كيمياء فيزيائية التحكم الليزيري بالتفاعلات الكيميائية( الفيمتو والنانو سكند) الجزءالثالث

newmosul

Active Member
التقييدات الحالية
ملاحظة/مرفق المجلة الامريكية للعلوم كاملة وتختوي على هذا المقال باللغة الانكليزية صفحة 56
على الرغم من أن المفاهيم الخاصة بالتحكم في التفاعلات الكيميائية باستخدام ضوء مترابط تنطبق على مجال واسع من الجزيئات المعزولة فإن هناك عقبتين، على الأقل، تحولان دون تطبيق تلك المفاهيم على نحو واسع ومباشر. تنشأ إحدى هاتين العقبتين عن انخفاض فعالية التحكم الليزري على نحو ملحوظ عند عدم إمكانية تحديد أطوار الأمواج الضوئية، أو أطوار الدوال الموجية الجزيئية، بدقة وعلى نحو جيد. وغالبا ما يحدث هذا النقص في وضوح الطور بسبب الاصطدامات الحاصلة ما بين الجزيئات والتي تزداد عند ارتفاع درجة الحرارة والضغط، كما هي الحال في معظم التفاعلات الصناعية. ومن هنا نشأت الحاجة إلى إجراء مزيد من الدراسات والبحوث، قبل أن يصبح بالإمكان اعتماد مفاهيم التحكم المترابط في التفاعلات الصناعية الحديثة؛ ولهذا السبب أيضا يقتصر تطبيق تلك المفاهيم في الوقت الحاضر على أوساط تفاعلية مختارة بدقة، أو على نوع محدد من التفاعلات. فعلى سبيل المثال، تصح تلك المفاهيم ـ على نحو جيد ـ في تفاعلات الأوساط الغازية الممددة، حيث تتباعد الجزيئات بعضها عن بعض، وتقل بالتالي اصطداماتها المتبادلة.

أما العقبة الرئيسية الثانية، التي بدأ يتضح حاليا أنه يمكن التغلب عليها، فذات صلة بطور الضوء الليزري. إذ إننا لا نعلم، إذا ما أُعطينا منبعين ليزريين اختياريين، المدى الذي سيكون فيه ضوء أحدهما على طور مع ضوء الآخر. إضافة إلى ذلك، فإن فرق الطورين الضوئيين يتأثر بعدم ثبات أو استقرار التجهيزات المستخدمة. ويقلل فرق طور غير ثابت بين الضوءين الليزريين إلى حد بعيد من درجة تداخلهما وبالتالي من دقة التحكم.

وقد تم صنع تجهيزات ضوئية متطورة قادرة على تجاوز مشكلات الطور المذكورة هذه، حيث يمكن توليد فوتونات بإمرار ضوء ذي تواتر واحد عبر مادة خاصة، فتتحرض وتصدر بدورها ضوءا ذا تواتر آخر. تعطي هذه الطريقة حقلين ضوئيين تكون علاقتهما الطورية محددة بشكل جيد، ويمكن لاحقا التحكم في فرق الطور الكائن بين المنبعين الضوئيين بتبطيء حزمة أحدهما، على نحو مؤقت، بالنسبة للآخر.

وهناك طريقة أخرى للتحكم في مشكلات الطور، تعتمد على استخدام حزمة ليزرية قوية، وتتمحور حولها الآن العديد من البحوث والتحريات الحديثة. وقد بيّنا بالتعاون مع <Z. تشن> (من جامعة تورنتو) أن هذه الحزم تجنب الحاجة إلى استخدام أشعة ذات أطوار محددة ومتحكم فيها بعناية؛ كما أن بوسع هذه الطرق ـ التي تستخدم حقولا قوية ـ أن تزيد بصورة أساسية الناتج الكلي للتفاعل، وأن تتجنب التأثيرات الناتجة من الاصطدامات غير المرغوب فيها. وقد طُوِّر، حديثًا، نظام خاص، قام بتجربته في معهد وايزمان للعلوم كل من <I. سوفر> و <A.شنيتمان> و <I.گولوب> و<A.يوگيڤ> وشاپيرو، وذلك لإظهار وتبيان التحكم في سائر نواتج التفاعل المتشكلة عند تفكك جزيئات الصوديوم المتزاوجة.

استخدام النبضات
يعتبر تداخل المسارات الجزيئية في التفاعلات الكيميائية مفتاح السيطرة على هذه التفاعلات. لذا فإن أي ترتيب ليزري يحرّض مثل هذا التداخل، يمكن أن يستخدم كوسيلة للتحكم في التفاعلات، حيث يمكن استخدام نبضات ضوء ليزري بدلا من توجيه حزمتين ضوئيتين مستقرتين على هدف ما. تسمح الليزرات الحديثة بتوليد نبضات ذات مدى من مرتبة 10-14 ثانية. وبخلاف الإشعاع الموجي المستمر فإن النبضة الضوئية يمكن أن تصنّع من مجموعة تواترات متميزة واضحة وبالتالي من مجموعة فوتونات ذات طاقات مختلفة. وكلما كانت النبضة أقصر أمدا، كان مجال الطاقات فيها أوسع.

تؤدي هذه الخاصية دورا أساسيا في طرق الليزر النبضي للتحكم في نواتج التفاعلات الكيميائية. فبإطلاق نبضة، ذات رتبة من الطاقات، فإن بوسعها أن تحرض في الجزيء حركة (اهتزازية أو دورانية) تؤثر بدورها في الطريقة التي تتفاعل فيها هذه النبضة مع نبضات ضوء آخر. وعادة ما تكون طاقة جزيء ما مثل (ABC) مكمّمة (أي ذات قيمة محددة). فإذا ما وُجِد جزيءٌ ما في واحدة من هذه الحالات الطاقية الثابتة المعروفة بالحالات المستقرة stationary state، فإن وضعه لا يتبدل بمرور الزمن؛ لذلك وحتى يكون الجزيء فعالا وديناميكيا يجب أن يكون في عدة سويات طاقية مختلفة في آن واحد. تُعرف هذه الحالة التي تتجمع فيها عدة سويات طاقية بالحالة المتراكبة superposition state. وتكون الدالة الموجية التي تصف هذه الحالة هي مجموع الدوال الموجية التي تصف الحالات المستقرة ذوات الطاقات المختلفة التي تشكل الحالة المتراكبة. ولبناء هذه الدالة يوجه الباحثون نبضة من ضوء ليزري متطابق نحو الجزيء، وتتوقف الطريقة التي يتحرك فيها هذا الأخير عندئذ على طبيعة النبضة الليزرية وعلى طبيعة التأثيرات التي تقوم بينهما، وبذلك يمكن إحداث تغيرات ديناميكية في الجزيء، بإزاحة المساهمة النسبية للتواترات التي تشكل النبضة ـ أي بتغيير شكلها وتصحيحه.

وقد طور عدد من الباحثين مثل هذه الآراء، ومن بينهم <A.S. رايس> (من جامعة شيكاغو) و <J.D.تانور> (من جامعة نوتردام) و <H.رابيتز> (من جامعة برنستون) و<R. كوسلوف> (من الجامعة - - - - -في القدس) و <R.K. ويلسون> (من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو). وقد بينت النتائج التي حصلوا عليها أن التحكم على نحو أمثل في ديناميكية الجزيئات، يتطلب استخدام نبضات مشكّلة من مزيج معقد من التواترات المختلفة، في حين تكفي تقريبات بسيطة غالبا لتحطيم الجزيئات بصورة مُراقَبة أو متحكَّم فيها.

وعلى الرغم من أن نبضة ضوء وحيد قد تُغيِّر أو تعدل ديناميكية جزيء ما، فإنها لا تعتبر بمفردها وسيلة فعالة للتحكم في نواتج تفاعل كيميائي ما. وتبزّها في ذلك الفكرة التي عرضها للمرة الأولى رايس وتانور، وقمنا نحن بتطويرها بالتعاون مع <T. سيدمان> من هيئة البحوث الوطنية في كندا في حينه، والتي تسمح بهذا التحكم من خلال استخدام أكثر من نبضة، وبصورة خاصة استخدام تتال أو تتابع من نبضتين، تضع إحداهما الجزيء في حالة تراكب تملي عليه كيفية استجابته اللاحقة للنبضة التالية، في حين تحطمه النبضة الأخرى إلى نواتجه المختلفة.

يعتبر هذا المشهد، على الرغم من عدم وضوح ذلك للعيان، مماثلا لذلك الذي يستخدم أمواجا ليزرية مستمرة من حيث مسؤولية التداخل الكمومي بين الدوال الموجية الجزيئية عن عملية التحكم. فقد تم تحقيق التداخل بين الدوال الموجية الجزيئية في حالة التواترات المختلفة المُشَكِّلة لنبضتي الضوء الواردتين إلى الجزيء؛ وقد أمكن التأثير في عملية التداخل هذه، وبالتالي في حصيلة النواتج المتشكلة، من خلال تغيير الفاصل الكائن بين النبضتين، وكذلك تغيير التواترات التي تشكل النبضة الليزرية الأولى. لذلك، وبخلاف تجارب الليزر ذي الموجة المستمرة التي يتشكل فيها تيار مستقر من نواتج التفاعل، فإن الليزر النبضي يتيح المجال ـ على نحو أفضل ـ للاستفادة من الزمن كأحد المتحولات التجريبية.

وقد بيّنت الدراسات الحسابية التي أجراها <I. ليڤي> (حين كان في معهد وايزمان للعلوم مع أحد كاتبي هذه المقالة) أن مجال التحكم قد يكون واسعا وممتدا، وبيّنا في تحليل لتفكك الجزيئات الثنائية الذرة، أن محصلة التفاعل يمكن أن تتغير بصورة تتراوح فيها نسبة المنتج المراد ما بين 3 و 95 في المئة، وذلك تبعا لحالة الترتيبات الليزرية المعتمدة، وبذلك يمكن إطلاق تفاعل ما أو إيقافه. أما في حالة الجزيئات المتعددة الذرات، فيكون التحكم ذا درجة مقبولة إلى حد ما على الرغم من عدم اتساعه. وقد طبقنا بنجاح هذه المقاربة في دراسة تفكيك جزيء الماء أحادي الدوتيريوم (HDO)، المكون من هيدروجين ودتيريوم وأكسجين، بغية تشكيل مقادير متحكم فيها من H+OD و D+OH.

تطبيقات صيدلانية
يحمل أحد التطبيقات الفعلية لموضوع التحكم بواسطة الليزر البُشرى للعاملين في الصناعات الصيدلانية. فالكيميائيون يهمهم التأكد من أن لنواتج التفاعل تشكيلة محددة، لأن جزيئا بعينه ذا صيغة كيميائية محددة قد يوجد على أحد شكلين يُعْرفان بالمتخايلين enantiomers، لأن أحدهما يكون خيال الآخر بالمرآة، مثلما تكون اليد اليمنى خيال اليسرى. ويوصف هذان الشكلان بأن أحدهما أيمن أو ذو يدوية يمنى right-handed والآخر أيسر أو ذو يدوية يسرى left-handed، وغالبا ما يكون أحدهما فعالا بيولوجيا، في حين يكون الآخر ضارا أو غير فعال. لذلك تنفق شركات الأدوية مبالغ وجهودا كبيرة لتشكيل المركبات ذوات اليدوية handedness الصحيحة الملائمة.

وقد يحمل التحكم بوساطة الليزر الجواب والحل الشافيين لتشكّل المنتج المراد. لقد درسنا تفكك مركب يمكن أن يعطي نوعين أيمن وأيسر. لنرمز لجزيء هذا المركب َABA حيث يشكلA و َA المتخايلين. قد يعطي تفكك هذا الجزيء A و َBA أوَA و BA. ولما كان ذا تناظر (تماثل) عال فإن تفككه التقليدي بتسليط ضوء عليه، لا يجعله يسير على نحو مفضل في أي من الاتجاهين المذكورين، لذلك تتشكل مقادير متساوية من A وَA. وقد بينت دراستنا أنه يمكن تحت ظروف مناسبة (وبخاصة في حال وجود حقل مغنطيسي ضعيف)، تطبيق نظام النبضتين للتحكم في تشكل المتخايلين بحيث يتشكل النوع A بدلا من ََA.

ويمكن للطرائق التي تعتمد مبدأ التداخل الكمومي أن تذهب إلى مدى يتجاوز موضوع التحكم في التفاعلات الكيميائية، وذلك من خلال تطبيقها أنواعا جديدة من التقانات، فقد تسمح هذه الطرق للعاملين فيها باختيار حالة طاقية خاصة لنواتج تفاعل كيميائي ما، تقدِر بدورها على توليد ضوء ليزري ذي تواترات لا تتيح التجهيزات المألوفة الحصول عليها. ومن أبرز ذلك ما اقترحه <B.P. كوركوم> (من المجلس الوطني للبحوث في كندا) عن استخدام تأثيرات التداخل لإقامة ليزرات تطلق دفقات من الضوء فائقة القصر في فواصل زمنية من مرتبة 16-10 ثانية. وهذا الفاصل الزمني يعادل تقريبا عُشر زمن النبضات التي تطلقها أفضل أنواع الليزر المستخدمة في يومنا هذا.

وقد اقترحنا بالتعاون مع <G. كورزكي> (من معهد وايزمان) استخدام مبدأ التداخل الكمومي لتنظيم جريان الإلكترونات في أشباه موصلات (نواقل)، وذلك بتصميم مسارين يمكن من خلالهما لذرة مانحة أن تفقد إلكترونا بامتصاصها ضوءا. يمكن جعل هذين المسارين يتداخلان، وإن التحكم في هذا التداخل يعني إمكانية تنظيم اتجاه الإلكترونات المقتلعة وبالتالي اتجاه التيار الكهربائي، وستكون النتيجة صنع قاطع ضوئي سريع من مرتبة
12-10ثانية، وهو أسرع بمرات عديدة من أي قاطع ضوئي معروف في يومنا هذا. وقد قدم <B.زلدوڤيتش> الذي يعمل حاليا في جامعة وسط فلوريدا) الدليل التجريبي عن هذا التحكم الموجَّه، في مكشافات كهرضوئية، كما قدمه كوركوم في ترتيبات من أشباه موصلات، وقدمه إليوت في ذرات مؤينة بالضوء.

لقد حمل الميكانيك الكمومي معه مفاهيم جديدة لفهم الطبيعة، وتجاوزنا معه الآن دور المراقب السلبي أو المنفعل، وغدا بوسعنا ونحن على عتبة القرن الحادي والعشرين، أن نوسع أفكاره ومفاهيمه لفتح المجال أمام إمكانات لا سابق لها لتحقيق تقدم أكبر بالتحكم في العمليات الذرية والجزيئية والإلكترونية.


المؤلفان
Moshe Shapiro - Paul Brumer
عملا باحثين شريكين منذ أول لقاء لهما في جامعة هارڤارد منذ أكثر من عشرين عاما. يعمل برومر أستاذا للفيزياء الكيميائية النظرية في جامعة تورنتو. حصل على الدكتوراه من جامعة هارڤارد ، ونال مؤخرا الميدالية البالاديومية للمعهد الكيميائي الكندي، وهي من أرفع الجوائز التي تمنحها مؤسسات علمية. أما شاپيرو فحصل على الدكتوراه من الجامعة العبرية في القدس، وهو أستاذ الفيزياء الكيميائية النظرية في معهد وايزمان للعلوم، وقد شغل مراكز عدة خلال زياراته للولايات المتحدة وأوروبا وكندا. يعبر الباحثان عن شكرهما وتقديرهما لمكتب البحوث البحرية في الولايات المتحدة على الدعم والتمويل اللذين قدمهما.


مراجع للاستزادة
COHERENT PULSE SEQUENCE CONTROL OF PRODUCT FORMATION IN CHEMICAL REACTIONS. D. J. Tannor and S. A. Rice in Advances in Chemical Physics, Vol. 70, Part 1, pages 441-523; 1988.
INTERFERENCE BETWEEN OPTICAL TRANSITIONS. C. Chen, Y.-Y. Yin and D. S. F1liott in Physical Review Letters, Vol. 64, No. 5, pages 507-510; January 29, 1990.
CONTROLLED PHOTON INDUCED SYMMETRY BREAKING CHIRAL MOLECULAR PRODUCTS FROM ACHIRAL PRECURSORS. M. Shapiro and P. Brumer in Journal of Chemical Physics, Vol. 95, No. 11, pages 8658-8661; December 1, 1991.
COHERENT LASER CONTROL OF BOUNDTO-BOUND TRANSITIONS OF HCL AND CO. S.-P. Lu, S. M. Park, Y. Me and R. J. Gordon in Journal of Chemical Physics, Vol. 96, No. 9, pages 6613-6620; May 1, 1992.
COHERENT AND INCOHERENT LASER CONTROL OF PHOTO CHEMICAL REACTIONS. M. Shapiro and P. Brumer in International Reviews in Physical Chemistry, Vol. 13, No. 2, pages 187-229; September 1994.
COHERENCE CHEMISTRY: CONTROLLING CHEMICAL REACTIONS WITH LASERS. P. Brumer and M. Shapiro in Accounts of Chemical Research, Vol. 22, No. 12, pages 407-413; December 1994.
Scientific American, March 1995

(1) الترابط هو وجود علاقة ارتباطية بين أطوار موجتين أو أكثر، بشكل يسمح بحدوث ظواهر التداخل بينهما. (التحرير)

(2) يرجع السبب في ذلك إلى تكامل الصفتين الموجية والجسيمية، فعندما تلوح إحداهما تغيب الأخرى، ولا يمكن ملاحظتهما في آن معا. (التحرير)
 

المرفقات

  • usa science1-3.rar
    957.9 KB · المشاهدات: 42
  • usa science 4-6.rar
    1.4 MB · المشاهدات: 50
جزاكم الله الجنة
+3
 
عودة
أعلى