مقامات آخر الزمان
المقامة الامتحانية
كاظم فنجان الحمامي
حدثنا صابر بن حيران . قال : بَيْنَانَحْنُ بلندن. فِي المجتمع المتمدن. وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ (جيمس أوغر). من الطرف الأغر. وهو رَجُلُ التقنيات الخبيثة. والإبتكارات الحديثة. فأَفْضَى بِنَا الكَلاَمُ إِلَى ذِكْرِ أبناء بعض السلاطين والأمراء. والرؤساء والوزراء. وكبار المدراء. وتفوقهم الباهر بالامتحانات. وحصولهم على أعلى الدرجات. وأفضل العلامات. وتميزهم في أعقد الدراسات. على الرغم من غبائهم الشديد. وتخلفهم الأكيد. وانشغالهم بأكل الثريد. فَقَالَ أدغر : سَأُحَدِثَكُم بِمَا شَاهَدَتْهُ عَيْني. وَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ غَيْري. بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بِلادِ الشرق. أتجول على الشاطئ الأزرق. عنَّ ليَ وزيرٌ يتنزه في زورق. ومعه ابنه الأخرق. فَحَاذَانِي حَتَّى إِذا أكمل انعطافه. رمى مخطافه. ورَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلامُ عَلَيَ. فقال : هاي. فَقُلْتُ: هاي. بعدد نفوس شنغهاي. مَنِ الرَّاكِبُ الوجيزُ الكَلاَمِ. المُحَيِّي بِتَحيَّة الأفلامِ ؟. فَقَالَ: أَنَا فلتانُ الفلتاني. فَقُلتُ: مَرْحَباً بِالكَرِيم حَسَبهُ. الشَّهِيرِ نَسَبُهُ. فَقَالَ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَاِديَكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟. قُلْتُ: جيمس بْنُ أدغر. قَالَ: حَياَّكَ اللهُ نِعْمَ الصَّدِيقُ، وَالصَاحبُ والرَّفِيقُ. وَسِرْنَا فَلَمَّا وصلنا الشاليه قَالَ: أَلاَ نُغَوِّرُ يَا أدغر. فقد صهرنا الحر؟. فَقُلْتُ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَمِلت معه إِلِى الشاليه. من غير ليه. وَنِلْنَا مِنَ الخمور الصفراء. من يد جارية غراء فرعاء. وَكانَ الوزير خفيف الظل. زَهِيدَ الأَكلِ. فَوَطَّأَ لِي مَضْجَعاً. وَمَهَّدَ لِي مَهْجَعاً. وَأَوْلاني نِعَماً ضَاقَ عَنْهَا قَدْرِي. وَاتَّسَعَ بِهَا صَدْرِي. أَوَّلُهَا تأثيث الدَّارِ. وَآخِرُها مليون دولارٍ. وقال : هذا ابني لا يشبه الناس. إلا بالرأس واللباس. فصوته أَنْكَرَمِنْ صَوْتِ الحِمَارٍ، وَرجعه أَضْعَفَ مِنْ رَجْعِ الحُوَارِ. وهو من البهائم الغابرة. وأريده أن يصبح من العباقرة. فأخذت المَنْقُودَ. وانتظرت المَوْعُودَ. ثم أطرقت ساعة. وقلت: سمعا وطاعة. فأَنَا نَصِيحٌ إِنْ شَاوَرْتَ. فَصِيحٌ إِنْ حَاوَرتَ. فعصف الشيطان في عَقْليِ. وَعَدَلْتُ بَيْنَ جِدِّي وَهَزْلِي. فهرعت إلى (جيمي لويزو) زميلي. ورفيقي في تصميم حيّلي. فنجحت أفكارنا التخريبية. في إبتكار رقاقة الكترونية. من الرقائق السليكونية. أصغر من حبة الدخن. وانحف من خيط القطن. وتتصل عن طريق الفك بالاذن. تزرع في ضرس من أضراس الطحن. وهي تشبه الهاتف الجوال. في الاشتغال وإلتقاط الإرسال. ويستفيد منها المغفل والمحتال. والغشاش والدجال. في استلام الأجوبة الصحيحة لكل سؤال. ومن دون أن ينكشف أمره في الامتحان. أو يفتضح سره فيهان. فدائرة البث والإستلام مغلقة. والرقاقة على الأسنان ملتصقة. ولابد من الإستعانة بطبيب. في تثبيت أداة الغش والتخريب. فنفذنا طلب الوزير. وفاز ابنه الخنزير. بأعلى تقدير. وحصل على تسعة وتسعين بالمئة في الامتحان الكبير. وتفوق على أبناء الشعب الفقير. بالغش والتشفير. والحيلة والتزوير. والدهاء والتدبير.
قال صابر بن حيران : ثم إن المبتكر الأغبر. المدعو أدغر. قال : لقد قيلَ فيما غبَرَ منَ العبر.عندَ الامتِحانِ. يُكرَمُ الرّجُلُ أو يُهانُ. وها أنا قدْ وضعتُ التيجان. على رؤوس أبناء الذوات والأعيان. وجنبتهم كبوة الحصان. .
قال صابر بن حيران : وقديما سألوا بديع الزمان. بِمَ أَدْرَكْتَ العِلْمَ؟. فقَالَ: طَلَبْتُهُ فَوَجَدْتُهُ بَعِيدَ المَرَامِ. لا يُصْطَادُ بِالسِّهَامِ. وَلا يُقْسَمُ بالأَزْلامِ. وَلا يُرَى في المَنَامِ. وَلا يُضْبَطُ بِالِّلجَامِ. وَلا يُورَثُ عَنِ الأَعْمَامِ. وَلا يُسْتَعَارُ مِنَ الكِرَامِ. فَتَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ بِافْتِرَاشِ المَدَرِ. وَاسْتِنَادِ الحَجَرِ. وَرَدِّ الضَّجَرِ. وَرُكُوبِ الخَطَرِ. وَإِدْمَانِ السَّهَرِ. وِاصْطِحَابِ السَّفَرِ. وَكَثْرةِ النَّظَرِ. وَإِعْمَالِ الفِكَرِ. فَوَجَدْتُهُ شَيْئاً لا يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْغَرْسِ. وَلاَ يُغْرَسُ إِلاَّ بِالنَّفْسِ. وَصَيْداً لاَ يَقَعُ إِلاَّ فِي النَّدْرِ. وَلا يَنْشَبُ إِلاَّ فِي الصَّدْرِ. وَطَائِراً لا يَخْدَعُهُ إِلاَّ قَنَصُ الَّلفْظِ . وَلاَ يَعْلَقُهُ إِلاَّ شَرَكُ الحِفُظِ . فَحَمَلْتُهُ عَلى الرُّوحِ. وَحَبَسْتُهُ عَلى العَينِ. وَأَنْفَقْتُ مِنَ العَيْشِ. وَخَزَنْتُ فِي القَلْبِ. وَحَرَّرْتُ بِالدَّرْسِ. وَاسْتَرَحْتُ مِنَ النَّظَرِ إِلى التَّحْقِيقِ. وِمِنَ التَّحْقِيقِ إِلى التَّعْلِيقِ. وِاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْفِيقِ. فَسَمِعْتُ مِنَ الكَلامِ مَا فَتَقَ السَّمْعَ. وَوَصَلَ إِلَى القَلْبِ. وَتَغَلْغَلَ فِي الصَّدْرِ .
أما اليوم. فنحن نعيش في زمان يُؤتمن فيه الخائن. ويُخوَّن فيه الأمين. ويستبعد فيه العاقل. ويمجد فيه الجاهل. فقد كثرت الفتن والبلايا. وعظمت المحن والرزايا. وتسيدت البهائم والمطايا. وصار أحدهم يرفس كحمار السوء في قيد جهله. وينطح كعنز الجبل المربوط بحبله. وغاب بُناةُ المجْدِ. وأرْبابُ الجَدّ. وانقطعت وصلتهم وصلتهم. وبارت مهاراتهم بالكَسادِ. لما ظهرَ في الأرضِ الفَسادِ. وهاجر العلماء الأعلام. ومالت الأيامِ الى اللّئامِ. فكيف للعظم أن يقاوم العظام؟. وكيف للقزم أن يطاول النجم؟. فتذكرت هذا النظم. الذي قاله أحد أرباب العلم والفهم. .
ومن يُثني الأصاغرَ عن مرادٍ
وقد جلسَ الأكابرُ في الزوايـــا
وإنَّ تَرَفُّعَ الوُضعاءِ يومًا على
الرُّفعاءِ من إحدى البلايــــــــــا
إذا استوتِ الأسافلُ والأعالــــي
فقد طابت مُنادَمَةُ المنايـــــــــــا
البصرة 20/9/2008
حدثنا صابر بن حيران . قال : بَيْنَانَحْنُ بلندن. فِي المجتمع المتمدن. وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ (جيمس أوغر). من الطرف الأغر. وهو رَجُلُ التقنيات الخبيثة. والإبتكارات الحديثة. فأَفْضَى بِنَا الكَلاَمُ إِلَى ذِكْرِ أبناء بعض السلاطين والأمراء. والرؤساء والوزراء. وكبار المدراء. وتفوقهم الباهر بالامتحانات. وحصولهم على أعلى الدرجات. وأفضل العلامات. وتميزهم في أعقد الدراسات. على الرغم من غبائهم الشديد. وتخلفهم الأكيد. وانشغالهم بأكل الثريد. فَقَالَ أدغر : سَأُحَدِثَكُم بِمَا شَاهَدَتْهُ عَيْني. وَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ غَيْري. بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بِلادِ الشرق. أتجول على الشاطئ الأزرق. عنَّ ليَ وزيرٌ يتنزه في زورق. ومعه ابنه الأخرق. فَحَاذَانِي حَتَّى إِذا أكمل انعطافه. رمى مخطافه. ورَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلامُ عَلَيَ. فقال : هاي. فَقُلْتُ: هاي. بعدد نفوس شنغهاي. مَنِ الرَّاكِبُ الوجيزُ الكَلاَمِ. المُحَيِّي بِتَحيَّة الأفلامِ ؟. فَقَالَ: أَنَا فلتانُ الفلتاني. فَقُلتُ: مَرْحَباً بِالكَرِيم حَسَبهُ. الشَّهِيرِ نَسَبُهُ. فَقَالَ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَاِديَكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟. قُلْتُ: جيمس بْنُ أدغر. قَالَ: حَياَّكَ اللهُ نِعْمَ الصَّدِيقُ، وَالصَاحبُ والرَّفِيقُ. وَسِرْنَا فَلَمَّا وصلنا الشاليه قَالَ: أَلاَ نُغَوِّرُ يَا أدغر. فقد صهرنا الحر؟. فَقُلْتُ: أَنْتَ وَذَاكَ. فَمِلت معه إِلِى الشاليه. من غير ليه. وَنِلْنَا مِنَ الخمور الصفراء. من يد جارية غراء فرعاء. وَكانَ الوزير خفيف الظل. زَهِيدَ الأَكلِ. فَوَطَّأَ لِي مَضْجَعاً. وَمَهَّدَ لِي مَهْجَعاً. وَأَوْلاني نِعَماً ضَاقَ عَنْهَا قَدْرِي. وَاتَّسَعَ بِهَا صَدْرِي. أَوَّلُهَا تأثيث الدَّارِ. وَآخِرُها مليون دولارٍ. وقال : هذا ابني لا يشبه الناس. إلا بالرأس واللباس. فصوته أَنْكَرَمِنْ صَوْتِ الحِمَارٍ، وَرجعه أَضْعَفَ مِنْ رَجْعِ الحُوَارِ. وهو من البهائم الغابرة. وأريده أن يصبح من العباقرة. فأخذت المَنْقُودَ. وانتظرت المَوْعُودَ. ثم أطرقت ساعة. وقلت: سمعا وطاعة. فأَنَا نَصِيحٌ إِنْ شَاوَرْتَ. فَصِيحٌ إِنْ حَاوَرتَ. فعصف الشيطان في عَقْليِ. وَعَدَلْتُ بَيْنَ جِدِّي وَهَزْلِي. فهرعت إلى (جيمي لويزو) زميلي. ورفيقي في تصميم حيّلي. فنجحت أفكارنا التخريبية. في إبتكار رقاقة الكترونية. من الرقائق السليكونية. أصغر من حبة الدخن. وانحف من خيط القطن. وتتصل عن طريق الفك بالاذن. تزرع في ضرس من أضراس الطحن. وهي تشبه الهاتف الجوال. في الاشتغال وإلتقاط الإرسال. ويستفيد منها المغفل والمحتال. والغشاش والدجال. في استلام الأجوبة الصحيحة لكل سؤال. ومن دون أن ينكشف أمره في الامتحان. أو يفتضح سره فيهان. فدائرة البث والإستلام مغلقة. والرقاقة على الأسنان ملتصقة. ولابد من الإستعانة بطبيب. في تثبيت أداة الغش والتخريب. فنفذنا طلب الوزير. وفاز ابنه الخنزير. بأعلى تقدير. وحصل على تسعة وتسعين بالمئة في الامتحان الكبير. وتفوق على أبناء الشعب الفقير. بالغش والتشفير. والحيلة والتزوير. والدهاء والتدبير.
قال صابر بن حيران : ثم إن المبتكر الأغبر. المدعو أدغر. قال : لقد قيلَ فيما غبَرَ منَ العبر.عندَ الامتِحانِ. يُكرَمُ الرّجُلُ أو يُهانُ. وها أنا قدْ وضعتُ التيجان. على رؤوس أبناء الذوات والأعيان. وجنبتهم كبوة الحصان. .
قال صابر بن حيران : وقديما سألوا بديع الزمان. بِمَ أَدْرَكْتَ العِلْمَ؟. فقَالَ: طَلَبْتُهُ فَوَجَدْتُهُ بَعِيدَ المَرَامِ. لا يُصْطَادُ بِالسِّهَامِ. وَلا يُقْسَمُ بالأَزْلامِ. وَلا يُرَى في المَنَامِ. وَلا يُضْبَطُ بِالِّلجَامِ. وَلا يُورَثُ عَنِ الأَعْمَامِ. وَلا يُسْتَعَارُ مِنَ الكِرَامِ. فَتَوَسَّلْتُ إِلَيْهِ بِافْتِرَاشِ المَدَرِ. وَاسْتِنَادِ الحَجَرِ. وَرَدِّ الضَّجَرِ. وَرُكُوبِ الخَطَرِ. وَإِدْمَانِ السَّهَرِ. وِاصْطِحَابِ السَّفَرِ. وَكَثْرةِ النَّظَرِ. وَإِعْمَالِ الفِكَرِ. فَوَجَدْتُهُ شَيْئاً لا يَصْلُحُ إِلاَّ لِلْغَرْسِ. وَلاَ يُغْرَسُ إِلاَّ بِالنَّفْسِ. وَصَيْداً لاَ يَقَعُ إِلاَّ فِي النَّدْرِ. وَلا يَنْشَبُ إِلاَّ فِي الصَّدْرِ. وَطَائِراً لا يَخْدَعُهُ إِلاَّ قَنَصُ الَّلفْظِ . وَلاَ يَعْلَقُهُ إِلاَّ شَرَكُ الحِفُظِ . فَحَمَلْتُهُ عَلى الرُّوحِ. وَحَبَسْتُهُ عَلى العَينِ. وَأَنْفَقْتُ مِنَ العَيْشِ. وَخَزَنْتُ فِي القَلْبِ. وَحَرَّرْتُ بِالدَّرْسِ. وَاسْتَرَحْتُ مِنَ النَّظَرِ إِلى التَّحْقِيقِ. وِمِنَ التَّحْقِيقِ إِلى التَّعْلِيقِ. وِاسْتَعَنْتُ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْفِيقِ. فَسَمِعْتُ مِنَ الكَلامِ مَا فَتَقَ السَّمْعَ. وَوَصَلَ إِلَى القَلْبِ. وَتَغَلْغَلَ فِي الصَّدْرِ .
أما اليوم. فنحن نعيش في زمان يُؤتمن فيه الخائن. ويُخوَّن فيه الأمين. ويستبعد فيه العاقل. ويمجد فيه الجاهل. فقد كثرت الفتن والبلايا. وعظمت المحن والرزايا. وتسيدت البهائم والمطايا. وصار أحدهم يرفس كحمار السوء في قيد جهله. وينطح كعنز الجبل المربوط بحبله. وغاب بُناةُ المجْدِ. وأرْبابُ الجَدّ. وانقطعت وصلتهم وصلتهم. وبارت مهاراتهم بالكَسادِ. لما ظهرَ في الأرضِ الفَسادِ. وهاجر العلماء الأعلام. ومالت الأيامِ الى اللّئامِ. فكيف للعظم أن يقاوم العظام؟. وكيف للقزم أن يطاول النجم؟. فتذكرت هذا النظم. الذي قاله أحد أرباب العلم والفهم. .
ومن يُثني الأصاغرَ عن مرادٍ
وقد جلسَ الأكابرُ في الزوايـــا
وإنَّ تَرَفُّعَ الوُضعاءِ يومًا على
الرُّفعاءِ من إحدى البلايــــــــــا
إذا استوتِ الأسافلُ والأعالــــي
فقد طابت مُنادَمَةُ المنايـــــــــــا
البصرة 20/9/2008