والعافين عن الناس
موضوع يحتاج لقراءة متأنية ..
فإن كنت غير متفرغ فادخل في وفت آخر .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
حثنا الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم على:
خلق العفو والصفح والتسامح فقـال سبحانه :
" وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"
(14) سورة التغابن.
كما أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:
" خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ"
[الأعراف:199] .
ولقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين المتقين قال تعالى:
" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)"
سورة آل عمران .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره :
أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم
فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد وهذا أكمل الأحوال.
أ.هـ. تفسير ابن كثير 2/122.
وجعل العفو عن الناس أقرب إلى التقوى , فقال سبحانه :
" وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
(237) سورة البقرة.
كما جعله سبباً لمرضاة الله ومغفرته وعفوه , فقال سبحانه :
" إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا"
(149) سورة النساء.
عن عُرْوَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يعني ابْنَ الزُّبَيْرِ - في قَوْلِهِ :
(خُذِ الْعَفْوَ) قَالَ :
أُمِرَ نَبِىُّ اللَّهِ , صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ.
أخرجه البخاري 6/76 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،
أَنَّهُ قَـــــــــــــــــــــــــــــــالَ:
مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ،
وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ ِللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ.
أخرجه أحمد 2/235(7205) و\"الدارِمِي\" 1676 و\"مسلم\" 6684
و\"التِّرمِذي\" 2029 و\"ابن خزيمة\" 2438 .
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس إذ رأيناه
ضحك حتى بدت ثناياه
فقال عمر : ما أضحكك يا رســــــــــــول الله ؟
قـــــــــــــــــــــــــــــال :
رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة
فقــــــــــــــــــــال أحدهما :
يا رب خذ لي مظلمتي من أخي قال الله :
أعط أخاك مظلمته قال :
يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال :
يا رب يحمل عني من أوزاري
وفاضت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال :
إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناس إلى
أن يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله للطالب :
ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقـــال :
يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ
لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا ؟ ! قال :
هذا لمن أعطى الثمن قــــــال :
يا رب من يملك ثمنه ؟ قال :
أنت قال :
بماذا ؟ قال :
بعفوك عن أخيك قال :
يا رب قد عفوت عنه قال :
خذ بيد أخيك فأدخله الجنة
ثم قال رسول الله صلـــــــــــى الله عليه و سلم :
"اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة " .
أخرجه أبو يعلى في (( مسنده )) - كما في (( ابن كثير )) ( 3/ 550- 551) - ،
والبخاري فــــــــــــــي ((الكبير)) ( 2/ 1/ 459)
وابن أبي ال دنيا في (( حسن الظن بالله )) ( 66/ 116) ،
وابن أبي داود في (( البعث )) ( 32) ، والحاكم ( 4/ 576) ،
قَالَ الحاكم : (( صحيح الإسناد )).
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة للعفو والتسامح
فقد ضرب النبي صلــــــــــــى الله عليه وسلم
النموذج والمثل الأعلى في هذا الخلق الرفيع ,
ومن الأمثلة علـــــــى ذلك :
ما روي عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالــــــــــت للنبي :
هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال :
((قد لقيت من قومي وكان أشد ما لوقيته منهم يوم العقبة
إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت،
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرية الثعــــالب
فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال:
إن الله تعالى قد سمع قــــــــول قومك لك وما ردوا عليك
وقد بعث إليك ملك الجـــــــبال لتأمره بما شئت منهم،
فناداني ملك الجبال فسلم علـــــــــــي وقال:
يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال
وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بما شئت فما شئت؟
إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقــــــال :
" بل أرجـــو أن يخرج الله من أصلابهم
من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا))
[رواه البخاري ومسلم].
وبعد فتح مكة:
وقف النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لمن آذوه وحاربوه وطردوه من بلده :
" يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ؟ قالوا:
خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم، قـــــال:
فإنِّي أقُول لكم كما قــال يوسفُ لإخوَتِه :
{لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ }
[يوسف: 92]
أذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء.
انظـــــــر :
الشفا بتعريف حقوق المصطفى ،
القاضى عياض (1/100 ـ 101).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم
نائمًا في ظل شجــــــــــــرة،
فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول:
يا محمد، من يمنعك منــــــــــــــــــــي.
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء:
(الله).فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده،
فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل:
(ومن يمنعك مني؟). فقال الرجـــــــــــل:
كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
[متفق عليه].
وقد سار السلف الصالح رضوان الله عنهم على هذا الخلق الكريم
والتزموه سلوكاً قويماً فــــــــــــــي حياتهم ,
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ :
قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ ،
وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ ،
كُهُولاً كَانُوا ، أَوْ شُبَّانًا ، فَقَـــــــــــــــالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ :
يَا ابْنَ أَخِي ، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ، قَالَ :
سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَـــــــــــــــالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَــلَ عَلَيْهِ قَالَ :
هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَاللهِ ، مَا تُعْطِينَا الْجَـــــــزْلَ ،
وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ ، فَغَضِبَ عُمَرُ ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ،
فَقَالَ لَهُ الْحُــــــــــــــــــــــــرُّ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)
وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَــــــــــــاهِلِينَ ،
وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ ،
وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَـــــابِ اللهِ.
أخرجه البُخَارِي 6/76(4642) .
روي عن ميمون بن مهران أن:
جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة،
وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقـة عليه،
فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية:
يا مولاي، استعمل قوله تعالى:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} قال لها:
قد فعلت. فقــــالت:
اعمل بما بعده {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} . فقال:
قد عفوت عنك. فقالت الجارية:
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
قــــال ميمون:
قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى.
تفسير القرطبي 4/207.
وكلّم الشعبيُّ ابن هبيرة
في قوم حبسهم فقال:
إن كنت حبَسْتَهم بباطلٍ فالحَقُّ يُطْلِقهم ،
وإن كنتَ حبستهم بحقّ فالعفو يَسَعُهم.
قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما:
(لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه)
الآداب الشرعية لابن مفلح (1/319 .
وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله:
"لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ
من أندَم على العقوبة مرة واحــــدة"
أدب المجالسة لابن عبد البر (ص116).
قال علي بن الحسين:
إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل،
فيقوم ناس من الناس، فيقـــــــــال لهم:
انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون:
ما فضلكــــــــــــــــــم؟ فيقولون:
كنا إذا جهـــــل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا،
وإذا أسيء علينا عفونا. فيقـــــــــولون:
ادخلوا الجنة، فنعم أجـر العاملين. ثم ينادي مناد:
ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم:
انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون:
ما كان صبركــــــــــــم؟ فيقولـــون:
صبرنا أنفسنا علــــــــــى طاعة الله،
وصبرنا عن معاصـــي الله، فيقولون لهم:
ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي فيقول:
ليقم جيران الله! فيقوم ناس من الناس، وهم الأقل، فيقال لهم:
بم جاورتم الله فـــــــــــــــي داره؟ فيقولون:
كنا نتجالس في الله، ونتذاكر في الله، ونتزاور في الله، فيقولون:
ادخلوا الجنة، فنعم أجــــــــــــــر العاملين. وقال:
بئس القوم قـــــــــــــوم خلطوا الدنيا بالدين،
وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا.
حلية الأولــــــــياء 3/139.
يقول الإمام ابن القيم :
يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها إلا هو ,
وإنك تحب أن يغفرها لك الله , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده ,
وأن وأحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده ,
فإنما الجزاء من جنس العمــــــــل ...
تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك
تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك.
قال الشافعى رحمه الله :
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ * * أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ
إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ***** لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ
وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ ** * كَأَنَّمَا قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ دَاءٌ دَوَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ * * وَفِي اعْتِزَالِهِمْ قَطْعُ الْمَوَدَّاتِ
وقال الحريرى المتوفى سنة 516ه:
سامحْ أخاك إذا خَلَطْ* **** * منه الإِصَابةَ بالغَلَطْ
وتَجَافَ عن تَعْنِيفِهِ* * **** إنْ زاغ يوماً أو قَسَطْ
واعْلَمْ بأنَّك إن طَلَبْـ* * * ـتَ مُهذَّباً رُمْتَ الشَّطَطْ
ولو انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا* * * نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَط
مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ* * * ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ
جعلنا الله من العافين عن الناس ,
ورزقنا عفـــو ورحمة رب الناس
وجنبنا الزلل في القــــول والعمل .
---------------------------
المصدر : (موقع صيد الفوائد)
ATTA ـFATHY
حثنا الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم على:
خلق العفو والصفح والتسامح فقـال سبحانه :
" وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ"
(14) سورة التغابن.
كما أمرَ الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال:
" خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ"
[الأعراف:199] .
ولقد جعل الله تعالى خلق العفو من صفات المؤمنين المتقين قال تعالى:
" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)"
سورة آل عمران .
قال الإمام ابن كثير في تفسيره :
أي مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم
فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد وهذا أكمل الأحوال.
أ.هـ. تفسير ابن كثير 2/122.
وجعل العفو عن الناس أقرب إلى التقوى , فقال سبحانه :
" وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"
(237) سورة البقرة.
كما جعله سبباً لمرضاة الله ومغفرته وعفوه , فقال سبحانه :
" إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا"
(149) سورة النساء.
عن عُرْوَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ - يعني ابْنَ الزُّبَيْرِ - في قَوْلِهِ :
(خُذِ الْعَفْوَ) قَالَ :
أُمِرَ نَبِىُّ اللَّهِ , صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْخُذَ الْعَفْوَ مِنْ أَخْلاَقِ النَّاسِ.
أخرجه البخاري 6/76 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ،
عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ،
أَنَّهُ قَـــــــــــــــــــــــــــــــالَ:
مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ ، وَمَا زَادَ اللهُ رَجُلاً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا ،
وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ ِللهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ.
أخرجه أحمد 2/235(7205) و\"الدارِمِي\" 1676 و\"مسلم\" 6684
و\"التِّرمِذي\" 2029 و\"ابن خزيمة\" 2438 .
وأخرج أبو يعلى وأبو الشيخ والحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أنس قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس إذ رأيناه
ضحك حتى بدت ثناياه
فقال عمر : ما أضحكك يا رســــــــــــول الله ؟
قـــــــــــــــــــــــــــــال :
رجلا جثيا من أمتي بين يدي رب العزة
فقــــــــــــــــــــال أحدهما :
يا رب خذ لي مظلمتي من أخي قال الله :
أعط أخاك مظلمته قال :
يا رب لم يبق من حسناتي شيء قال :
يا رب يحمل عني من أوزاري
وفاضت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال :
إن ذلك ليوم عظيم يوم تحتاج الناس إلى
أن يتحمل عنهم من أوزارهم فقال الله للطالب :
ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقـــال :
يا رب أرى مدائن من فضة وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ
لأي نبي هذا لأي صديق هذا لأي شهيد هذا ؟ ! قال :
هذا لمن أعطى الثمن قــــــال :
يا رب من يملك ثمنه ؟ قال :
أنت قال :
بماذا ؟ قال :
بعفوك عن أخيك قال :
يا رب قد عفوت عنه قال :
خذ بيد أخيك فأدخله الجنة
ثم قال رسول الله صلـــــــــــى الله عليه و سلم :
"اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة " .
أخرجه أبو يعلى في (( مسنده )) - كما في (( ابن كثير )) ( 3/ 550- 551) - ،
والبخاري فــــــــــــــي ((الكبير)) ( 2/ 1/ 459)
وابن أبي ال دنيا في (( حسن الظن بالله )) ( 66/ 116) ،
وابن أبي داود في (( البعث )) ( 32) ، والحاكم ( 4/ 576) ،
قَالَ الحاكم : (( صحيح الإسناد )).
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة للعفو والتسامح
فقد ضرب النبي صلــــــــــــى الله عليه وسلم
النموذج والمثل الأعلى في هذا الخلق الرفيع ,
ومن الأمثلة علـــــــى ذلك :
ما روي عن عائشة رضي الله عنها
أنها قالــــــــــت للنبي :
هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال :
((قد لقيت من قومي وكان أشد ما لوقيته منهم يوم العقبة
إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت،
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرية الثعــــالب
فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال:
إن الله تعالى قد سمع قــــــــول قومك لك وما ردوا عليك
وقد بعث إليك ملك الجـــــــبال لتأمره بما شئت منهم،
فناداني ملك الجبال فسلم علـــــــــــي وقال:
يا محمد إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال
وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بما شئت فما شئت؟
إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فقــــــال :
" بل أرجـــو أن يخرج الله من أصلابهم
من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا))
[رواه البخاري ومسلم].
وبعد فتح مكة:
وقف النبي صلى الله عليه وسلم
فقال لمن آذوه وحاربوه وطردوه من بلده :
" يا مَعْشرَ قريشٍ، ما تَظُنُّونَ أني فاعِلٌ بكُمْ؟ قالوا:
خيراً أخٌ كرِيمٌ، وابنُ أخٍ كريم، قـــــال:
فإنِّي أقُول لكم كما قــال يوسفُ لإخوَتِه :
{لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ }
[يوسف: 92]
أذْهَبُوا فَأنْتم الطُّلَقَاء.
انظـــــــر :
الشفا بتعريف حقوق المصطفى ،
القاضى عياض (1/100 ـ 101).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم
نائمًا في ظل شجــــــــــــرة،
فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول:
يا محمد، من يمنعك منــــــــــــــــــــي.
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء:
(الله).فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده،
فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف، وقال للرجل:
(ومن يمنعك مني؟). فقال الرجـــــــــــل:
كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
[متفق عليه].
وقد سار السلف الصالح رضوان الله عنهم على هذا الخلق الكريم
والتزموه سلوكاً قويماً فــــــــــــــي حياتهم ,
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ، قَالَ :
قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ ، فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ ،
وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ ، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ ،
كُهُولاً كَانُوا ، أَوْ شُبَّانًا ، فَقَـــــــــــــــالَ عُيَيْنَةُ لاِبْنِ أَخِيهِ :
يَا ابْنَ أَخِي ، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ ، قَالَ :
سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ. قَـــــــــــــــالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :
فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ ، فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ ، فَلَمَّا دَخَــلَ عَلَيْهِ قَالَ :
هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ، فَوَاللهِ ، مَا تُعْطِينَا الْجَـــــــزْلَ ،
وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ ، فَغَضِبَ عُمَرُ ، حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ ،
فَقَالَ لَهُ الْحُــــــــــــــــــــــــرُّ :
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم :
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ)
وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَــــــــــــاهِلِينَ ،
وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ ،
وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَـــــابِ اللهِ.
أخرجه البُخَارِي 6/76(4642) .
روي عن ميمون بن مهران أن:
جاريته جاءت ذات يوم بصحفة فيها مرقة حارة،
وعنده أضياف فعثرت فصبت المرقـة عليه،
فأراد ميمون أن يضربها، فقالت الجارية:
يا مولاي، استعمل قوله تعالى:
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} قال لها:
قد فعلت. فقــــالت:
اعمل بما بعده {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} . فقال:
قد عفوت عنك. فقالت الجارية:
{وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
قــــال ميمون:
قد أحسنت إليك، فأنت حرة لوجه الله تعالى.
تفسير القرطبي 4/207.
وكلّم الشعبيُّ ابن هبيرة
في قوم حبسهم فقال:
إن كنت حبَسْتَهم بباطلٍ فالحَقُّ يُطْلِقهم ،
وإن كنتَ حبستهم بحقّ فالعفو يَسَعُهم.
قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما:
(لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه واعتذر في أُذني الأخرَى لقبِلتُ عذرَه)
الآداب الشرعية لابن مفلح (1/319 .
وقال جعفرُ الصادِق رحمه الله:
"لأن أندمَ على العفوِ عشرين مرّةً أحبُّ إليَّ
من أندَم على العقوبة مرة واحــــدة"
أدب المجالسة لابن عبد البر (ص116).
قال علي بن الحسين:
إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل،
فيقوم ناس من الناس، فيقـــــــــال لهم:
انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون:
ما فضلكــــــــــــــــــم؟ فيقولون:
كنا إذا جهـــــل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا،
وإذا أسيء علينا عفونا. فيقـــــــــولون:
ادخلوا الجنة، فنعم أجـر العاملين. ثم ينادي مناد:
ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم:
انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة، فيقولون:
ما كان صبركــــــــــــم؟ فيقولـــون:
صبرنا أنفسنا علــــــــــى طاعة الله،
وصبرنا عن معاصـــي الله، فيقولون لهم:
ادخلوا الجنة، فنعم أجر العاملين. ثم ينادي فيقول:
ليقم جيران الله! فيقوم ناس من الناس، وهم الأقل، فيقال لهم:
بم جاورتم الله فـــــــــــــــي داره؟ فيقولون:
كنا نتجالس في الله، ونتذاكر في الله، ونتزاور في الله، فيقولون:
ادخلوا الجنة، فنعم أجــــــــــــــر العاملين. وقال:
بئس القوم قـــــــــــــوم خلطوا الدنيا بالدين،
وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا.
حلية الأولــــــــياء 3/139.
يقول الإمام ابن القيم :
يا ابن ادم .. إن بينك وبين الله خطايا وذنوب لايعلمها إلا هو ,
وإنك تحب أن يغفرها لك الله , فإذا أحببت أن يغفرها لك فاغفر أنت لعباده ,
وأن وأحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده ,
فإنما الجزاء من جنس العمــــــــل ...
تعفو هنا يعفو هناك , تنتقم هنا ينتقم هناك
تطالب بالحق هنا يطالب بالحق هناك.
قال الشافعى رحمه الله :
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ * * أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ
إنِّي أُحَيِّي عَدُوِّي عِنْدَ رُؤْيَتِهِ ***** لِأَدْفَعَ الشَّرَّ عَنِّي بِالتَّحِيَّاتِ
وَأُظْهِرُ الْبِشْرَ لِلْإِنْسَانِ أَبْغَضُهُ ** * كَأَنَّمَا قَدْ حَشَى قَلْبِي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ دَاءٌ دَوَاءُ النَّاسِ قُرْبُهُمْ * * وَفِي اعْتِزَالِهِمْ قَطْعُ الْمَوَدَّاتِ
وقال الحريرى المتوفى سنة 516ه:
سامحْ أخاك إذا خَلَطْ* **** * منه الإِصَابةَ بالغَلَطْ
وتَجَافَ عن تَعْنِيفِهِ* * **** إنْ زاغ يوماً أو قَسَطْ
واعْلَمْ بأنَّك إن طَلَبْـ* * * ـتَ مُهذَّباً رُمْتَ الشَّطَطْ
ولو انْتَقَدْتَ بني الزَّمَا* * * نِ وَجَدْتَ أكْثَرَهُمْ سَقَط
مَنْ ذَا الذي ما سَاءَ قَطْ* * * ومَنْ له الحُسْنَى فَقَطْ
جعلنا الله من العافين عن الناس ,
ورزقنا عفـــو ورحمة رب الناس
وجنبنا الزلل في القــــول والعمل .
---------------------------
المصدر : (موقع صيد الفوائد)
ATTA ـFATHY