القرآن الكريم وشهر رمضان
-------------------------
-------------------------
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه وبعد :
فالقرآن الكريم يحب رمضان ، ورمضان يحب القرآن الكريم ، فهما صديقان حبيبان . قال تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) .
نزل القرآن الكريم كله إلى سماء الدنيا من اللوح المحفوظ في رمضان ، وتشرف هذا الشهر بنزول هذا الكتاب فيه ، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يتدارس القرآن الكريم مع جبريل عليه السلام في رمضان ، يسمعه ويتدبره ويتلوه ويتأمل عبره ، ويعيش أنداءه ، ويسرح طرف القلب في خمائله ، ويطلق كف الحب في كنوزه .
إن الصائم القارئ يؤلف في صيامه بين رمضان وبين القرآن الكريم ، فيعيش هذا الشهر مع هذا الكتاب العظيم الذي قال الله فيه : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) ، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) .
القرآن الكريم في رمضان له طعم ومذاق ، وله إيحاءات خاصة ودلالات من نوع آخر .
القرآن الكريم في رمضان مخضل الأنداء معطر النسمات شذي الأنفاس .
القرآن الكريم في رمضان يعيد ذكرى نزوله ، وأيام تدارسه ، وأوقات اهتمام السلف به .
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : "اقرؤوا القرآن فانه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه" ، وقال صلى الله عليه وسلم : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" ، وقال عليه الصلاة والسلام : "اقرءوا الزهراوين ، سورة البقرة وآل عمران ، فإنهما تأتيان كغمامتين أو غيابتين ، أو كفران من طير صواف تظلان صاحبهما يوم القيامة " ، وقال عليه الصلاة والسلام : "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن فيتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" .
سمعتك يا قرآن والليل غافل *** سريت تهز القلب سبحان من أسرى
فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها *** وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرا
فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها *** وطفنا ربوع الكون نملؤها أجرا
أسلافنا إذا قدم رمضان فتحوا المصاحف وحلوا وارتحلوا مع القرآن الكريم .
ثبت عن الإمام مالك أنه كان في رمضان لا يتشاغل إلا بالقرآن الكريم ، وكان يعتزل التدريس والفتيا والجلوس للناس ، ويقول شهر القرآن الكريم.
بيوت سلفنا كان لها في رمضان خاصة دوي كدوي النحل ، تشع نوراً وتملأ سعادة ، كانوا يرتلون القرآن ترتيلا ، يقفون عند عجائبه ويبكون عند عظاته ، ويفرحون ببشارته ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه .
صح أن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على رسولنا صلى الله عليه وسلم أول سورة النساء ، فلما بلغ قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) ، فقال له عليه الصلاة والسلام : "حسبك الآن " ، قال : "فنظرت فإذا عيناه تذرفان" ، إنه المحب سمع كلام حبيبه فبكى :
إذا اشتبكت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى
فأما من بكى فيذوب وجدا *** لأن به من التقوى حراكا
فأما من بكى فيذوب وجدا *** لأن به من التقوى حراكا
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه استمع لأبي موسى رضي الله عنه ثم قال له : "لو رأيتني وأنا أستمع إلى قرائتك البارحة ، لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود" ، فقال أبو موسى : لو علمت يا رسول الله أنك تستمع لي لحبرته لك تحبيرا .. والمعنى لجملت صوتي أكثر وأكثر ، فجعلت القرآن الكريم به أكثر تأثيراً وروعة وجمالا.
كان عمر رضي الله عنه إذا اجتمع الصحابة قال : يا أبا موسى ذكرنا ربنا فيندفع أبو موسى يقرأ بصوته الجميل وهم يبكون !!
لما فسدت أمزجة المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين ، ظهرت التربية معوجة ، والفطرة معكوسة ، والأفهام سقيمة.
لما استبدل القرآن الكريم بغيره حل الفساد ، وكثر البلاء ، واضطربت المفاهيم ، وفشلت العزائم .
القرآن الكريم مهمته هداية الناس إلى طريق الله المستقيم .
القرآن الكريم نور وشفاء لما في الصدور وعلم وثقافة ومعرفة وبرهان.
القرآن الكريم حياة وروح وإنقاذ وسعادة وأجر ومثوبة.
القرآن الكريم تعاليم ربانية ، ودستور إلهي ، وحكمة خالدة .
فهل لنا أن نعيش مع القرآن الكريم في رمضان وغير رمضان ، وهل لنا أن نعرف عظمة القرآن الكريم فنملأ حياتنا سعادة بالقرآن الكريم ، ونوراً بالقرآن الكريم ، وإشراقاً مع القرآن الكريم ، هل لنا أن نفعل ذلك ؟!.
-------------------------
المصدر : كتاب (ثلاثون درساً للصائمين)
لفضيلة الشيخ عائض القرني
المصدر : كتاب (ثلاثون درساً للصائمين)
لفضيلة الشيخ عائض القرني