محمد شتيوى
مستشار سابق
وَاَللَّهِ ... مَا رَقَصُوا لأجْلِ اللَّهِ !
قال الإمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كتابه القيم ( إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ من مصايد الشَّيطان ) :
[ ... مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ الْغِنَاءُ بِالآلاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَصُدُّ الْقُلُوبَ عَنْ الْقُرْآنِ ، وَتَجْعَلُهَا عَاكِفَةً عَلَى الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ ، فَهُوَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ ، وَالْحِجَابُ الْكَثِيفُ عَنْ الرَّحْمَنِ ، وَهُوَ رُقْيَةُ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا .
وَبِهِ يَنَالُ الْعَاشِقُ الْفَاسِقُ غَايَةَ الْمُنَى .
فَلَوْ رَأَيْتهمْ عِنْدَ ذَيَّاكِ السَّمَاعِ وَقَدْ خَشَعَتْ مِنْهُمْ الأصْوَاتُ ، وَهَدَأَتْ مِنْهُمْ الْحَرَكَاتُ ، وَعَكَفَتْ قُلُوبُهُمْ بِكُلِّيَّتِهَا عَلَيْهِ ، وَانْصَبَّتْ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً إلَيْهِ ، لَرَأَيْت أَمْرًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ ، وَيَتَعَدَّى الشَّرَائِعَ وَالْحُدُودَ , فَلِغَيْرِ اللَّهِ - بَلْ لِلشَّيْطَانِ - قُلُوبٌ هُنَاكَ تُمَزَّقُ ، وَأَثْوَابٌ تُشَقَّقُ ، وَأَمْوَالٌ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْفَقُ
حَتَّى إذَا عَمِلَ السُّكْرُ فِيهِمْ عَمَلَهُ ، وَبَلَغَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ أَمَلَهُ ، وَاسْتَفَزَّهُمْ بِصَوْتِهِ وَحِيَلِهِ ، وَأَجْلَبَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ ، وَخَزَ فِي صُدُورِهِمْ وَخْزًا , وَأَزَّهُمْ إلَى ضَرْبِ الأرْضِ بِالأقْدَامِ أَزًّا . فَطَوْرًا يَجْعَلُهُمْ كَالْحَمِيرِ حَوْلَ الْمَدَارِ ، وَتَارَةً كَالذُّبَابِ يَرْقُصُ وَسَطَ الدَّارِ .
فَيَا شَمَاتَةَ أَعْدَاءِ الإسْلامِ بِاَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ خَوَاصُّ الأنَامِ ، قَضَوْا حَيَاتَهُمْ لَذَّةً وَطَرَبًا ، وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا .مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ اسْتِمَاعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ .
فَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمْ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمَا حَرَّكَ لَهُ سَاكِنًا ، وَلَا أَزْعَجَ لَهُ ظَاهِرًا وَلا بَاطِنًا ، وَلا أَثَارَ فِيهِمْ وَجْدًا ، وَلا قَدَحَ فِيهِمْ مِنْ لَوَاعِجِ الشَّوْقِ إلَى اللَّهِ زَنْدًا ، حَتَّى إذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ ، وَوَلَجَ مَزْمُورُهُ أَسْمَاعَهُمْ ، فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْوَجْدِ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَجَرَتْ ، وَعَلَى أَقْدَامِهِمْ فَرَقَصَتْ ، وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَصَفَّقَتْ ، وَعَلَى بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِمْ فَاهْتَزَّتْ وَطَرِبَتْ ، وَعَلَى أَنْفَاسِهِمْ فَتَصَاعَدَتْ ، وَعَلَى زَفَرَاتِهِمْ فَتَزَايَدَتْ .
فَيَا أَيُّهَا الْفَاتِنُ الْمَفْتُونُ ، الْبَائِعُ حَظَّهُ مِنْ اللَّهِ بِصَفْقَةِ خَاسِرٍ مَغْبُونٍ ، هَلا كَانَ هَذَا الامْتِحَانُ ، عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ ، وَهَذِهِ الأذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ ، عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وَلَكِنْ كُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إلَى مَا يُنَاسِبُهُ ، وَيَمِيلُ إلَى مَا يُشَاكِلُهُ وَيُقَارِبُهُ ، وَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ قَدْرًا وَشَرْعًا ، وَالشَّكْلُ سَبَبُ الْمَيْلِ عَقْلاً وَطَبْعًا .
فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الإخَاءُ وَالنَّسَبُ ، لَوْلا الْعَلَقُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِأَقْوَى سَبَبٍ ؟ وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْ فِي عَقْدِ الإيمَانِ وَعَهْدِ الرَّحْمَنِ خَللا ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا )
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ :
تُلِيَ الْكِتَابُ فَأَطْرَقُوا لا خِيفَةً ... لَكِنَّهُ إطْرَاقُ سَاهٍ لاهِي
وَأَتَى الْغِنَاءُ فَكَالْحَمِيرِ تَنَاهَقُوا ... وَاَللَّهِ مَا رَقَصُوا لأجْلِ اللَّهِ
دُفٌّ وَمِزْمَارٌ وَنَغْمَةُ شَادِنٍ ... فَمَتَى رَأَيْت عِبَادَةً بِمَلاهِي ؟!
ثَقُلَ الْكِتَابُ عَلَيْهِمُو لَمَّا رَأَوْا ... تَقْيِيدَهُ بِأَوَامِر وَنَوَاهِي
سَمِعُوا لَهُ رَعْدًا وَبَرْقًا إذْ حَوَى ... زَجْرًا وَتَخْوِيفًا بِفِعْلِ مَنَاهِي
وَرَأَوْهُ أَعْظَمَ قَاطِعٍ لِلنَّفْسِ عَنْ ... شَهَوَاتِهَا ... يَا وَيْحَهَا الْمُتَنَاهِي
وَأَتَى السَّمَاعُ مُوَافِقًا أَغْرَاضَهَا ... فَلأجْلِ ذَاكَ غَدَا عَظِيمَ الْجَاهِ
أَيْنَ الْمُسَاعِدُ لِلْهَوَى مِنْ قَاطِعٍ ... أَسْبَابَهُ عِنْدَ الْجَهُولِ السَّاهِي
إنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرَ الْجُسُومِ فَإِنَّهُ ... خَمْرُ الْعُقُولِ مُمَاثِلٌ وَمُضَاهِي
فَانْظُرْ إلَى النَّشْوَانِ عِنْدَ شَرَابِهِ ... وَانْظُرْ إلَى النِّشْوَانِ عِنْدَ مَلاهِي
وَانْظُرْ إلَى تَمْزِيقِ ذَا أَثْوَابَهُ ... مِنْ بَعْدِ تَمْزِيقِ الْفُؤَادِ اللاهِي
وَاحْكُمْ بِأَيِّ الْخَمْرَتَيْنِ أَحَقُّ بِالـ ... ـتَّحْرِيمِ وَالتَّأْثِيمِ عِنْدَ اللَّهِ
من قال إن " ابن القيم " عالم دين فقط ؟
___________________________________________
المصدر : كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفارينى - برنامج المكتبة الشاملة ( الإصدار الثاني ) - بتصرف واختصار .
قال الإمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كتابه القيم ( إغَاثَةِ اللَّهْفَانِ من مصايد الشَّيطان ) :
[ ... مِنْ مَكَائِدِ الشَّيْطَانِ الْغِنَاءُ بِالآلاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَصُدُّ الْقُلُوبَ عَنْ الْقُرْآنِ ، وَتَجْعَلُهَا عَاكِفَةً عَلَى الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ ، فَهُوَ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ ، وَالْحِجَابُ الْكَثِيفُ عَنْ الرَّحْمَنِ ، وَهُوَ رُقْيَةُ اللِّوَاطِ وَالزِّنَا .
وَبِهِ يَنَالُ الْعَاشِقُ الْفَاسِقُ غَايَةَ الْمُنَى .
فَلَوْ رَأَيْتهمْ عِنْدَ ذَيَّاكِ السَّمَاعِ وَقَدْ خَشَعَتْ مِنْهُمْ الأصْوَاتُ ، وَهَدَأَتْ مِنْهُمْ الْحَرَكَاتُ ، وَعَكَفَتْ قُلُوبُهُمْ بِكُلِّيَّتِهَا عَلَيْهِ ، وَانْصَبَّتْ انْصِبَابَةً وَاحِدَةً إلَيْهِ ، لَرَأَيْت أَمْرًا تَقْشَعِرُّ مِنْهُ الْجُلُودُ ، وَيَتَعَدَّى الشَّرَائِعَ وَالْحُدُودَ , فَلِغَيْرِ اللَّهِ - بَلْ لِلشَّيْطَانِ - قُلُوبٌ هُنَاكَ تُمَزَّقُ ، وَأَثْوَابٌ تُشَقَّقُ ، وَأَمْوَالٌ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ تُنْفَقُ
حَتَّى إذَا عَمِلَ السُّكْرُ فِيهِمْ عَمَلَهُ ، وَبَلَغَ الشَّيْطَانُ مِنْهُمْ أَمَلَهُ ، وَاسْتَفَزَّهُمْ بِصَوْتِهِ وَحِيَلِهِ ، وَأَجْلَبَ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِهِ وَرَجْلِهِ ، وَخَزَ فِي صُدُورِهِمْ وَخْزًا , وَأَزَّهُمْ إلَى ضَرْبِ الأرْضِ بِالأقْدَامِ أَزًّا . فَطَوْرًا يَجْعَلُهُمْ كَالْحَمِيرِ حَوْلَ الْمَدَارِ ، وَتَارَةً كَالذُّبَابِ يَرْقُصُ وَسَطَ الدَّارِ .
فَيَا شَمَاتَةَ أَعْدَاءِ الإسْلامِ بِاَلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ خَوَاصُّ الأنَامِ ، قَضَوْا حَيَاتَهُمْ لَذَّةً وَطَرَبًا ، وَاتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا .مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ أَحَبُّ إلَيْهِمْ مِنْ اسْتِمَاعِ سُوَرِ الْقُرْآنِ .
فَلَوْ سَمِعَ أَحَدُهُمْ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ لَمَا حَرَّكَ لَهُ سَاكِنًا ، وَلَا أَزْعَجَ لَهُ ظَاهِرًا وَلا بَاطِنًا ، وَلا أَثَارَ فِيهِمْ وَجْدًا ، وَلا قَدَحَ فِيهِمْ مِنْ لَوَاعِجِ الشَّوْقِ إلَى اللَّهِ زَنْدًا ، حَتَّى إذَا تُلِيَ عَلَيْهِمْ قُرْآنُ الشَّيْطَانِ ، وَوَلَجَ مَزْمُورُهُ أَسْمَاعَهُمْ ، فُجِّرَتْ يَنَابِيعُ الْوَجْدِ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَجَرَتْ ، وَعَلَى أَقْدَامِهِمْ فَرَقَصَتْ ، وَعَلَى أَيْدِيهِمْ فَصَفَّقَتْ ، وَعَلَى بَقِيَّةِ أَعْضَائِهِمْ فَاهْتَزَّتْ وَطَرِبَتْ ، وَعَلَى أَنْفَاسِهِمْ فَتَصَاعَدَتْ ، وَعَلَى زَفَرَاتِهِمْ فَتَزَايَدَتْ .
فَيَا أَيُّهَا الْفَاتِنُ الْمَفْتُونُ ، الْبَائِعُ حَظَّهُ مِنْ اللَّهِ بِصَفْقَةِ خَاسِرٍ مَغْبُونٍ ، هَلا كَانَ هَذَا الامْتِحَانُ ، عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ ، وَهَذِهِ الأذْوَاقُ وَالْمَوَاجِيدُ ، عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وَلَكِنْ كُلُّ امْرِئٍ يَصْبُو إلَى مَا يُنَاسِبُهُ ، وَيَمِيلُ إلَى مَا يُشَاكِلُهُ وَيُقَارِبُهُ ، وَالْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ قَدْرًا وَشَرْعًا ، وَالشَّكْلُ سَبَبُ الْمَيْلِ عَقْلاً وَطَبْعًا .
فَمِنْ أَيْنَ هَذَا الإخَاءُ وَالنَّسَبُ ، لَوْلا الْعَلَقُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِأَقْوَى سَبَبٍ ؟ وَمِنْ أَيْنَ هَذِهِ الْمُصَالَحَةُ الَّتِي أَوْقَعَتْ فِي عَقْدِ الإيمَانِ وَعَهْدِ الرَّحْمَنِ خَللا ( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا )
وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ فِي قَوْلِهِ :
تُلِيَ الْكِتَابُ فَأَطْرَقُوا لا خِيفَةً ... لَكِنَّهُ إطْرَاقُ سَاهٍ لاهِي
وَأَتَى الْغِنَاءُ فَكَالْحَمِيرِ تَنَاهَقُوا ... وَاَللَّهِ مَا رَقَصُوا لأجْلِ اللَّهِ
دُفٌّ وَمِزْمَارٌ وَنَغْمَةُ شَادِنٍ ... فَمَتَى رَأَيْت عِبَادَةً بِمَلاهِي ؟!
ثَقُلَ الْكِتَابُ عَلَيْهِمُو لَمَّا رَأَوْا ... تَقْيِيدَهُ بِأَوَامِر وَنَوَاهِي
سَمِعُوا لَهُ رَعْدًا وَبَرْقًا إذْ حَوَى ... زَجْرًا وَتَخْوِيفًا بِفِعْلِ مَنَاهِي
وَرَأَوْهُ أَعْظَمَ قَاطِعٍ لِلنَّفْسِ عَنْ ... شَهَوَاتِهَا ... يَا وَيْحَهَا الْمُتَنَاهِي
وَأَتَى السَّمَاعُ مُوَافِقًا أَغْرَاضَهَا ... فَلأجْلِ ذَاكَ غَدَا عَظِيمَ الْجَاهِ
أَيْنَ الْمُسَاعِدُ لِلْهَوَى مِنْ قَاطِعٍ ... أَسْبَابَهُ عِنْدَ الْجَهُولِ السَّاهِي
إنْ لَمْ يَكُنْ خَمْرَ الْجُسُومِ فَإِنَّهُ ... خَمْرُ الْعُقُولِ مُمَاثِلٌ وَمُضَاهِي
فَانْظُرْ إلَى النَّشْوَانِ عِنْدَ شَرَابِهِ ... وَانْظُرْ إلَى النِّشْوَانِ عِنْدَ مَلاهِي
وَانْظُرْ إلَى تَمْزِيقِ ذَا أَثْوَابَهُ ... مِنْ بَعْدِ تَمْزِيقِ الْفُؤَادِ اللاهِي
وَاحْكُمْ بِأَيِّ الْخَمْرَتَيْنِ أَحَقُّ بِالـ ... ـتَّحْرِيمِ وَالتَّأْثِيمِ عِنْدَ اللَّهِ
من قال إن " ابن القيم " عالم دين فقط ؟
___________________________________________
المصدر : كتاب غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب للسفارينى - برنامج المكتبة الشاملة ( الإصدار الثاني ) - بتصرف واختصار .