بنت الشهداء
Well-Known Member
بَنَان الطنطاوي؟ قتيلةُ الإسلام التي لا يعرفها أحد؟!
(1943م - 1360هـ / 1401هـ - 1981م )
هي أمِّي في الإسلام وأُخْتي ، وباعثة أشجاني في تلك الأيام وحُزْني !
هي خالتي في الثبات على الحق وعمَّتي ، ومُثيرةُ أحزاني وآلامي ولوعتي !
هي فخري في اليقين وقدوتي ، وجالبة أسقامي وآهاتي وحسْرتي !
بالله ماذا أقول عن امرأة ضُرِبتْ بجهادها الأمثال ؟ وسارتْ بصلاحها وجميل هدْيها الأجيال ؟
حتى صارتْ قدوةً لبنات جنسها في الدعوة إلى الله وقوْلِ الحق ، وأصبحتْ أُسْوة للجميع في اعْتلاء عرش الثبات واليقين والصدق .
هي نزيف أكباد الموحِّدين ، ودموع عيون المؤمنين!
هي حرقة القلب ، وفقيدة الإخلاص والحب .
هي بائعة الدنيا بالدين ، وناشرة أعلام التضحية في ربوع المؤمنين .
قد شاء الله لها أن يتمزَّق جسدها وهي لم تتجاوز بضعًا وثلاثين من الأعوام ! لكنه أحيا ذكرها في سالف الأوقات وغابر الأيام .
هي بَنَان ؟ وما أدراك ما بَنَان ؟ بهجة العيون وعبير الأزمان .
هي الفتاة العفيفة ، والمرأة الشريفة ، والسيدة المصونة ، وجوهرة الإخلاص المكنونة .
هي ربَّةُ الآداب والأخلاق ، وتاج الفضائل ونسائم الإشراق.
هي أُنْشودة الكمال في احتمال الأذَى وتجرُّعِ كُئوس المرار .
هي قَصِيدُ الاتصال بيننا وبين السلف الصالح في الصبر على النكبات ومجابهة الأشرار !
هي تلك الصابرة على شقائها وشقاء زوجها ! هي تلك المقتولة في غير أرضها، والمضرَّجةُ في دمائها ! هي هذه المدفونة في بلاد بعيدة غير بلادها !
عاشتْ بين أهلها وكأنها عنهم غريبة ! تُراقبها سهام المنايا وهي منها حيث شاء الله قريبة .
كانت تتبسَّم للزمان وهي لا تدري أن اسمها قد خرج في قائمة شهداء تلك الأمَّة ؟!
وربما ضحكتْ وهي لا تعلم ماذا تُخْفيه لها غاربات الأيام المدْلَهِمَّة !
لم تنتظر قرّة ً للعين أو سَنَدًا *** و إنما هو حتْفُ الروح تَنْتظرُ !
لكل ميلاد أُنثى فرحةٌ و رضا *** و ما لميلادها سَعْدٌ و لا بِشَرُ!!
هناك- والجسد الذاوي يفوح شَذَىً- *** لم يبق إلاَّ جمال الطُّهْر والظَّفَرُ
في كل لفْتةِ حُزْنٍ نورُ موعظةٍ *** أليس في سِيرة [الأطْهار] مُدَّكَرُ ؟
في ذمة الله يا مَنْ فاح مرقدها *** عِطْرًا، وطِبْتِ وطاب القبرُ والمدَرُ
*******
كانت إذا أسبل الليل رداء ظلامه على الأنام ، ورقدتْ عيون الناس تَسْبَح في بحور الأحلام ! قامت هي لإحياء الليل بالصلاة وقرآءة القرآن ، وجهرتْ بتراتيل المناجاة وتسبيح الرحمن .
تقول عنها ابنتها هادية : ( كانت أمي - رحمها الله تعالى- تُكْثِر من قراءة القرآن، وتكثر من الدعاء، وكانت تقرأ بفهمٍ وتدبُّر، وخشوعٍ وتأثُّر، وكنّا نراها أحياناً وهي مستغرقة في تلاوة القرآن، فنرى الدموع تفيض من عينيها على خَدّيها وصدرها...)
فآهٍ لو رأيتَها وهي غريبة الأوطان ، بعيدة المكان ، ضعيفة الأركان ، وحيدة الخِلاَّن ، وقد اقتحم بيتها جماعة من الأشرار يريدون زوجها المجاهد ليقتلوه أمام عينها!
فآهٍ لو رأيتَهم وهم يَتَدَافعونها ، ويصرخون في وجهها ويُوبِّخُونها !
بل آهٍ لو رأيتَها وهي ترفع عقيرتها بالاستغاثة من هؤلاء المجرمين ، ولا أحدٌ يسمع صوتها سوى رب العالمين !
بل آهٍ لو أبصرتَها وقد أخرج بعض هؤلاء المجرمين مسدسه الناري ! وأشْهَرَه في وجهها، وهي تبكي ودموعها جامدة على خدَّها !
فكيف لو شاهدتَها وقد أطلق عليها ذلك المجرم خمسَ رصاصاتٍ متتابعات في صدرها ونحْرها ورأسها !؟
بالله كيف لو أبصرتَها وقد سقطتْ هامدة تفور أودية الدماء من جسمها الضعيف ! وليس هناك أحدٌ يُوقِف عنها ذلك النزيف !؟
فكيف لو رأيتَها وقد جعل قاتلها يَطَأُ جسدها النازف بقدميه الغليظتين ! وهي تصارع الموت حتى لفظتْ حرارة أنفاسها الأخيرة ! دون أن يكون معها من يبكي عليها من أهلها في تلك الأوقات المريرة ؟!
وما نقموا منها : إلا أنها آمنت بالله ورسوله ثم اسْتَمْسكتْ بعُرَى الإيمان ! وصَدَعتْ بما عَلِمَتْه من الحق في وجوه أهل الطغيان !
وجاهدتْ في الله حق جهاده حتى أتاها من ربها اليقين ، و غابت عن أرض الكفاح إلا أن صورة جهادها لا تزال جاثمة في صدور المؤمنين.
رحلتْ بنانُ تاركةً دنيا العذاب بجميع مَنْ فيها ، وغربت أحزانُ قلبها في تلك الحياة كما غربتْ شموسُ أيامها وبدورُ لياليها .
ولقاؤنا بها – إن شاء الله – في جناتٍ ونَهَر ، في مقعد صِدْقٍ عند مليكٍ مُقتَدِر .
اسمها ونشأتها
هي المناضلة الكبيرة ، والمجاهدة الشريفة ، والداعية العظيمة : أم أيمن بَنَان بنت الشيخ الداعية الكبير : علي الطنطاوي . المولودة عام: (1943م - 1360هـ ).
وأبوها: هو العلامة الأديب المشهور، الذي طاف الأرض في سبيل الدعوة ، وذاع ذكره وشاع ، حتى ملأ البقاع والأسماع ، وطارتْ مقالاته في الصحف السيَّارة ، وجَّرَتْ كتبه مجرى الليل والنهار ، هذا مع الشجاعة والبسالة ، والنضال ومواصلة الأعمال . حتى قضى نحبه راضيًا عن ربه محتسبًا .
نشأت الفتاة في بيت أبيها حيث العلم والأدب والحكمة والتربية الحسنة، فرضَعتْ أخلاق الإسلام ، ونهلتْ من معارف الشريعة ، ورفَلَتْ في حُلَل الوقار والكمال، وتربَّتْ على جميل القِيَم وشريف الخصال.
وكان أبوها لم يُرْزق بولد ذَكَر ! بل كان رزَقه الله خمسًا من الإناث ، وكانت بَنَان هي أحبهنَّ إلى قلبه ، فكان يفرح لفرحها، وربما يغضب لغضبها !
ما كان يستطيع أن يراها حزينة تبكي ! حتى يداعبها ويُسرِّي عنها الكآبة والحزن . فكانت دقَّات قلبها تدقُّ على قلب أبيها ! وزفرات أنفاسها تستمد نشاطها ما شاء الله من حنان والدها ومُرَبِّيها.
وتمرُّ الأيام ، وتكرُّ الأعوام إلى أنْ كبرتْ الفتاة وصارتْ في أوْجِ الشباب والنُضْرة .
وهنا يقوم أبوها بتزويجها من تلميذه الشيخ المجاهد الصابر الشاكر عصام العطار، ذلك الشاب الصالح التي كانت تربطه به علاقة قوية.
يتبع.....
http://www.nourislamna.com/vb/showthread.php?t=20736