة إعراض الأمام الغزالي المعروفة عن منصب التدريس في سنة (488 هـ) وفي حكاية الاعتذار من لقاء السلطان السلجوقي في سنة (503 هـ).
وحفظ تأريخ (المستنصرية) واجبات (الأستاذ) وأصول المحاضرة وطريقة التدريس وكان الأستاذ يكره التقليد ويرفضه ويؤكد على أن الأصل في العلم هو تحكيم العقل.
مكانة الأستاذ في القرن المعاصر:
على الرغم من التقدم الهائل في العلم والتكنولوجيا والتطّور الحاصل في وسائل الاتصالات وطرائق عملها، يبقى دور (الأستاذ) نشيطاً وفاعلاً في مجالات:
التعامل مع (العلم) الحديث ويسهم في تطويره وتحويل (العلم) ، الـى (التكنولوجيا) والتكنولوجيا إلى (إنتاج).
ويفترض أن تكون (للأستاذ) قابليتان: (جودة التعليم)، (ومكانة في البحث العلمي) فالأستاذ الذي تتوفر فيه الملكتان: (إجادة التعليم، والمثابرة والصبر فـي (البحث العلمي) بأنواعه: أساسـي (Basic)، تطبيقي (Applied)، مؤسسي (Institutional) تطويري (Developmental) ، بيني (Interdisciplinary)، تناغمي (Harmonizing). يستطيع أن يملأ كرسي (الأستاذية) بحّق واستحقاق.
ولمواجهة التغيير السريع في (العلم) و (التكنولوجيا) ومتطلباتها البشرية ومستوى المهارة والاستيعاب لما هو جـديد وتـطويره يبرز دور (الأستاذ) عبر الميادين الأكاديمية الخمسة:
التدريس (Tutoring)، البحث (Research)، التدريب (Training)، الخبرة (Expertise)، الممارسة (Practicing).
لا يكفي أن يكون "الأستاذ" واسع المعرفة وعبقرياً وباحثاً بارزاً فحسب، بل أن يكون كذلك قادراً على (خدمة المجتمع) وحلّ مشكلاته والتطوير الى مزيد من (الجودة). فالجامعة وجدت لخدمة المجتمع وهي قوام حياته الفكرية والمعاشية.
ينبغي أن تكون (للأستاذ) دراية متعمقة ومهارات متخصصة وحسّ عالٍ بالمسؤولية والالتزام بمعايير مهنية عالية في مجال: التعمق العلمي والبحث والعمل الامتدادي لخدمة المجتمع فهو النموذج المتحرك والقائد للعملية التربوية والتعليمية وأساس عملية النهوض.
فلابد إذا من استلهام (المناقب والفضائل) في إعداد (الأستاذ) المعاصر: (المربي، الخبير، الباحث). من تحف التراث في أصالته المحدثة وعمقه الذي لا ينتهي وغناه الذي لا يفنى الذي يؤكد على (العقل) كقيمة ونعمة.
وقد أوصى كثير من الحكماء باحترام (الأستاذ) وتوقيره أكثر مما أوصوا بمثل ذلك للأبوين. ذلك لأن الآباء عنوا بتقويم أبدان أولادهم . أما (الأستاذ) فله الفضل في صقل وتهذيب نفوسهم وعقولهم.
أن الدول تتفنن في تقدير (الأستاذ) وتعتبره العامل الأساس في تقدم شعوبها وحصانة مركزها بين العالم المعاصر. ففي إنكلترا تمنح رتبة علمية جامعية بأسم أستاذ (ملكي) يحصل عليها (الأستاذ) بإدارة ملكية تقديراً لخدماته. ويبقى اللقب مقروناً باسمه مدى الحياة.
أما اليابان فخصّوا (الأستاذ) بامتيازات مادية واعتبارية لم يحصل على مثلها أي موظف من موظفي الدولة.
بقلم : أ.د. عبد المجيد حمزة الناصر
المقدمــة:
"الأستاذ" في اللغة: هو المعلم والعالم الكبير. وهي أعلى المراتب التي يصل إليها العالم. وواضح أن الحضارة الإنـسانية في كل زمان ومكان هي من صنع (العلماء)، مصابيح الأنام وفي أيديهم مفاتيح الأبواب الى النعيم والسلام والرّقي والازدهار. و "العلماء" في أغلب الأحيان من الجامعيين أو من طلبتهم.
صحيح أنّ لكل زمان ٍ علوماً وصنائع قد لا يصلح بعضها إلاّ لمثل ظروف الأقوام التي عاشتها. إلاّ أنّ في علوم التراث المجيد من اللؤلؤ النظيم في روم التعّلم والتعليم ما لا يخلو من العبر و المثاوب التي يمكن الاستفادة منها في ما له علاقة بتهذيب الروح وتنمية الشخصية العلمية والاجتماعية. لا سيمّا أن المتغيرات السريعة والمتلاحقة في مختلف الميادين التعليمية والتكنولوجية في القرن الحالي لم تُلغ جوهر العملية التعليمية وإنما أضافت تقنيات حديثة متزايدة في الخدمات التعليمية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر نظم الوسائط المتعددة (Hyper media system)، والطرق الافتراضية التفاعلية الحديثة (Virtual interactive).
ويبقى "الأستاذ" محور العملية التعليمية والمحّرك الأساس للبحث العلمي وخدمة المجتمع. يصون المعارف والثقافة وينشرها ويحسّن المهارات ويبحث عن الجديد ويؤصّله.
مكانة الأستاذ في التراث:
تتجلّى صورة (الأستاذ) في التراث الزاهر مصباحاً يستضاء به، ومثلاً يسمو البصر إليه تغطيه الهيبة ويغمره الوقار. وينبع ذلك من مكانة (العلم) و (العقل) في التراث. والأدب الباهر حافل بالآيات والبينّات والأحاديث المباركة وأحسن الأشعار وطرائف البيان وبدائع الأخبار في فضل (العلم).
ويجمع الباحثون أن ليس في أية أمة تراث يرفع درجة العقل كمثل تراث هذه الأمة.
وهذه النظرة إلى (العقل) هي أساس ودعامة تبجيل الأستاذ واحترامه وتكريمه وأن (العلم) الذي يعلّمه (الأستاذ) وينشره في حياته هو مما يلحقه من بـعـد مـوته من حسـنـات فقد قيـل "لا خــير فـي عبـادة ٍ لا عـلم فيهـا" و " الأيمان ثمرته العلم".
لقد كانت صورة (الأستاذ) في التراث الأصيل مثلاً متكاملاً، جامعاً للمناقب، حاوياً للفضائل عماده (العلم) وأساسه (الأبوة والخلق العظيم). ومن تلك "المناقب والفضائل" :
يصون (العلم) ، وينزهه عن الطمع. يعظمه في النفوس ولا يذلّه.
زيادة حسن الخلق، وتمام الرفق والتواضع. فالحكمة تعمر بالتواضع لا بالتكبرّ .
يصدق قوله فعله. فأن (العلم) ، مقرون إلى العمل.
بذل (العلم) ، وعدم البخل به. و زكاة (العلم) أن يعُلّم
أن يكون سمحاً ببذل (العلم) ، سهلاً بشوشاً بإلقائه ، متلطفاً في الإفادة بلا تطويل يُملّ وبلا تقصير يخُلّ. عادلاً منصفاً لا يظهر للطلبة تفضيل بعضهم على بعض فان ذلك يوحش الصدر وينفر القلب. ويكون معيار التفضيل العادل حصراً: (الأكثر تحصيلاً، الأشدّ إجتهاداً، والأحسن أدباً).
أن يخرج إلى المحاضرة بكامل الأهبة والوقار والهيبة في اللباس والهيئة والنظافة في الثوب والبدن.
والأستاذ بهذه الصفات الحميدة بمنزلة رفيعة بين مجتمعات الناس ومنتديات العلم والعلماء وجليس الحكام ومستشارهم. فهو مصدر الأدب والعلم والعقل التي لا يضاهيها أي ثراء او جاه.
والأستاذ في التراث ليس (معلماً) فحسب. بل هو واعظ الأسر والأمراء والخلفاء و رفيق حياتهم فلا يردّون له طلباً ولا يتردّدون أن يجهروا بفضله عليهم والاعتذار منه اذا ما تناسوا حقوقه عليهم. أو أغفلوا شخصيته في مجالسهم. فأجلّوه أن يُعلّم بأجرٍ.
وكانت منزلة ثابت بن قرّة، وعبد الله بن المبارك، ألكسائي، الأصمعي، علي بن الحسن الأحمر. خير الشواهد لمكانة الأستاذ في المجتمع و دوره في بناء الثقافة وصقل المواهب وتنمية المهارات.
وكان (الأستاذ) مهنياً مستقلاً. هذا وقد كان تأريخ (النظامية) قد حفظ المثل الأعلى من أمثلة استقلال (الأستاذ) في قصة إعراض الأمام الغزالي المعروفة عن منصب التدريس في سنة (488 هـ) وفي حكاية الاعتذار من لقاء السلطان السلجوقي في سنة (503 هـ).
وحفظ تأريخ (المستنصرية) واجبات (الأستاذ) وأصول المحاضرة وطريقة التدريس وكان الأستاذ يكره التقليد ويرفضه ويؤكد على أن الأصل في العلم هو تحكيم العقل.
مكانة الأستاذ في القرن المعاصر:
على الرغم من التقدم الهائل في العلم والتكنولوجيا والتطّور الحاصل في وسائل الاتصالات وطرائق عملها، يبقى دور (الأستاذ) نشيطاً وفاعلاً في مجالات:
التعامل مع (العلم) الحديث ويسهم في تطويره وتحويل (العلم) ، الـى (التكنولوجيا) والتكنولوجيا إلى (إنتاج).
ويفترض أن تكون (للأستاذ) قابليتان: (جودة التعليم)، (ومكانة في البحث العلمي) فالأستاذ الذي تتوفر فيه الملكتان: (إجادة التعليم، والمثابرة والصبر فـي (البحث العلمي) بأنواعه: أساسـي (Basic)، تطبيقي (Applied)، مؤسسي (Institutional) تطويري (Developmental) ، بيني (Interdisciplinary)، تناغمي (Harmonizing). يستطيع أن يملأ كرسي (الأستاذية) بحّق واستحقاق.
ولمواجهة التغيير السريع في (العلم) و (التكنولوجيا) ومتطلباتها البشرية ومستوى المهارة والاستيعاب لما هو جـديد وتـطويره يبرز دور (الأستاذ) عبر الميادين الأكاديمية الخمسة:
التدريس (Tutoring)، البحث (Research)، التدريب (Training)، الخبرة (Expertise)، الممارسة (Practicing).
لا يكفي أن يكون "الأستاذ" واسع المعرفة وعبقرياً وباحثاً بارزاً فحسب، بل أن يكون كذلك قادراً على (خدمة المجتمع) وحلّ مشكلاته والتطوير الى مزيد من (الجودة). فالجامعة وجدت لخدمة المجتمع وهي قوام حياته الفكرية والمعاشية.
ينبغي أن تكون (للأستاذ) دراية متعمقة ومهارات متخصصة وحسّ عالٍ بالمسؤولية والالتزام بمعايير مهنية عالية في مجال: التعمق العلمي والبحث والعمل الامتدادي لخدمة المجتمع فهو النموذج المتحرك والقائد للعملية التربوية والتعليمية وأساس عملية النهوض.
فلابد إذا من استلهام (المناقب والفضائل) في إعداد (الأستاذ) المعاصر: (المربي، الخبير، الباحث). من تحف التراث في أصالته المحدثة وعمقه الذي لا ينتهي وغناه الذي لا يفنى الذي يؤكد على (العقل) كقيمة ونعمة.
وقد أوصى كثير من الحكماء باحترام (الأستاذ) وتوقيره أكثر مما أوصوا بمثل ذلك للأبوين. ذلك لأن الآباء عنوا بتقويم أبدان أولادهم . أما (الأستاذ) فله الفضل في صقل وتهذيب نفوسهم وعقولهم.
أن الدول تتفنن في تقدير (الأستاذ) وتعتبره العامل الأساس في تقدم شعوبها وحصانة مركزها بين العالم المعاصر. ففي إنكلترا تمنح رتبة علمية جامعية بأسم أستاذ (ملكي) يحصل عليها (الأستاذ) بإدارة ملكية تقديراً لخدماته. ويبقى اللقب مقروناً باسمه مدى الحياة.
أما اليابان فخصّوا (الأستاذ) بامتيازات مادية واعتبارية لم يحصل على مثلها أي موظف من موظفي الدولة.