بذل الأعراض والأموال في سبيل الله(4)
لقد وصل هذا الجيل المبارك إلى حد أن يقوم أحدهم وهو أبو ضمضم يصلي في الليل ثم يتوجه إلى الله تعالى بالدعاء قائلاً: اللهم إنه ليس لي مال أتصدق به في سبيلك، ولا جسم أجاهد به في ذاتك، ولكني أتصدق بعرضي على المسلمين.. اللهم من شتمني، أو سبني، أو ظلمني، أو اغتابني، فاجعلها له كفارة.
ويروى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة ذات يوم، فقام علبة بن زيد فقال: يا رسول الله! حثثت على الصدقة، وما عندي إلا عرضي، فقد تصدقت به على من ظلمني، قال: فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما كان في اليوم الثاني قال: أين علبة بن زيد ، أو أين المتصدق بعرضه، فإن الله تبارك وتعالى قد قبل ذلك منه). فهذا هو التصدق بالأعراض، ولابد أن يبذل الدعاة وطلبة العلم أعراضهم كما بذلها محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه بذل عرضه وماله ودمه لهذه الدعوة الخالدة، فعسى الله أن يجعل دماءنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا وأبناءنا وأهلنا فداء لـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
قال رجل لـعمرو بن العاص : والله لأتفرغن لك!
قال عمرو : [إذن تقع في الشغل].
وهذا هو الحق، فإن الذي يتفرغ لينال من الناس، ويشتم الناس، ويكيد للناس، هذا لا يكون فارغاً أبداً. وإنما يشغله الله بالناس. وهذا يضيع عمره في الترهات والتفاهات وما لا ينفع.
وقول عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه هو الصواب، وهو الحكمة ((وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)).
ويروي أهل الحديث أن عامر الشعبي -وهو من علماء التابعين المشهورين- قام أمامه رجل وقال له: كذبت يا عامر !.
فقال عامر : إن كنت صادقاً فغفر الله لي، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك!!
فماذا قال الرجل بعدها يا ترى؟
سكت!! لأن من استطاع أن ينهي الخصام، وأن يجعل للصلح موضعاً، وألا يستعدي الناس خاصة أهل الفضل وأهل المنزلة وأهل الصدارة والمكانة، كان محسناً على نفسه، وعلى الإسلام، وعلى المسلمين.
المصدر
موقع شبكة الاسلام
من كتاب (جسور المحبة) للشيخ عائض القرني