المسؤولية الجنائية للطبيب

bio sun

New Member
مسؤولية الطبيب الجنائية بصفة عامة تعد من أهم الموضوعات التي تثير اهتمام الباحثين في الوقت الراهن وذلك بسبب تنامي المعطيات الطبية وخطورتها في الوقت الحالي وفي هذا الإطار يعد موضوع سر المهنة الطبية من المواضيع بالغة التعقيد وأصبحت تثير الكثير من المشكلات القانونية والعلمية باعتبار أن السر المهني وموضوعه يعد من الضمانات الأساسية لحقوق الإنسان حيث تضمنت المادة (12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أحكاماً تتضمن حماية الخصوصية الشخصية للأفراد، ويأتي الالتزام بالاحتفاظ بالسر الطبي ضمن قائمة من أسرار المهن التي يتوجب على أصحابها الالتزام بهذه الأسرار مثل المحامين والوكلاء وغيرهم من أصحاب المهن الذين يتصل علمهم بهذه الأسرار بحكم عملهم.

وقد عنى الإسلام وفي إطار تنظيم جوانب الحياة المختلفة بحفظ الأسرار وكتمانها سواء ما يتعلق بالأفراد والدولة وأمر المسلمين بحفظ الأسرار ويقول الرسول [ّ »استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود«. ومن بين الأسرار التي أوجب الإسلام المحافظة عليها أسرار المرضى وفي ذلك يقول الله تعالى : والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، ويفهم من هذه الآية الكريمة أنها وصفت من أفلح من الناس بصفات عدة منها تأدية الأمانة التي أوجب الله حفظها وتأديتها إلى أهلها.

وما روى عن النبي [ّ من قوله: »إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة«، ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي [ّ قد وصف السر بالأمانة التي يجب حفظها ولا يحل تضييعها، والسر إذا أفشى كان خيانة، والخيانة حرام بكل صورها.

وتأتي أهمية البحث عن مسؤولية الطبيب الجنائية المترتبة عن إفشاء السر الطبي لتشعب هذا الموضوع وتداخله مع كثير من المسؤوليات الجنائية للطبيب في إطار التكييف القانوني لمشروعية عمل الطبيب ومسئولياته كمعالج، والتزام الطبيب بالاحتفاظ بأسرار مهنته معروف منذ القدم فقد بدأ التزاماً قانونياً، ويرجع أساس الالتزام بالسر الطبي قديماً إلى أساس أخلاقي إلى ما نص عليه قسم أبقراط من الآف السنين إذ جاء فيه (إن كل ما يصل إلى بصري أو سمعي وقت قيامي بمهمتي أو في غير وقتها مما يمس علاقتي بالناس ويتطلب كتمانه سأكتمه، وسأحتفظ به في نفسي محافظتي على الأسرار)، وجاء أيضاً في إعلان جنيف ما يلي: (سأحتفظ على الأسرار التي أأتمن عليها).

ومن حق المريض أن يتوقع أن لا يقوم طبيبه المعالج بتقديم أي معلومات شخصية عنه لجهة أخرى والتي يكون الطبيب قد حصل عليها بحكم عمله إلا بموافقته وفي الحالات الاستثنائية التي يشعر الطبيب بضرورة رفع مثل هذه المعلومات لجهة ما بدون موافقة المريض أو بخلاف رغبته فيجب على الطبيب مراعاة الأنظمة والقوانين المعمول بها، ذلك أن الحياء العام يتأذى من الإفشاء إضافة إلى الأضرار التي تلحق بالمصلحة العامة والمصلحة الخاصة عندما يمتنع الأفراد عن عرض أنفسهم على الأطباء خشية افتضاح أمرهم وما يترتب على ذلك من تشويه لسمعتهم.

وتأتي أهمية البحث أيضاً للحديث عن بعض الحالات التي يثور حولها التساؤل ويختلف حولها الباحثون مثل ما هي الحالات التي تعتبر أسراراً طبية أم لا؟ وكذلك الحالات التي يجوز فيها إفشاء المعلومات بدون موافقة المريض كما هو الحال بالنسبة لأسباب الإباحة المقررة للمصلحة العامة مثل التبليغ عن الجرائم وغير ذلك مما سيرد تفصيله.

كما تثور تساؤلات عديدة عن مدى أحقية الطبيب بإفشاء المعلومات المتعلقة بالمريض بعد وفاته أو تلك المعلومات التي يتم الإفشاء عنها لأغراض التعليم الطبي والبحوث الطبية والرقابة الطبية وهناك أسباب إباحة أخرى مقررة لمصلحة الأشخاص يجوز للطبيب إفشاء السر الطبي ومن أمثلة ذلك وقوف الطبيب أمام المحكمة للدفاع عن نفسه وكذلك في حالة رضا صاحب السر.

وعليه يمكن القول أن مسؤولية الطبيب من أهم الأبحاث القانونية المعاصرة والتي كثرت فيها الإسهامات واتسع حولها النقاش إلا أن هذه الأبحاث تطرقت عرضاً لأهم مسؤوليات الطبيب وهي ضرورة الحفاظ على أسرار المريض ولم تستوعب بصورة كافية مشكلة إفشاء السر الطبي حيث لا يزال الفراغ القانوني حول هذا الموضوع يدعونا للبحث والنقاش سيما أن علم الطب هو علم متطور ومتجدد ويحقق المزيد من المنجزات العلمية الأمر الذي يستدعي مواكبة التشريعات لهذا التطور وبالتالي استمرار الاجتهاد والدراسة حول هذا الموضوع.

طارق صلاح الدين محمد
خبير قانوني بوزارة الصحة

 
عودة
أعلى