محمد شتيوى
مستشار سابق
أنت كالكلب ... !
كان علي بن الجهم شاعراً فصيحاً .. لكنه كان أعرابياً جلفاً لا يعرف من الحياة إلا ما يراه في الصحراء ..
وكان المتوكل خليفة متمكناً .. يُغدى عليه ويراح بما يشتهي ..
دخل علي بن الجهم بغداد يوماً فقيل له : إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه الأعطيات ..
فاستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة ..
دخل على المتوكل .. فرأى الشعراء ينشدون ويربحون ..
والمتوكل هو المتوكل .. سطوة وهيبة وجبروت ..
فانطلق مادحاً الخليفة بقصيدة مطلعها :
يا أيها الخليفة ..
أَنتَ كَـ " الكَلبِ " في حِفاظِكَ لِلوُد ... دِ وَكَـ " التَيسِ " في قِراعِ الخُطوبِ !
أَنتَ كَـ " الدَلوِ " - لا عَدِمناكَ دَلواً - ... مِن كِبارِ الدِلا كَثيرَ الذََنوبِ *
ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب !
فثار الخليفة .. وانتفض الحراس .. واستل السَّياف سيفه وفرش النَّطْع وتجهز للقتل ..
ثم أدرك الخليفة أن علي بن الجهم قد غلبت عليه طبيعته .. فأراد أن يغيرها ..
فأمر به فأسكنوه في قصر منيف .. تغدو عليه أجمل الجواري وتروح بما يلذ ويطيب ..
ذاق علي بن الجهم النعمة واتكأ على الأرائك وجالس أرق الشعراء وأغزل الأدباء ومكث على هذا الحال سبعة أشهر ..
ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة .. فتذكر علي بن الجهم .. فسأل عنه ، فدعوه له فلما مثل بين يديه .. قال : أنشدني يا علي بن الجهم ..
فانطلق منشداً قصيدة مطلعها :
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ... جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن ... سَلَوتُ , وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات .. ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف ..
وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ ... دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ
فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ ... وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ
وَلَو جَلَّ عَن شُكرِ الصَنيعَةِ مُنعِمٌ ... لَجَلَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَنِ الشُكرِ
فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم ؟
ونحن كم ضايقتنا طباع لأولادنا أو أصدقائنا فسعينا لتغييرها .. فغيرناها ..
فمن باب أولى أن تقدر أنت على تغيير طباعك .. فتقلب العبوس تبسماً .. والغضب حلماً .. والبخل كرماً .. وهذا ليس صعباً .. لكنه يحتاج إلى عزيمة ومراس .. فكن بطلاً . (1)
رأى
" بدل أن تسب الظلام حاول إصلاح المصباح " (2)
_____________________
المصدر :
(1) كتاب ( استمتع بحياتك ) – د/ محمد بن عبد الرحمن العريفى ص 25 – باختصار وتصرف
(2) السابق ص 27
* الذَّنوب : الدلو الملأى ماءً ( الصحاح )
كان علي بن الجهم شاعراً فصيحاً .. لكنه كان أعرابياً جلفاً لا يعرف من الحياة إلا ما يراه في الصحراء ..
وكان المتوكل خليفة متمكناً .. يُغدى عليه ويراح بما يشتهي ..
دخل علي بن الجهم بغداد يوماً فقيل له : إن من مدح الخليفة حظي عنده ولقي منه الأعطيات ..
فاستبشر علي ويمم جهة قصر الخلافة ..
دخل على المتوكل .. فرأى الشعراء ينشدون ويربحون ..
والمتوكل هو المتوكل .. سطوة وهيبة وجبروت ..
فانطلق مادحاً الخليفة بقصيدة مطلعها :
يا أيها الخليفة ..
أَنتَ كَـ " الكَلبِ " في حِفاظِكَ لِلوُد ... دِ وَكَـ " التَيسِ " في قِراعِ الخُطوبِ !
أَنتَ كَـ " الدَلوِ " - لا عَدِمناكَ دَلواً - ... مِن كِبارِ الدِلا كَثيرَ الذََنوبِ *
ومضى يضرب للخليفة الأمثلة بالتيس والعنز والبئر والتراب !
فثار الخليفة .. وانتفض الحراس .. واستل السَّياف سيفه وفرش النَّطْع وتجهز للقتل ..
ثم أدرك الخليفة أن علي بن الجهم قد غلبت عليه طبيعته .. فأراد أن يغيرها ..
فأمر به فأسكنوه في قصر منيف .. تغدو عليه أجمل الجواري وتروح بما يلذ ويطيب ..
ذاق علي بن الجهم النعمة واتكأ على الأرائك وجالس أرق الشعراء وأغزل الأدباء ومكث على هذا الحال سبعة أشهر ..
ثم جلس الخليفة مجلس سمر ليلة .. فتذكر علي بن الجهم .. فسأل عنه ، فدعوه له فلما مثل بين يديه .. قال : أنشدني يا علي بن الجهم ..
فانطلق منشداً قصيدة مطلعها :
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ... جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن ... سَلَوتُ , وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
ومضى يحرك المشاعر بأرق الكلمات .. ثم شرع يصف الخليفة بالشمس والنجم والسيف ..
وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ ... دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ
فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ ... وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ
وَلَو جَلَّ عَن شُكرِ الصَنيعَةِ مُنعِمٌ ... لَجَلَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَنِ الشُكرِ
فانظر كيف استطاع الخليفة أن يغير طباع ابن الجهم ؟
ونحن كم ضايقتنا طباع لأولادنا أو أصدقائنا فسعينا لتغييرها .. فغيرناها ..
فمن باب أولى أن تقدر أنت على تغيير طباعك .. فتقلب العبوس تبسماً .. والغضب حلماً .. والبخل كرماً .. وهذا ليس صعباً .. لكنه يحتاج إلى عزيمة ومراس .. فكن بطلاً . (1)
رأى
" بدل أن تسب الظلام حاول إصلاح المصباح " (2)
_____________________
المصدر :
(1) كتاب ( استمتع بحياتك ) – د/ محمد بن عبد الرحمن العريفى ص 25 – باختصار وتصرف
(2) السابق ص 27
* الذَّنوب : الدلو الملأى ماءً ( الصحاح )