عين المراثي لمالك بن الريب

سومري

New Member
عين المراثي

لطالما قرأنا وسمعنا الكثير من أبيات الشعر ولطالما أعجبتنا معاني وجمال ونظم الكثير منها وكم كان إعجابنا كبير بذكاء بعض الشعراء الذين أوصلوا لنا صور حقيقية ومعبرة عن الفخر والشجاعة والغزل والهجاء والوصف والمدح وغيرها .
استوقفتني قصيدة للشاعر مالك بن الريب التميمي الذي كان في زمن الدولة ألأموية قاطعا للطريق بين المدينة المنورة والبصرة . أقنعه سعيد بن عثمان بن عفان للانخراط في جيش كلف سعيد بقيادته متوجها إلى خراسان سنة 56 للهجرة وقد أبلى مالك بلاء حسن في المعارك التي خاضها فشهد فتح سمرقند وتنسك وفي طريق العودة لسعته أفعى في مرو وأحس بدنو ألأجل فقال قصيدة جميلة عدتها 58 بيت مطلعها .
(( ألا ليــت شِعــري هــلْ أبيتــنّ ليلــةً = بجنــبِ الغضــىَ أُزجـي القـلاصَ النَّواجيـــا ))
)) ألـم ترنــي بِعـتُ الضلالـةَ بالهـُدى = وأصبحـتُ فـي جيـش ابـن عفـان غَازِيـــــــا ))
(( لعمـري لئـن غالـتْ خُراسـانُ هامتـي = لقـدْ كنـتُ عـن بابـيْ خُراســان نائيـــــــا ))
لتكن لنا وقفات مع بعض هذه ألأبيات وتعبيرها الجميل فيقول .
(( تذكــرتُ مـن يبكــي علـيّ فلـم أجـد = سِـوى السيـفِ والرمـحِ الرُّدَينـي باكيـــــا ))
((وأشقـرَ خنذيــذٍ يجــرُّ عنانـــهُ = إلـى المــاء لـم يتـرك لـــه الدّهــرُ ساقيـــا ))
أي تشبيه ووصف أبلغ من أن يعبر به المرء عن الغربة والبعد عن ألأحبة والأهل في ساعات الشدة والمحن من هذا التعبير حيث إنه لم يجد من يبكي عليه من أهله في ساعات ألاحتضار إلا السيف والرمح والحصان .
ثم يقول بعد ذلك هذه ألأبيات .
(( ولمّـا تــراءت عنــد مـرو منيّتــي = وحــلّ بهــا سُقمــي وحانــت وفاتيـــــــا ))
(( أقـول لأصحابــي ارفعونــي فإنني = يَقــرُّ بعينـــي أن سُهيــــل بدا ليـــــــــا ))
حين أحس فعلا بدنو أجله وأنه لا محال مفارق هذه الدنيا وأحس باليأس من أن يكون له الخلاص يتمنى هذا الفارس أن يرى أهله حيث يقول لأصحابه ارفعوني عن ألأرض قد أرى نجم سهيل في السماء وقد يكون أهلي يرونه في نفس الوقت فأكون قد رأيت أهلي ورأوني وكأنه صورة منقولة عبر ألأقمار ألاصطناعية في وقتنا الحاضر .
ثم يقول في هذه ألأبيات .
)) وياصاحبي رَحْلى دنا الموتُ فانزلا = برابيةٍ إني مقيمٌ لياليا ((
)) أقيما عليّ اليومَ أو بعض ليلةٍ = ولا تُعجِلاني قد تبينَ ما بيا
((
)) وقوما إذا ما سُلَّ رُوحي فهيئا = ليَ السِّدْرَ والاكفانَ ثمّ ابكيا لي ))ا

((ولا تحسُداني باركَ اللهُ فيكما = من الأرض ذاتِ العرضِ أنْ توُسعا لي ))ا
)) وخُطّــا بإطــراف الأسنــة مضجعــي = ورُدَّا على عينـــيَّ فضــــل ردائيــــــــا ))
)) خُذاني فجُراني ببردي إليكما = فقدْ كنتُ قبل اليومِ صعباً قياديا ((
)) وقـدْ كنــتُ عطّــافاً إذا الخيــلُ أدبـرت = سريعـــاً لــدى الهيجــا إلـى مـن دعانيـــا ))

(( وقـد كنـتُ صبــاراً علـى القِـرنِ فـي الوغـى = ثقيـلاً علـى الأعـداءِ عضـباً لسانيـــــا ))
في هذه ألأبيات الجميلة يوصي أصحابه بكيفية تكفينه بردائه وبرده ودفنه في ألأرض ويوصيهم بالتوسيع له والبكاء عليه . ثم يتطرق إلى إنه كان صعب ألانقياد في حياته وها هو يجر بالأكفان بعد موته مع الفخر بنفسه وبطولاته وشجاعته في المعارك وشدته على ألأعداء وهذا شأن المقاتل العربي الشجاع المجاهد في سبيل الله .
تصوير بالغ العبرة لما سيحدث لشخص يحتضر ويوصي بدفنه في أجمل ما يكون من تصوير.
ويقول في بيت آخر .
(( وأصبــح مالــي مـن طريــفٍ وتالــدٍ = لغيــري وكــان المــالُ بالأمــس ماليــــــا ))
إن ما جمعه أبن أدم من مال في الدنيا سيكون لغيره بعد موته إن كان حلالا أو حراما فأن كان حلالا فلا ضير وإن كان حراما فالله المستعان على عذاب الآخرة .
ويقول ب ذلك .
(( ويا ليت شعري : هل بكتْ أمُّ مالكٍ = كما كنتُ لو عالوا نَعيّك باكيا ((
)) إذا مُــتُّ فاعتَــادي القبــور فسلِّمــي = علـى الرّمــسِ أسْقِيــتِ السّحــاب الغواديـــــا ))

يتذكر شاعرنا أهله ويتساءل هل ستبكي أمه إذا سمعت بخبر موته ويوصيها بزيارة القبور فأنها شبيهة بقبره .
ثم يرسل شاعرنا سلامه إلى أهله وأن ترد حاجاته إلى أخيه كوصية أخيرة قبل الموت فيقول في بينين جميلين .
((وأبلغ أخي عمرانَ بُردِي ومئزري = وبلّغ عجُوزِي اليوم ألا تدانيا((
(( وسلّـــم علـى شيخـــيَّ منِّـــي كليهمـــا = كثيـراً وعمـي وابــن عمــي وخاليا ))

ثم يقول في هذه ألأبيات الجميلة .
(( غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفزةٍ = يَدَ الدهر معروفاً بأنْ لا تدانيا ))
((أقلبُ طرفي فوق رحلي فلا أرى = به من عُيون المؤنِساتِ مُراعيا ((
((وبالرملٍ منّي نسوةٌ لو شهدنني = بكين وفَدَّين الطبيبَ المُداويا))

)) فمنهـــــن أُمِّـــي وابنتاهـــا وخالتـــي = وباكيـــةٌ أُخــرى تهيــجُ البواكيـــــا ))
يعود شاعرنا إلى إحساس الغربة وألم الفراق وعدم وجود أحد من محبيه في ساعة وفاته مع يقينه بأنهم سيبكينه ويفدينه بكل ما يملكون .
رحم الله مالك بن الريب الذي أوصل لنا هذه القصيدة التي تعتبر عين المراثي والتي اخترت بعض من أبياتها
العبر من هذه القصيدة كثيرة في ما قدمه المجاهدون في سبيل الله من تضحية بأنفسهم من أجل نشر ألإسلام وخلصوا البشرية من الضلالة والظلام واستشهدوا بعيدين عن أهلهم وأحبتهم ودفنوا في قبور لا يستطيع محبيهم زيارتها .
طمعا في الجنة ورضا الله والذود عن حياض الوطن من ألأعداء والطامعين.
فهل حافظنا على إنجازاتهم وتمسكنا بديننا وأخلصنا العمل كي نوفي ولو جزء بسيط من هذه التضحيات وهل عملنا لكسب رزقنا من حلال لإيماننا بأن الموت يدركنا لا محالة .
 
بارك الله فيك أخى على القراءة التحليلية للقصيدة التى تُعتبر من عيون الشعر العربى
يُنقل الموضوع إلى قسم الدراسات الأدبية
مع خالص الشكر
 
عودة
أعلى