في تربية النفس وتزكيتها (2)

بنت الشهداء

Well-Known Member








11571390669trkZ7G.www.arabsbook.com.gif







في تربية النفس وتزكيتها (2)



أهمية تزكية النفس للإنسان:

والتزكية مهمة للإنسان من عدة أوجه :

1 – أن الله عز وجل – وهو الحق وقوله الصدق – أقسم في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل ذلك، قال تعالى: "والشمس وضحاها..".

2 – أن النفس من أشد أعداء الإنسان الداخليين لأنها تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانبها، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شرها كثيراً، كما في خطبة الحاجةوكما في حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" وفي المسند والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم علم حصين بن عبيد أن يقول "اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي".
قال ابن القيم رحمه الله: وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها والظفر بها.
قال بعض العارفين : انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم.


3 – أن التزكية طريق الجنة، قال الله تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فهي إذن شرط لدخول الجنة.

4 – أن الإنسان محب للكمال فينبغي لـه أن يعمل على إكمال نفسه بتزكيتها وتربيتها، فهذه النفس تصاب بالأعراض التي تصاب بها الأبدان، فهي محتاجة إلى تغذية دائمة ومحتاجة إلى رعاية، ومحتاجة كذلك إلى متابعة للازدياد من الخير كما يزداد البدن من الطاقات والمعارف، فلذلك احتاج الإنسان إلى أن يراقب تطورات نفسه، ويعلم أنها وعاء إيمانه، وأهم ما عنده هو هذا الإيمان، فإذا سلبه فلا فائدة في حياته، فلا بد من العمل على تنمية هذا الإيمان وزيادته عن طريق تزكية هذه النفس وتهذيبها يقول سيد قطب رحمه الله : إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة، مزدوج الاستعداد مزدوج الاتجاه، بمعنى أنه في طبيعة تكوينه : من طين الأرض، ومن نفخة الله فيه من روحه، وهو لذلك مزود باستعدادات متساوية للخير والشر، والهدى والضلال، فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر، كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى أيهما أراد، وهذه قدرة كامنة في كيانه يعبر عنها القرآن بالإلهام تارة "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها..." ويعبر عنها بالهداية تارة "وهديناه النجدين" وإلى جانب هذه الاستعدادات الفطرية الكامنة قوة واعية مدركة موجهة في ذات الإنسان هي التي تناط بها التبعة، فمن استخدم هذه القوة في تزكية نفسه وتطهيرها وتنمية استعدادات الخير فيها وتغليبها على استعدادات الشر فقد أفلح، ومن أظلم هذه القوة وخبأها وأضعفها فقد خاب "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".


أقسام تزكية النفس :


تنقسم تزكية النفس إلى قسمين رئيسين هما: التحلية، والتخلية.

فالتخلية: يقصد بها تطهير النفس من أمراضها وأخلاقها الرذيلة.
وأما التحلية: فهي ملؤها بالأخلاق الفاضلة وإحلالها محل الأخلاق الرذيلة بعد أن خليت منها.
فالأخلاق الرذيلة مثل : الشرك والرياء، والعجب، والكبر، والبغض والحسد، والشح والبخل، والغضب، والحرص على الدنيا وحبها لذاتها وإيثارها على الآخرة، والفضولية وعدم الجد في الحياة....

وأما الأخلاق الفاضلة كالتوحيد والإخلاص والصبر، والتوكل والإنابة، والتوبة، والشكر، والخوف والرجاء، وحسن الخلق في التعامل مع الناس، والشفقة عليهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ونفعهم بقدر المستطاع، وعدم تغيير قلوبهم بما ليس بلازم شرعاً...

إذن فلا بد للإنسان أن يتعرف على الأخلاق الذميمة وعلى أسبابها ويعلم أنها موجودة لديه حتى يمكنه التخلص منها فإن من لم يشعر بالمرض ويتعرف على أسبابه لا يمكنه علاجه، ولكي يستطيع الإنسان الانتصار على نفسه ينبغي لـه أن يضع أسساً للتعامل معها في ثلاث محاور :

1 – الإنصاف منها، وعدم تبرئتها فقد كان صلى الله عليه وسلم يقتص من نفسه وهو المعصوم المسدد بالوحي.

2 – ترك الانتصاف لها من الغير بأخذ الثأر لها والانتصار لها، فإنها ظلومة جهولة، وإذا كانت هي المظلومة فقد قال الله عز وجل "ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور".
وقال سبحانه : "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي...".

3 – اتهامها دائماً، فإنه إذا لم يتهمها الإنسان أغوته وقادته إلى التهلكة، فأنت مخير في الوجهة التي ترتضيها لنفسك، فإذا سرت وراءها وأطلقت لها الزمام سارت بك إلى أسفل سافلين، وإن قدتها أنت وطمحت بها إلى المراتب العالية انقادت لك وراء ذلك، فهي كالطفل تماماً كما يقول البصيري:


والنفس كالطفل إن تهمله شب على ** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم



فإذا عامل الإنسان نفسه على هذا النحو ملكها واستطاع توجيهها نحو الخير، فإذا دعاها إلى عبادة انقادت لـه واستسلمت، وإن دعيت إلى شر وجدت تأبياً ونفوراً عنه، أما الذي لا يعالج نفسه هذا العلاج ولا يجتهد في مجاهدتها عما تهوى وتحب، فإنه إذا دعاها إلى العبادة نفرت، وإذا رأت أنه سيحملها على طاعة من الطاعات شردت، مثل الدابة تماماً، فالدابة إما أن تكون مطيعة وإما أن تكون شروداً حروناً، وكذلك النفس إذا عودها الإنسان على ترك هذه الأخلاق الذميمة كانت كالدابة المطيعة المنقادة، يحمل عليها ما شاء وتسير به حيث شاء، أما إذا تعودت على هذه الأخلاق الذميمة وأرخى لها الحبل على الغارب فإنها تكون شروداً حرونا إذا احتاج إليها لم يستطع إمساكها، وإذا أحست بأي حمل سيحمله عليها نفرت منه، فلا بد من مراقبة هذه النفس ومتابعتها، وليختبر متى استعدادها للأوامر وانصياعها للخير باستمرار : فإن الذي إذا سمع النداء حي على الصلاة حي على الفلاح أخذه النعاس وبحث عن الوسادة نفسه ما زالت مريضة لم تنقذ له بعد، والذي ينام على فراشه إذا تعار من الليل لم يستطع أن ينتصر على نفسه فيستيقظ ويذكر الله ويتوضأ ويصلي حتى تحل عنه عقد الشيطان، نفسه ما زالت مريضة تحتاج إلى علاج، والذي لا تطاوعه نفسه إذا أراد صوم النفل أو إنفاق المال أو أراد أي عمل خير لا تطاوعه نفسه ما زالت مصابة بمرض عضال مخوف لا بد من علاجه قبل فوات الأوان، فلا بد أن يضع الإنسان نفسه في قفص الاتهام وأن يحملها على العزائم وإلا قادته هي إلى المهالك ومهاوي الردى




يتبع.....



المصدر



 
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
جزاكم الله خيرا
في ميزان حسناتكم

قال الشاعر
شـمر عسى أن ينفع التشمير *** وانـــظر بفكرك ما إليه تصير
طولـت آمالاً تكنفهــــا الهـــــوى *** ونسيت أن العمر منك قصير
 
عودة
أعلى