لطفي الياسيني
عضو شرف كتاب العرب
رفات الشهيد العاروري بعد 30 عاما / الحاج لطفي الياسيني
* * *
الشهيد العاروري: العودة المنتظرة وان كان رفاتاً
جميل ضبابات
سيعود المقاتل الفدائي مشهور العاروري إلى مسقط رأسه بعد( 33 سنة) من احتجاز جثمانه في إحدى مقابر الأرقام الإسرائيلية منذ سقط في معركة الجفتلك في الغور منتصف العام 1976.
وكيفما يكون شكل هذه العودة، فإنها بالنسبة لشقيقه شاهر تعني بدون شك عودة الشقيق الغائب الثامن للبيت الذي ترعرع فيه، حتى وان كان رفاتا، ليكتمل عِقد العائلة التي أمضت ثلاثة عقود تعمل دون كلل على استرجاع جثمانه الذي وافقت سلطات الاحتلال على إعادته مؤخرا بعد صدور قرار قضائي من سلطتها القضائية الأكبر، المحكمة العليا.
في ليلة الثامن عشر من أيار-مايو عام 1976 تسللت إحدى خلايا الجبهة الديمقراطية من خلف الحدود إلى منطقة الأغوار الوسطى (الجفتلك) بهدف الوصول إلى نابلس، لتنفيذ مهمات قتالية كانت حينذاك في أوجها ضد الجيش الإسرائيلي، وهو ما عرف منذ انطلاق شرارة الثورة الفلسطينية بالعمليات الفدائية التي هزت كيان الجيش الإسرائيلي بعد ارتفاع معنوياته اثر الاجتياح السهل للأراضي الفلسطينية والعربية.
كان على رأس تلك الخلية الشاب العاروري عندما اصطدمت بكمين للجيش الإسرائيلي قرب معسكر الجفتلك الذي مازال موجودا حتى اللحظة كشاهد مادي على معركة خاضها ثلاثة مقاتلون ضد سلاح البر والجو الإسرائيلي على مدار 12 ساعة سقط فيها العاروي وحافظ أبو زنط من نابلس، و خالد أبو زياد من يافا.
ومنذ ذلك الحين صارت قضية الشهيد مشهور طلب صالح الذي ولد عام 1956، في قرية عاروره قرب رام الله، صارت قضية رأي عام.
كان ذلك المقاتل التحق بالعمل العسكري وهو في ريعان شبابه، وطاردته قوّات الاحتلال بسبب التحاقه بإحدى خلايا العمل العسكري السريّة التابعة للجبهة الديمقراطيّة لتحرير فلسطين.
في عاروره يمكن مشاهدة صور العاروري في كل مكان. وفي عاروره أيضا ليس شرطا ان تكون حيا كي يفرح الناس بقدومك، مثل والدة مشهور التي تعيش فرحتها لعودة ذلك الغائب.
وتقول هذه السيدة التي تتمتع برباطة جأش إن صورة ابنها ما برحت تفارقها منذ ذلك الحين، وهي تحتفظ بكل ما تركه في المنزل.
'عودة مشهور فرحة. عودته رفع للمعنويات' أضافت الوالدة التي تستعد بعد تلك العقود لاستقبال ابنها الذي حولته إسرائيل مثله مثل المئات إلى مجرد رقم في مقبرة.
وجاء قرار إسرائيل الإفراج عن جثمان مشهور إثر الالتماس النوعي الذي تقدّم به مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان بواسطة المحامي هيثم خطيب، إلى المحكمة الإسرائيليّة.
وتجددت آمال العائلة التي حولت الانتظار إلى وقود للآمل في انتظار أن تكلل الجهود بالنجاح في نهاية المطاف.
كان الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمه أول الأشخاص الذي بادروا لاسترجاع جثمان العاروري ورفاقه في أعقاب وقوع تلك العملية المدوية التي أربكت الجيش الإسرائيلي، لذلك يقول شاهر، إن حواتمه خاطب في ذلك الوقت الأمين العام للأمم المتحدة حينذاك للعمل على إعادة دفن الشهداء من قبل ذويهم.
لكن سلطات الاحتلال لم تلق بالا لكل تلك النداءات، ما دفع العائلة إلى العمل عبر طرق أخرى من ضمنها مطالبة تدخل رؤساء البلديات الوطنيين من اجل الضغط على الحكم العسكري الإسرائيلي الذي كان يأتي جوابه رفضا كل مرة.
ذات مرة أخبرت المخابرات الإسرائيلية والد مشهور بأنه لن يتسلم جثمان ابنه ولو حتى بعد 30 سنة.
لكن الأب لم يتوقف عن المتابعة.
'لقد ابدوا حقدا كبير على الشهيد ورفاقه' قال شاهر الذي يتابع الآن القضية مع محامي العائلة الذي يجري اتصالات مع الطرف الإسرائيلي، لتنفيذ قرار المحكمة العليا.
وتقول العائلة إن قرار استرجاع جثمان ابنها هو نوعي من الدرجة الأولى على الصعيد القانوني، بحيث طالب الالتماس السلطات الإسرائيليّة بالسماح لها بالتعرف على جثمان ابنها استخدام فحص الحمض الريبي النووي'DNA'، وبعدها يتم نقل الجثمان إلى مدفن العائلة في بلدته عارورة، ليتسنى لذويه الدفن حسب التقاليد الإسلاميّة.
وتصاعدت مؤخرا حملات الفلسطينيين لاسترجاع جثامين أبنائهم المحتجزة في مقابر الأرقام الإسرائيلية.
ويطالب الفلسطينيون وذوو شهداء مقابر الأرقام بتنفيذ ما جاء في القانون الدولي والإنساني في اتفاقيّات جينيف لعام 1949، والتي تلزم دولة الاحتلال باحترام كرامة الموتى، وتمكين ذويهم من تشييعهم ودفنهم وفقاً للتقاليد الدينيّة في الأقاليم المحتلة، وبما يليق بالكرامة الإنسانيّة لضحايا الحروب.
وقال المحامي شاهر ' اعتقد أن هناك أكثر من 300 شهيد مدفونون بهذه الطريقة. والرقم اكبر من ذلك لان هناك شهداء عرب استولت إسرائيل على جثثهم في تلك المعارك.
وسقط في الستينات والسبعينات عشرات الشهداء في منطقة الغور التي استشهد فيها العاروي ورفاقه، في عمليات عسكرية نفذوها ضد معسكرات مواقع الجيش الإسرائيلي.
وهذا التحرير من المقابر بعد هذا العمر أعاد إلى الذاكرة مرحلة نضالية كادت أن تختفي بفعل الزمن وضرورات العمل السياسي الحاضر.
ويعتبر هذا الموضوع من الملفات المأساوية في حياة المئات من أسر الشهداء الفلسطينيين والعرب الذين تحتجز إسرائيل جثامينهم، وعشرات الأُسر التي ما زال أبناؤها في عداد المفقودين وترفض السلطات الإسرائيلية الكشف عن مصيرهم.
وقال ماجد العاروري شقيق مشهور وهو ناشط حقوقي يعيش في رام الله' قضية مقابر الأرقام تخالف القانون الدولي الإنساني التي تلزم قوة الاحتلال بتسليم جثامين المقاتلين. إسرائيل تخالف قواعد ذلك القانون'.
منذ اللحظة الأولى التي سمع فيها أهالي عاروره والقرى المجاورة توافدوا إلى بيت العاروري، للمشاركة في التحضير لدفن ابنهم بعد أيام أو أسابيع الذي تقبلت عائلته العزاء به منذ 33 سنة في وقت لم يكن سهلا أن تعترف عائلة بان احد أبنائها شارك أو سقط في عملية عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
----------------------------------------------------------------------
ثلاثون عاما
رفاتي يتوق
الى المقبرة
لارض عارورة
لارض جدودي
الى وطن غرت
فوقه قبرة
اتوق لمكتب والدنا
الى المحبرة
اتوق الى كل شيخ
وكل عجوز
لاطفال قريتنا
والصبايا
الى ارض يافا
وكل قرانا
المدمرة
سقطت شهيدا
فداء بلادي
وبالامس
قاومت
مجنزرة
اتوق الى مرج عامر
الى جسرنا
معبره
اتوق لكل الروابي العذارى
الى عكبرة
الى صفد
بلد الشيخ
سمخ
الى ارض عكا
لجامعنا
حاضره
اتوق لكل كنائسنا
للشيوخ
لرهبان
موطننا
الساحره
اتوق لركعة فرض
باقصانا
اشتاق
باب الساهرة
اتوق الى بيت لحم
الى المهد
حيث الجموع
العامرة
اتوق لمجدل شمس
اتوق الى النين
الى زعترا
اتوق الى كل شبر
اتوق الى كل بئر
الى ارض
غزة المحاصرة
اتوق الى وجع الخاصرة
الى الناصرة
رفاتا رجعت
لادفن في المقبرة
وبعد ثلاثين عاما
تسلم اهلي رفاتي
من المقبرة
-----------------------
الحاج لطفي الياسيني