المؤمن الصادق ... وسمة التجرد ( تتمة )

واقعية التجرد




واعني بهذا : أنه لو لم يكن سمة من سمات الايمان والمؤمنين لما كان واقعيا ؛ فكيف به وهو مطلوب طلبا ملحا لكل مسلم حتى يكون في مصاف المؤمنين الصادقين ؟



بل من واقعية التجرد أنه مطلوب للعبد في كل أحواله :



1-التجرد في النظرة الى :



أ-الكون والنفس وما خلق الله – تعالى - : فلا يرى هذا الخلق الا بقدرة الله – تعالى - ؛ وبعلمه الذي أحاط بكل شيء ؛ وأنه مهما وصل العبد الضعيف لأعلى درجات العلم في الدنيا فانه (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ) ( يوسف:76 ) .


ب-و الواقع : فواقع المسلمين في كل بقاع الأرض يتطلب عبادا لله – تعالى – متجردين ؛ ينظرون الى الواقع فلا يرون أنفسهم – مهما اختلفت الرؤى ووجهات النظر – الا وقد وجب عليهم اصلاح أحوال الموحدين في كل مكان ؛ والا مد يد العون الى الموحدين جميعا ؛ لا الى أهل جماعتهم التي ينتمون اليها فكريا ؛ فيتعدى الخير الذي ينشرونه الى كل المسلمين ؛ ولا يكون محصورا على فئة محددة محدودة ؛ فينجون بذلك من آفة التعصب الأعمى الذي هو ضد التجرد.



2-التجرد في العمل :



فلا يرى المسلم نفسه الا قاصدا بعمله وجه الله – تعالى - ؛ لا قاصدا ارضاء عبد فقير ؛ أو ظالم متجبر معاند لله – تعالى - ؛ فيكتب لله ؛ ويعلم العلم لله ؛ ويدعوا الى الله لا الى نفسه أو فئته أو جماعته ؛ ويبلغ دين الله – تعالى – بأمانة ؛ لا يخاف في الله لومة لائم ؛ ويجمع المتفرقين ؛ ولا يفرق المجتمعين على الحق ؛ ويكون نصيرا لدين الله – عز وجل - ؛ ويكون في الساقة ؛ أو في الحراسة ؛ لا يأبه لموقعه طالما أنه في سبيل الملك – جل جلاله – (تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع) ( البخاري:2730).


وخلاصة الأمر : لا يرى فى عمله نفسه أو غيره ؛ بل يرى الحق- تبارك وتعالى - .



3-في الدعوة :



فيرى أن كل من يعمل لدين الله – تعالى – يد تبني ؛ فلابد أن تتضافر الجهود وتتكامل ؛ ولابد أن تتشابك السواعد ؛ ويكون كل داعية عضدا لأخيه ؛ حتى تصل الدعوة الى كل بقاع الأرض ويدخل الناس في دين الله أفواجا ؛ وحتى يصل المسلمون الى كلمة سواء ؛ فتكون القوة والغلبة لدين الله على الدين كله ؛ فيطبق شرع الله – تعالى – في الأرض ؛ ويعود نصاب الأمور الى وضعه الطبيعي بعلو الأبرار على الفجار ؛ وتحكيم دين الله – تعالى – في الدماء والأموال والأبضاع وكل مناحي الحياة .


فالداعية المتجرد يرى أن الواجب حمل الراية – راية التوحيد – ؛ فلا راية غيرها تجب أن ترتفع ؛ ولا راية غيرها يجب أن ترفع .



حينئذ يتحقق موعود الله – تعالى – (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) ( الروم:47 ) ؛ (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ( غافر:51 ).



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
 


جزاك الله خيراً أخي الكريم د. جعفر الطيار ..
موضوع رائع ومتميز وقيم جداً ..
جعله الله في موازين حسناتك يوم القيامة ..
بوركت أخي الحبيب على حسن اختيارك وروعة انتقائك لمواضيعك ..
أتمنى لك السعادة والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة ..
رزقنا الله وإياك الإخلاص في القول والعمل في السر والعلن ..
دمت في حفظ الرحمن وأمنه !!..
 
عودة
أعلى