النظام المالي الإسلامي.. والصمود في وجه العاصفة

zaki_ch07

Well-Known Member
الحديث عن النظام المالي الإسلامي ليس جديداً في الغرب، فقد تركّز خلال أكثر من عشرين عاماً مضت على ظاهرة انتشار «المصارف» المالية الإسلامية، وانتقال بعض صيغ معاملاتها إلى مصارف غربية مع انتشار الصحوة الإسلامية في الغرب.. والجديد هو وجود بوادر ـ وإن كانت ضعيفة حتى الآن ـ للحديث عن النظام المالي الإسلامي عموماً، وليس عن الجانب المصرفي منه فقط، بعد أن نشرت الأزمة المصرفية الغربية الشكوك في الأفكار الأساسية للرأسمالية.
كثيراً ما طرحت وسائل الإعلام الغربية وبعض الجامعات ظاهرة المصارف المالية الإسلامية، وإن غلب على ما تنشره إلى وقت قريب التشكيك فيها من حيث الأساس، فلجأ بعض من كتب حولها إلى تأويل التطبيقات التي تمارسها بما يدور محوره حول نقطة واحدة، وهي أن ما توزعه من «أرباح» لا يعدو أن يكون «فوائد ربوية» بتسميات أخرى، أو على حد تعبير البروفيسور «هانس جورج إيبرت»، أستاذ القانون الإسلامي في جامعة «لايبزيخ»: «المطلوب إيجاد أي شكل من الأشكال للالتفاف على حظر الفوائد والتعليمات الأخلاقية في الشريعة».
ومما يساعد على مثل هذا التأويل أن اختلاف الأنظمة القانونية في البلدان الإسلامية التي انتشرت فيها، تجعل المصارف الإسلامية مضطرة إلى اتباع طرق متباينة في صياغة أنظمة عملها؛ للتوفيق بين القواعد التشريعية التي تستند إليها وقوانين كل بلد على حدة.
هذا ما يسري أيضاً على ما انتشر من مصارف إسلامية أو فروع لها في بلدان غير إسلامية، مثل: «بريطانيا»، و«روسيا»، بينما وجدت بعض المصارف الغربية نفسها في حاجة إلى إضافة قطاعات «إسلامية» للمعاملات فيها، حرصاً على استقطاب المسلمين في الغرب من جهة والاستثمارات القادمة من بلدان إسلامية من جهة أخرى، وقد شملت هذه الظاهرة في هذه الأثناء عدداً كبيراً من المصارف الغربية.
ويوجد حالياً أكثر من 300 مصرف إسلامي في زهاء 75 بلداً، في مقدمتها «ماليزيا» وبلدان الخليج، وتُقدِّر المصادر المصرفية الإسلامية أن «ثروة» هذه المصارف يمكن أن تصل إلى 2800 مليار دولار مع حلول عام 2015م، وتتوقع مصادر غربية ـ مثل «مانفريد بيل» من اتحاد مؤسسات التوفير والحسابات الجارية بـ«ألمانيا» ـ أن تزيد الحصيلة أكثر من ذلك نتيجة التطورات الاقتصادية الأخيرة بما في ذلك ارتفاع أسعار النفط الخام.
ولا يزال التردد هو السمة الغالبة على كثير من المصارف الغربية إزاء الأخذ بالطرق والمعاملات المالية السائدة في المصارف الإسلامية، وقد يكون المصرف الغربي الوحيد الذي أخذ بها جميعاً (منذ عام 2004م) هو «بنك بريطانيا الإسلامي» واستطاع زيادة عدد زبائنه في هذه الأثناء إلى أكثر من 40 ألفاً، بزيادة بلغت 40% بين عامي 2006، و2007م، وكان حجم المعاملات التي يديرها (عام 2007م) في حدود 135 مليون جنيه إسترليني؛ بزيادة بلغت 60% مقابل العام السابق، ولا يُستبعد أن يشهد قفزة نوعية كبيرة بعد الأزمة المالية الغربية الحالية.

النموذج الألماني


وهذا التردد في الأخذ بفكرة المصارف الإسلامية يشمل المصارف المالية الألمانية بشكل واضح، رغم أن المعطيات للمعاملات المالية الإسلامية في ألمانيا متوافرة أيضاً، وقد ظهر ذلك في أواخر تسعينيات القرن الماضي من خلال «فضيحة مالية» انطوت على إعلان إفلاس عدة شركات تركية، بعد أن جمعت ودائع مالية من المسلمين ذوي الأصل التركي في «ألمانيا»، ولكن فضيحة الإفلاس لم تكن تواري ما أظهرته المحاولة عموماً، وهو أن هناك قرابة 300 ألف مشارك في الإيداعات من بين المسلمين ـ«بألمانيا»، كانوا على استعداد لاستثمار أكثر من خمسة مليارات يورو من مدخراتهم خلال فترة وجيزة.
والجدير بالذكر أن الحديث في الغرب عن مصارف إسلامية يحصرها غالباً في نطاق الحاجة إلى معاملاتها لتلبية أغراض الزبائن المسلمين «المتدينين»؛ مما ينطوي على نشر الانطباع بأن معاملاتها ليست أفضل من معاملات النظام المصرفي الغربي، ولا هي ضرورية للأخذ بها في إطاره؛ لتحقيق مصالح زبائنه من غير المسلمين عموماً!
قد يزول التردد في المصارف الألمانية يوماً ما، وهو ما يحتاج إلى تعديل القوانين الألمانية نفسها، كما جرى في «بريطانيا»، لفتح الأبواب أمام المعاملات المالية الإسلامية، ومما يعزز الاعتقاد بزوال هذا التردد أن جهات عديدة بدأت ترصد كيف ساهم الالتزام بأحكام الشريعة في نجاة غالبية المصارف المالية الإسلامية من الأضرار المباشرة للأزمة المالية الغربية الحالية، وهذا ما يقرُّ به البروفيسور «إيبرت» حالياً.
والمؤشر الأبعد مغزى أن المصارف الألمانية نفسها، التي اكتفت بعرض محدود لبعض المعاملات المصرفية الإسلامية دون بعضها الآخر، والتي ينكر مسؤولون فيها الحاجة الفعلية إلى المزيد، كانت من وراء مشروع بحوث علمية بدأت بتنفيذه جامعة «لايبزيخ»، بمشاركة المعهد العالي في «خيمنيتس»، عنوانه «المنتجات المالية الإسلامية»، ويشمل استطلاع طاقات الجهات المستهدفة (الزبائن)، ودراسة الأرضية القانونية الحالية، علاوة على البحث في نوعية المعاملات المعنية وما تقرره أحكام الشريعة بصددها.

الحلال والحرام.. «شفرة» أخلاقية!


ويلفت النظر هنا ما يواكب هذه الجهود على الصعيدين الإعلامي والفكري، ويمكن ذكر مثالين على ذلك، أحدهما ما أوردته صحيفة «دي تسايت»، كبرى الصحف الأسبوعية الألمانية، في مطلع مايو 2008م، تحت عنوان «الحلال بدلاً من الحرام» مع استخدام الأصل اللغوي العربي للكلمتين بحروف لاتينية، في مقالة مطولة لم تعالج أوضاع المعاملات المالية الإسلامية عالمياً فقط؛ بل تضمنت أيضاً التعريف بأهم تلك المعاملات ونشر أسمائها بالأصول اللغوية العربية أيضاً، مثل: (المرابحة، والمشاركة، والمضاربة..).
والمثال الثاني كتاب صدر مواكباً للأزمة المالية الغربية في مارس 2008م، وحمل عنوان «رعاة العولمة» (مع استخدام كلمة «رعاة» كما تُستخدم عادةً بمعنى رعاة البغايا في نطاق الجريمة المنظمة تحديداً)، وتقول فيه المؤلفة «لوريتا نابوليوني» (إيطالية الأصل مقيمة في لندن، وسبق أن عملت في مؤسسات مالية عديدة): «عشرة أعوام على الأكثر يمكن أن يصمد النظام الاقتصادي الغربي فيها، وعلامات النهاية واضحة في أزمة العقارات الأمريكية والارتفاع الكبير لأسعار النفط، ولكن القليل يعلمون بوجود نظام مالي بديل سيبقى من بعدنا وهو النظام المالي الإسلامي، فلديه (شفرة) أخلاقية أضعناها منذ زمن بعيد».
والحقيقة أن النظام الاقتصادي الإسلامي هو الوحيد على امتداد العالم، الذي لم يتضرر من أزمة العقارات الأمريكية؛ فإن وقع الانهيار سيبقى وحده قائماً؛ لأن عالم المال الإسلامي لم يشارك فيما صنع الأزمة، ففي الشريعة يحرم الاستثمار في منتجات تقوم على الفائدة الربوية وعلى صناعة المال من المال.

المستقبل للنظام المالي الإسلامي


إذا تجاوزنا النظرة السائدة عموماً في الأوساط الإسلامية، والتي جعلت الفارق الحاسم بين النظامين الماليين: الغربي، والإسلامي هو فارق «الفوائد» الربوية المحرمة إسلامياً، سيُظهر لنا سريعاً أن العلل الرئيسة التي سببت الأزمة المالية الحالية عالمياً تدور حول محاور إباحة الرأسمالية لعدد من القواعد والمعاملات، جميعها محرّم في الإسلام، مثل تحريم الربا.. وكذلك بيع بضاعة عينية لم يستلمها مشتريها بعدُ في مثل ما يُعرف بـ«البيع الآجل»، وهو البيع مع تأجيل موعد التسديد والاستلام.. ثم ما يُسمَّى «التوريق»، وبيع العقود الورقية مراراً، تبعاً لذلك بما يتجاوز قيمة البضاعة العينية المتعلقة بها.. هذا فضلاً عن ممارسات أخرى عديدة كالمراهنات المستقبلية، ناهيك عن رفع مختلف ألوان الرقابة والمحاسبة بصورة فعالة على مالك الثروات، وكيف يستخدمها في الأسواق.
في الغرب أصبحت الأسباب لوقوع الأزمة الكبرى معروفة، وهو ما يجعل الحكومات على استعداد للإقدام على إجراءات تخالف أصول الفكر الرأسمالي جملة وتفصيلاً، وقد بلغت درجة تأميم بعض المصارف كلياً أو جزئياً.
ولكن هل يمكن القول باحتمال ظهور النظام الإسلامي أو اتساع نطاق الأخذ به في الغرب وعالميا، كبديل ـ ولو جزئياً ـ عن الممارسات الرأسمالية التي يظهر فسادها يوماً بعد يوم، وبصور مأساوية وكوارث جماعية في حياة البشرية؟
عوامل عديدة تدفع إلى ترجيح هذا الاحتمال، أو إلى التكهّن بترجيحه على الأقل، ومنها:
< الانفتاح الفكري على مصادر الإسلام: لاسيما في قطاعات الشبيبة الغربية، وهو ما شهد في السنوات الماضية تطوراً ملحوظاً، يمكن أن يزداد ويشمل الجوانب المالية والاقتصادية الإسلامية تحت وطأة الغضب المتصاعد نتيجة آثار الأزمة المالية العالمية في المعيشة اليومية، والأسلوب السياسي الحكومي في معالجتها لصالح أصحاب الثروات أكثر من العامة من الشعوب.
ويكمن أهم عناصر هذا الانفتاح التدريجي في أن التعامل مع الإسلام بدأ يميل إلى استيعاب شموليته لشؤون الدنيا والآخرة معاً، وهذا بدلاً مما ساد في الغرب عبر قرون عديدة للتعامل مع الإسلام وفق مفهوم كلمة «الدين» في الوعي المعرفي الغربي، أي المفهوم الذي يقصر المقصود بالكلمة على العلاقة بين العبد وربه إيماناً وعبادات، وفي بعض الجوانب الأخلاقية.
< الأزمة المالية العالمية لم تعد مجرد «أزمة مصرفية»: كما جرى تصويرها خلال الشهور الأولى التي مضت على اندلاعها نتيجة انهيار قطاع الرهون العقارية الأمريكية، بل أصبحت الآن مطروحة وعلى نطاق واسع يشمل السياسة والإعلام والمراكز الفكرية.
إنها أزمة المنهج الرأسمالي نفسه.. ولم يعد السؤال الرئيس المطروح يركز على الخروج من هذه الأزمة بحلول وقتية تعيد مجرى المعاملات المالية المصرفية إلى سابق عهدها، بل يبحث ما سيبقى من النظام الرأسمالي نفسه بعد ذلك، وما إذا كانت الأزمة ستصل ـ بعد تهدئتها في القطاع المصرفي ـ إلى القطاعات الاقتصادية في ميادين الإنتاج والخدمات والتبادل التجاري والاستثمارات.
< ردود فعل مبدئية وضعيفة حتى الآن داخل الساحة الإسلامية للربط بين الأزمة العالمية الحالية، والعلاج الذي يمكن أن يقدمه النظام المالي الإسلامي على مستوى البشرية، وهو ما يؤخذ من تصريحات صدرت على لسان بعض أصحاب الرؤى الإسلامية في القطاع المالي والاقتصادي، مثل حائز جائزة نوبل للسلام من «بنجلاديش» «محمد يونس»، أو «د. محمد عبد الحليم عمر»، (مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي) في مصر.
وفي النقطتين الأولى والثانية ما يشير إلى توافر الأجواء المناسبة، كما لم يكن من قبل، من أجل التعرّف على جوانب أساسية من النظام المالي الإسلامي، وقابلية تطبيقها عالمياً، على أساس الاقتناع الموضوعي المنهجي بها، ولكن لن يتحقق ذلك على أرض الواقع دون أن تتطور ردود الأفعال المشار إلى بعض نماذجها في النقطة الثالثة، وأن يتطور ما سبقها من دعوات مشابهة للتعريف بالجوانب المالية والاقتصادية في الإسلام، والمقصود بذلك.
ولكن لا ينبغي الاكتفاء بأساليب العرض والطرح والنقاش التقليدية الصالحة لإقناع المسلمين «فقط»، اعتماداً على التصديق المسبق بالإسلام نفسه وبمصادره، فهذه الأساليب مطلوبة، وينبغي الاستمرار في الأخذ بها، ولكن مع إدراك أن مفعولها على أرض الواقع يقتصر على ضرورة الأخذ بالنظام الإسلامي في البلدان الإسلامية تحديداً.. إنما يجب أن تضاف إلى ذلك أساليب أخرى، وهذا ما تتوافر الفرصة له الآن أكثر من أي وقت مضى، وأن يكون محورها قائماً على مشاريع متكاملة وبحوث ودراسات منهجية، تكون موجهة مضموناً وأسلوباً إلى غير المسلمين أيضاً، من منطلق أن الإسلام نفسه يصلح للبشرية جمعاء، ولإصلاح أحوالها وحل أزماتها.
ولا نغفل هنا، أن من يأخذ بأنظمة الإسلام التطبيقية يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا، وهو ما لا ينفي بطبيعة الحال أن من يأخذ بها وينطلق في الوقت نفسه من منطلق الإيمان، ومن الشمولية والتكامل بين مختلف جوانب الإسلام، فإنه يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا.. وفي الآخرة أيضاً.
(مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً{18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً{19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً{20})
(الإسراء).

المقال للدكتور :نبيل شبيب
المصدر :مجلة المجتمع


 


ولا نغفل هنا، أن من يأخذ بأنظمة الإسلام التطبيقية يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا، وهو ما لا ينفي بطبيعة الحال أن من يأخذ بها وينطلق في الوقت نفسه من منطلق الإيمان، ومن الشمولية والتكامل بين مختلف جوانب الإسلام، فإنه يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا.. وفي الآخرة أيضاً
بارك الله فيك أخى الكريم على هذا النقل المفيد
 


ولا نغفل هنا، أن من يأخذ بأنظمة الإسلام التطبيقية يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا، وهو ما لا ينفي بطبيعة الحال أن من يأخذ بها وينطلق في الوقت نفسه من منطلق الإيمان، ومن الشمولية والتكامل بين مختلف جوانب الإسلام، فإنه يجد ثمرة ذلك في الحياة الدنيا.. وفي الآخرة أيضاً
بارك الله فيك أخى الكريم على هذا النقل المفيد
و فيك بركة اخي العزيز
جزاك الله خيرا
 
عودة
أعلى