مقامات آخر الزمان
المقامة البرلمانية
كاظم فنجان الحمامي
حدثنا صابر بن حيران. قال : عنيت مذ اقتنيت منظومة القمر الصناعي. وتابعت البث التلفزيوني الفضائي. بأن أصغي إلى حوار أعضاء البرلمان. وملاسناتهم الغريبة في هذا الزمان. وكنت لفرط اهتمامي بالسياسة. واللهفة لمعرفة أخبار الساسة. والطامعين بالرياسة. اتنقل في الرموت من محطة إلى محطة. ومن لقطة إلى لقطة. من عمان إلى عمّان. ومن طرابلس الليبية. إلى طرابلس اللبنانية. وأحيانا أقرأ الأنباء المرئية. واستمع إلى الحكايات المروية. حتى تمنيت لمضض ما شاهدت وعانيت. وشِبْتُ مما لقيت. لَيتَني لم أكن بقيت. فقد نقلت قناة دريم. مبادرة مجلس الشعب العظيم. ومناقشات أصحاب المنابر. لموضوع الحفل الفاخر. للراقصة دينا في الملتقى الفاجر. التي انفتحت لها الجيوب والمناخر. وطالبوا بوضع لافتة للكبار فقط. في خطوة رائدة لمعالجة الغلط. وما دار حوله من لغط. وأهملوا مناقشة قانون الارهاب. والناس يقتلون كما الذباب. ويدخل عليهم الموت من الأبواب. ثم نقل لنا تلفاز الفضاء. حوار ذلك البرلمان المحتج بالقضاء. بحرمان بنت وهبي هيفاء. من الرقص والغناء. ومن الظهور بقامتها الفرعاء. وقبل ان ينهي البرلمان صياغة البيان. كان بالمجلس رجل جالس في الحاشية. وكأنه خارج التغطية. فكان كلما شط الأعضاء في شوطهم. ونشروا النجوة من نوطهم. ينشغل بتخازر طرفه. وتشامخ أنفه. فلما سكنت الزماجر. وسكت المزجور والزاجر. وثب إلى المقال. وأمسك بيده اليمنى العقال. كأنه يروم القتال. وقال : لقد جئتم شيئا إدا. وجرتم عن القصد حدا. أنسيتم يا جهابذة النقد. وأصحاب الحل والعقد. ما حل بالعراق ولبنان وغزة. وكأنكم من غير كرامة أو عزة. وانشغلتم بمناقشة الطرب والغناء. ونسيتم تكالب الأعداء. ومشاكل الماء والغذاء والدواء والكهرباء. ثم قال : الدنيا غدور. والدهر عثور. فالمحوا الدهر ولؤم كرّه. وسوء محاله ومكره. فقد صار التقهقر حصادكم. والتخلف مهادكم. وعدوكم ينام في دياركم. وتلك أرضكم منهوبة مغصوبة. وهذه شعوبكم مأكولة مشروبة. فالضرائب ضربت الأموال بالتمحيق. والبضائع بالتمزيق. والحر بالعراء منبوذ. والوغد مكرم مصفود. ورياح الفتنة والإرهاب هبت فلا تركد. وأشخاص الظلم والإثم مثلت فلا تقعد. حتى تفشى القتل الذريع. والضر الوجيع. والتهجير والجلاء. وأنتم تناقشون موضوع هيفاء. إلا لعنة الله عليكم وعلى روبي ودينا وهيفاء. وعلى كل المنحرفين من الرجال والنساء. فابصروا رشدكم. واعرفوا قصدكم. فلا تعرّضوا انفسكم للمفاضح. ولا تعرضوا عن نصيحة الناصح. ثم أغلظ الكلام. وسخّنه بنار الملام. فحار الحاضرون لبداهته. واعترفوا بصدقه ونزاهته. وغادر مفارقا موضعه. ومستصحبا القلوب معه. .
قال صابر بن حيران : وقال لي الشيخ انتخاب بن صندوق البرلماني : إنّ الحوار المثمر يتطلب اللطف. والرفق من غير ضعف. والخشونة من غير عنف. فالنقاش الجاد. لا يتوافق مع الطبع الحاد. والبرلماني ينبغي أن يهتم بالمصالح الوطنية فيحرسها. ويتصدى لآثار السوء فيطمسها. ويحقن الدماء. ويسوس الدهماء. وأن يتحلى برواء ورواية. ومدراة ودراية. وبلاغة رائعة. وبديهة مطاوعة. وآداب بارعة. فمجلس الأمة مجمع الفضائل ومعدنها. ومرتع المحامد وموطنها. .
لكني شاهدت بعض البرلمانات العربية. والمجالس الشعبية. المشرقية والمغربية. وقد تحولت إلى حلبات للضرب واللكم. والسب والشتم. والقذف والذم. والعراك والشجار. والتهريج والاستهتار. والتهديم والدمار. والألفاظ المجللة بالقار. والمجلجلة بالعار. فهذا يتهم زميله بالمخادع المكّار. وذلك يتهمه بالإنتماء إلى عقيدة الكفّار. وهذا خائن غدّار. وذلك منتهك حرمة الدار. وصنيعة الاستعمار. فانحدروا في هذا المسار. وسلكوا طريق البوار. ولم يعلموا إنّ المشاجرة لو كانت شجرا. لم تثمر إلا ضجرا. وهكذا كثرت في البرلمانات الفتوق. واتسعت الخروق. فالجدال في برلماناتنا أوله مجاراة. وأوسطه مباراة. وآخره مماراة. وربما تتحول المجادلة إلى مجالدة. ومن البرلمانيين من يتشاجرون. ويتعاركون. ثم يتصافحون. ويتعانقون. فهم يحبون بعضهم بعضا بعنف مهماش. وتهور جياش. وهذا هو واقعنا المعاش. فالطيور واقعة على مثلها. والنفوس مائلة إلى شكلها. والإناء ينضح ما فيه. ونحن بين غمائم لا تمطر إلا صواعق. وسمائم لا تهب إلا بحرائق. ما نأكل إلا على نغص. ولا نشرب إلا على غصص. فالصراعات في البرلمانات تدور. والمراجل بين اروقتها تفور. وكان الله في عون الشعب العربي المقهور. والمواطن المغدور. . اللهم يا مكوّر الدهور. ومورد الأمور. ويا من عم سماحه وكمل. وهطل ركامه وهمل. ويا من خلق الإنسان. وعلمه البيان. ورفع السماء ووضع الميزان. اصلح حال البرلمان. وأهدي أصحاب الحكم والصولجان. في هذا الزمان وكل زمان. فكل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال واالإكرام. .
وأرجو أن لا يأتيني منكم ذم. أو يلحقني وصم. فإنّ بعض الظن إثم. .
البصرة 29/9/2008
حدثنا صابر بن حيران. قال : عنيت مذ اقتنيت منظومة القمر الصناعي. وتابعت البث التلفزيوني الفضائي. بأن أصغي إلى حوار أعضاء البرلمان. وملاسناتهم الغريبة في هذا الزمان. وكنت لفرط اهتمامي بالسياسة. واللهفة لمعرفة أخبار الساسة. والطامعين بالرياسة. اتنقل في الرموت من محطة إلى محطة. ومن لقطة إلى لقطة. من عمان إلى عمّان. ومن طرابلس الليبية. إلى طرابلس اللبنانية. وأحيانا أقرأ الأنباء المرئية. واستمع إلى الحكايات المروية. حتى تمنيت لمضض ما شاهدت وعانيت. وشِبْتُ مما لقيت. لَيتَني لم أكن بقيت. فقد نقلت قناة دريم. مبادرة مجلس الشعب العظيم. ومناقشات أصحاب المنابر. لموضوع الحفل الفاخر. للراقصة دينا في الملتقى الفاجر. التي انفتحت لها الجيوب والمناخر. وطالبوا بوضع لافتة للكبار فقط. في خطوة رائدة لمعالجة الغلط. وما دار حوله من لغط. وأهملوا مناقشة قانون الارهاب. والناس يقتلون كما الذباب. ويدخل عليهم الموت من الأبواب. ثم نقل لنا تلفاز الفضاء. حوار ذلك البرلمان المحتج بالقضاء. بحرمان بنت وهبي هيفاء. من الرقص والغناء. ومن الظهور بقامتها الفرعاء. وقبل ان ينهي البرلمان صياغة البيان. كان بالمجلس رجل جالس في الحاشية. وكأنه خارج التغطية. فكان كلما شط الأعضاء في شوطهم. ونشروا النجوة من نوطهم. ينشغل بتخازر طرفه. وتشامخ أنفه. فلما سكنت الزماجر. وسكت المزجور والزاجر. وثب إلى المقال. وأمسك بيده اليمنى العقال. كأنه يروم القتال. وقال : لقد جئتم شيئا إدا. وجرتم عن القصد حدا. أنسيتم يا جهابذة النقد. وأصحاب الحل والعقد. ما حل بالعراق ولبنان وغزة. وكأنكم من غير كرامة أو عزة. وانشغلتم بمناقشة الطرب والغناء. ونسيتم تكالب الأعداء. ومشاكل الماء والغذاء والدواء والكهرباء. ثم قال : الدنيا غدور. والدهر عثور. فالمحوا الدهر ولؤم كرّه. وسوء محاله ومكره. فقد صار التقهقر حصادكم. والتخلف مهادكم. وعدوكم ينام في دياركم. وتلك أرضكم منهوبة مغصوبة. وهذه شعوبكم مأكولة مشروبة. فالضرائب ضربت الأموال بالتمحيق. والبضائع بالتمزيق. والحر بالعراء منبوذ. والوغد مكرم مصفود. ورياح الفتنة والإرهاب هبت فلا تركد. وأشخاص الظلم والإثم مثلت فلا تقعد. حتى تفشى القتل الذريع. والضر الوجيع. والتهجير والجلاء. وأنتم تناقشون موضوع هيفاء. إلا لعنة الله عليكم وعلى روبي ودينا وهيفاء. وعلى كل المنحرفين من الرجال والنساء. فابصروا رشدكم. واعرفوا قصدكم. فلا تعرّضوا انفسكم للمفاضح. ولا تعرضوا عن نصيحة الناصح. ثم أغلظ الكلام. وسخّنه بنار الملام. فحار الحاضرون لبداهته. واعترفوا بصدقه ونزاهته. وغادر مفارقا موضعه. ومستصحبا القلوب معه. .
قال صابر بن حيران : وقال لي الشيخ انتخاب بن صندوق البرلماني : إنّ الحوار المثمر يتطلب اللطف. والرفق من غير ضعف. والخشونة من غير عنف. فالنقاش الجاد. لا يتوافق مع الطبع الحاد. والبرلماني ينبغي أن يهتم بالمصالح الوطنية فيحرسها. ويتصدى لآثار السوء فيطمسها. ويحقن الدماء. ويسوس الدهماء. وأن يتحلى برواء ورواية. ومدراة ودراية. وبلاغة رائعة. وبديهة مطاوعة. وآداب بارعة. فمجلس الأمة مجمع الفضائل ومعدنها. ومرتع المحامد وموطنها. .
لكني شاهدت بعض البرلمانات العربية. والمجالس الشعبية. المشرقية والمغربية. وقد تحولت إلى حلبات للضرب واللكم. والسب والشتم. والقذف والذم. والعراك والشجار. والتهريج والاستهتار. والتهديم والدمار. والألفاظ المجللة بالقار. والمجلجلة بالعار. فهذا يتهم زميله بالمخادع المكّار. وذلك يتهمه بالإنتماء إلى عقيدة الكفّار. وهذا خائن غدّار. وذلك منتهك حرمة الدار. وصنيعة الاستعمار. فانحدروا في هذا المسار. وسلكوا طريق البوار. ولم يعلموا إنّ المشاجرة لو كانت شجرا. لم تثمر إلا ضجرا. وهكذا كثرت في البرلمانات الفتوق. واتسعت الخروق. فالجدال في برلماناتنا أوله مجاراة. وأوسطه مباراة. وآخره مماراة. وربما تتحول المجادلة إلى مجالدة. ومن البرلمانيين من يتشاجرون. ويتعاركون. ثم يتصافحون. ويتعانقون. فهم يحبون بعضهم بعضا بعنف مهماش. وتهور جياش. وهذا هو واقعنا المعاش. فالطيور واقعة على مثلها. والنفوس مائلة إلى شكلها. والإناء ينضح ما فيه. ونحن بين غمائم لا تمطر إلا صواعق. وسمائم لا تهب إلا بحرائق. ما نأكل إلا على نغص. ولا نشرب إلا على غصص. فالصراعات في البرلمانات تدور. والمراجل بين اروقتها تفور. وكان الله في عون الشعب العربي المقهور. والمواطن المغدور. . اللهم يا مكوّر الدهور. ومورد الأمور. ويا من عم سماحه وكمل. وهطل ركامه وهمل. ويا من خلق الإنسان. وعلمه البيان. ورفع السماء ووضع الميزان. اصلح حال البرلمان. وأهدي أصحاب الحكم والصولجان. في هذا الزمان وكل زمان. فكل من عليها فان. ويبقى وجه ربك ذو الجلال واالإكرام. .
وأرجو أن لا يأتيني منكم ذم. أو يلحقني وصم. فإنّ بعض الظن إثم. .
البصرة 29/9/2008