نظرة إلى تشكيك طه حسين في كتابه في الأدب الجاهلي

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد استعمل طه حسين في طعنه بصحة الشعر الجاهلي أربعة أمور:

1-الإستنباط والإستنتاج.
2-التوسع في دلالات الروايات والأخبار.
3-تعميم الحكم الفردي الخاص واتخاذه قاعدة عامة.
4-التشكيك وإثارة الحيرة.وهذا ما سننظر إليه في هذا المقال.

معنى إثارة الحيرة والشك:
حين يصعب على المعبِّر السيطرة على أفكار المتلقي أو مشاعره، حيث يكون مسلحاً بأفكار وعواطف تضاد أفكاره ومشاعره، عندها يشعر المعبِّر بعدم جدوى محاولة إقناع المتلقي بأفكار بديلة، ومشاعر أخرى غير التي لديه، يعمد إلى استراتيجية التشكيك، وإثارة الحيرة فيما يظن المتلقي أنها حقيقة، في أفكاره وعواطفه، شريطة أن يقوم بذلك منذ بداية التعبير، ويخطط له بحكمة وروية وبراعة، فيعمد إلى أساليب النقاش والجدال المتاحة لديه لتوكيد مقصده وهدفه ليزعزع ثوابت المتلقي من خلال عمليات الهجوم الفكري، فلا يترك المجال للمتلقي ليناقش أفكار المعبِّر أو اتجاهاته، فيحاول إضعاف معتقداته، وبلبلة مشاعره تجاه مسألة موضوع الخصومة، ثم يتركه حتى نهاية التعبير حائراً منهاراً ليس لديه ما يدافع عنه، أو ينتمي إليه، أو يتعاطف معه، ولكي يهيئه إلى مواقف تعبيرية أخرى لكي يوصل إليه ما يريد من الأفكار والتعاطفات، ويكثر استخدام هذا الشكل في التعبير الجدلي في مجال السياسة، والدين، والفلسفة، والعقائديات، وغيرها.
لقد أدرك طه حسين قبل أن يعرض لكتابه أنه لن يستطيع السيطرة على أفكار المتلقين فقال في المقدمة: ((وأكاد أثق بأن فريقا منهم سيلقونه ساخطين عليه ، وبأن فريقا آخر سيزورون عنه ازورارا)).

ولقد وصف ناصر الدين الأسد تشكيك طه حسين بقوله: ((ثمَّ صاغ تلك المادة وهذه الطريقة باطار من أسلوبه الفني وبيانه الأخَّاذ))، وفي موضع آخر ((وساقها في أسلوبه الأخَّاذ الذي يلفُّ القارئ به لفَّاً حتي يكاد أن ينسيه نفسه ويصرفه عن مناقشة رأيه)).
سيطرة أسلوب التشكيك -غير العلمي- لطه حسين على المتلقي
يقول ناصر الدين الأسد: (( ومن آيات ذلك أننا حينما قرأنا تلخيصنا لرأي الدكتور –بعد أن جرَّدناه من أسلوبه- أحسسنا فرق ما بين الملخص والكتاب، وأدركنا أن هذا التلخيص يغمط الكاتب حقَّه، ويفقده كثيراً من أثره في النفس)).

أمثلة لبعض تشكيكات طه حسين:
1-يقول في سياق حديثه عن الحياة الدينية (( هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين يُظهر لنا حياة غامضة جافة بريئة أو كبريئة من الشعور الديني القوي والعاطفة الدينية المتسلطة على النفس والمسيطرة على الحياة العلمية، وإلا فأين تجد شيئاً من هذا في شعر امرئ القيس أو طرفة أو عنترة؟ أوليس عجيباً أن يعجز الشعر الجاهلي كله عن تصوير الحياة الدينية والعاطفية...أفتظن قريشاً كانت تكيد لأبنائها وتضطهدهم وتذيقهم ألون العذاب ثم تخرجهم من ديارهم ثم تنصب لهم الحرب وتضحي في سبيلها بثروتها وقوتها وحياتها لو لم يكن لها من الدين إلا ما يمثله هذا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين ؟...)) ص80
2-يقول في سياق حديثه عن الحياة العقلية (( أفتظن قوماً يجادلون في هذه الأشياء جدالاً يصفه القرآن بالقوة ويشهد لأصحابه بالمهارة، أفتظن هؤلاء القوم من الجهل والغباوة والغلظة والخشونة بحيث يمثلهم لنا الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين؟ كلا ! لم يكونوا جهالاً ولا أغبياء، ولا غلاظاً ولا أصحاب حياة خشنة جافية، وإنما كانوا أصحاب علم وذكاء، وأصحاب عواطف رقيقة وعيش فيه لين ونعمة.
إن فقدان الدليل لدى طه حسين ألجأه إلى هذا الأسلوب ، ولو كان يملك الدليل، لكان وضعه ولم يستعمل التشكيك.
3-يقول في سياق حديثه عن أسباب النحل (( أفترى إلى هؤلاء الجهال الغلاظ يستشهد بجهلهم وغلظتهم على ما انتهت إليه الحضارة العباسية من علم ودقة ورقي؟...)).

إن هذا الأسلوب الذي لا يمت للعلمية بشيء، يجعلني أقول أن طه حسين، لم يطرح شيئاً، ولم يثبت شيئاً على الإطلاق، إن هذا الأسلوب لا يمكن أن يستعمل في مهاجمة الشعر الجاهلي والطعن فيه؛ لأنه أصل الثقافة العربية، والطعن فيه يعني التشويش على هذا الأصل.
 
لقد تأثر طه حسين بالغرب تأثراً كبيراً حتى فقد هويه أو كاد
والمشكلة أنه لما تلقى هذا العلم على أيديهم أخذ من مناهجهم أخذاً نسى معه المناهج العربية ربما بسبب الهزيمة النفسية , فنحن - كعرب - لنا علماؤنا فى النقد والأدب واللغة ولهم مناهجهم القيمة فى الدراسة والبحث , ولكن حبك الشئ يعمى ويصم كما يقولون - وقال الشاعر :
استرشدَ الغربُ بالماضي فأرشده ... ونحنُ كان لنا ماضٍ نسيناه
إنا مشينا وراء الغربِ نقبسُ من ... ضيائهِ فأصابتنا شظاياهُ !


ملاحظة : إن مما يطلب بشكل مؤكد فى مشاركات هذه الكلية بأقسامها ذكرَ المصدر فى نهاية الموضوع حرصاً على توثيق المعلومة وحفاظاً على صحة البحث العلمى - للفائدة يرجى الاطلاع على قانون كلية الآداب :
http://university.arabsbook.com/forum70/thread28942.html
أما إن كان الموضوع من إنشائكم الشخصى , فنرجو أن يُكتب تحت عنوان الموضوع :
بقلم / د حسين ....

تحية طيبة
 
عودة
أعلى