(3) تحمل زلات الغير
ذكر الغزالي صاحب الإحياء أن الحسن البصري رحمه الله جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد، اغتابك فلان! قال: تعال، فلما أتى إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال له: اذهب إليه وقل له: أعطيتنا حسناتك، وأعطيناك رطباً! فذهب بالرطب إليه!
فالمقصود من هذا أن الدنيا أمرها سهل وهين، وأن بعض الناس يتصدق بحسناته، فلا عليك مهما نالك حاسد، أو ناقم، أو مخالف، أو منحرف! فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك، واعلم أن ذلك رفعة لك.
ويروى في سيرة موسى عليه السلام أنه قال: (يا رب، أريد منك أمراً! قال: ما هو يا موسى ؟
والله أعلم به قال: أسألك أن تكف ألسنة الناس عني! قال الله عز وجل: يا موسى ، وعزتي وجلالي، ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني) سبحان الله!
الله، الرحمن، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، يسب من الناس!! هذا المخلوق الضعيف، الذليل الحقير، الحشرة، يخرج نطفة، ثم يسب الله ويشتمه جل وعلا؟
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى شتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له! أما شتمه فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني).
وعند أحمد في كتاب الزهد أن الله عز وجل يقول: (عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم، وأنا غني عنك! وتتبغض إلي بالمعاصي، وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد).
فما دام أن الواحد الأحد سبحانه وتعالى -يسبه ويشتمه بعض الأشرار من خلقه- فكيف بنا نحن، ونحن أهل التقصير؟
إذا علم هذا فإنه خير دليل على المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم فتراضوا واختلفوا كما يختلف البشر، وأتت بينهم نفرة في أيام من حياتهم! ولكنهم عادوا في صفاء، وفي عناق، وفي صبور، وفي محبة؛ لأن المبدأ الذي يحملونه مبدأ واحد، وليس مبادئ متعددة، فمبدؤهم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وما حصل بينهم دليل على أنهم لم يخرجوا عن بشريتهم، ولم يصبحوا ملائكة، ولم يخرجوا من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء).
ولم يصبحوا كذلك صفحات بيضاء لا أثر فيها ولا نقيصة، كلا ما كانوا كذلك!
كانوا بشراً تعتمل في نفوسهم دوافع البشر، ويتحركون في الأرض بدوافع البشر، ولكنها دوافع البشر في أصفى حالاتها وأعلاها، دوافع البشر حين يتخففون إلى أقصى حد من ثلة الأرض، فيصعدون أقصى ما يتاح للبشر من الصعود. كانوا يعملون.. فإذا هبطت بهم ثقلة عن المستوى السامق لم يستكينوا للهبوط، وإنما عادوا يعملون للصعود من جديد،. فيصعدون ويصعدون. وفي سيرة أبي بكر رضي الله عنه أن رجلاً قال لـأبي بكر : والله يا أبا بكر لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك، قال أبو بكر : [بل يدخل معك قبرك أنت لا معي].
صدق رضي الله عنه وأرضاه فإن المسبوب لا يدخل معه السب، ولكن يدخل السب مع الساب الذي سلط لسانه على عباد الله. أفيظن هذا الجاهل أنه إذا سب أو شتم أو نال من أبي بكر أن شتمه هذا سوف يدخل مع أبي بكر القبر؟
فهذا جهل، وأي جهل!!.
ثم انظر وتأمل جواب أبي بكر عليه: [بل يدخل معك قبرك ولا يدخل معي] فقط كان هذا جوابه؟
ولم يقل له: بل سأسبك سباً يدخلك قبرك! وسأفعل بك كذا!! وسأريك كذا!! ... إلخ، لا بل: [يدخل معك قبرك].
وقول أبي بكر وتصرفه هو الصحيح، فإن الكلمة العوراء والكلمة الآثمة، والكلمة الجارحة، تكون وبالاً وحسرة وندامة على من تجرأ وجرح ونال بها من أخيه.
المصدر
موقع شبكة الاسلام
من كتاب (جسور المحبة) للشيخ عائض القرني
فالمقصود من هذا أن الدنيا أمرها سهل وهين، وأن بعض الناس يتصدق بحسناته، فلا عليك مهما نالك حاسد، أو ناقم، أو مخالف، أو منحرف! فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك، واعلم أن ذلك رفعة لك.
ويروى في سيرة موسى عليه السلام أنه قال: (يا رب، أريد منك أمراً! قال: ما هو يا موسى ؟
والله أعلم به قال: أسألك أن تكف ألسنة الناس عني! قال الله عز وجل: يا موسى ، وعزتي وجلالي، ما اتخذت ذلك لنفسي، إني أخلقهم وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني) سبحان الله!
الله، الرحمن، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، يسب من الناس!! هذا المخلوق الضعيف، الذليل الحقير، الحشرة، يخرج نطفة، ثم يسب الله ويشتمه جل وعلا؟
وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى شتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له! أما شتمه فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني).
وعند أحمد في كتاب الزهد أن الله عز وجل يقول: (عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم، وأنا غني عنك! وتتبغض إلي بالمعاصي، وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد).
فما دام أن الواحد الأحد سبحانه وتعالى -يسبه ويشتمه بعض الأشرار من خلقه- فكيف بنا نحن، ونحن أهل التقصير؟
إذا علم هذا فإنه خير دليل على المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم فتراضوا واختلفوا كما يختلف البشر، وأتت بينهم نفرة في أيام من حياتهم! ولكنهم عادوا في صفاء، وفي عناق، وفي صبور، وفي محبة؛ لأن المبدأ الذي يحملونه مبدأ واحد، وليس مبادئ متعددة، فمبدؤهم: (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وما حصل بينهم دليل على أنهم لم يخرجوا عن بشريتهم، ولم يصبحوا ملائكة، ولم يخرجوا من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء).
ولم يصبحوا كذلك صفحات بيضاء لا أثر فيها ولا نقيصة، كلا ما كانوا كذلك!
كانوا بشراً تعتمل في نفوسهم دوافع البشر، ويتحركون في الأرض بدوافع البشر، ولكنها دوافع البشر في أصفى حالاتها وأعلاها، دوافع البشر حين يتخففون إلى أقصى حد من ثلة الأرض، فيصعدون أقصى ما يتاح للبشر من الصعود. كانوا يعملون.. فإذا هبطت بهم ثقلة عن المستوى السامق لم يستكينوا للهبوط، وإنما عادوا يعملون للصعود من جديد،. فيصعدون ويصعدون. وفي سيرة أبي بكر رضي الله عنه أن رجلاً قال لـأبي بكر : والله يا أبا بكر لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك، قال أبو بكر : [بل يدخل معك قبرك أنت لا معي].
صدق رضي الله عنه وأرضاه فإن المسبوب لا يدخل معه السب، ولكن يدخل السب مع الساب الذي سلط لسانه على عباد الله. أفيظن هذا الجاهل أنه إذا سب أو شتم أو نال من أبي بكر أن شتمه هذا سوف يدخل مع أبي بكر القبر؟
فهذا جهل، وأي جهل!!.
ثم انظر وتأمل جواب أبي بكر عليه: [بل يدخل معك قبرك ولا يدخل معي] فقط كان هذا جوابه؟
ولم يقل له: بل سأسبك سباً يدخلك قبرك! وسأفعل بك كذا!! وسأريك كذا!! ... إلخ، لا بل: [يدخل معك قبرك].
وقول أبي بكر وتصرفه هو الصحيح، فإن الكلمة العوراء والكلمة الآثمة، والكلمة الجارحة، تكون وبالاً وحسرة وندامة على من تجرأ وجرح ونال بها من أخيه.
المصدر
موقع شبكة الاسلام
من كتاب (جسور المحبة) للشيخ عائض القرني