أدب الحوار .. دراسة منهجية هادفة (16)
------------------------------------
قبل الختام
أريد أن أبين مسألة.. وهو أن المقصود من هذه الكلمات أو من أمثالها مما يلقيه أهل العلم.
أننا إنما نحمل الدعوة الاسلامية التى شرفنا الله بها ونريد أن ينتفع بها الناس.
فنحن لانحاور الناس في مسائل اقتصادية أو هندسية أو طبية، بل مقصودنا أن يدخل الناس جميعاً جنات النعيم، فما دام أن هذا الطريق هو أرفق من طريق العنف، وطريق الشطط والشدة، فلماذا لا نسلكه؟؟
يقول عليه الصلاة والسلام :
"فوالذي نفسي بيده لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النعم"، فإذا كان هذا الطريق يوصلنا إلى أن يهتدي الناس على أيدينا فلنلزمه.
إن طريق الحوار ولين الكلمة ينتج لك من القبول وسماع الناس واحترامهم ما لايدر بالبال ولا يخطر في الخيال. حتى وُجد أناسُ لايصلون وكانوا يتعاطون المخدرات ويعقون الوالدين ويقطعون الرحم، فلما هيأ الله لهم بعض الأشخاص الرحماء العقلاء والعلماء عادوا إلى الهداية.
لأن النفوس البشرية مفطورة على الحق وعلى قبول الفضيلة وكراهية الرذيلة في الجملة.
ورأيت في حياتي من بعض الفضلاء الذين هدى الله على أيديهم أناساً كثيرين بسبب لينهم ورقتهم وحوارهم وإقناعهم للناس، وهذا يسمى عند الغرب: "غسيل الدماغ"، ويوجد كتاب مؤلف بهذا العنوان : (كيف تغسل دماغ الآخرين) أي كيف تقنعهم ؟؟
فالمقصود أن توجه العقول إلى الله بهذا الحوار، وليس من الترف الفكري أن نحاور أناساً على نظريات نسبية أو في الإعجاز العلمي، أو في الاكتشافات والاختراعات فقط، ولكن المقصود الأكبر أن نحاورهم ليهتدوا ويعودوا إلى ربهم، فهذا الحوار هو تحت مظلة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64.
فالمقصود أن نحاور من خالفنا من إخواننا في خلاف التنوع , على أن نعود نحن وهم ونتفق في مسائل قد تكون راجحة معنا أو معهم.
وأقول لإخواني: على من حاور في مسألة ورأى فيها جدلاً أن يوقف هذا الجدل , وقد رأيت فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيميين -رحمه الله- في مجالس أنه كان يحاور، فإذا رأى الرجل لايقبل إلا رأيه قال: انتهى.. الموضوع أصبح جدلاً!! لأن بعض الناس تأتي له بالأدلة الصحيحة والبراهين الساطعة، ثم تجده يكابر ويعاند ويصر على رأيه، فهذا لا تستمر معه في الحوار، ولكن لا نهجره ولا نعامله بقسوة.
وقد كان الأئمة كالشافعي وأحمد متصافين متآخين على أنهم اختلفوا في كثير من المسائل وكذلك اختلف من هو خير منهم كأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأوصي أحبتي عند الخلاف بهذا الحديث الذي كان يقوله صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل : ((اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل.. فاطر السموات والارض.. عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.. اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك.. إنك تهدي من تشاء إلى صرطٍ مستقيم)).. وعلى الإنسان إذا اشتبه عليه أمر من الأمور أن يكثر من الاستغفار، ومن أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً , ورزقه من حيث لايحتسب.
وكان أنس بن مالك إذا جادله أحد يكثر من قول: "لا حول ولاقوة الا بالله".
وكان بعض الأئمة إذا حاور أحد يقول: "الله الله ربي لا أشرك به شيئاً".
وبعضهم يقول: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".
(فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم) البقرة/213.
نسأل الله أن يرينا وإياكم الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والله المسؤول أن يتقبل مني ومنكم، وأن يزيدني وإياكم توفيقاً وهداية ورشداً، وصلى الله على نبينا المصطفى وآله وصحبه ومن والاه.
-----------------------------------
المصدر : (كتاب أدب الحوار للشيخ عائض القرني)