كان الحسن يقول: ابن آدم إنك تموت وحدك، وتبعث وحدك، وتحاسب وحدك.
ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم.
ابن آدم: ذنبك ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى فإنما هي نار لا تطفأ وجسمٌ لا يبلى ونفسٌ لا تموت
ابن آدم: لو أن الناس كلهم أطاعوا الله وعصيت أنت لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعت أنت لم تضرك معصيتهم.
ابن آدم: ذنبك ذنبك، فإنما هو لحمك ودمك وإن تكن الأخرى فإنما هي نار لا تطفأ وجسمٌ لا يبلى ونفسٌ لا تموت
وقال الحكيم بن نوح لبعض إخوانه: اتكأ مالك بن دينار ليلة من أول الليل إلى آخره لم يسجد فيها ولم يركع فيها، ونحن معه في البحر، فلما أصبحنا قلت له: يا مالك، لقد طالت ليلتك لا مصليًا ولا داعيًا، قال: فبكى، ثم قال: لو يعلم الخلائق ماذا يستقبلون غدًا ما لذوا بعيش أبدًا، إني -والله- لما رأيت الليل وهوله وشدة سواده، ذكرت به الموقف وشدة الأمر هنالك، وكل امريء يومئذٍ تهمُّه نفسه، لا يغني والد عن ولد ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا، ثم شهق شهقة فلم يزل يضطرب ما شاء الله، ثم هدأ، فحمل عليَّ أصحابنا في المركب، وقالوا: أنت تعلم أنه لا يحمل الذِّكر فلم تهيجه؟ قال: فكنت بعد ذلك لا أكاد أذكر له شيئًا
اما بعد:
فإن الله -عز وجل- جعل هذه الدنيا دار ممر لا دار مقر وجعل بعدها الحساب والجزاء، ولما كان آخر أنفاسنا من هذه الدنيا هي ساعة الاحتضار وما يلاقيه المحتضر من شدة وكرب فإن الكيس الفطن هو من يرى كيف مر الموقف بغيره؟ وكيف تغشى أحبته؟ وماذا جرى لهم لكي يستعد ويتجهز ويكون على أُهبة لملاقاة الموت؟
وقد انتقيت مجموعة من تلك المواقف المختلفة ابتداء بنبي الأمة محمد (علية الصلاة والسلام ) ومرورًا بالصحابة والسلف ليكون على بصيرة فينظر موضع قدمه ونهاية أنفاسه
- هذه حال رسول الله (علية الصلاة والسلام ) خير الأنبياء والمرسلين وأكرم الخلق على الله أجمعين عندما أصابته سكرات الموت وشدتها,فقد قال(علية الصلاة والسلام) وهو يدخل يديه في ركوة ماء ويمسح بها وجهه الشريف: «لا إله إلا الله، إن للموت سكرات» رواه البخاري.
- أما حال الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- وهو المُبشر بالجنة لما احتضر -رضي الله عنه- تمثلت عائشة -رضي الله عنها- بهذا البيت:
أعاذل ما يغني الحذار عن الفتى
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر رضي الله عنه: ليس كذلك يا بنية ولكن قولي: }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{.ثم قال: انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما ثم كفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.
- وهذا فاروق الأمة وثاني الخلفاء الراشدين والمُبشر بالجنة .. هذه حاله وهذا خوفه من الله -عز وجل- فقد قال لابنه عبد الله بن عمر عندماكان يحتضر :ضع خدي إلى الأرض يا بني، قال: فلم أبح (أعبأ) بها وظننت أن ذلك اختلاس من عقله. فقالها مرة أخرى: ضع خدي إلى الأرض يا بني، فلما أفعل، ثم قال لي: المرة الثالثة: ضع خدي إلى الأرض لا أم لك، فعرفت أنه مجتمع العقل، ولم يمنعه أن يضعه إلا ما به من الغلبة، قال: فوضعت خده إلى الأرض حتى نظرت إلى أطراف شعر لحيته خارجة من بين أضغاث التراب، قال: وبكى حتى نظرت إلى الطين قد لصق بعينيه، قال: واصغيت بأذنين لأسمع ما يقول: قال: فسمعته وهو يقول: يا ويل عمر وويل أمه إن لم يتجاوز الله عنه.
[*]ولما احتضر عثمان بن عفان رضي الله عنه جعل يقول ودمه يسيل.. لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، اللهم إني أستعين بك على أموري، وأسألك الصبر على بلائي.
[*]أما معاوية بن أبي سفيان فعندما حضرته الوفاة، قال: أقعدوني. فأُقعد، فجعل يُسبّح الله تعالى ويذكره، ثم بكى. وقال: تَذْكُر ربك يا معاوية بعد الهرم والانحطاط، ألا كان هذا وغض الشباب نضر ريان، وبكى حتى علا بكاؤه، وقال: يا رب ارحم الشيخ العاصي ذا القالب القاسي، الله أقل العثرة، واغفر الزل، وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك ولا يثق بأحدٍ سواك
[*]وقالت فاطمة بنت عبد الملك بن مروان امرأة عمر بن عبد العزيز: كنت أسمع عمر في مرضه الذي مات فيه يقول: اللهم أخفِ عليهم موتي ولو ساعة من نهار، فلما كان اليوم الذي قبض فيه، خرجت من عنده فجلست في بيت آخر وبيني وبينه باب وهو في قبة له فسمعته يقول: }تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ثم هدأ فجعلت لا أسمع حركة ولا كلامًا، فقلت لوصيفٍ له: انظر أنائمٌ هو؟ فلما دخل صاح، فوثبت فإذا هو ميت
ولكن أين الاستعداد للرحيل.. والاستعداد لملاقاته؟ ثم والله ما بعده من السؤال في تلك الحفرة الضيقة ثم الفزعات والأهوال يوم القيامة.. ثم المنصرف إلى أحد الدارين.
أدعو الله عز وجل أن يجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله وأن يمتعنا على طاعته وأن يجعل خير أيامنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها وأن يجعل ما يصيبنا في سكرات الموت تكفيرًا لذنوبنا ورفعًا لدرجاتنا.
المصدر :
كتاب الانفاس الاخيرة ل (عبد المك القاسم) بتصرف