flowers
مشرف قسم العلاج الطبيعي
بسم الله الرحمن الرحيم
محبـة الله
الحمد لله الذي دبر فأحسن التدبير , والصلاة والسلام على البشير النذير , والسراج المنير , نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . . أما بعد :
فمن صفات الباري سبحانه وتعالى : صفة المحبة , فهو سبحانه يحب عباده المؤمنين حباً يليق بجلاله وعظمته , وعباده كذلك يحبونه أكثر من محبتهم لأموالهم وأولادهم , بل من أنفسهم . قال تعالى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه ) . المائدة : 54 فالمحبة متبادلة بين الرب سبحانه وبين عباده .
والمحبة منزلة عظيمة . . تنافس فيها المتنافسون , وعمل لها العاملون , وتفانى في الوصول إليها السابقون . .
" فهي قوت القلوب , وغذاء الأرواح , وقرة العيون , وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات . وهي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات . وهي الشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام والآفات . وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام " .
حكم محبة الله عز وجل : إن محبة العبد لربه فريضة شرعية على كل أحد , لا يتخلف عنها إلا مظلم القلب عميّ البصيرة . قال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيلة فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) . التوبة 24
فتوعد الله عز وجل على تفضيل محبتهم لغيره على محبته ومحبة رسوله , ولوعيد لا يقع إلا على فرض لازم وحتم واجب .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين " . متفق عليه
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : يا رسول الله : والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي . فقال :" لا يا عمر, حتى أكون أحب إليك من نفسك " فقال : والله لأنت أحب إلي من نفسي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الآن يا عمر " . متفق عليه .
قال الحافظ بن رجب: " ومعلوم أن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هي تابعة لمحبة الله جل وعلا , فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يُحَبُّ موافقةً لمحبة الله له , ولأمر الله بمحبته وطاعته وإتباعه. فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محبة الرسول على الأنفس والأولاد والآباء والخلق كلهم , فما الظن بمحبة الله عز وجل ؟"
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال الإيمان , ومن علامات وجود حلاوة الإيمان في القلوب .
فعن أنس رضي الله عنه , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار " . متفق عليه .
درجات المحبة :
أن محبة الله عز وجل على درجتين :
إحداهما فرض لازم :
وهي أن يحب الله سبحانه محبة توجب له محبة ما فرضه الله علينا , وبغض ما حرمه علينا , ومحبة لرسوله المبلغ عن أمره ونهيه , وتقديم محبته على النفوس والأهلين , والرضا بما بلغه عن الله من الدين , ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم بإحسان جملة وعموما لله عز وجل , وبغض الكفار والفجار جملة وعموما لله عز وجل . وهذا القدر لا بد منه في تمام الإيمان الواجب , ومن أخل بشيء منه فقد نقص من إيمانه الواجب بحسب ذلك . قال الله عز وجل : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) . النساء 65
وكذلك ينقص من محبته الواجبة ما أخل من ذلك , فإن المحبة الواجبة تقتضي فعل الواجبات وترك المحرمات .
الدرجة الثانية : درجة السابقين المقربين :
وهي أن ترتقي المحبة إلى ما يحبه الله من نوافل الطاعات , وكراهة ما يكرهه من دقائق المكروهات . في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يقول الله عز وجل : من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب , وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه . ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به , وبصره الذي يبصر به , ويده التي يبطش بها , ورجله التي يمشي بها , ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعذينه " .
الأسباب الجالبة لمحبة الله :
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله جملة من الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل , وهي :
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه , وما أريد به .
2- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض .
3- دوام ذكره على كل حال , باللسان والقلب والعمل والحال , فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر .
4- إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى , والوصول إليها , وإن صعب المرتقى .
5- مطالعة القلب لأسمائه وصفاته , فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة .
6- مشاهدة بره وإحسانه وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته .
7- الخلوة به وقت النزول الإلهي – في الثلث الأخير من الليل – لمناجاته وتلاوة كلامه , ثم ختم ذلك بالاستغفار .
8- مجالسة المحبين الصادقين , والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقى أطايب الثمر , ولا تتكلم إلا إذا كان الكلام نافعاً لك ولغيرك .
9- مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل .
فمن هذه الأسباب وصل المحبون والمحبات إلى منازل المحبة , ودخلوا على الحبيب , وملاك ذلك كله أمران : استعداد الروح لهذا الشأن , وانفتاح عين البصيرة .
وقفة وتساؤل ؟ ؟
إذا كانت محبة الله عز وجل فرضاً لازماً , وإذا كانت من خصال الإيمان وعلاماته , فأين نحن من هذه العبادة ؟ . .
هل نحن من المحبين لله عز وجل ؟ . .
هل نحن من الذين يحبهم الله عز وجل ؟
قال ابن القيم – رحمه الله - : " لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى , فقيل : لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) . آل عمران : 31 . فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه " . وقال -رحمه الله -: " وهذه الآية تسمى آية المحبة " فدليل المحبة وعلامتها : إتباع الرسول , وفائدتها وثمرتها : محبة المرسل لكم , فما لم تحصل المتابعة , فليست محبتكم له حاصلة , ومحبته لكم منتفية " .
· فأين نحن من إتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته وأخلاقه ؟
· أين نحن من إتباع سنته صلى الله عليه وسلم في ذكره ودعائه وتلاوته , واستعانته بالخالق سبحانه , وتوكله عليه ؟
· أين نحن من إتباع سنته صلى الله عليه وسلم في مصاحبة الإخوان , والإحسان إلى الجيران , وبر الوالدين , وصلة الأرحام , وأداء حقوق المسلمين ؟
· أين نحن من إتباع سنته صلى الله عليه وسلم في تواضعه وأدبه ورحمته ولينه وكرمه وطلاقة وجهه وعفوه وحسن خلقه ؟
الإخوة الأفاضل : إذا غُرست شجرة المحبة في القلب , وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم أثمرت أنواع الثمار , وآتت أكلها كل حين بإذن ربها , أصلها ثابت في قرار القلب , وفرعها متصل بسدرة المنتهى . ولا يزال المحب صاعداً إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء : ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ) . فاطر : 10
صفات المحبين :
ومن صفات أهل المحبة ما ذكره الله عز وجل في قوله : "( يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ) . المائدة 54
فذكر سبحانه لهم أربع علامات :
1- أنهم " أذلة على المؤمنين " أي رحماء مشفقين عليهم , وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ليناً رءوفاً رحيماً بالمؤمنين كما قال تعالى: ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ) التوبة : 128.
2- " أعزة على الكافرين " . قال ابن كثير – رحمه الله - : هذه صفات المؤمنين الكمل , أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه . متعززاً على خصمه وعدوه كما قال تعالى : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) . الفتح : 29
3- الجهاد في سبيل الله بالنفس واليد واللسان والمال , وذلك تحقيق دعوى المحبة .
4- أنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم , وهذا علامة صحة المحبة , فكل محب يأخذه اللوم عن محبوبه فليس بمحب على الحقيقة .
وأخيراً ...
* عن معاذ بن جبل رضي الله عنه في حديث له عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم إني أسألك فعل الخيرات , وترك المنكرات , وحب المساكين , وأن تغفر لي وترحمني , وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون , وأسألك حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربني إلى حبك " .
ثم قال صلى الله عليه وسلم :" إنها حق فادرسوها وتعلموها " .
رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني .
موقع طريق الدعوة
www.tttt4.com