حتى يغيروا ما بأنفسهم
ثمت متوالية حسابية ساذجة يرددها الكثيرون ، حثاً لغيرهم على الدعوة والإصلاح ، وتثميناً للجهد والعمل الفردي الذي يقوم به الداعية والمربي .
تقول : أنت تدعو شخصاً واحداً ، والواحد يصبح اثنين ، ثم أربعة .. وهكذا حتى تشمل الدعوة كل أفراد المجتمع .
وفكرة إقناع الآخرين بتقديم ما لديهم ، ولو كان يسيراً محدوداً ، هي بالتأكيد فكرة صحيحة ، منسجمة مع العدل الشرعي الذي يطالب الإنسان بقدر ما لديه. وفي الإرشاد النبوي ، فيما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري ( 3461 ) وغيره .
والظاهر أن المقصود آية من القرآن ولو قصرت ، وفهم ابن حبان ( 14/14) منها معنى الحكم أو الحجة فجعلها شاملة لتبليغ القرآن والسنة ، وهو جيد فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم مهمة البلاغ محصورة في العلماء المتمكنين ، ولا في الحفظة المكثرين .
وفيما يتعلق بالحديث النبوي الشريف تخصيصاً ، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن سمع مقالته ووعاها ، وبلغها لمن لم يسمعها ، فقال في الحديث الذي رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع .. الخ )
والحديث صحيح ، جاء من طرق عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وجبير بن مطعم ، وأبي سعيد ، والنعمان بن بشير ، وأنس ، وأبي الدرداء ، قال الحاكم ( 1/88 ) وعن جماعة من الصحابة ، منهم عمر و عثمان وعلي ومعاذبن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم .
إذاً نحن متفقون على الدعوة إلى الإيجابية والمشاركة والعطاء ، ولو بالقليل ، فإن السيل من نقط .وها هنا معادلة صعبة يلجأ إليها الذين يتهربون من أداء واجباتهم ، ويحتجون بأن العمل اليسير الذين يستطيعونه غير ذي جدوى ، وأن الموقف يتطلب عملاً إيجابياً ضخماً يغير موازين القوى ، وهذا ماليس بمقدورهم وهكذا نضيع بين مجهود ممكن ، ولكنه – في نظرهم – غير مؤثر ، وبين عمل مؤثر ، ولكنه غير ممكن . ونستطيع هنا أن نقبض على ( مهرب نفيس ) أو لون من الخداع الذي نحرر به أنفسنا من التبعة ، لنقع في قبضة الأوهام والحيل النفسية . إن تصور مجهودك المتواضع ، وهو يضاف إلى مجهودات الملايين المتواضعة أيضاً يمكن أن يعدل الميزان .
إ ق ت ر ا ح ، ت و ح ي د ، ا ل ل غ ا ت ، ال إ ن س ا ن ، ت و ح ي د ، ا ل إ ن س ا ن ، ل غ ا ت ، ا ل إ ن س ا ن ، ك ل ا م ، م ن ك ل ، ل غ ة ، أ ك ث ر ، ح س ب ا ل أ س هـ ل ، ح ر و ف ،ح ر و ف ت ق ر أ ، ت ك ت ب ، ت ش م ل ، ك ل ، ل هـ ج ة ، ت س م ى ، ل غ ة ، ا ل إ ن س ا ن ، ب و ا س ط ة ، ا ل إ ن ت ر ن ت ، و ا ل ق ن و ا ت ، ا ل ف ض ا ء ي ة ، ي س ت ط ي ع ، ي د ر س ، ك ل ، إ ن س ا ن ، ف ي ، ا ل ع ا ل م ، ي س ت ف ي د ، و ت ك و ن ، ا ل ل غ ة ، ا ل ث ا ن ي ة ، وب ع د ، م د ة ، ت ك و ن ، ه ي ، ا ل ل غ ة ، ا ل ر س م ي ة .. .
دعك الآن من مضمون هذه الحروف ، وفكر قليلاً كيف استطاع توصيل فكرة كهذه ، لا تخلو من تعقيد ؟ فكرة البحث عن لغة عالمية مشتركة .
إن لديه لوحاً كتبت فيه الحروف كلها ، فإذا أراد شيئاً أدرك من حوله أنه يريد أن يفضي لهم بشيء ، فأحضروا اللوح ثم ظلوا يشيرون إلى الحروف حرفاً حرفا حتى يصلوا إلى الذي يريد فيفهمون من حركة عينه كموافقة على ذلك الحرف فيكتبونه ، ثم يبدؤون سيرتهم مع الحروف مرة أخرى .. وهكذا استغرقت عملية كتابة الحروف السابقة ثلاثمائة وخمساً من المحاولات الصائبة .. ولك أن تحسب المحاولات المخفقة ، كما استهلكت وقتاً يزيد على الشهرين كان يمثل حالة مخاض ذهني مؤلم !
من منا لا يملك قلماً ؟ وورقاً ؟ وفكرة ؟ أو اقتراحاً ؟ أو نصيحة ؟ أو تأييداً ؟ أو معارضة ؟ أو ما شاء الله ؟ وهل يفتقر مثل هذا إلى همة أصلاً ؟
إن كلمة ( إنسان ) ذاتها مشتقة من النوس ، وهو الحركة ، كما في اللسان وغيره ، فالإنسان بطبعة متحرك وفعال ، ولذلك كان أصدق الأسماء حارثاً وهماماً ، كما في حديث أبي وهب الجشمي : ( أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ) ، وهو في أبي داود ( 4950 ) والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب وغيرهم والراجح أنه مرسل كما في علل ابن أبي حاتم وغيره .
وذلك لأن وجود الهم والإرادة ، ثم العمل والحركة من أبرز ميزات وخصائص الإنسان ، سواء كان ذلك لأمر الدنيا أو كان لأمر الآخرة . وحين يفقد الإنسان هذا أو ذاك بالكلية يفقد معنى وجوده ، فالذي ليس لديه أدنى رغبة في عمل شيء ما ، أو لديه الرغبة ولكن ليس لديه أدنى قدرة على هذا العمل ، هو كائن بلا معنى ، ولذلك فمعظم حالات الانتحار ، الانتحار الفردي أو الجماعي الأعمى ، هي من هذا القبيل .
وبالمعيار الشرعي فلا وجود لحالة لا يملك الإنسان فيها أن يعمل أي شيء .
فالقلب ما دام حياً يصنع الكثير ، فهو منطلق الخير والصلاح وهو مضغة إذا صلحت صح الجسد كله ، وهو من الجهاد ، ( ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ) ، وهو محل الإنكار ( فمن لم يستطع فبقلبه ) ، وهو موضع النية ، ومنطلق الدعاء ، ومكان الخشوع .
ورب دعوة صادقة لم ينطق بها فم ، ولا تحرك بها لسان ، لكنها بلغت محلها .
ثمت متوالية حسابية ساذجة يرددها الكثيرون ، حثاً لغيرهم على الدعوة والإصلاح ، وتثميناً للجهد والعمل الفردي الذي يقوم به الداعية والمربي .
تقول : أنت تدعو شخصاً واحداً ، والواحد يصبح اثنين ، ثم أربعة .. وهكذا حتى تشمل الدعوة كل أفراد المجتمع .
وفكرة إقناع الآخرين بتقديم ما لديهم ، ولو كان يسيراً محدوداً ، هي بالتأكيد فكرة صحيحة ، منسجمة مع العدل الشرعي الذي يطالب الإنسان بقدر ما لديه. وفي الإرشاد النبوي ، فيما رواه عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بلغوا عني ولو آية ) رواه البخاري ( 3461 ) وغيره .
والظاهر أن المقصود آية من القرآن ولو قصرت ، وفهم ابن حبان ( 14/14) منها معنى الحكم أو الحجة فجعلها شاملة لتبليغ القرآن والسنة ، وهو جيد فلم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم مهمة البلاغ محصورة في العلماء المتمكنين ، ولا في الحفظة المكثرين .
وفيما يتعلق بالحديث النبوي الشريف تخصيصاً ، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن سمع مقالته ووعاها ، وبلغها لمن لم يسمعها ، فقال في الحديث الذي رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله أمرءاً سمع مقالتي فوعاها فبلغها كما سمعها ، فرب مبلغ أوعى من سامع .. الخ )
والحديث صحيح ، جاء من طرق عن ابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وجبير بن مطعم ، وأبي سعيد ، والنعمان بن بشير ، وأنس ، وأبي الدرداء ، قال الحاكم ( 1/88 ) وعن جماعة من الصحابة ، منهم عمر و عثمان وعلي ومعاذبن جبل وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم .
إذاً نحن متفقون على الدعوة إلى الإيجابية والمشاركة والعطاء ، ولو بالقليل ، فإن السيل من نقط .وها هنا معادلة صعبة يلجأ إليها الذين يتهربون من أداء واجباتهم ، ويحتجون بأن العمل اليسير الذين يستطيعونه غير ذي جدوى ، وأن الموقف يتطلب عملاً إيجابياً ضخماً يغير موازين القوى ، وهذا ماليس بمقدورهم وهكذا نضيع بين مجهود ممكن ، ولكنه – في نظرهم – غير مؤثر ، وبين عمل مؤثر ، ولكنه غير ممكن . ونستطيع هنا أن نقبض على ( مهرب نفيس ) أو لون من الخداع الذي نحرر به أنفسنا من التبعة ، لنقع في قبضة الأوهام والحيل النفسية . إن تصور مجهودك المتواضع ، وهو يضاف إلى مجهودات الملايين المتواضعة أيضاً يمكن أن يعدل الميزان .
وأذكر هاهنا حادثة طريفة
زرت قبل شهور أحد الشيوخ المرضى الذين أقعدهم المرض عن كل شيء ، فهو لا يتحرك ، ولا يتكلم ، ولا يستطيع القيام بأدنى عمل ، غير أنه يسمع ويبصر . فوجدت الرجل ينتظرني على أحر من الجمر .. وما ذا هناك ؟ وجدت عنده هذه الورقة التي هي أشبه بالكلمات المتقاطعة ، ووجدته حفياً بها ..
إ ق ت ر ا ح ، ت و ح ي د ، ا ل ل غ ا ت ، ال إ ن س ا ن ، ت و ح ي د ، ا ل إ ن س ا ن ، ل غ ا ت ، ا ل إ ن س ا ن ، ك ل ا م ، م ن ك ل ، ل غ ة ، أ ك ث ر ، ح س ب ا ل أ س هـ ل ، ح ر و ف ،ح ر و ف ت ق ر أ ، ت ك ت ب ، ت ش م ل ، ك ل ، ل هـ ج ة ، ت س م ى ، ل غ ة ، ا ل إ ن س ا ن ، ب و ا س ط ة ، ا ل إ ن ت ر ن ت ، و ا ل ق ن و ا ت ، ا ل ف ض ا ء ي ة ، ي س ت ط ي ع ، ي د ر س ، ك ل ، إ ن س ا ن ، ف ي ، ا ل ع ا ل م ، ي س ت ف ي د ، و ت ك و ن ، ا ل ل غ ة ، ا ل ث ا ن ي ة ، وب ع د ، م د ة ، ت ك و ن ، ه ي ، ا ل ل غ ة ، ا ل ر س م ي ة .. .
دعك الآن من مضمون هذه الحروف ، وفكر قليلاً كيف استطاع توصيل فكرة كهذه ، لا تخلو من تعقيد ؟ فكرة البحث عن لغة عالمية مشتركة .
إن لديه لوحاً كتبت فيه الحروف كلها ، فإذا أراد شيئاً أدرك من حوله أنه يريد أن يفضي لهم بشيء ، فأحضروا اللوح ثم ظلوا يشيرون إلى الحروف حرفاً حرفا حتى يصلوا إلى الذي يريد فيفهمون من حركة عينه كموافقة على ذلك الحرف فيكتبونه ، ثم يبدؤون سيرتهم مع الحروف مرة أخرى .. وهكذا استغرقت عملية كتابة الحروف السابقة ثلاثمائة وخمساً من المحاولات الصائبة .. ولك أن تحسب المحاولات المخفقة ، كما استهلكت وقتاً يزيد على الشهرين كان يمثل حالة مخاض ذهني مؤلم !
من منا لا يملك قلماً ؟ وورقاً ؟ وفكرة ؟ أو اقتراحاً ؟ أو نصيحة ؟ أو تأييداً ؟ أو معارضة ؟ أو ما شاء الله ؟ وهل يفتقر مثل هذا إلى همة أصلاً ؟
إن كلمة ( إنسان ) ذاتها مشتقة من النوس ، وهو الحركة ، كما في اللسان وغيره ، فالإنسان بطبعة متحرك وفعال ، ولذلك كان أصدق الأسماء حارثاً وهماماً ، كما في حديث أبي وهب الجشمي : ( أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ) ، وهو في أبي داود ( 4950 ) والنسائي وأحمد والبخاري في الأدب وغيرهم والراجح أنه مرسل كما في علل ابن أبي حاتم وغيره .
وذلك لأن وجود الهم والإرادة ، ثم العمل والحركة من أبرز ميزات وخصائص الإنسان ، سواء كان ذلك لأمر الدنيا أو كان لأمر الآخرة . وحين يفقد الإنسان هذا أو ذاك بالكلية يفقد معنى وجوده ، فالذي ليس لديه أدنى رغبة في عمل شيء ما ، أو لديه الرغبة ولكن ليس لديه أدنى قدرة على هذا العمل ، هو كائن بلا معنى ، ولذلك فمعظم حالات الانتحار ، الانتحار الفردي أو الجماعي الأعمى ، هي من هذا القبيل .
وبالمعيار الشرعي فلا وجود لحالة لا يملك الإنسان فيها أن يعمل أي شيء .
فالقلب ما دام حياً يصنع الكثير ، فهو منطلق الخير والصلاح وهو مضغة إذا صلحت صح الجسد كله ، وهو من الجهاد ، ( ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ) ، وهو محل الإنكار ( فمن لم يستطع فبقلبه ) ، وهو موضع النية ، ومنطلق الدعاء ، ومكان الخشوع .
ورب دعوة صادقة لم ينطق بها فم ، ولا تحرك بها لسان ، لكنها بلغت محلها .
إن تحريك الفاعلية والإنتاجية في شخصية الإنسان المسلم هي حجر الزاوية في عملية التغيير المنشود ، وهي ممايؤرق بال الغيورين ، ويدعوهم للتفكير الجاد في البحث عن وسائل شحذ العزائم ، وتحريك الهمم ، وإيجاد الآليات التي تعطى للفرد – أيا كان مستواه – دوره المنشود .
وللإخوة الذين يحلمون بالتغيير ، دون أن يمتلكوا التصور السليم عن كيفية حدوثه ، أن يتأملوا كيف يعجز الواحد منا عن تغيير طبع سيء فيه ، أو عادة غير حميدة مع أهله ، أو مع أصدقائه ، أو مع نفسه .
فكيف يطمح إلى التغيير العالمي من يعجز عن هز طاولة صغيرة أمامه ؟
!!!
وللإخوة الذين يحلمون بالتغيير ، دون أن يمتلكوا التصور السليم عن كيفية حدوثه ، أن يتأملوا كيف يعجز الواحد منا عن تغيير طبع سيء فيه ، أو عادة غير حميدة مع أهله ، أو مع أصدقائه ، أو مع نفسه .
فكيف يطمح إلى التغيير العالمي من يعجز عن هز طاولة صغيرة أمامه ؟
!!!
سلمان بن فهد العودة