newmosul
Active Member
تحدي الأعداد الكبيرة
فيما تتعاظم كفاءات الحواسيب تتحسن قدرات علماءالرياضيات على وصف الأعداد العملاقة والتعامل معها.
ومع ذلك لا نملك أكثر من تصور لبعض هذه الأعداد.
<E .R. كراندول>
غدت الأعداد الكبيرة ـ كالأعداد المؤلفة من 100 رقم، أو التي هي بحجم الگوگل، أو تلك التي تملأ أعالي صفحات هذه المقالة ـ أكثر استعمالا وأسهل تناولا بفضل الإمكانات الحساباتية الحديثة. وقد تعيّن على أرخميدس، الذي نرى تمثاله النصفي في اليسار، أن يبتكر رياضيات حديثة لتقدير عدد حبيبات الرمل اللازمة لملء الكون. وكانت نتيجته المذهلة بدقتها، وهي1051، تمثل عددا بالغ الضخامة بمقاييس ذلك الزمان. بيد أن الحواسيب الحديثة تتعامل روتينيا مع أعداد أكبر بكثير، إذ إن أي حاسوب شخصي، بوجود البرامجيات الملائمة، قادر على تحليل كامل لعدد من مرتبة العدد 1051 إلى عوامله
للأعداد الكبيرة سحر متميز، بل عظمة وجلال. ويمكن القول بأنها تقبع عند حدود الخيال البشري، وهذا يفسر بقاءها محيِّرة ومراوغة وصعبة التعريف والمعالجة ردحا طويلا من الزمن. بيد أن العقود الأخيرة شهدت تطورات هائلة في كفاءات الحواسيب التي غدت الآن تمتلك ذاكرة ضخمة وسرعة فائقة قادرتين على التعامل مع الأعداد الكبيرة جدا. وعلى سبيل المثال، يمكن الآن ضرب عددين كل منهما مؤلف من مليون رقم خلال جزء فقط من الثانية. ونتيجة لهذا فإنه يمكننا حاليا وصف أعداد لم يكن من قبل بإمكان علماء الرياضيات أكثر من أن يحلموا بها.
ويعود الاهتمام بالأعداد الكبيرة إلى أزمنة قديمة خلت. فنحن نعلم، على سبيل المثال، أن قدماء الهندوس الذين ابتكروا النظام العشري كانوا يتفكرون فيها. فالموقع الذي يشغله رقم في النظام العشري المألوف (الآحاد، العشرات، المئات وهكذا...) يدل على قيمته. وباتباع هذا الأسلوب في الاختزال استطاع الهندوس تسمية قدر كبير من الأعداد الكبيرة كان يحوي أحدها 153 رقما ـ نقول عنه في أيامنا هذه إنه عدد من الرتبة10153. وقد ورد ذكر هذا العدد في أسطورة بوذية.
كذلك، فإن قدماء المصريين واليونانيين والرومان كانوا يفكرون أيضا بالأعداد الكبيرة. بيد أنه تبين تاريخيا أنه أيا كانت الحضارة التي تعاملت مع الأعداد الكبيرة، فإن هذه الأعداد كانت في الواقع تتوقف عند حدٍّ معين. فلم يكن لدى الرومان مصطلحات أو رموز للأعداد التي تتجاوز000 100 ، كما كان اليونانيون يتوقفون في عملية العد عند كلمة myriad التي تعني000 10 . وفي الحقيقة، كانت لدى قدماء اليونانيين فكرة تقول بعدم وجود عدد أكبر من مجموع حبيبات الرمل اللازمة لملء الكون.
وقد سعى عالم الرياضيات اليوناني أرخميدس في القرن الثالث قبل الميلاد لتغيير هذا الاعتقاد عندما بعث برسالة لجيلون ملك سيراكوزا حاول فيها حساب العدد الحقيقي لحبيبات الرمل في الكون. ولإنجاز هذه المهمة ابتكر أرخميدس خطة ذكية تتضمن نسبا متعاقبة من شأنها أن توسع توسيعا فعليا نظام الأعداد اليوناني السائد حينذاك. وقد كانت نتائجه مثالية، ونصت هذه النتائج على أن هذا العدد يقع، بمصطلحاتنا الحالية، بين1051 و1063 ؛ ذلك أن كرة نصف قطرها يساوي نصف قطر فلك پلوتو حول الشمس يمكن أن تحوي عددا من الحبيبات من الرتبة 1051.
لقد كان علماء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر يقتصرون على التفكير في تلك الأعداد الكبيرة التي لها علاقة بالمسائل ذات الطابع العملي. فعدد أڤوكادرو، المنسوب إلى كيميائي القرن التاسع عشر الإيطالي أميدييو أڤوكادرو، يساوي نحو1023 ×6.02 ويمثل عدد الذرات الموجودة في 12 غراما من الكربون النقي. وإحدى الطرق لتَمَثُّل عدد أڤوكادرو (ويسمى أيضا مول mole) هي التالية: إذا كبّرنا حجم غرام واحد فقط من الكربون ليصبح بحجم كرتنا الأرضية، فإن ذرة واحدة من الكربون تبدو للعيان عند ذلك بحجم كرة البولنگ تقريبا.
وثمة طريقة أخرى مثيرة للاهتمام لتَمثُّل المول هي أن ننظر في العدد الإجمالي للعمليات الحاسوبية(1) التي نُفّذت بوساطة جميع الحواسيب بدءا من أول حاسوب تم صنعه. فإذا علمنا أن باستطاعة حاسوب صغير إجراء ملايين من العمليات في الثانية، فإن الحواسيب الضخمة يمكنها من دون ريب إجراء عدد أكبر بكثير من هذه العمليات. وهكذا يمكننا القول بأن العدد الإجمالي للعمليات التي أُجريت حتى هذا التاريخ ـ مع التسليم باستحالة القيام بتقدير دقيق لهذا العدد ـ يجب أن يكون قريبا من عدد أڤوكادرو (من المول). ومما لا شك فيه أن عدد هذه العمليات سيتجاوز ذلك المول بحلول عام 2000.
ويتعامل العلماء حاليا مع أعداد أكبر بكثير من المول. وعلى سبيل المثال فإنه يُظن بأن عدد الپروتونات في العالم الذي نعرفه يساوي زهاء 1080، ومع ذلك فإن الخيال البشري يمكن أن يتجاوز هذا العدد. وإنه لمن ضرب الأساطير أن يقوم عام 1938 حفيد عالم الرياضيات <E. كاسنر> وهو في التاسعة من عمره بإطلاق اسم گُوگُل googol على العدد 1 الذي يليه 100 صفر، أي 10100. وفي بعض أنماط المسائل الحساباتية computational يعين الگوگل الحدود التقريبية للمقادير العددية التي تبدأ فيها هذه المقادير بتحدي الحواسيب الحديثة تحديا جديا. ومع ذلك فإن باستطاعة الحواسيب الإجابة حتى عن بعض المسائل المتعلقة بأعداد عملاقة مثل العدد الهائل گوگُلپلكس googolplex، وهو الواحد متبوعا بگوگل من الأصفار، أي100 1010(2). وحتى لو استعملنا پروتونا مقابل كل صفر في الگوگُلپلكس، فسنجد أن ليس في الكون كما نعرفه ما يكفي من الپروتونات لهذا الغرض.