الاختلافُ هو التباينُ في الرأي، والمغايرةُ في الطرحِ، لأن اعتمادنا على الفكر المعلب لا يشجع لإثراء المعرفة الفكرية بل التقوقع والانكماش الذي يجمد الفكر والتفكير. فالاختلافُ من طبيعة البشر، وهو من الظواهر العادية والصحية بين الناس؛ نظرًا لاختلاف القدرات الفكرية والجسمية والعقلية والبيئية واللغوية بين البشر.
والاختلاف الذي يعنيني اليوم هو التباين في وجهات النظر الطبية لتفسير حالة مرضية أو الاجتهاد ضمن آفاق معرفية للبعض، علما أن انتشار المعرفة الطبية عبر مواقع الانترنت قد أزالت اللبس بين المعنيين، ويحزنني تسلق البعض بخداع المريض المحتاج بالقول أو الفعل، والذي يمثل نموذجا مرضيا قد وجد كينونته في قلوب فقيرة، تطعن بزملاء يمثلون القمة الهرمية في مجال اختصاصهم بإطلاق عبارات التشكيك أمام المرضى، مطبقين المثل العربي الذي قيل عنهم بأن من يعجز عن قطف الثمرة العالية لقزامته، يكيل عليها ضربا بالحجارة ليؤذيها ويسقطها، وباطن اللغة المقرونة بالفعل لم يكن عقيما لتحجيم هؤلاء، ولكنه تجاهلهم بقصد تقزيمهم ووأدهم.
والذين يجهلون حقيقة الاختلاف فليعلموا بأن الاختلاف نوعان؛ اختلاف مذموم، واختلاف محمود، والمذموم فأسبابه الغرور بالنفس والإعجاب بالرأي وشكوك احتكار العلم والمعرفة، وسوء الظن والمسارعة إلى اتهام الآخرين، وإدعاء احتكار الأسرار المرضية ببطولات شهودها قد ماتوا، وهذه الأسباب وغيرها من الرذائل الأخلاقية والمهلكات هي التي ينشأ عنها اختلاف غير محمود وتفرق مذموم. وأما الاختلاف المحمود فهو اختلاف تنوع، وهو عبارة عن الآراء المتعددة ذات المنبع الواحد وتصب بمشرب واحد ويمكن لمتبنيها الانتقال من فريق لآخر ضمن أصول العقل والمنطق، لأن هذه الاختلافات تخلو من التجريح الذي يمثل سلاح الضعفاء بين معشر المهنة الواحدة. ولقد قسم علماء الفكر والنفس آداب الاختلاف الى محاور، يمثل الأول منها الآداب الأخلاقية والتي تلزم المنتسبين لعضويتها التمتع بمجموعة من الضوابط الأخلاقية التي لابد من مراعاتها مثل احترام الطرف الآخر بينما يمثل المحور الثاني الآداب العلمية، وتشمل وجوب معرفة أطراف الحوار بالقضية محور النقاش وتمتعهم بالقدرة على إبداء الرأي وتقبل الفائدة من الرأي الآخر وحب البحث عن الحقيقة كأسلوب علمي للحكم، وقد صدق الشافعي رحمه الله عندما قال: (ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني). وأما المحور الثالث فيتمثل بالآداب الاجتماعية والتي تعتمد في دستورها على مراعاة أمور عدة كالتكيّف مع الرأي الآخر وقبول الاختلاف، وعدم إسقاط الآخرين اجتماعياً و/أو علمياً، فأدب الحوار مهارة يجب على المجتهد التسلح بها لمستقبل مشرق منذ نعومة أظفاره، فحقيقة الاختلاف أنه فنٌ يفتقر البعض التذوق به وربما الظروف قد صنعته للبعض وسيلة كسب مادي حتى لو كان الأمر يتطلب التضحية بسمعة زملاء آخرين لأنه سلاحهم الأوحد ليتقوقع هؤلاء بجدران عدم الثقة في التعامل، فاستسهلوا توزيع التهم، وتورطوا في محاولة إقصاء الآخرين، وتسلحوا بالممنوع أو المختلف الشاذ لنجد مع كل مرارة وأسف أن هذا الصنف التسلطي يحاول أن يفرض الحوار بمحدودية تفكيره، ويقيني أو اجتهادي في ذلك أن جزءا من تفسير هذه المشكلة يعود لعدم ردع هؤلاء وتحجيمهم في أقفاص يستحقون، فمن يسيء الفهم ولا يعترف أو يرتدع لربما أشكل عليه التعرف أو القراءة، فاعتقد ان السير في الظلام يوصل وله الحق ضمن قواعده فالظلام فرصة له وللص أيضاً في تأدية الواجب.
إن أبسط الحقوق المقدسة للمريض حقه في أخذ رأي طبي آخر أو الانتقال للعلاج تحت اشراف زميل آخر، وحصوله على تقرير طبي بحالته المرضية وصورة عن نتائج فحوصاته، فذلك أمر أخلاقي ملزم وتنفيذه بصدر رحب أولوية، ويجب أن لا يكون أمراً خلافياً بأي مرحلة من مراحل العمر والخبرة، وعلى المستوى الشخصي فالرأي الطبي الآخر قد يكون مطابقاً لما ذهبت إليه في قناعتي واجتهادي من حيث التحليل والتشخيص والعلاج، وهو أمر يجعلني أتقدم خطوة أعلى في سلم ثقة المريض والتطور، وقد يكون هناك نقاط اجتهادية خلافية بين الرأيين الطبيين وهذا إن وجد فهو واقع صحيح للخدمة الطبية المثالية المقدمة للمريض، وربما لا تؤثر على النتيجة النهائية للواقع وخطوات التشخيص وخطة، وللمريض الحق بالاختيار بعد أن يطّلع على واقع الأمور بلغة يفهمها ويستوعبها ويعرف أبعادها ويستمع لجميع الردود والاستفسارات المتعلقة بها، لأنه المعني الأول بالقضية والخلاف، وقد يكون الرأي الطبي الآخر هو الطريق الصحيح للتشخيص لما فيه بمنفعة للمريض، فيكون ذلك درسا أتعلم منه وأضيف شيئا جديدا إلى قاموس معرفتي، ودون أن اشكك أو أنال من قدر زميل، لأنني قد أكون أنا الطبيب الثاني. فاستخدام ألفاظ النعت النابية هو دليل ضعف وفقر وليس مصدر قوة، ومن شأن ذلك التقليل لقدر صاحبه أمام المريض وأهله. مذكرا أن سماع الآراء الطبية الملحقة بعبارات التشكيك سيخلط قناعات المريض الشخصية والعائلية، وهو أمر مرضي سينخر في الجسم الطبي ويهدمه لو سُمِحَ له بالبقاء ودون علاج. فالرأي الطبي الآخر بأركانه العلمية والأخلاقية حتى لو كان خلافياً، هو طريق مساعد لرسم الخطة العلاجية للمرض وفرصة شخصية للطبيب لإثراء معرفته بحالة جديدة، ومردود ذلك أن الموازين التشخيصية والعلاجية هي موازين تقديرية تعتمد على المعرفة والتحليل والخبرة والجديد، والطبيب يبذل الجهد لتقديم الخدمة الطبية المثلى للمريض وتعاونه مع زملاء آخرين لنفس الاختصاص أو اختصاص آخر هو وسام يكافئ عليه لأنه يبرهن حرصه على المريض وتطلعه للاستزادة بالمزيد من العلم، فلا يوجد طبيب وبأي اختصاص يستطيع تشخيص ومعالجة كل حالة مرضية، ومن يدعي ذلك فعليه الرحمة. وما نسمعه أحياناً على لسان البعض والتي تطعن بزملاء آخرين ما هي (إن صحّ وجودها) إلا نقاط ضعف في تكوين شخصيته وعلمه وفقره فيجد في الهجوم على الآخرين والتشكيك بهم، طريق النصر التي يرضي بها طموحه ويسعد ذاته أو مؤشرا لسد النقص الأساسي والعلمي والأخلاقي في شخصه بلغة قد يجيد الخداع بها، ولكنني أجزم أن ذلك لن يفيد ومن يقرأ التاريخ يعرف أن من حاول التسلق على حساب الآخرين سقط للقاع دون تنسم هواء القمة، فحدود التفكير الإنساني هي حدود ليست مطلقة والعلم يتطور باستمرار، وموضوع الاكتشافات التشخيصية والطبية واستحداث الطرق العلاجية الجديدة هو موضوع متجدد على مدار الساعة لمن يتابع ويبحث عن العلم ليضمن الاستمرار ومقالتي هذه نصيحة مجانية برسم القبول.
د. كميل موسى فرام
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب/ الجامعة الأردنية
والاختلاف الذي يعنيني اليوم هو التباين في وجهات النظر الطبية لتفسير حالة مرضية أو الاجتهاد ضمن آفاق معرفية للبعض، علما أن انتشار المعرفة الطبية عبر مواقع الانترنت قد أزالت اللبس بين المعنيين، ويحزنني تسلق البعض بخداع المريض المحتاج بالقول أو الفعل، والذي يمثل نموذجا مرضيا قد وجد كينونته في قلوب فقيرة، تطعن بزملاء يمثلون القمة الهرمية في مجال اختصاصهم بإطلاق عبارات التشكيك أمام المرضى، مطبقين المثل العربي الذي قيل عنهم بأن من يعجز عن قطف الثمرة العالية لقزامته، يكيل عليها ضربا بالحجارة ليؤذيها ويسقطها، وباطن اللغة المقرونة بالفعل لم يكن عقيما لتحجيم هؤلاء، ولكنه تجاهلهم بقصد تقزيمهم ووأدهم.
والذين يجهلون حقيقة الاختلاف فليعلموا بأن الاختلاف نوعان؛ اختلاف مذموم، واختلاف محمود، والمذموم فأسبابه الغرور بالنفس والإعجاب بالرأي وشكوك احتكار العلم والمعرفة، وسوء الظن والمسارعة إلى اتهام الآخرين، وإدعاء احتكار الأسرار المرضية ببطولات شهودها قد ماتوا، وهذه الأسباب وغيرها من الرذائل الأخلاقية والمهلكات هي التي ينشأ عنها اختلاف غير محمود وتفرق مذموم. وأما الاختلاف المحمود فهو اختلاف تنوع، وهو عبارة عن الآراء المتعددة ذات المنبع الواحد وتصب بمشرب واحد ويمكن لمتبنيها الانتقال من فريق لآخر ضمن أصول العقل والمنطق، لأن هذه الاختلافات تخلو من التجريح الذي يمثل سلاح الضعفاء بين معشر المهنة الواحدة. ولقد قسم علماء الفكر والنفس آداب الاختلاف الى محاور، يمثل الأول منها الآداب الأخلاقية والتي تلزم المنتسبين لعضويتها التمتع بمجموعة من الضوابط الأخلاقية التي لابد من مراعاتها مثل احترام الطرف الآخر بينما يمثل المحور الثاني الآداب العلمية، وتشمل وجوب معرفة أطراف الحوار بالقضية محور النقاش وتمتعهم بالقدرة على إبداء الرأي وتقبل الفائدة من الرأي الآخر وحب البحث عن الحقيقة كأسلوب علمي للحكم، وقد صدق الشافعي رحمه الله عندما قال: (ما جادلت عالماً إلا وغلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني). وأما المحور الثالث فيتمثل بالآداب الاجتماعية والتي تعتمد في دستورها على مراعاة أمور عدة كالتكيّف مع الرأي الآخر وقبول الاختلاف، وعدم إسقاط الآخرين اجتماعياً و/أو علمياً، فأدب الحوار مهارة يجب على المجتهد التسلح بها لمستقبل مشرق منذ نعومة أظفاره، فحقيقة الاختلاف أنه فنٌ يفتقر البعض التذوق به وربما الظروف قد صنعته للبعض وسيلة كسب مادي حتى لو كان الأمر يتطلب التضحية بسمعة زملاء آخرين لأنه سلاحهم الأوحد ليتقوقع هؤلاء بجدران عدم الثقة في التعامل، فاستسهلوا توزيع التهم، وتورطوا في محاولة إقصاء الآخرين، وتسلحوا بالممنوع أو المختلف الشاذ لنجد مع كل مرارة وأسف أن هذا الصنف التسلطي يحاول أن يفرض الحوار بمحدودية تفكيره، ويقيني أو اجتهادي في ذلك أن جزءا من تفسير هذه المشكلة يعود لعدم ردع هؤلاء وتحجيمهم في أقفاص يستحقون، فمن يسيء الفهم ولا يعترف أو يرتدع لربما أشكل عليه التعرف أو القراءة، فاعتقد ان السير في الظلام يوصل وله الحق ضمن قواعده فالظلام فرصة له وللص أيضاً في تأدية الواجب.
إن أبسط الحقوق المقدسة للمريض حقه في أخذ رأي طبي آخر أو الانتقال للعلاج تحت اشراف زميل آخر، وحصوله على تقرير طبي بحالته المرضية وصورة عن نتائج فحوصاته، فذلك أمر أخلاقي ملزم وتنفيذه بصدر رحب أولوية، ويجب أن لا يكون أمراً خلافياً بأي مرحلة من مراحل العمر والخبرة، وعلى المستوى الشخصي فالرأي الطبي الآخر قد يكون مطابقاً لما ذهبت إليه في قناعتي واجتهادي من حيث التحليل والتشخيص والعلاج، وهو أمر يجعلني أتقدم خطوة أعلى في سلم ثقة المريض والتطور، وقد يكون هناك نقاط اجتهادية خلافية بين الرأيين الطبيين وهذا إن وجد فهو واقع صحيح للخدمة الطبية المثالية المقدمة للمريض، وربما لا تؤثر على النتيجة النهائية للواقع وخطوات التشخيص وخطة، وللمريض الحق بالاختيار بعد أن يطّلع على واقع الأمور بلغة يفهمها ويستوعبها ويعرف أبعادها ويستمع لجميع الردود والاستفسارات المتعلقة بها، لأنه المعني الأول بالقضية والخلاف، وقد يكون الرأي الطبي الآخر هو الطريق الصحيح للتشخيص لما فيه بمنفعة للمريض، فيكون ذلك درسا أتعلم منه وأضيف شيئا جديدا إلى قاموس معرفتي، ودون أن اشكك أو أنال من قدر زميل، لأنني قد أكون أنا الطبيب الثاني. فاستخدام ألفاظ النعت النابية هو دليل ضعف وفقر وليس مصدر قوة، ومن شأن ذلك التقليل لقدر صاحبه أمام المريض وأهله. مذكرا أن سماع الآراء الطبية الملحقة بعبارات التشكيك سيخلط قناعات المريض الشخصية والعائلية، وهو أمر مرضي سينخر في الجسم الطبي ويهدمه لو سُمِحَ له بالبقاء ودون علاج. فالرأي الطبي الآخر بأركانه العلمية والأخلاقية حتى لو كان خلافياً، هو طريق مساعد لرسم الخطة العلاجية للمرض وفرصة شخصية للطبيب لإثراء معرفته بحالة جديدة، ومردود ذلك أن الموازين التشخيصية والعلاجية هي موازين تقديرية تعتمد على المعرفة والتحليل والخبرة والجديد، والطبيب يبذل الجهد لتقديم الخدمة الطبية المثلى للمريض وتعاونه مع زملاء آخرين لنفس الاختصاص أو اختصاص آخر هو وسام يكافئ عليه لأنه يبرهن حرصه على المريض وتطلعه للاستزادة بالمزيد من العلم، فلا يوجد طبيب وبأي اختصاص يستطيع تشخيص ومعالجة كل حالة مرضية، ومن يدعي ذلك فعليه الرحمة. وما نسمعه أحياناً على لسان البعض والتي تطعن بزملاء آخرين ما هي (إن صحّ وجودها) إلا نقاط ضعف في تكوين شخصيته وعلمه وفقره فيجد في الهجوم على الآخرين والتشكيك بهم، طريق النصر التي يرضي بها طموحه ويسعد ذاته أو مؤشرا لسد النقص الأساسي والعلمي والأخلاقي في شخصه بلغة قد يجيد الخداع بها، ولكنني أجزم أن ذلك لن يفيد ومن يقرأ التاريخ يعرف أن من حاول التسلق على حساب الآخرين سقط للقاع دون تنسم هواء القمة، فحدود التفكير الإنساني هي حدود ليست مطلقة والعلم يتطور باستمرار، وموضوع الاكتشافات التشخيصية والطبية واستحداث الطرق العلاجية الجديدة هو موضوع متجدد على مدار الساعة لمن يتابع ويبحث عن العلم ليضمن الاستمرار ومقالتي هذه نصيحة مجانية برسم القبول.
د. كميل موسى فرام
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب/ الجامعة الأردنية