* صوته فى قراءة القرءان و خشوعه :
لم يكن الشافعى فقط حافظا متقنا , و لا دارسا فاهما ...
بل كان له قلب كبير , يشعر بالقرءان كرسالة روحية أيضا ,
و تهتز أضلعه و تغرق دموعه وجهه و لحيته ...
و من الله سبحانه عليه بصوت مؤثر ,
و بخشوع لا يوصف ..
فنعم العلم مع الخشية ..
أين البكاء بجوف الليل يا أمة حق لها أن تبكى لكل سبب و حال !
قال بن نصر رحمه الله :
كنا إذا أردنا أن نبكي قال بعضنا لبعض :
قوموا إلى هذا الفتى المطلبي ( الشافعى ) يقرأ القرآن ، فإذا أتيناه ( يصلي في الحرم ) استفتح القرآن حتى يتساقط الناس !!, و يكثر عجيجهم بالبكاء من حُسن صوته , فإذا رأى ذلك أمسك من القراءة......
( يعنى كان يستحيى و يخشى الرياء , و يخشى حب الظهور على نفسه ) .
و يحضرنى قول الشاعر
طُوبى لعبدٍ لِمولاهُ إنابتهُ قد فاز عبدٌ مُنيبُ القلبِ أواهُ
كم من فتىً قد دنت للموت رِحلتُهُ وخيرُ زاد الفتى للموت تقواهُ
وكلُ ذِي أجلٍ يوماً سيبلغهُ وكُلُّ ذِي عملٍ يوماً سيلقاهُ
* عبقريته
إليكم أقوال من رأوه من معاصريه , و هم من هم من عباقرة الدنيا يمدحونه , فكيف يكون هو !! :
ما رأيت أحدا أعقل من الشافعى
لو جمعت أمة لوسعهم عقله.
كرمه :
لم يكن علمه و خشوعه بلا جود و فضل و سخاء !
*قال ابن عبد الحكم رحمه الله :
كان الشافعى أسخى الناس بما يجد.
و قال الربيع رحمه الله :
تزوجت فسألنى الشافعى كم أصدقتها؟ قلت: ثلاثين دينارا عجلت منها ستة , فأعطانى أربعة وعشرين دينارا...
تأليفه لكتابه " الرسالة " وأهميته:
أصبح من عادة الشافعي أن يجلس في الحرم عند بئر زمزم , حيث كان يجلس الصحابي الجليل شيخ المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
فلم يكن له دار فخمة و لا قصر منيف ...
و لا قاعة محاضرات , بل بركة الموضع و تواضع العالم ...
يجلس أمام الناس يكتب و يقرأ ...
وبدأ الشافعى يؤلف في مكة رائعته التى كرمه الله بها و هى كتابه " الرسالة "،
وكان قد اشتهر في هذا الوقت في مختلف أنحاء البلاد... فيأتيه طلاب العلم
وكان منهم العلامة الباحث عن الحق : أحمد بن حنبل
الذي كان تلميذاً للإمام ابن عيينة إمام الحديث في عصره في المسجد الحرام.
و لكن الإمام أحمد اهتم بالسمع من فقه الشافعى
و ترك مجلس ابن عيينة !!
فلما سئل عن ذلك قال:
إنك إن فاتك الحديث بعلوّ تجده بنزول , و لا يضرك ذلك ( يعنى كونى راويا لن يؤثر فى كثيرا أن يموت ابن عيينة , فأروى الرواية ممن سمعها منه لاحقا , فالنصوص باقية معهم )
أما إن فاتك عقل هذا الفتى - يقصد الشافعي- فإني أخاف أن لا تجده إلى يوم القيامة ، ما رأيتُ أحداً أفقه بكتاب الله تعالى من هذا الفتى القرشي...
و كان أحمد بن حنبل رحمه الله يقول :
كان الفقه مقفلاً على أهله , حتى فتحه الله للإمام
الشافعي !
*و من عبقريته
قال الحسن بن محمد :
كنا نحضر مجلس بشر المريسي( رجل مبتدع معتزلي قدري , و لكنه بارع فى المناظرة , فيشد الناس و يفتنهم بلسانه ) وكنا لا نقدر على مناظرته ,
فسألنا أحمد بن حنبل , فدلَّنا على الشافعي ،
فسألنا الشافعى شيئاً من كتبه , فأعطانا الشافعى كتاب ( بحث فقه ) اليمين مع
الشاهد , فدرسته في ليلتين , ثم غدوتً على بشر المريسي , وتخطَّيتُ إليه فلما رآني قال : ما جاء بك يا صاحب الحديث؟
قال الحسن : ذرني من هذا،
ما هو الدليل على إبطال اليمين مع الشاهد؟
فناظرته فقطعته ...
فقال: ليس هذا من كيسكم ، هذا
من كلام رجل رأيتُه بمكة معه نصف عقل أهل الدنيا.!!!!
وكان بشر المريسي لما رأى الشافعي المفتي في
مكة يحدِّث قال لأصحابه المعتزلة : إني لا أخاف
عليكم من أحد , و لكني أخاف عليكم من هذا الفتى
فإنَّ معه نصف عقل أهل الدنيا.!!!
( و الفضل ما شهدت به الأعداء ! )
قال أحمد بن حنبل عن نفسه :
هذا الذي ترون كله أو عامته من الشافعي ( يعنى معظم فقهى و علمى جعله الله سببا فيهما ) ،
ما بتُّ مدة أربعين سنة إلا و أدعو الله للشافعي !
يا الله .. لله درك يا أحمد
نعم الوفاء و نعم التواضع و نعم الأدب ...
تنسب جل ما أنت فيه للشافعى !
المتحدث هو أحمد بن حنبل !!!
العقل !و القلب ! و النفس !
لا يأحد يرفع أنفه حين تقول ابن حنبل ...
قمة من قمم التاريخ ..
يقول عن الشافعى تلك المقولات ...
فلله درهما
* و في يوم نزل الشافعي ضيفاً عند أحمد بن حنبل , وكان الإمام أحمد يتهجد , و يطيل فى صلاة القيام , و أخذت ابنة الإمام أحمد تتطلع لغرفة الشافعي رحمه الله متشوقة لترى
كيف تكون عبادته ! و هو أشهر الفقهاء
و تقارنه بوالدها العلامة الشهير ..
. فرأت غرفة الشافعي بقيت مظلمة , و لم تشعر بأى حركة !
و لم تسمع تلاوة طيل الليل كما توقعت !
فقالت لأبيها: أهذا هو الشافعي ؟
فلم يجبها , ولما دخل على الإمام الشافعي قال :
كيف كانت ليلتك يا أبا عبد الله ؟
فقال له: لقد تفكرتُ الليلة في بضع آيات من كتاب الله تعالى , و روايةٍ في حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، فاستخرجتُ منها فوق الستين حكماً ....!!!
فقال الإمام أحمد لابنته:
لضجعة واحدة من الإمام الشافعي خير من صلاة أبيكِ الليل كله!!
و لم تكن تلك هى القاعدة طبعا , بل كان يتبتل و يتهجد بشكل جعل المعاصرين ييأسون من اللحاق به فى عبادته و تنسكه !
لو لم يكن هناك ما يشغله من تفكر فى العلم , و التفكر عبادة كما نعلم ...
فمن نوافله التى وردت فى ترجمته و مناقبه :
أنه كان يقسم ليله إلى ثلاثة أقسام :
ثلث ينام فيه , و ثلث يكتب فيه , و ثلث يصلي فيه التهجد !
فمتى تنام يا أبا عبد الله ؟
يا نورا من أنوار الأمة ؟ ( قليلا من الليل ما يهجعون )
· وكان الشافعى رحمه الله يقدر علم أحمد بن حنبل بالحديث و صحته , و يقول له : إذا صح عندك الحديث فأخبرني عنه ....
· فنعم الصداقة و نعم الصديق ..
· و نعم الجو العلمى الربانى ..
وسافر الشافعى لمصر , و فيها كان مؤلفه الكبير " كتاب الأم "
و كان يدرس فيها في مسجد تاج الجوامع
· فيدرس كل العلوم للطلاب !
·
كأنه موسوعة شاملة
· مجموعة من العلماء جمعت فى شخص واحد ...
يدرس
· علوم القرءان
· ثم علوم الحديث
· ثم علوم اللغة وآدابها ..!!!!
طيلة النهار ....
سبحان الله ....
ما أروع العلم , و ما أشد جلدك و صبرك بلا راتب و لا أجر مادى !
إنالمـــكارمأخــلاقمطــهــرة الديــنأولـهــاوالعــقــلثانيـــها
والعـــلمثـــالثـــهاوالحلمرابعها ..... والجودخامسهاوالفــضلسادســــها
والبــرسـابـعهـاوالشـكـرثامنها ..... والصبرتاسعــهـاوالليــنباقيــها
و فى مصر كتب كتابه (الرسالة ) ثانيا منقحا .
و أعاد النظر فى اجتهاداته
فمن هنا نسمع كلمة :
قاله الشافعى فى القديم ...
يعنى فتوى قالها فى اجتهاده الاول في كتابه " الحجة " حيث ألفه فى العراق
وإذا قيل :
مذهب الشافعي الجديد , فيراد به أقواله في مصر , المجموعة في كتابه " الأم "
** كان الشافعي من العاملين بعلمهم كما قلنا ,
فجند نفسه فى سبيل الله للحراسة على الحدود
حيث رابط فترة في الثغور بمصر
لكى يكون فى طليعة من يصدون أى هجوم غادر للعدو , و ينال شرف الرباط ..فلا يكون هناك باب من أبواب الخير إلا و له فيه سهم و نصيب !
رغم أنه لو قال أنا عالم و لا يوجد من يسد مكانى لو خرجت , لما لامه أحد ..
لكن هيهات ..
تريد الشافعى أن يتكاسل !
لقد نور الله بالعلم صدورا
فأبت أن ترضى بالدنا مقيلا ....
· وفي آخر عمره رحمه الله مرض و اشتد به الإمتحان , ربما ليكون قدوة للمرضى و للأصحاء ...
· و يقطع الحجج على أهل زماننا و من تلاهم .
· و لترتفع درجته فى السماء , نحسبه على خير و الله حسيبه ..
· و لا نزكيه على الله ...
· حيث أصيب بالبواسير , و كان النزيف شديدا , حتى قيل إنه ربما ركب الدابة فسال الدم من عقبيه....
·
· وكان يضع طستا تحته , و فيه قماشة لتمتص الدم ... و هو يكتب و يقرأ و يشرح ..! هو وصف من عاصروه و تشرفوا برؤية مناضل من الزمن الجميل بأهله ...
·
و رغم تلك المكابدة و الصبر الجميل و القدوة فى الرضا ..
فقد كتب فى سنين مرضه جملة عظيمة من رسائل فقهه و اجتهاده الجديد ...بل واصل الدروس والمطالعات ....
و ترك ثروة علمية فى تلك السنوات الاخيرة ,لا تقدر و لا يثمنها سوى العقلاء !!
...فلم ينم و لم يخلد للراحة , و معه الحجة و السبب ..
فلو قال : أنا مريض , لقالوا له : فلتتقاعد مشكورا , قد أديت ما عليك !
فما بالنا نقعد بلا مرض و لا سبب !
فحق أن يقال فى فضله كعالم عابد قدوة :
· قول الامام أحمد بن حنبل :
·
· كان الشافعى كالشمس للدنيا ، و كالعافية للناس ، فهل لهذين من خلف! أوعنهما عوض !.
ووضح أحمد بن حنبل أن الشافعى هو العالم القدوة , للمائة عام الثانية بعد النبى صلى الله عليه وسلم .. فقال :
· إن الله يقيض للناس فى رأس كل مائة سنة من يعلمهم السنن وينفى عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الكذب،
فنظرنا فاذا فى رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفى رأسالمائتين الشافعى ،
· وقال :
· لولا الشافعى ما عرفنا فقه الحديث
: ما مس أحد محبرة ولا قلما الا للشافعى فى عنقه منة !
( يعنى له فضل على كل من تعلم العلم بما له من قواعد أصولية صارت مرجعا و أساسا للفقه )
قال أبو زرعة الرازى :
ما عند الشافعى حديث فيه غلط....!
( الله أكبر كبيرا ... فضل الله يؤتيه من يشاء )
درر من أقواله:
· قال الشافعى رحمه الله:
- ما تُقُرِّب إلى الله عز وجل بعد أداء الفرائض بأفضل من طلب العلم.
- طلب العلم أفضل من صلاة النافلة.
- من ضُحِكَ منه في مسألة لم ينسها أبداً.
- من حضر مجلس العلم بلا محبرة و ورق كان كمن حضر الطاحون بغير قمح.
* قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.
* العلم ما نفع ، ليس العلم ما حفظ.
و قال :
الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة،
والانبساط اليهم مجلبة لقرناء السوء،
فكن بين المنقبض والمنبسط.
*· كل حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو قولى ، وان لم تسمعوه منى.....(( يعنى ما لم يصلنى من حديث , و ثبتت صحته لديكم , فاعتبرونى أفتيت به و تراجعت عن قولى ...))
*و قال الشافعى رحمه الله أيضا :
إذا وجدتم فى كتابى خلاف سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقولوا بها ودعوا ما قلته.
فضل كتبه :
قال الإمام أحمد :
صاحب حديث لا يشبع من كتب الشافعى.
· قال الجاحظ :
نظرت فى كتب هؤلاء النبغة الذين نبغوا فى العلم , فلم أر أحسن تأليفا من الشافعى , كأن كلامه در الى در
( يعنى لؤلؤ متجاور .... فسبحان الله ).
لعل الله تعالى يوقظ همة أحد قرائنا , فيبحث و يلتقط تلك الدرر , ليعيد تقديمها للأمة
العطشى ...
لحظة وفاته:
قال المزنى ( و هو صاحب الشافعى رحمه الله ):
دخلت على الشافعى فى مرضه الذى مات فيه،
فقلت: يا أبا عبد اللهكيف أصبحت ؟ فرفع رأسه،
وقال :
أصبحت من الدنيا راحلا
ولإخوانى مفارقا
ولسوء عملى ملاقيا
وعلىالله واردا
ما أدرى !
روحى تصير الى جنة فأهنيها , أو الى نار فأعزيها...
ثم بكى , و أنشأ يقول :
و لما قسى قلبى وضاقت مذاهبى *** جعلت رجائى دون عفوك سلما
تعاظمنى ذنبى فلما قرنـته *** بعفـوك ربى كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب لم *** تزل تجود وتعـفـو منة وتكرما
اللهم ارحمه رحمة واسعة
صلى الإله على النبي محمد
ما ناح قمري على الأغصان
وعلى جميع بناته ونسائه
وعلى جميع الصحب والإخوان
من المراجع الكثيرة التى تلألأت بسيرته
سير أعلام النبلاء للذهبى
تذكرة الحفاظ للذهبى
صفة الصفوة لابن الجوزى
جامع بيان العلم و فضله لابن عبد البر
الانتقاء لابن عبد البر
حلية الأولياء لأبى نعيم
وفى النهاية سف لطول الموضوع واسأل الله ان تنتفعوا به