محمد شتيوى
مستشار سابق
أساليب طمس الهُوية الإسلامية (7)
تاسع عشر: تقسيم الدين إلى قشر ولُب .
وإلى شكليات وجواهر , وهي دعوة ظاهرها الرحمة , وباطنها العذاب , ولذا انخدع بها بعض السذج الذين ابتلعوا الطُعم , فاستحسنوا , وصاروا يرجون له , دون أن يدركوا أنه قناع نفاقي قبيح، وأنها من لحن قـول العلمانيين الذين يتخذونهـا قنطـرة يهربون عليها من الالتزام بشرائع الإسلام دون أن يُخدَش انتماؤهم إليه .
نعم .. تتوقف عند حَسَني النية من المسلمين المخلصين عند نبذ ما أسموه: (قشراً) للتركيز على ما دعوه: ( لُبّا ) ، ولكنها عند المنافقين الحريصين على اقتلاع شجرة الإسلام من جذورها , مجرد مدخل لنبذ اللّب والقشر معاً، تماماً كما يرفعون شعار الاهتمام بـ (روح النصوص) وعدم الجمود عند منطوقها , ومع أن هذا كلام طيب إذا تعاطاه العلماء وطبقه الأسوياء ؛ إلا أنه خطير إذا تبناه أصحاب العاهات الفكرية والنفسية والمشوهون عقدياً؛ إذ يكون مقصودهم حينئذ هو إزهاق روح النص بل اطّـراح منطوقه ومفهومه، أو توظيفه بعد تحريفه عن مواضعه لخدمة أهدافهم الخبيثة.
إنهم يريدونه ديناً ممسوخاً كدين الكنيسة العاجزة المعزولة عن الحياة , يسمح لأتباعه بكل شيء مقابل أن يسمحوا له بالبقاء على هامش الحياة , محبوساً في الأقفاص الصدرية , لا يترك أي بصمة على واقع الناس ومجتمعاتهم .
ولقد لفتنا سلفنا الصالح إلى أهمية التمايز الحضاري بالمحافظة على ( قشرة ) معينة تفترق بها أمتنا عن سائر الأمم، وهذه القشرة التي تحمي الهوية الإسلامية المتميزة هي ما أسماه علماؤنا رحمهم الله بـ: ( الهدي الظاهر )، وأفاضوا في بيان خطر ذوبان الشخصية المسلمة وتميعها , فما يشيع على ألسنة الناس من أن " العبرة بالجوهر لا بالمظهر " ينطوي على مغالطة جسيمة , وخداع كاذب , لأن كلاً من المظهر والجوهر لا ينفك عن الآخر , والظواهر هي المعبرة عن المضامين , وهي الشعارات التي تحافظ على الشخصية , إنها قضية " مبدأ " وليست مجرد شكل ومظهر , فنحن كما نخاطب الكافرين : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } (6) سورة الكافرون , نقول لهم أيضاً : ( لكم قشركم , ولنا قِشرَتِنَا ) .
ونحن بشر مأنوسون ولسنا أرواحاً لطيفة فحسب , ولا أطيافاً عابرة , ومقتضى ذلك أن لنا مظهراً مادياً محسوساً , وهذا المظهر شديد الارتباط بالجوهر , وقد جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة الإسلامية في مظهرها عمَّن عداها من الأمم مقصداً أساسياً لها , بل إن كل أهل ملة ودين يحرصون على مظهرهم باعتباره معبراً عن خصائص هُويتهم , وآية ذلك: أنك ترى أتباع العقائد والديانات يجتهدون في التميز والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم، وتترجم عن أفكارهم، وترمز إلى عقيدتهم:
وهذا أوضح ما يكون في عامة اليهود الذين يتميزون بصرامة بطاقيتهم، ولحاهم، وأزيائهم الدينية , وفي المتدينين من النصارى الذين يعلقون الصليب، وفي السيخ والبوذيين وغيرهم.
أليس هذا كله تميزاً صادراً عن عقيدة ومعبراً عن الاعتزاز بالهُويَّة؟!
وإذا كانت هــــذه المظاهر هي صبغة الشيطان التي كسا بها أهل الضلال والكفران , فكيف لا نتمسك نحن بصبغة الرحمن التي حبانا الله ـ عـز وجـل ـ { صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أََحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ } [البقرة: 138].
لماذا تقدس الحرية الدينية لـكـل مــن هــب ودب، وفـي نـفــس الوقت تُشَنُّ (الحروب الإستراتيجية ) على المظاهر الإسلامية كاللحية والحجاب، حتى إنـه لتعقد من أجلها برلمانات، وتصدر قرارات، وتثور أزمات، وتجيّش الجيوش، وترابط القوات، هذا ونحن أصحاب الدار , و:
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَوحُ ... حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ ؟!
كُلُّ دارٍ أَحَقُّ بِالأَهلِ إِلا ... في خَبيثٍ مِنَ المَذاهِبِ رِجسِ
أفكل هذا من أجل ما أسموه (قشوراً) ؟ .. لا ! .. بل هم يدركون ما لهذه المظاهر من دلالة حضارية عميقة، ويدركون أنها رمز يتحدى محاولات التذويب والتمييع، ويصفع مؤامرة استلاب الهوية كمقدمة للإذلال والاستعباد.
إن من يتخلى عن (القشرة الإسلامية) سيتغطى ولا بــد بقـشــرة دخيلة مغايرة لها، فلا بد لكل (لُب) من (قشر) يصونه ويحـمـيـه، والسؤال الآن :
- لماذا يرفضون (قشرة الإسلام) ويرحبون بقشرة غـيـره؟
فـيـأكلـون بالشمال، ويحلقون اللحى، ويُلبسون النساءَ أزياء من لا خلاق لهن، ويلبسون القبعة، ويدخنون (البايب) و (السيجار)؟!
إن تقـسـيـم الـديـن إلى قشر ولب غير مستساغ، بل هو محدَث ودخيل على الفهم الصحيح للكتاب والسنة، ولم يعرفه سلفنا الصالح الذين كل الخير في اتباعهم واقتفاء آثارهم { إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } (23) سورة النجم , وهذه القسمة إلى قشر ولُب , ظاهر وباطن - يتبعها المناداة بإهمال الظاهر احتجاجاً بصلاح الباطن - تلقى رواجاً عند المستهترين والمخدوعين , حينما يرون القوم يسمون المعاصي بغير اسمها .
وقسمة الدين إلى قشر ولب تؤثر في قلوب العوام أسوأ تأثير , وتورثهم الاستخفاف بالأحكام الظاهرة , وينتج عنها الإخلال بهذه الأمور التي سُميت قشوراً , فلا تلفت قلوبهم إليها , فتخلو من أضعف الإيمان ألا وهو الإنكار القلبي الذي هو فرض عين على كل مسلم تجاه المنكرات.
والتفريط في مُحَقَّرات الأعمال يؤدي إلى التفريط في عظائمها , لأن استمرار هذا التفريط يتحول مع الزمن إلى عادة تنتهي بصاحبها إلى قلة الاكتراث بأمور دينية , والتهاون بها .
ونحن إذا تسامحنا معهم في هذه القسمة إلى قشر ولُب , فإننا نلفت أنظارهم إلى أن ، قياس أمور الدين على الثمار من حيث إن لكل منها قشراً ولُباً , وظاهراً وباطناً , لا يعني أن القشرة التي أوجدها الله للثمرة خُلِقت عبثاً , حاشاً وكلاَّ , بل لحكمة عظيمة وهي المحافظة على ما دونها وهو اللُب نفسه , وهذا يَحْمِلُنا على أن لا نستهين بالقشرة من حيث كونُه حارساً أميناً على اللُب , وهكذا الشأن في أمور الدين الظاهرة .
______________________________
المصدر : كتاب ( هُويتنا أو الهاوية ) - الدكتور محمد إسماعيل المُقَدِّم