البذاءة مرآة الشر
-----------------
الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. أما بعد :-----------------
فمما لا شك فيه أن شريفَ النفس لا يستسهل الألفاظ القبيحة ، حتى لا يكون أهلاً لمقت الله ، واستخفاف الناس بشخصه ، ولا شك أن بذاءة اللسان مذمومة ومنهي عنها ، ولا شك أيضا أن الألفاظ القبيحة كثيرة.
الباعث على البذاءة :
ومصدر البذاءة الخبث واللؤم ، والباعث عليها إما قصد الإيذاء ، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق وأهل الخبث واللؤم ، لأن من عادتهم السب.
وفي كل الأحوال فقد نهى الله -عز وجل- عن البذاءة ، والمجاهرة بالألفاظ القبيحة في قوله تعالى :
(لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)(النساء:148)، بل بيَّن الله في كتابه أن ذلك من صفات المنافقين الذين وصف الله حالهم مع المؤمنين ، فقال أشِحَّةً عَلَيْكُمْ)(الأحزاب:19).
فالمؤمن لا يجاري السفهاء وأصحاب الخلاعة والبذاءة ، بل يحافظ على مروءته صيانةً لنفسه ، وقد قيل :"احتمال السفيه خير من التحلي بصورته ، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مشاكلته".
وقال بعض الشعراء :
احـفـظ لسانـك إن لـقيت مشـاتمًا *** لا تــجـريـن مــع الـلــئـيــم إذا جــرى
من يشتري عرض اللئيم بعرضه *** يحوي الندامة حين يعرض ما اشترى
من يشتري عرض اللئيم بعرضه *** يحوي الندامة حين يعرض ما اشترى
من مواضع البذاءة والفحش :
هناك الكثير من المواضع والأوقات التي يلجأ فيها بعض ضعاف الإيمان ومن ساءت أخلاقهم للبذاءة ، وقد بين شيئًا منها الإمام الغزالي -رحمه الله- فقال :
"ومواضع ذلك متعددة ، ويمكن حصرها في كل حال تخفى ويستحيا منها ، فإن التصريح في مثل هذه الحال فحش وينبغي الكناية عنها . وأكثر ما يكون في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به ، فإن لأهل الفساد عبارات صريحةً فاحشة يستعملونها!!
وأما أهل الصلاح فإنهم يتحاشون عنها ، ويدلون عليها بالرموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلق بها ، ألم تر أن الله -عز وجل- كنى باللمس عن الجماع ؟! ولذلك فإنه تستعمل ألفاظ مثل : المس ، واللمس ، والدخول ، والصحبة ... ويدخل الفحش أيضًا والبذاءة في ذكر النساء والكلام عنهنَّ ، وكذلك يدخل في ذكر العيوب التي يُستحيا منها كالأعرج والأقرع ، فلا ينبغي أن يُعبر عنها بصريح اللفظ". اهـ.
وقد عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البذاءة شعبة من النفاق ، وأخبر أن الله -عز وجل- يبغض الفاحش البذيء فقال وَإِنَّ اللَّهَ لَيَبْغَضُ الْفَاحِشَ الْبَذِىءَ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني.
كما بيـَّن -صلى الله عليه وسلم- أن البذاءة طريق إلى النار فقال الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ وَالإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَالْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ وَالْجَفَاءُ فِي النَّارِ) رواه الترمذي ، وصححه الألباني.
واعلم -رحمك الله- أن من البذاءة استعمال أسماء الحيوانات لوصف الإنسان بها ، قال الإمام النووي -رحمه الله- :"ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قول الشخص لمن يخاصمه : يا حمار ، يا تيس ، يا كلب ، ونحو ذلك ، فهذا قبيح من وجهين : أحدهما أنه كذب ، والآخر أنه إيذاء". اهـ.
أيها الحبيب :
إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن سبِّ الديك فقال لاَ تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاَةِ) رواه أبو داود ، وصححه الألباني ، فهل يليق بنا أن نسب خلق الله الذين شهدوا شهادة الحق ؟!
السلف يحذرون من البذاءة :
لقد كان أجدادنا من الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- أبعد الناس عن البذاءة والفحش ، كما كانوا من أعظم الناس تحذيرًا من هذه الآفة العظيمة التي لا يـُبتلى بها إلا من ضعف إيمانه ، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال :"أَلأَمُ شيءٍ في المؤمن الفحش".
ولما رأى أبو الدرداء -رضي الله عنه- امرأة سليطة اللسان قال :"لو كانت هذه خرساء كان خيرًا لها".
أما الأحنف بن قيس -رحمه الله- فقال:"ألا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء ، والخلق الدنيء".
وما أحسن ما قال الشاعر :
انـطــق مـصيـبًا لا تـكــن هَــذِرًا *** عَيَّابةً ناطقـًا بالفحـش والريب
وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر *** فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلاً من غير تـرويـة *** وبالذي لم تـُسـل عنه فـلا تُجب
وكن رزينًا طويل الصمت ذا فكر *** فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلاً من غير تـرويـة *** وبالذي لم تـُسـل عنه فـلا تُجب
نسأل الله أن يطهرنا من جميع ما لا يرضيه .. وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.
-------------------
المصدر : (موقع صوت السلف)
المصدر : (موقع صوت السلف)