د/جعفر الطيار
Member
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ؛ أما بعد ؛؛؛
المؤمن الصادق في ايمانه يسعى حثيثا في تتبع السمات التي يريد الله – تعالى – أن يحققها المؤمن في نفسه حتى يستكمل ايمانه .
ومن هذه السمات الطيبة المطلوبة في واقع المسلم سمة التجرد . تلك السمة السامقة التي يحتاج اليها كل منا احتياجا ملحا ضروريا حتى يستطيع التعامل مع نفسه ؛ ومع غيره ؛ ومع ربه – جل وعلا -.
تخيل معنى التجرد :
وأنا أتخيل معنى التجرد أنه : قطع تام لحظ النفس : - في التعامل مع النفس ؛
-وفي التعامل مع الغير؛
-وفي التعامل مع رب العزة – جل وعلا - .
- فيقطع المؤمن على نفسه طريق الطمع في العاجل الفاني ؛ ويضعها على الطريق الصواب .. طريق السعي الدؤوب الى الفوز بالآجل الباقي:
(َّمن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً{18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً{19} ) . ( الاسراء ).
قال الامام ابن القيم – رحمه الله - : (فهكذا الرب سبحانه لا يمنع عبده المؤمن شيئا من الدنيا الا ويؤتيه أفضل منه وأنفع له وليس ذلك لغير المؤمن فانه يمنعه الحظ الأدني الخسيس ولا يرضي له به ليعطيه الحظ الأعلى النفيس والعبد لجهله بمصالح نفسه وجهله بكرم ربه وحكمته ولطفه لا يعرف التفاوت بين ما منع منه وبين ما ذخر له بل هو مولع بحب العاجل وان كان دنيئا وبقلة الرغبة في الآجل وان كان عليا ) .( الفوائد ).
وقال أيضا – رحمه الله تعالى – في نفس الكتاب : (فاذا آثر- يقصد العبد - الفاني الناقص كان ذلك اما لعدم تبين الفضل له وأما لعدم رغبته في الافضل ؛ وكل واحد من الامرين يدل على ضعف الايمان وضعف العقل والبصيرة فان الراغب فى الدنيا الحريص عليها المؤثر لها اما ان يصدق بان ما هناك أشرف وأفضل وأبقى وإما أن لا يصدق بذلك كان عادما للايمان رأسا وان صدق بذلك ولم يؤثره كان فاسد العقل سيء الاختيار لنفسه ) .
-ويقطع المؤمن طريق الانتصار للنفس على حساب الحق :
لأنه يعلم يقينا أنه لابد أن يدور مع الحق حيث دار ؛ فلا انتصار الا للحق ؛ حتى وان كان على حساب النفس .
- ويقطع المؤمن عل نفسه حظها في التعامل مع غيرها :
فلا يرى اخوانه المسلمين الا نفسه التي بين جنبيه ( المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ) ( صحيح مسلم : 2586 ) .
ولا يحب لاخوانه الا ما يحب لنفسه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) ( متفق عليه ). فيظل المؤمن ينصح لاخوانه حتى ينجو ؛ ويكون سببا في نجاتهم ؛ لا أن يكون وحده ؛ بل شعاره : (إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ) ( الحجر : 47 ) .
-والمؤمن يقطع على نفسه طريق طمعها في أن تكون الها يعبد من دون الله – عز وجل - :
فالنفس متمردة بطبعها ؛ بل تحاول التمرد على أوامر رب العالمين – جل وعلا – فتجعل نفسها بذلك ندا له – جل وعلا - .
و المؤمن الصادق لا يرى نفسه الا كائنا بشريا ذليلا امام مولاه والهه وخالقه ومليكه – تبارك وتعالى - ؛ فيقمع نفسه ؛ ويأتمر بأمر الملك –جل جلاله - ؛ وينتهي عن نهيه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِينا ) ( الأحزاب : 36 ).
بل ان المؤمن الصادق حقا والذي يسعى حثيثا الى استكمال ايمانه يحب أن يتزود – باقصى امكاناته وطاقته – بكل أمر أمر به الله – تعالى – حتى يقوم به وعليه ؛ أي : حتى يقوم بالأمر فينفذه ؛ ويقوم على حراسة الأمر فيحفظ حدود الله - تعالى - ؛ لأنه لا يرى الأمر الرباني الا حدا من حدود الله لا ينبغي تجاوزه ولا اهماله ؛ فلا يرى بذلك نفسه الا أمينة على أمر الله – جل وعلا – حتى تكون من هؤلاء: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ( التوبة : 112 ) .
ولا يرى المؤمن نفسه الا متجردة من كل حول او قوة الا من حول الله وقوته – جل وعلا - ؛ فلا طاقة له ؛ ولا توفيق لعمل شيء – مهما صغر – من أمر الدنيا ومن أمر الآخرة الا بتوفيق الله – تعالى – (عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال يا معاذ انى لأحبك فقال له معاذ بأبي أنت وأمي يا رسول الله وأنا أحبك قال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) ( المسند : 22171 ؛ وصححه الأرنؤؤط ) .
فلا ذكر ولا شكر ولا عبادة الا بالعون من الملك – جل جلاله - .
حينئذ ؛ وحينئذ فقط ؛ بعد التجرد بقطع الطمع عن كل قوة الا قوة ملك الملوك ورب الأرباب – جل وعلا - : سيصول المؤمن ؛ وسيجول ؛ وسيقاتل (اللهم أنت عضدي ونصيري بك أحول وبك أصول وبك أقاتل ) ( سنن أبي داود : 2632 ؛ وصححه الألباني ) ؛ ولن يقف له أحد ندا في الميدان ؛ فهو يدور مع الحق ؛ ويعمل بالحق ؛ ويأتمر من الحق ؛ ويسعى لنصرة الحق .
(وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) ( يوسف : 21 ) .
يتبع ان شاء الله