مقدمة
المجنون عند الناس من يسمع ويسب ويرمي ويخرق الثوب، أو من يخالفهم في عاداتهم فيجيء بما ينكرون، ولذلك سمت الأمم الرسل مجانين لأنهم شقوا عصاهم فنابذوهم وأتوا بخلاف ما هم فيه، قال الله جل ذكره : {َكَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ, فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}وقال تعالى: [وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ] يعني فرعون [وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ].
ولقد قال مشركو مكة في النبي صلى الله عليه وسلم حين تحداهم إلى الايمان بالله: إنه مجنون وساحر وشاعر وكاهن.
والمجنون عند أهل الحقائق من ركن إلى الدنيا وعمل لها وطاب عيشاً.
وأترككم إخوتي مع إحد المجانين والذي يعد من عقلائهم وبعض نصائحه وطرفه ألا وهو :
بهلول المجنون
هو البهلول بن عمرو، أبو وهيب الصيرفي الكوفي.قال الإمام الذهبي : وسوس في عقله، وما أظنه اختلط، أو قد كان يصحو في وقت. فهو معدود في عقلاء المجانين. له كلام حسن وحكايات.
نصيحة لأمير المؤمنين هارون الرشيد:
خرج الرشيد إلى الحج فلما كان بظاهر الكوفة إذ بصر بهلولاً المجنون على قصبة وخلفه الصبيان وهو يعدو فقال من هذا، قالوا بهلول المجنون، قال كنت أشتهي أن أراه فأدعوه من غير ترويع، فقالوا له :أجب أمير المؤمنين، فعدا على قصبته، فقال الرشيد :السلام عليك يا بهلول، فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين، قال: كنت إليك بالأشواق، قال : لكني لم أشتق إليك، قال : عظني يا بهلول . قال : وبم أعظك هذه قصورهم وهذه قبورهم يا أمير المؤمنين فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير، فخنقته العبرة . فقال الحاجب : حسبك يا بهلول قد أوجعت أمير المؤمنين، فقال الرشيد : دعه، فقال بهلول : إنما أفسده أنت وأضرابك، فقال الرشيد :أريد أن أصلك بصلة فقال بهلول : ردها على من أخذت منه، فقال الرشيد : فحاجة، قال : أن لا تراني ولا أراك.
أصدقاء لا يؤذونني :
قال محمد بن إسماعيل : رأيت بهلولاً في بعض المقابر وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب في التراب فقلت له : ما تصنع ها هنا ؟ فقال : أجالس أقواماً لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابونني، وإن الله تعالى أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.
حلمه على الصبيان:
قال عمر بن جابر الكوفي : مر بهلول بصبيان كبار فجعلوا يضربونه فدنوت منه فقلت : لم لا تشكوهم لآبائهم ؟ فقال لي : اسكت فلعلي إذا مت يذكرون هذا الفرح فيقولون رحم الله ذلك المجنون !
لمن يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما :
قال صباح الوزان الكوفي : لقيت بهلولاً يوماً فقال لي : أنت الذي يزعم أهل الكوفة أنك تشتم أبا بكر وعمر ؟ فقلت : معاذ الله أن أكون من الجاهلين، قال : إياك يا صباح فإنهما جبلا الإسلام وكهفاه ومصباحا الجنة وحبيبا محمد صلى الله عليه وسلم وضجيعاه وشيخا المهاجرين وسيداهم ثم قال: جعلنا الله من الذين على الأرائك يسمعون كلام الله إذا وفد القوم إلى سيدهم.
نصيحة بنصيحة :
قال الحسين الصقلي : نظرت وقد زار سعدون بهلولاً ورأيتهما فسمعت سعدون يقول لبهلول : أوصني وإلا أوصيك فناداه بهلول :أوصني يا أخي فقال سعدون : أوصيك بحفظ نفسك ومكنها من حبك فإن هذه الدنيا ليست لك بدار، قال بهلول : أنا أوصيك يا أخي، فقال : قل، فقال: اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق متلفك فإن ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ. فلم يزالا يبكيان جميعاً حتى خشيت عليهما الفناء.
نصيحة لمن يقول بخلق القرءان:
قال نعيم الخشاب : كتب بهلول إلى الواثق: أما بعد فإن المراء قد لعب بدينك والأهواء قد أحاطت بك ومقالات أهل البدع قد سلخت عنك عقلك وابن أبي داود المشئوم قد بدل عليك كلام ربك، اقرأ [إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] ، إلى قوله تعالى : [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] أيكون هذا الكلام مخلوقاً، فرماك الله بحجارة من سجيل مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ثم كتب عنوانه : من الخائف الذليل إلى المخالف لكلام ربه تعالى.
قسمة ميراث :
وسئل بهلول : عن رجل مات وخلف ابناً وابنة وزوجة ولم يخلف من المال شيئاً كيف تكون القسمة، فقال : للإبنة الثكل وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة !
المجنون عند الناس من يسمع ويسب ويرمي ويخرق الثوب، أو من يخالفهم في عاداتهم فيجيء بما ينكرون، ولذلك سمت الأمم الرسل مجانين لأنهم شقوا عصاهم فنابذوهم وأتوا بخلاف ما هم فيه، قال الله جل ذكره : {َكَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ, فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}وقال تعالى: [وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ] يعني فرعون [وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ].
ولقد قال مشركو مكة في النبي صلى الله عليه وسلم حين تحداهم إلى الايمان بالله: إنه مجنون وساحر وشاعر وكاهن.
والمجنون عند أهل الحقائق من ركن إلى الدنيا وعمل لها وطاب عيشاً.
وأترككم إخوتي مع إحد المجانين والذي يعد من عقلائهم وبعض نصائحه وطرفه ألا وهو :
بهلول المجنون
هو البهلول بن عمرو، أبو وهيب الصيرفي الكوفي.قال الإمام الذهبي : وسوس في عقله، وما أظنه اختلط، أو قد كان يصحو في وقت. فهو معدود في عقلاء المجانين. له كلام حسن وحكايات.
نصيحة لأمير المؤمنين هارون الرشيد:
خرج الرشيد إلى الحج فلما كان بظاهر الكوفة إذ بصر بهلولاً المجنون على قصبة وخلفه الصبيان وهو يعدو فقال من هذا، قالوا بهلول المجنون، قال كنت أشتهي أن أراه فأدعوه من غير ترويع، فقالوا له :أجب أمير المؤمنين، فعدا على قصبته، فقال الرشيد :السلام عليك يا بهلول، فقال: وعليك السلام يا أمير المؤمنين، قال: كنت إليك بالأشواق، قال : لكني لم أشتق إليك، قال : عظني يا بهلول . قال : وبم أعظك هذه قصورهم وهذه قبورهم يا أمير المؤمنين فكيف لو أقامك الله بين يديه فسألك عن النقير والفتيل والقطمير، فخنقته العبرة . فقال الحاجب : حسبك يا بهلول قد أوجعت أمير المؤمنين، فقال الرشيد : دعه، فقال بهلول : إنما أفسده أنت وأضرابك، فقال الرشيد :أريد أن أصلك بصلة فقال بهلول : ردها على من أخذت منه، فقال الرشيد : فحاجة، قال : أن لا تراني ولا أراك.
أصدقاء لا يؤذونني :
قال محمد بن إسماعيل : رأيت بهلولاً في بعض المقابر وقد دلى رجله في قبر وهو يلعب في التراب فقلت له : ما تصنع ها هنا ؟ فقال : أجالس أقواماً لا يؤذونني وإن غبت عنهم لا يغتابونني، وإن الله تعالى أخذ علينا أن نعبده كما أمرنا وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.
حلمه على الصبيان:
قال عمر بن جابر الكوفي : مر بهلول بصبيان كبار فجعلوا يضربونه فدنوت منه فقلت : لم لا تشكوهم لآبائهم ؟ فقال لي : اسكت فلعلي إذا مت يذكرون هذا الفرح فيقولون رحم الله ذلك المجنون !
لمن يشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما :
قال صباح الوزان الكوفي : لقيت بهلولاً يوماً فقال لي : أنت الذي يزعم أهل الكوفة أنك تشتم أبا بكر وعمر ؟ فقلت : معاذ الله أن أكون من الجاهلين، قال : إياك يا صباح فإنهما جبلا الإسلام وكهفاه ومصباحا الجنة وحبيبا محمد صلى الله عليه وسلم وضجيعاه وشيخا المهاجرين وسيداهم ثم قال: جعلنا الله من الذين على الأرائك يسمعون كلام الله إذا وفد القوم إلى سيدهم.
نصيحة بنصيحة :
قال الحسين الصقلي : نظرت وقد زار سعدون بهلولاً ورأيتهما فسمعت سعدون يقول لبهلول : أوصني وإلا أوصيك فناداه بهلول :أوصني يا أخي فقال سعدون : أوصيك بحفظ نفسك ومكنها من حبك فإن هذه الدنيا ليست لك بدار، قال بهلول : أنا أوصيك يا أخي، فقال : قل، فقال: اجعل جوارحك مطيتك واحمل عليها زاد معرفتك واسلك بها طريق متلفك فإن ذكرتك ثقل الحمل فذكرها عاقبة البلوغ. فلم يزالا يبكيان جميعاً حتى خشيت عليهما الفناء.
نصيحة لمن يقول بخلق القرءان:
قال نعيم الخشاب : كتب بهلول إلى الواثق: أما بعد فإن المراء قد لعب بدينك والأهواء قد أحاطت بك ومقالات أهل البدع قد سلخت عنك عقلك وابن أبي داود المشئوم قد بدل عليك كلام ربك، اقرأ [إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى] ، إلى قوله تعالى : [إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي] أيكون هذا الكلام مخلوقاً، فرماك الله بحجارة من سجيل مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ثم كتب عنوانه : من الخائف الذليل إلى المخالف لكلام ربه تعالى.
قسمة ميراث :
وسئل بهلول : عن رجل مات وخلف ابناً وابنة وزوجة ولم يخلف من المال شيئاً كيف تكون القسمة، فقال : للإبنة الثكل وللزوجة خراب البيت وما بقي من الهم فللعصبة !
=======================
بتصرف يسير من :
عقلاء المجانين لأبي القاسم النيسابوري
تاريخ الإسلام للذهبي
=======================
بتصرف يسير من :
عقلاء المجانين لأبي القاسم النيسابوري
تاريخ الإسلام للذهبي
=======================