ان الحمد لله نحمدة ونستعينة ونستهدية ونسترضية ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا واشهد ان لا اله الا الله وحدة لا شريك له الملك وله الحمد وان محمد عبدة ورسولة اما بعد :
أيام مضت وشهور انقضت ودار التاريخ دورته ، فأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن ، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان ، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير ، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ
· معنى اسم شعبان :
شعبان هو اسم للشهر ، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ، وقيل تشعبهم في الغارات ، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ، ويجمع على شعبانات وشعابين .
· مكانة شهر شعبان :
· صيام شعبان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956 ) ، وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ، ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان " وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : " ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425 ، وفي رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461
· ليلة النصف من شعبان :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " أما ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها " ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 2/631 ويلاحظ هنا أن الأحاديث الواردة في فضلها لا تخلو من مقال واضطراب ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيصها بقيام أو صلاة وإنما جاء ذلك عن بعض السلف قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى : " كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء و ابن أبي مليكة و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا : ذلك كله بدعة " ا.هـ لطائف المعارف/151
وفى سؤال للشيخ عطية صقر مفتى الديار المصرية الاسبق رحمة الله عن فضل هذة الليلة قال :
الكلام هنا في ثلاث نقط:
1ـ النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟:
والجواب:قد ورد في فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضًا منهاوضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها في فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمدوالطبراني "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثرمن شَعْرِ غَنَمِ بني كلب، وهي قبيلة فيها غنم كثير".وقال الترمذي: إن البخاريضعفه.
ومنها حديث عائشة ـ رضيالله عنها ـ قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل فصلى فأطال السجود حتىظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة ـأو يا حُميراء ـ ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك"؟ أي لم يعطكحقك.
قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَلطول سجودك، فقال: "أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذهليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفرللمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم" رواه البيهقي من طريقالعلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة.
وروى ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف عنعلي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا ـ أي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إذا كانتليلة النصف من شعبان فقوموا لَيْلَهَا وصُوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيهالغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له،ألا مسترزق فأرزقه، ألامُبْلًى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبانفضلاً، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائي عن أسامة بن زيد ـرضي الله عنهما ـ أنه سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: لم أَرَكَ تصوم منشهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهوشهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع علمي وأنا صائم".
النقطة الثانية:هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحتفل بليلة النصف من شعبان؟
ثبت أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، أما قيام الليل فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان كثير القيام بالليل في كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه في أية ليلة.
ويؤيد ذلك ما ورد في الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها في فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل على النحو الذي ذكرته عائشة.
وكان هذا الاحتفال شخصيًا، يعني لم يكن في جماعة، والصورة التي يحتفل بها الناس اليوم لم تكن في أيامه ولا في أيام الصحابة ، ولكن حدثت في عهد التابعين.
يذكر القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية" ج2ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان في العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال إنهم بلغهم في ذلك آثارٌإسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلكأكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُلكية، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.
ثم يقول القسطلاني:
اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولينِ،أحدهما:أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويَتبخَّرُونَ ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك،ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة،نقله عنه حرب الكراماني في مسائله.
والثاني:أنه يكره الاجتماع في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصَّة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فإنه في روايةٍ لم يُستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه فِعلها، واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصًا من اللطائف.
هذا كلام القسطلاني في المواهب،وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعةً قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر،وما دام خلافِيًّا فيصحُّ الأخذ بأحد الرأيين دون تَعَصُّبٍ ضد الرأي الآخر.
والإحياء شخصيًا أو جماعيًا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال في هذه الليلة ليس على النَّسَقِ وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنمايكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهي تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزْمِ بأنه كان في هذه الليلة فهناك أقوال بأنه في غيرها، والاحتفال بالذكريات له حُكمه.
والذي أراه عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعًا، والهدف خالصًا لله سبحانه:
النقطة الثالثة:هل هناك أسلوب مُعَيَّنٌ لإحيائها وهل الصلاة بِنِيَّةِ طول العمر أو سَعَةِ الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟
إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهي خير موضوع، ويُسَنُّ التنفُّلُ بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه، فليكنْ نَفْلا مطلقًا.
قال النووي في كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بِدْعَتَانِ مُنكرتان،ولا تَغْتَرّْ بذكرهما في كتاب قوت القلوب ـ لأبي طالب المكي ـ وإحياء علوم الدين ـللإمام الغزالي ـ ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض مَنِ اشْتَبَهَ عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك
المصدر :صيد الفوائد بتصرف
أيام مضت وشهور انقضت ودار التاريخ دورته ، فأقبلت الأيام المباركة تبشر بقدوم شهر القرآن ، وبين يدي هذا القدوم يهل علينا شهر شعبان ، مذكراً جميع المسلمين بما يحمله لهم من خير ، والمسلم يعلم أن شهر شعبان ما هو إلا واحد من شهور السنة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا﴾ ولكن المسلم يشعر أن لشهر شعبان مذاقاً خاصاً فيفرح بقدومه ويستبشر به خيراً، قال الله تعالى: \"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ َ
· معنى اسم شعبان :
شعبان هو اسم للشهر ، وقد سمي بذلك لأن العرب كانوا يتشعبون فيه لطلب المياه ، وقيل تشعبهم في الغارات ، وقيل لأنه شَعَب أي ظهر بين شهري رجب ورمضان ، ويجمع على شعبانات وشعابين .
· مكانة شهر شعبان :
لقد امتدح الله تعالى في كتابه شهر رمضان بقوله : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ القُرْآَنُ } .. وبيَّن أنَّ فيه ليلة القدر وهي خير من ألف شهر ، فاهتمَّ المسلمون بهذا الشهر العظيم واجتهدوا فيه بالعبادة من صلاة ، وصيام ، وصدقات ، وعمرة إلى بيت الله الحرام وغير ذلك من أعمال البر والصلاح ..
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم انتباه الناس إلى شهر رجب في الجاهلية ، وتعظيمه وتفضيله على بقية أشهر السنة ورأى المسلمين حريصين على تعظيم شهر القرآن أراد أن يبين لهم فضيلة بقية الأشهر والأيام ..
عن أسامة بن زيدرضي الله عنهما أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ، فقال صلى الله عليه وسلم :
( ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )..
وسؤال أسامة (رضي الله عنه) يدل على مدى اهتمام الصحابة الكرام وتمسكهم بسنة النبي( صلى الله عليه وسلم )..
وبالفعل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً كما أخبرت عنه "عائشة"( رضي الله عنها) في الحديث المتفق على صحته ..
ولا بدَّ من وجود أمر هام وراء هذا التخصيص من الصيام في مثل هذا الشهر وهذا ما نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
( إنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى )فإذاً أعمال العباد ترفع في هذا الشهر من كل عام ،وتعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن ترفع أعماله إلى ربّ العالمين وهو صائم لأنَّ الصيام من الصبر وهو سبحانه يقول:-{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }
فشهر شعبان شهر عظيم عظمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم فحري بنا أن نعظمه وأن نكثر من العبادة والاستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك .
· صيام شعبان:
عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " رواه البخاري برقم ( 1833 ) ومسلم برقم ( 1956 ) ، وفي رواية لمسلم برقم ( 1957 ) : " كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا " ، وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستكمل صيام شعبان ، وإنما كان يصوم أكثره ، ويشهد له ما في صحيح مسلم برقم ( 1954 ) عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " ما علمته - تعني النبي صلى الله عليه وسلم - صام شهرا كله إلا رمضان " وفي رواية له أيضا برقم ( 1955 ) عنها قالت : " ما رأيته صام شهرا كاملا منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " ، وفي الصحيحين عن ابن عباس قال : " ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا غير رمضان " أخرجه البخاري رقم 1971 ومسلم رقم 1157 ، وكان ابن عباس يكره أن يصوم شهرا كاملا غير رمضان ، قال ابن حجر رحمه الله : كان صيامه في شعبان تطوعا أكثر من صيامه فيما سواه وكان يصوم معظم شعبان .
وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ، فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه ، بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين ، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " رواه النسائي ، أنظر صحيح الترغيب والترهيب ص 425 ، وفي رواية لأبي داود برقم ( 2076 ) قالت : " كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان " . صححه الألباني أنظر صحيح سنن أبي داوُد 2/461
· ليلة النصف من شعبان :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " أما ليلة النصف من شعبان فقد روى في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها " ا.هـ اقتضاء الصراط المستقيم 2/631 ويلاحظ هنا أن الأحاديث الواردة في فضلها لا تخلو من مقال واضطراب ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تخصيصها بقيام أو صلاة وإنما جاء ذلك عن بعض السلف قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى : " كان التابعون من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول و لقمان بن عامر و غيرهم يعظمونها و يجتهدون فيها في العبادة و عنهم أخذ الناس فضلها و تعظيمها و قد قيل أنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها منهم طائفة من عباد أهل البصرة و غيرهم و أنكر ذلك أكثر علماء الحجاز منهم عطاء و ابن أبي مليكة و نقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة و هو قول أصحاب مالك و غيرهم و قالوا : ذلك كله بدعة " ا.هـ لطائف المعارف/151
وفى سؤال للشيخ عطية صقر مفتى الديار المصرية الاسبق رحمة الله عن فضل هذة الليلة قال :
الكلام هنا في ثلاث نقط:
1ـ النقطة الأولى: هل ليلة النصف من شعبان لها فضل؟:
والجواب:قد ورد في فضلها أحاديث صحح بعض العلماء بعضًا منهاوضعفها آخرون وإن أجازوا الأخذ بها في فضائل الأعمال. ومنها حديث رواه أحمدوالطبراني "إن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا ليلة النصف من شعبان فيغفر لأكثرمن شَعْرِ غَنَمِ بني كلب، وهي قبيلة فيها غنم كثير".وقال الترمذي: إن البخاريضعفه.
ومنها حديث عائشة ـ رضيالله عنها ـ قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الليل فصلى فأطال السجود حتىظننت أنه قد قُبِضَ، فَلَمَّا رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال: "يا عائشة ـأو يا حُميراء ـ ظننت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خَاسَ بك"؟ أي لم يعطكحقك.
قلت: لا والله يا رسول الله ولكن ظننت أنك قد قبضتَلطول سجودك، فقال: "أَتَدْرِينَ أَيُّ ليلة هذه"؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال "هذهليلة النصف من شعبان، إن الله عز وجل يطلع على عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفرللمستغفرين ، ويرحم المسترحِمِينَ، ويُؤخر أهل الحقد كما هم" رواه البيهقي من طريقالعلاء بن الحارث عنها، وقال: هذا مرسل جيد. يعني أن العلاء لم يسمع من عائشة.
وروى ابن ماجة في سننه بإسناد ضعيف عنعلي ـ رضي الله عنه ـ مرفوعًا ـ أي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ "إذا كانتليلة النصف من شعبان فقوموا لَيْلَهَا وصُوموا نهارها، فإن الله تعالى ينزل فيهالغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول: ألا مستغفر فأغفر له،ألا مسترزق فأرزقه، ألامُبْلًى فأعافيه، ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر".
بهذه الأحاديث وغيرها يمكن أن يقال: إن لليلة النصف من شعبانفضلاً، وليس هناك نص يمنع ذلك، فشهر شعبان له فضله روى النسائي عن أسامة بن زيد ـرضي الله عنهما ـ أنه سأل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: لم أَرَكَ تصوم منشهر من الشهور، ما تصوم من شعبان قال "ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهوشهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع علمي وأنا صائم".
النقطة الثانية:هل كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحتفل بليلة النصف من شعبان؟
ثبت أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ احتفل بشهر شعبان، وكان احتفاله بالصوم، أما قيام الليل فالرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان كثير القيام بالليل في كل الشهر، وقيامه ليلة النصف كقيامه في أية ليلة.
ويؤيد ذلك ما ورد في الأحاديث السابقة وإن كانت ضعيفة فيؤخذ بها في فضائل الأعمال، فقد أمر بقيامها، وقام هو بالفعل على النحو الذي ذكرته عائشة.
وكان هذا الاحتفال شخصيًا، يعني لم يكن في جماعة، والصورة التي يحتفل بها الناس اليوم لم تكن في أيامه ولا في أيام الصحابة ، ولكن حدثت في عهد التابعين.
يذكر القسطلاني في كتابه "المواهب اللدنية" ج2ص 259 أن التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول كانوا يجتهدون ليلة النصف من شعبان في العبادة، وعنهم أخذ الناس تعظيمها، ويقال إنهم بلغهم في ذلك آثارٌإسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس، فمنهم من قبله منهم، وقد أنكر ذلكأكثر العلماء من أهل الحجاز منهم عطاء وابن أبي مُلكية، ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة، وهو قول أصحاب مالك وغيرهم، وقالوا: ذلك كله بدعة.
ثم يقول القسطلاني:
اختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولينِ،أحدهما:أنه يُستحب إحياؤها جماعةً في المسجد، وكان خالد بن معدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم ويَتبخَّرُونَ ويكتحلون ويقومون في المسجد ليلتهم تلك،ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة،نقله عنه حرب الكراماني في مسائله.
والثاني:أنه يكره الاجتماع في المساجد للصلاة والقصص والدعاء ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصَّة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم.
ولا يُعرف للإمام أحمد كلام في ليلة النصف من شعبان، ويتخرج في استحباب قيامها عنه روايتان من الروايتين عنه في قيام ليلتي العيد، فإنه في روايةٍ لم يُستحب قيامها جماعة، لأنه لم ينقل عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه فِعلها، واستحبها في رواية لفعل عبد الرحمن بن زيد بن الأسود لذلك، وهو من التابعين، وكذلك قيام ليلة النصف من شعبان لم يثبت فيها شيء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا عن أصحابه، إنما ثبت عن جماعة من التابعين من أعيان فقهاء أهل الشام، انتهى. ملخصًا من اللطائف.
هذا كلام القسطلاني في المواهب،وخلاصته أن إحياء ليلة النصف جماعةً قال به بعض العلماء ولم يقل به البعض الآخر،وما دام خلافِيًّا فيصحُّ الأخذ بأحد الرأيين دون تَعَصُّبٍ ضد الرأي الآخر.
والإحياء شخصيًا أو جماعيًا يكون بالصلاة والدعاء وذكر الله سبحانه، وقد رأى بعض المعاصرين أن يكون الاحتفال في هذه الليلة ليس على النَّسَقِ وليس لهذا الغرض وهو التقرب إلى الله بالعبادة، وإنمايكون لتخليد ذكرى من الذكريات الإسلامية، وهي تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى مكة، مع عدم الجزْمِ بأنه كان في هذه الليلة فهناك أقوال بأنه في غيرها، والاحتفال بالذكريات له حُكمه.
والذي أراه عدم المنع ما دام الأسلوب مشروعًا، والهدف خالصًا لله سبحانه:
النقطة الثالثة:هل هناك أسلوب مُعَيَّنٌ لإحيائها وهل الصلاة بِنِيَّةِ طول العمر أو سَعَةِ الرزق مشروعة، وهل الدعاء له صيغة خاصة؟
إن الصلاة بنية التقرب إلى الله لا مانع منها فهي خير موضوع، ويُسَنُّ التنفُّلُ بين المغرب والعشاء عند بعض الفقهاء، كما يسن بعد العشاء ومنه قيام الليل، أما أن يكون التنفل بنية طول العمر أو غير ذلك فليس عليه دليل مقبول يدعو إليه أو يستحسنه، فليكنْ نَفْلا مطلقًا.
قال النووي في كتابه المجموع: الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب وهي ثنتا عشرة ركعة بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بِدْعَتَانِ مُنكرتان،ولا تَغْتَرّْ بذكرهما في كتاب قوت القلوب ـ لأبي طالب المكي ـ وإحياء علوم الدين ـللإمام الغزالي ـ ولا بالحديث المذكور فيهما، فإن كل ذلك باطل، ولا يغتر ببعض مَنِ اشْتَبَهَ عليه حكمهما من الأئمة فصنف ورقات في استحبابهما فإنه غالط في ذلك
المصدر :صيد الفوائد بتصرف