من مقامات آخر الزمان
المقامة الصفرية
كاظم فنجان الحمامي
حدثنا صابر بن حيران . قال : شاركت في حلقة دراسية, وندوة نقاشية. تعنى بمعالجة المشاكل الإدارية, والبرامج التطويرية, في المؤسسات الحكومية. وبينما نحن في حوار عقيم, وجدال سقيم. إذ دخل علينا ذو عكازتين, قد كاد يناهز العمرين. فسلم علينا بلسان عذب, وداعبنا باسلوب ذرب. وجلس لا يفيض بكلمة, ولا يبين عن سمة. إلى أن سبر أغوارنا, ومل حوارنا. فما لبث أن قاطعنا بعكازتيه, وشمر عن ساعديه. وقال : أنا قرطاس بن ارشيف أبو الإدارة, وصاحب المهارة, والمعروف بالشطارة. وديناصور الصادر والوارد, وعربيد الحسابات والموارد. أفنيت عمري في مراجعة الدفاتر. ومصاحبة المحابر. وقلمي لسان الصولة, وفارس الجولة. وجربت حقائق الأمور, وبلوت تصاريف الدهور. ومارست العمل في المدن والثغور. وأدبني الليل والنهار. ودارت على رأسي الأدوار. وقد شهدت وقائعها موظفا, وغادرت مواقعها مديرا. فرأيت أن من أخطر المعوقات, التي تقف في وجه المؤسسات, وترهق ميزانية الشركات. وتفقدها القدرة على الوفاء بالتزاماتها, وتمنعها من الإرتقاء في نشاطاتها. وتحول دون تطبيق خططها التنموية, وتحقيق أهدافها المستقبلية. هي ظاهرة التقهقر الدوري, والتراجع الصفري. فما أن يعفى المدير الحالي, ويحل محله المدير التالي. حتى تدفن معه الخطط والبرامج, والأنظمة والمناهج. وينسفها المدير الجديد, بذريعة التطوير والتجديد. فيتظاهر بالإبداع, ويتعفن في اسفل القاع. وتكون أعماله الخرقاء مصحوبة بدعم الوصوليين, وتطبيل جوقة الإنتهازيين. الذين لا يستحون من شتم المدير السابق, من أجل إرضاء المدير اللاحق. ويتواصل هجومهم الساحق, على كل موظف صادق. فيختل التوازن الإداري, وينهار المعيار المهاري. وتنقطع الصلة بين الحاضر ومكتسباته, والماضي ومعطياته. ثم يستبدل المدير الأحمق, بمدير أخرق. فتنحرف بوصلة الإدارة مرة أخرى نحو الصفر, وتغرق سفينتها في البحر. وتهوى إلى القعر. وتستمر دورات التعثر, وهفوات التكور, وتقلبات التقهقر. وموجات التصفير والتصحر,على هذا الإيقاع المتكرر, بقيادة المدير المتحجر. الذي قبع في موقعه, وتمادى في تقوقعه. حتى ساءت بكم الأحوال, وانطفئت عندكم جذوة الآمال. وخفتت وتلاشت, أو طارت وطاشت. وصار تقدمكم إلى الخلف, وتعودتم على الدوران واللف, فاصيبت عجلتكم الإنتاجية بالتلف. حتى اصبح الناتج القومي للدول العربية كلها, أقل من إنتاج اسبانيا وحدها. ووصلتم منحنى الصفر في قاعدة البيانات الدولية, وهبطتم في منحدر التصرفات الغبية. وتفاقمت عندكم الثغرات, وكثرت لديكم العثرات, وتكررت الخسارات. بسبب تخلفكم عن ركب الحضارات. واختياركم الوقوف مع العجائز. في الزمن العاجز. فلا تفقهون إلا القشور, ورقدتم في الجحور, واعجبتكم نومة القبور, وغركم بالله الغرور, وأدرتم ظهوركم إلى شعبكم المقهور. وصدق المتنبي عندما قال فيكم :
حدثنا صابر بن حيران . قال : شاركت في حلقة دراسية, وندوة نقاشية. تعنى بمعالجة المشاكل الإدارية, والبرامج التطويرية, في المؤسسات الحكومية. وبينما نحن في حوار عقيم, وجدال سقيم. إذ دخل علينا ذو عكازتين, قد كاد يناهز العمرين. فسلم علينا بلسان عذب, وداعبنا باسلوب ذرب. وجلس لا يفيض بكلمة, ولا يبين عن سمة. إلى أن سبر أغوارنا, ومل حوارنا. فما لبث أن قاطعنا بعكازتيه, وشمر عن ساعديه. وقال : أنا قرطاس بن ارشيف أبو الإدارة, وصاحب المهارة, والمعروف بالشطارة. وديناصور الصادر والوارد, وعربيد الحسابات والموارد. أفنيت عمري في مراجعة الدفاتر. ومصاحبة المحابر. وقلمي لسان الصولة, وفارس الجولة. وجربت حقائق الأمور, وبلوت تصاريف الدهور. ومارست العمل في المدن والثغور. وأدبني الليل والنهار. ودارت على رأسي الأدوار. وقد شهدت وقائعها موظفا, وغادرت مواقعها مديرا. فرأيت أن من أخطر المعوقات, التي تقف في وجه المؤسسات, وترهق ميزانية الشركات. وتفقدها القدرة على الوفاء بالتزاماتها, وتمنعها من الإرتقاء في نشاطاتها. وتحول دون تطبيق خططها التنموية, وتحقيق أهدافها المستقبلية. هي ظاهرة التقهقر الدوري, والتراجع الصفري. فما أن يعفى المدير الحالي, ويحل محله المدير التالي. حتى تدفن معه الخطط والبرامج, والأنظمة والمناهج. وينسفها المدير الجديد, بذريعة التطوير والتجديد. فيتظاهر بالإبداع, ويتعفن في اسفل القاع. وتكون أعماله الخرقاء مصحوبة بدعم الوصوليين, وتطبيل جوقة الإنتهازيين. الذين لا يستحون من شتم المدير السابق, من أجل إرضاء المدير اللاحق. ويتواصل هجومهم الساحق, على كل موظف صادق. فيختل التوازن الإداري, وينهار المعيار المهاري. وتنقطع الصلة بين الحاضر ومكتسباته, والماضي ومعطياته. ثم يستبدل المدير الأحمق, بمدير أخرق. فتنحرف بوصلة الإدارة مرة أخرى نحو الصفر, وتغرق سفينتها في البحر. وتهوى إلى القعر. وتستمر دورات التعثر, وهفوات التكور, وتقلبات التقهقر. وموجات التصفير والتصحر,على هذا الإيقاع المتكرر, بقيادة المدير المتحجر. الذي قبع في موقعه, وتمادى في تقوقعه. حتى ساءت بكم الأحوال, وانطفئت عندكم جذوة الآمال. وخفتت وتلاشت, أو طارت وطاشت. وصار تقدمكم إلى الخلف, وتعودتم على الدوران واللف, فاصيبت عجلتكم الإنتاجية بالتلف. حتى اصبح الناتج القومي للدول العربية كلها, أقل من إنتاج اسبانيا وحدها. ووصلتم منحنى الصفر في قاعدة البيانات الدولية, وهبطتم في منحدر التصرفات الغبية. وتفاقمت عندكم الثغرات, وكثرت لديكم العثرات, وتكررت الخسارات. بسبب تخلفكم عن ركب الحضارات. واختياركم الوقوف مع العجائز. في الزمن العاجز. فلا تفقهون إلا القشور, ورقدتم في الجحور, واعجبتكم نومة القبور, وغركم بالله الغرور, وأدرتم ظهوركم إلى شعبكم المقهور. وصدق المتنبي عندما قال فيكم :
يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
لقد قالها قبل أكثر من ألف عام. فما يقال في حالكم هذه الأيام ؟. وأنتم تتخبطون في هذا الزحام. وتتخلفون عن بقية الأقوام . لقد رفعت الأعلام فوق القمر والمريخ, وأنتم مازلتم تتنازعون على مائدة التمر والبطيخ..
قال صابر بن حيران : ثم إن الشيخ قرطاس قال : ان بعض المدراء, عقولهم خواء, وكلامهم هراء, ووجودهم بلاء, وفيهم بيت الداء. وأنا منهم براء. . فمنهم من ظل يراوح على الخطوط الصفرية, واعتمد على مداركه الفطرية, وسعى لتطبيق خططه التأخيرية. فهو شحيح البركة. بارد السكون والحركة. . ومنهم من اسهم في تغييب اصحاب الكفاءات العلمية, ومحاربة المواهب الفكرية. ومنهم من غط في النوم, حتى صار رمزا لعقاقير الفاليوم. وأصبح صنو الكسل, وسبب الفشل. فهو عدو العمل, ومخيب للأمل. ومنهم من غرق في الرذيلة, وامتهن التلفيق وسوء الكيلة, فالغاية عنده تبرر الوسيلة. ومنهم من ضاع في إتاوة المعاملات, وتعطيل آلاف السجلات. حتى صارت الإتاوة تملأ الأكياس, والتعطيل يشيّب الراس. ومنهم من استبد بالسلطان, وتسيد الديوان. واستباح جميع الأعمال, وفرط بحقوق العمال. ومنهم من انغمس بالتسلية والدعابة, وأدمن المزاح والتلعابة. ومنهم من سدر في غلوائه, وسدل ثوب خيلائه, وجمح في جهالاته, وجنح في خزعبلاته. فهو أخرق متخلف. وأهوج متعجرف. ومنهم من اطلق لحيته, وكوى جبهته. وتظاهر بالورع والتقوى, واضمر الطمع والبلوى. واستعان بالنفس وسلطانها, والشهوة وشيطانها. ومنهم من اتخذ من الولاءات القبلية ظهيرا, ومن المراوغات الحنقبازية بعيرا. فخرج عن حد الإعتدال. وذهب ذات اليمين وذات الشمال. .
قال صابر بن حيران : فلما دل شعاعه على شمسه. ونم كلامه عن قوة قوسه, وأشار بيانه إلى طيب غرسه. علمت بأن مناقشته غُنْمٌ. ومحاورته نُعْمٌ. فدنوت منه. وقلت له : انك من فرسان اليراعة, وأرباب البراعة, وكأنك من تلاميذ الطهطاوي رفاعة. فأرح أفكارنا من الكد, وجد علينا بالنقد. فاطرق ساعة, وقال سمعا وطاعة. فاستلم مني, وانقل عني. . تتفاضل الدرجات, بتفاضل الكفاءات. . واستحقاق الإدارة والسيادة, بحسب المهارة وقوة القيادة. والخبرة والشهادة. . واختبار العقلاء, بمقارنة الجهلاء. . وتناسي الحقوق, ينشئ العقوق. . وتتبع الهفوات, يصحح الخطوات. فاختاروا المعايير الصحيحة منهجا يهديكم, ولا تخطوا أقدامكم في مضلة ترديكم . فالجادة بينة, والمحجة نيرة. والحجة متضحة, والمحجة متفضحة. ووجه الدلالة وضاء, ومكارم الأخلاق نقية بيضاء. وتذكروا إنّ رأس الحكمة مخافة دافع البلاء. وواسع العطاء. .
قال صابر بن حيران : وأفاض الشيخ في تعليمنا, وأسهب في توجيهنا. وكان ملهم ندوتنا, وقطب رفقتنا. وتعجبنا والله من مقاله, فسجلنا رقم نقاله. لكي نتصل به عندما تسمح أحواله. ونستعين بخبرته في الإدارة, وننهل مما لديه من مهارة. ثم مشينا معه إلى موقف السيارة. وودعناه, وانصرف. .
البصرة 8/9/2008
لقد قالها قبل أكثر من ألف عام. فما يقال في حالكم هذه الأيام ؟. وأنتم تتخبطون في هذا الزحام. وتتخلفون عن بقية الأقوام . لقد رفعت الأعلام فوق القمر والمريخ, وأنتم مازلتم تتنازعون على مائدة التمر والبطيخ..
قال صابر بن حيران : ثم إن الشيخ قرطاس قال : ان بعض المدراء, عقولهم خواء, وكلامهم هراء, ووجودهم بلاء, وفيهم بيت الداء. وأنا منهم براء. . فمنهم من ظل يراوح على الخطوط الصفرية, واعتمد على مداركه الفطرية, وسعى لتطبيق خططه التأخيرية. فهو شحيح البركة. بارد السكون والحركة. . ومنهم من اسهم في تغييب اصحاب الكفاءات العلمية, ومحاربة المواهب الفكرية. ومنهم من غط في النوم, حتى صار رمزا لعقاقير الفاليوم. وأصبح صنو الكسل, وسبب الفشل. فهو عدو العمل, ومخيب للأمل. ومنهم من غرق في الرذيلة, وامتهن التلفيق وسوء الكيلة, فالغاية عنده تبرر الوسيلة. ومنهم من ضاع في إتاوة المعاملات, وتعطيل آلاف السجلات. حتى صارت الإتاوة تملأ الأكياس, والتعطيل يشيّب الراس. ومنهم من استبد بالسلطان, وتسيد الديوان. واستباح جميع الأعمال, وفرط بحقوق العمال. ومنهم من انغمس بالتسلية والدعابة, وأدمن المزاح والتلعابة. ومنهم من سدر في غلوائه, وسدل ثوب خيلائه, وجمح في جهالاته, وجنح في خزعبلاته. فهو أخرق متخلف. وأهوج متعجرف. ومنهم من اطلق لحيته, وكوى جبهته. وتظاهر بالورع والتقوى, واضمر الطمع والبلوى. واستعان بالنفس وسلطانها, والشهوة وشيطانها. ومنهم من اتخذ من الولاءات القبلية ظهيرا, ومن المراوغات الحنقبازية بعيرا. فخرج عن حد الإعتدال. وذهب ذات اليمين وذات الشمال. .
قال صابر بن حيران : فلما دل شعاعه على شمسه. ونم كلامه عن قوة قوسه, وأشار بيانه إلى طيب غرسه. علمت بأن مناقشته غُنْمٌ. ومحاورته نُعْمٌ. فدنوت منه. وقلت له : انك من فرسان اليراعة, وأرباب البراعة, وكأنك من تلاميذ الطهطاوي رفاعة. فأرح أفكارنا من الكد, وجد علينا بالنقد. فاطرق ساعة, وقال سمعا وطاعة. فاستلم مني, وانقل عني. . تتفاضل الدرجات, بتفاضل الكفاءات. . واستحقاق الإدارة والسيادة, بحسب المهارة وقوة القيادة. والخبرة والشهادة. . واختبار العقلاء, بمقارنة الجهلاء. . وتناسي الحقوق, ينشئ العقوق. . وتتبع الهفوات, يصحح الخطوات. فاختاروا المعايير الصحيحة منهجا يهديكم, ولا تخطوا أقدامكم في مضلة ترديكم . فالجادة بينة, والمحجة نيرة. والحجة متضحة, والمحجة متفضحة. ووجه الدلالة وضاء, ومكارم الأخلاق نقية بيضاء. وتذكروا إنّ رأس الحكمة مخافة دافع البلاء. وواسع العطاء. .
قال صابر بن حيران : وأفاض الشيخ في تعليمنا, وأسهب في توجيهنا. وكان ملهم ندوتنا, وقطب رفقتنا. وتعجبنا والله من مقاله, فسجلنا رقم نقاله. لكي نتصل به عندما تسمح أحواله. ونستعين بخبرته في الإدارة, وننهل مما لديه من مهارة. ثم مشينا معه إلى موقف السيارة. وودعناه, وانصرف. .
البصرة 8/9/2008